الفصل الثالث: شرائط الوضوء

البريد الإلكتروني طباعة

كتاب منهاج الصالحين ج 1 ص 47 ـ ص 71


الفصل الثالث شرائط الوضوء

و هي أمور :
منها : طهارة الماء ، و إطلاقه. و كذا عدم استعماله في رفع الحدث الأكبر على الأحوط استحباباً، على ما تقدم . و في اعتبار نظافته ـ بمعنى عدم تغيره بالقذارات العرفية كالميتة الطاهرة و أبوال الدواب و القيح ـ قول و هو أحوط .
و منها : طهارة أعضاء الوضوء .
و منها : إباحة الماء ، و الأظهر عدم اعتبار إباحة الفضاء الذي يقع فيه الوضوء ، و لا إباحة الإناء الذي يتوضأ منه مع عدم الانحصار به ، بل مع الانحصار أيضا ، و إن كانت الوظيفة مع الانحصار التيمم لكنه لو خالف و توضأ بماء مباح من إناء مغصوب أثم و صح وضوؤه ، من دون فرق بين الاغتراف منه ـ دفعة ، أو تدريجاً ـ و الصب منه و الارتماس فيه على الأظهر . كما أن الأظهر أن حكم المصب ـ إذا كان وضع الماء على العضو مقدمة للوصول إليه ـ حكم الإناء مع الانحصار و عدمه .
مسألة 129 : يكفي طهارة كل عضو حين غسله ، و لا يلزم أن تكون جميع الأعضاء ـ قبل الشروع ـ طاهرة ، فلو كانت نجسة و غسل كل عضو بعد تطهيره ، أو طهره بغسل الوضوء ـ فيما يكون الماء عاصماً ـ كفى ، و لا يضر تنجس عضو بعد غسله ، و إن لم يتم الوضوء .
مسألة 130 : إذا توضأ من إناء الذهب ، أو الفضة ، بالاغتراف منه ـ دفعة ، أو تدريجاً، أو بالصب منه ، أو الارتماس فيه ـ فالأظهر صحة وضوئه ،

( 48 )

من دون فرق بين صورة الانحصار و عدمه .
و منها : عدم المانع من استعمال الماء لمرض يتضرر معه باستعماله. و أما في موارد سائر مسوغات التيمم فالأظهر صحة الوضوء ، حتى فيما إذا خاف العطش على نفسه أو على نفس محترمة .
مسألة 131 : إذا توضأ في حال ضيق الوقت عن الوضوء ، فإن تمشى منه قصد القربة ـ كأن قصد الكون على الطهارة ـ صح وضوؤه و إن كان عالماً بضيق الوقت .
مسألة 132 : لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف ، أو النجس ، أو مع الحائل ، بين صورة العلم ، و العمد ، و الجهل ، و النسيان . و كذلك الحال إذا كان استعمال الماء مضراً ، فإنه يحكم ببطلان الوضوء به حتى مع الجهل . و أما إذا كان الماء مغصوباً فيختص البطلان بصورة العلم و العمد فلو توضأ به نسيانا أو جهلاً فانكشف له الحال بعد الفراغ صح وضوؤه إذا لم يكن هو الغاصب ، و أما الغاصب فلا يصح منه الوضوء بالماء المغصوب و لو كان ناسياً على الأحوط .
مسألة 133 : إذا توضأ غير الغاصب بالماء المغصوب و التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء ، صح ما مضى من أجزائه ، و يجب تحصيل الماء المباح للباقي . و لكن إذا التفت إلى الغصبية بعد الغسلات و قبل المسح ، فجواز المسح بما بقي من الرطوبة لا يخلو من قوة ، و إن كان الأحوط ـ استحباباً ـ إعادة الوضوء .
مسألة 134 : مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرف و يجري عليه حكم الغصب ، فلا بد من العلم بإذن المالك ، و لو بالفحوى أو شاهد الحال . نعم مع سبق رضاه بتصرف معين ـ و لو لعموم استغراقي بالرضا بجميع التصرفات ـ يجوز البناء على استمراره عند الشك إلى أن يثبت

( 49 )

خلافه .
مسألة 135 : يجوز الوضوء و الشرب من الأنهار الكبار المملوكة لأشخاص خاصة ، سواء أ كانت قنوات ، أو منشقة من شط ، و إن لم يعلم رضا المالكين ، بل و إن علم كراهتهم أو كان فيهم الصغار أو المجانين ، و كذلك الحال في الأراضي المتسعة اتساعاً عظيماً فإنه يجوز الوضوء و الجلوس و الصلاة و النوم و نحوها فيها ، و لا يناط ذلك برضا مالكيها . نعم في غيرها من الأراضي غير المحجبة كالبساتين التي لا سور لها و لا حجاب الأحوط لزوماً الاجتناب عن التصرف فيها بمثل ما ذكر إذا ظن كراهة المالك أو كان قاصراً .
مسألة 136 : الحياض الواقعة في المساجد و المدارس إذا لم يعلم كيفية وقفها من اختصاصها بمن يصلي فيها ، أو الطلاب الساكنين فيها أو عدم اختصاصها لا يجوز لغيرهم الوضوء منها ، إلا مع جريان العادة بوضوء صنف خاص أو كل من يريد ، مع عدم منع أحد ، فإنه يجوز الوضوء للغير حينئذ إذا كشفت العادة عن عموم الإذن .
مسألة 137 : إذا علم أو احتمل أن حوض المسجد وقف على المصلين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر . و لو توضأ بقصد الصلاة فيه ثم بدا له أن يصلي في مكان آخر ، فالأظهر صحة وضوئه ، و كذلك إذا توضأ بقصد الصلاة في ذلك المسجد ، و لكنه لم يتمكن و كان يحتمل أنه لا يتمكن ، و كذا إذا كان قاطعاً بالتمكن ، ثم انكشف عدمه ، و كذلك يصح لو توضأ غفلة ، أو باعتقاد عدم الاشتراط ، و لا يجب عليه أن يصلي فيه ، و إن كان هو الأحوط استحبابا .
مسألة 138 : إذا دخل المكان الغصبي غفلة و في حال الخروج توضأ بحيث لا ينافي فوريته ، صح وضوؤه . و كذا إذا دخل عصيانا و خرج و توضأ في حال الخروج ، فإنه يصح وضوؤه أيضا على الأظهر .

( 50 )

و منها : النية ، و هي أن يقصد الفعل متعبداً به بإضافته إلى الله تعالى إضافة تذللية ، و يكفي في ذلك أن يكون الباعث إلى القصد المذكور أمر الله تعالى ، من دون فرق بين أن يكون ذلك بداعي الحب له سبحانه ، أو رجاء الثواب ، أو الخوف من العقاب . و يعتبر فيها الإخلاص فلو ضم إليها الرياء بطل ، و لو ضم إليها غيره من الضمائم الراجحة ، كالتنظيف من الوسخ ، أو المباحة كالتبريد ، فإن كانت الضميمة تابعة ، أو قصد بها القربة أيضاً لم تقدح ، و في غير ذلك تقدح . و الأظهر عدم قدح العجب المقارن ، إلا إذا كان منافيا لقصد القربة ، كما إذا وصل إلى حد الإدلال بأن يمن على الرب تعالى بالعمل .
مسألة 139 : لا تعتبر نية الوجوب ، و لا الندب ، و لا غيرهما من الصفات و الغايات الخاصة. و لو نوى الوجوب في موضع الندب ، أو العكس ـ جهلاً أو نسيانا ـ صح . و كذا الحال إذا نوى التجديد و هو محدث أو نوى الرفع و هو متطهر .
مسألة 140 : لا بد من استمرار النية بمعنى صدور تمام الأجزاء عن النية المذكورة و لو بالعود إلى النية الأولى بعد التردد قبل فوات الموالاة مع إعادة ما أتى به بلا نية .
مسألة 141 : لو اجتمعت أسباب متعددة للوضوء كفى وضوء واحد ، و لو اجتمعت عليه أغسال متعددة أجزأ غسل واحد بقصد الجميع و كذا لو قصد الجنابة فقط و لو قصد غير الجنابة فلا إشكال في إجزائه عما قصده و في إجزائه عن غيره كلام و الأظهر هو الإجزاء ، نعم في إجزاء أي غسل عن غسل الجمعة من دون قصده و لو إجمالاً إشكال ، و لو قصد الغسل قربة من دون نية الجميع تفصيلاً و لا واحد بعينه فالظاهر الصحة ، إذ يرجع ذلك إلى نية الجميع إجمالاً ، ثم أن ما ذكر من إجزاء غسل واحد عن أغسال متعددة يجري في جميع الأغسال الواجبة و المستحبة ـ مكانية أو زمانية أو لغاية أخرى ـ و لكن جريانه في الأغسال المأمور بها بسبب ارتكاب بعض الأفعال كمس الميت بعد غسله مع تعدد

( 51 )

السبب نوعاً لا يخلو عن إشكال .
ومنها : مباشرة المتوضئ للغسل و المسح ، فلو وضأه غيره أو شاركه فيه بطل . نعم إذا لم يتمكن من المباشرة إلا مع الاستعانة بغيره بأن يشاركه في الغسل أو المسح جاز ذلك و هو الذي يتولى النية حينئذ ، و أن لم يتمكن من المباشرة و لو على هذا النحو طلب من غيره أن يوضأه ، و الأحوط حينئذ أن يتولى النية كل منهما .
ومنها : الموالاة ، و هي التتابع العرفي في الغسل و المسح ، و يكفي في الحالات الطارئة ـ كنفاد الماء و طرو الحاجة و النسيان ـ أن يكون الشروع في غسل العضو اللاحق أو مسحه قبل أن تجف الأعضاء السابقة عليه فإذا أخره حتى جفت جميع الأعضاء السابقة بطل الوضوء ، و لا بأس بالجفاف من جهة الحر و الريح أو التجفيف إذا كان الموالاة العرفية متحققة .
مسألة 142 : الأحوط ـ وجوباً ـ عدم الاعتداد ببقاء الرطوبة في مسترسل اللحية الخارج عن المعتاد .
و منها : الترتيب بين الأعضاء بتقديم الوجه ثم اليد اليمنى ثم اليسرى ثم مسح الرأس ثم الرجلين . و الأحوط تقديم الرجل اليمنى على اليسرى و إن كان الأظهر جواز مسحهما معا ولا يجب الترتيب بين اجزاء كل عضو، نعم يجب مراعاة ان يكون الغسل من الاعلى فالأعلى على ما تقدم. .
و لو عكس الترتيب بين الأعضاء سهواً أعاد على ما يحصل به الترتيب مع عدم فوات الموالاة ، و إلا استأنف ، و كذا لو عكس عمداً، إلا أن يكون قد أتى بالجميع عن غير الأمر الشرعي فيستأنف .

( 52 )


 الفصل الرابع
أحكام الخلل

مسألة 143 : من تيقن الحدث و شك في الطهارة تطهر ، و كذا لو ظن الطهارة ظناً غير معتبر شرعاً . و لو تيقن الطهارة و شك في الحدث بنى على الطهارة ، و إن ظن الحدث ظناً غير معتبر شرعاً . و تستثنى من ذلك صورة واحد ستأتي في المسألة ( 157 ) .
مسألة 144 : إذا تيقن الحدث و الطهارة و شك في المتقدم و المتأخر تطهر ، سواء علم تاريخ الطهارة ، أو علم تاريخ الحدث ، أو جهل تاريخهما جميعا .
مسألة 145 : إذا شك في الطهارة بعد الصلاة أو غيرها مما يعتبر فيه الطهارة بنى على صحة العمل و تطهر لما يأتي ، حتى فيما إذا تقدم منشأ الشك على العمل ، بحيث لو التفت إليه قبل العمل لشك ، كما إذا أحدث ثم غفل ثم صلى ثم شك بعد الصلاة في التوضي حال الغفلة .
مسألة 146 : إذا شك في الطهارة في أثناء الصلاة ـ مثلاً ـ قطعها و تطهر ، و استأنف الصلاة .
مسألة 147 : لو تيقن الإخلال بغسل عضو أو مسحه أتى به و بما بعده ، مراعيا للترتيب و الموالاة و غيرهما من الشرائط ، و كذا لو شك في الإتيان بفعل من أفعال الوضوء قبل الفراغ منه ، و أما لو شك في ذلك بعد الفراغ أو شك في تحقق شرط بعض الأفعال بعد الفراغ من ذلك الفعل لم يلتفت ، و إذا شك في الإتيان بالجزء الأخير فإن كان ذلك مع تحقق الفراغ العرفي ـ كما لو شك بعد الدخول في عمل آخر كالصلاة أو بعد فوات

( 53 )

الموالاة ـ لم يلتفت ، و إلا أتى به .
مسألة 148 : ما ذكرناه آنفا من لزوم الاعتناء بالشك فيما إذا كان الشك أثناء الوضوء ، لا يفرق فيه بين أن يكون الشك بعد الدخول في الجزء المترتب أو قبله ، و لكنه يختص بغير كثير الشك ، و أما هو فلا يعتني بشكه مطلقا .
مسألة 149 : إذا كان مأموراً بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث إذا نسي شكه و صلى ، فلا إشكال في بطلان صلاته بحسب الظاهر ، فتجب عليه الإعادة إن تذكر في الوقت ، و القضاء إن تذكر بعده .
مسألة 150 : إذا كان متوضئاً و توضأ للتجديد و صلى ، ثم تيقن بطلان أحد الوضوئين و لم يعلم أيهما ، فلا إشكال في صحة صلاته ، و لا تجب عليه إعادة الوضوء للصلوات الآتية أيضاً. .
مسألة 151 : إذا توضأ وضوءين و صلى بعدهما ، ثم علم بحدوث حدث بعد أحدهما ، يجب الوضوء للصلاة الآتية ، و أما الصلاة فيبني على صحتها ، و إذا كان في محل الفرض قد صلى بعد كل وضوء صلاة ، أعاد الوضوء كما يعيد الصلاتين إن مضى أو بقى وقتهما معا ، أما إذا بقي وقت إحداهما فقط فالأظهر أنه لا يجب حينئذ إلا إعادتها كما إذا صلى صلاتين أدائيتين و مضى وقت إحداهما دون الأخرى ، أو صلى صلاة قضائية و أخرى أدائية و مضى وقت الثانية ، هذا مع اختلافهما في العدد ، و إلا فيكتفي بإتيان صلاة واحدة بقصد ما في الذمة مطلقا .
مسألة 152 : إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء أنه ترك جزءاً منه و لا يدري أنه الجزء الواجب أو المستحب ، فالظاهر الحكم بصحة وضوئه .
مسألة 153 : إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنه مسح على الحائل ، أو مسح في موضع الغسل ، أو غسل في موضع المسح ، و لكن شك في أنه

( 54 )

هل كان هناك مسوغ لذلك من جبيرة ، أو تقية أو لا بل كان على غير الوجه الشرعي فالأظهر عدم وجوب الإعادة .
مسألة 154 : إذا تيقن أنه دخل في الوضوء و أتى ببعض أفعاله و لكن شك في أنه أتمه على الوجه الصحيح أو لا ، بل عدل عنه اختياراً أو اضطراراً، فالأظهر صحة وضوئه مع إحراز إيجاد مسمى الوضوء الجامع بين الصحيح و الفاسد ، و كون الشك بعد تحقق الفراغ العرفي بالدخول في عمل آخر كالصلاة أو بعد فوات الموالاة .
مسألة 155 : إذا شك بعد الوضوء في وجود الحاجب ، أو شك في حاجبيته كالخاتم ، أو علم بوجوده و لكن شك بعده في أنه أزاله ، أو أنه وصل الماء تحته ، بنى على الصحة . و كذا إذا علم بوجود الحاجب ، و شك في أن الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده بنى على الصحة .
مسألة 156 : إذا كانت أعضاء وضوئه أو بعضها نجسا فتوضأ و شك ـ بعده ـ في أنه طهرها ثم توضأ أم لا ، بنى على بقاء النجاسة إذا لم يكن الغسل الوضوئي كافيا في تطهيره ، فيجب غسله لما يأتي من الأعمال ، و أما الوضوء فمحكوم بالصحة ، و كذلك لو كان الماء الذي توضأ منه نجسا ثم شك ـ بعد الوضوء ـ في أنه طهره قبله أم لا ، فإنه يحكم بصحة وضوئه ، و بقاء الماء نجسا ، فيجب عليه تطهير ما لاقاه من ثوبه و بدنه .

 الفصل الخامس
نواقض الوضوء


يحصل الحدث بأمور :
الأول و الثاني : خروج البول و الغائط ، سواء أ كان خروجهما من الموضع الأصلي ـ للنوع أو لفرد شاذ الخلقة من هذه الجهة ـ أم من غيره مع

( 55 )

انسداد الموضع الأصلي ، و أما مع عدم انسداده فلا يكون ناقضاً إلا إذا كان معتاداً له أو كان الخروج بدفع طبيعي لا بالآلة ، و إن كان الأحوط الانتقاض به مطلقا . و البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء بحكم البول ظاهراً .
الثالث : خروج الريح من مخرج الغائط ـ المتقدم بيانه ـ إذا صدق عليها أحد الإسمين المعروفين ، و لا عبرة بما يخرج من القبل و لو مع الاعتياد .
الرابع : النوم الغالب على العقل ، و يعرف بغلبته على السمع من غير فرق بين أن يكون قائماً ، و قاعداً ، و مضطجعاً . و مثله كل ما غلب على العقل من جنون ، أو إغماء ، أو سكر ، أو غير ذلك ، دون البهت و نحوه .
الخامس : الاستحاضة على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى .
مسألة 157 : إذا شك في طرو أحد النواقض بنى على العدم ، و كذا إذا شك في أن الخارج بول ، أو مذي ، فإنه يبني على عدم كونه بولاً ، إلا أن يكون قبل الاستبراء ، فيحكم بأنه بول ، فإن كان متوضئاً انتقض وضوؤه .
مسألة 158 : إذا خرج ماء الاحتقان و لم يكن معه شيء من الغائط لم ينتقض الوضوء ، و كذا لو شك في خروج شيء من الغائط معه .
مسألة 159 : لا ينتقض الوضوء بخروج المذي ، أو الودي ، أو الوذي ، و الأول ما يخرج بعد الملاعبة ، و الثاني ما يخرج بعد خروج البول ، و الثالث ما يخرج بعد خروج المني .

( 56 )


 الفصل السادس
حكم دائم الحدث

من استمر به الحدث في الجملة ـ كالمبطون ، و المسلوس ، و نحوهما ـ له أحوال ثلاث :
الأولى : أن يجد فترة من الوقت يمكنه أن يأتي فيها بالصلاة متطهراً ـ و لو مع الاقتصار على واجباتها ـ ففي هذه الصورة يجب ذلك و يلزمه التأخير سواء أ كانت الفترة في أثناء الوقت أم في آخره ، نعم إذا كانت الفترة في أول الوقت أو في أثنائه و لم يصل حتى مضى زمان الفترة صحت صلاته إذا عمل بوظيفته الفعلية و إن أثم بالتأخير .
الثانية : أن لا يجد فترة أصلاً أو تكون له فترة يسيرة لا تسع الطهارة و بعض الصلاة ، ففي هذه الصورة يتوضأ ـ أو يغتسل أو يتيمم حسبما يقتضيه تكليفه الفعلي ـ ثم يصلي و لا يعتني بما يخرج منه بعد ذلك قبل الصلاة أو في أثنائها و هو باق على طهارته ما لم يصدر منه حدث غير حدثه المبتلي به أو نفس هذا الحدث غير مستند إلى مرضه و لو قبل حصول البرء ، و تصح منه الصلوات الأخرى أيضا الواجبة و المستحبة ، و الأحوط الأولى أن يتطهر لكل صلاة و إن يبادر إليها بعد الطهارة .
الثالثة : أن تكون له فترة تسع الطهارة و بعض الصلاة و الأحوط في هذه الصورة تحصيل الطهارة و الإتيان بالصلاة في الفترة و لكن لا يجب تجديد الطهارة إذا فاجأه الحدث أثناء الصلاة أو بعدها إلا أن يحدث حدثاً آخر بالتفصيل المتقدم. في الصورة الثانية ، و الأحوط و لا سيما للمبطون أن يجدد الطهارة كلما فاجأه الحدث أثناء صلاته و يبني عليها ما لم يكن التكرار كثيراً بحيث يكون موجباً للحرج نوعا أو لفوات الموالات المعتبرة بين أجزاء الصلاة

( 57 )

ـ بسبب استغراق الحدث المفاجئ أو تجديد الطهارة أو الأمرين معا زماناً طويلاً ـ كما أن الأحوط إذا أحدث بعد الصلاة أن يجدد الطهارة لصلاة أخرى .
مسألة 160 : الأحوط لمستمر الحدث الاجتناب عما يحرم على المحدث ، و إن كان الأظهر عدم وجوبه ، فيما إذا جاز له الصلاة .
مسألة 161 : يجب على المسلوس و المبطون التحفظ من تعدي النجاسة إلى بدنه و ثوبه مهما أمكن بوضع كيس أو نحوه ، و لا يجب تغييره لكل صلاة ، و إن وجب ـ على الأحوط ـ تطهير ما تنجس من بدنه لكل صلاة مع التمكن منه ، كما في غير الحالة الثانية من الحالات المتقدمة .


الفصل السابع
أحكام الوضوء

 لا يجب الوضوء لنفسه ، و تتوقف صحة الصلاة ـ واجبة كانت ، أو مندوبة ـ عليه ، و كذا أجزاؤها المنسية بل سجود السهو على الأحوط استحباباً . و مثل الصلاة الطواف الواجب ، و هو ما كان جزءاً من حجة أو عمرة ، دون المندوب و إن وجب بالنذر ، نعم يستحب له .
مسألة 162 : الوضوء الرافع للحدث الأصغر لم يثبت كونه مستحباً نفسياً ، بل المستحب هو الكون على الطهارة الحاصلة بالوضوء ، فيجوز الإتيان به بقصد حصولها كما يجوز الإتيان به بقصد أي غاية من الغايات المترتبة عليها ، بل بأي داع قربي و إن كان هو الاجتناب عن محرم كمس كتابة القرآن . و أما الوضوء التجديدي للمتطهر من الحدث الأصغر فهو مستحب نفسي و لكن القدر المتيقن من استحبابه التجديد لصلاتي الصبح

( 58 )

و المغرب و إن كان لا يبعد استحبابه لكل صلاة ، و أما في غير ذلك فيؤتى به رجاءً .
مسألة 163 : لا يجوز للمحدث مس كتابة القرآن ، حتى المد و التشديد و نحوهما ، و لا مس اسم الجلالة و سائر أسمائه و صفاته على الأحوط وجوبا ، و الأحوط الأولى إلحاق أسماء الأنبياء و الأوصياء و سيدة النساء صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين به .
مسألة 164 : لا فرق في جريان الحكم المذكور بين أنواع الخطوط حتى المهجورة منها ، و لا بين الكتابة بالمداد ، و الحفر ، و التطريز ، و غيرهما ، كما لا فرق في الماس ، بين ما تحله الحياة و غيره ، نعم لا يجري الحكم في المس بالشعر إذا كان الشعر غير تابع للبشرة .
مسألة 165 : المناط في الألفاظ المشتركة بين القرآن و غيره بكون المكتوب ـ بضميمة بعضه إلى بعض ـ مما يصدق عليه القرآن عرفاً و إلا فلا أثر له سواء أ كان الموجد قاصداً لذلك أم لا ، نعم لا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط مع طرو التفرقة عليه بعد الكتابة .
مسألة 166 : الطهارة من الحدث الأصغر قد تكون شرطاً لصحة عمل كما مر بعض أمثلته ، و قد تكون شرطاً لكماله و سيأتي بعض موارده ، و قد تكون شرطاً لجوازه كمس كتابة القرآن ـ كما تقدم ـ و يعبر عن الأعمال المشروطة بها بـ ( غايات الوضوء ) نظراً إلى جواز الإتيان به لأجلها ، و إذا وجبت إحدى هذه الغايات و لو لنذر أو شبهه يتصف الوضوء الموصل إليها بالوجوب الغيري ، و إذا استحبت يتصف بالاستحباب الغيري ، و مما تكون الطهارة شرطاً لكماله الطواف المندوب و جملة من مناسك الحج ـ غير الطواف و صلاته ـ كالوقوفين و رمي الجمار ، و منه أيضاً صلاة الجنائز و تلاوة القرآن و الدعاء و طلب الحاجة و غيرها .

( 59 )

مسألة 167 : يجوز الإتيان بالوضوء بقصد فعل الفريضة و لو قبل دخول وقتها على الأظهر كما يجوز الإتيان به بقصد الكون على الطهارة و كذا بقصد ما مر من الغايات .
مسألة 168 : سنن الوضوء على ما ذكره العلماء رضي الله عنهم : وضع الإناء الذي يغترف منه على اليمين ، و التسمية ، و الدعاء بالمأثور ، و غسل اليدين من الزندين قبل إدخالهما في الإناء الذي يغترف منه ـ لحدث النوم ، أو البول مرة ، و للغائط مرتين ـ و المضمضة ، و الاستنشاق ، و تثليثهما و تقديم المضمضة ، و الدعاء بالمأثور عندهما ، و عند غسل الوجه و اليدين ، و مسح الرأس ، و الرجلين ، و تثنية الغسلات ، و الأحوط استحباباً عدم التثنية في اليسرى احتياطا للمسح بها ، و كذلك اليمنى إذا أراد المسح بها من دون أن يستعملها في غسل اليسرى ، و كذلك الوجه لأخذ البلل منه عند جفاف بلل اليد ، و يستحب أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الأولى و الثانية و المرأة تبدأ بالباطن فيهما ، و يكره الاستعانة بغيره في المقدمات القريبة .

( 60 )


 المبحث الرابع
الغسل

و الواجب منه لغيره : غسل الجنابة ، و الحيض ، و الاستحاضة و النفاس ، و مس الأموات .
و الواجب لنفسه ، غسل الأموات .
فهنا مقاصد :

 المقصد الأول
غسل الجنابة

 
وفيه فصول

الفصل الأول
سبب الجنابة

 و هو أمران :
الأول : خروج المني بشهوة أو بدونها من الموضع المعتاد ، و كذا من غيره إذا كان الخروج طبيعياً، و إلا ففيه إشكال ، فالأحوط لزوما الجمع بين الطهارتين إذا كان محدثاً بالأصغر ، هذا في الرجل . و أما المرأة فالماء الخارج من قبلها بشهوة موجب للجنابة و لا أثر لما خرج بغير شهوة على الأظهر .

( 61 )

مسألة 169 : إن عرف المني فلا إشكال ، و إن لم يعرف فالشهوة و الدفق و فتور الجسد أمارة عليه ، و مع انتفاء واحد منها لا يحكم بكونه منياً. و في المريض يرجع إلى الشهوة .
مسألة 170 : من وجد على بدنه أو ثوبه منياً، و علم أنه منه بجنابة لم يغتسل منها وجب عليه الغسل ، و يعيد كل صلاة لا يحتمل سبقها على الجنابة المذكورة ، دون ما يحتمل سبقها عليها ، و إن علم تاريخ الجنابة و جهل تاريخ الصلاة ، و إن كانت الإعادة لها أحوط استحباباً. و إن لم يعلم أنه منه لم يجب عليه شيء .
مسألة 171 : إذا دار أمر الجنابة بين شخصين يعلم واحد منهما أو كلاهما أنها من أحدهما ففيه صورتان :
الأولى : أن يكون جنابة الآخر واقعاً موضوعاً لحكم إلزامي بالنسبة إلى العالم بالجنابة إجمالاً، و ذلك كعدم جواز الاقتداء به في الصلاة ـ إذا كان ممن يقتدى به لولا ذلك ـ و عدم جواز استئجاره للنيابة عن الميت في الصلاة التي وظيفته تفريغ ذمته منها ففي هذه الصورة يجب على العالم بالإجمال ترتيب آثار العلم فيجب على نفسه الغسل ـ و كذا الوضوء أيضا إذا كان مسبوقا بالحدث الأصغر تحصيلاً للعلم بالطهارة ـ و لا يجوز له استئجار الآخر للنيابة في الصلاة قبل اغتساله ، و لا الاقتداء به بعد تحصيل الطهارة لنفسه ، و أما قبل تحصيلها فلا يجوز الاقتداء به بعد تحصيل الطهارة لنفسه ، و أما قبل تحصيلها فلا يجوز الاقتداء به للعلم التفصيلي ببطلان الصلاة حينئذ .
الثانية : أن لا تكون جنابة الآخر موضوعاً لحكم إلزامي بالإضافة إلى العالم بالجنابة إجمالاً، ففيها لا يجب الغسل على العالم بالجنابة . هذا بالنسبة إلى حكم الشخصين أنفسهما .
وأما غيرهما العالم بجنابة أحدهما إجمالاً ـ و لو لم يعلما هما بذلك ـ

( 62 )

فلا يجوز له الائتمام بأي منهما إن كان كل منهما مورداً للابتلاء فضلاً عن الائتمام بهما جميعاً ، كما لا يجوز له استنابة أحدهما في صلاة ، أو غيرها مما يعتبر فيه الطهارة الواقعية .
مسألة 172 : البلل المشكوك الخارج بعد خروج المني و قبل الاستبراء منه بالبول بحكم المني ظاهراً. .
الثاني : الجماع و لو لم ينزل ، و يتحقق بدخول الحشفة في القبل ، أو الدبر من المرأة ، و أما في غيرها فالأحوط لزوماً الجمع بين الغسل و الوضوء للواطئ و الموطوء فيما إذا كانا محدثين بالحدث الأصغر ، و إلا يكتفي بالغسل فقط ، و يكفي في مقطوع الحشفة دخول مقدارها ، بل الأظهر الاكتفاء بمجرد الإدخال منه .
مسألة 173 : إذا تحقق الجماع تحققت الجنابة للطرفين ، من غير فرق بين الصغير و الكبير ، و العاقل و المجنون ، و القاصد و غيره ، و كذا الحي و الميت على الأظهر .
مسألة 174 : إذا خرج المني بصورة الدم أي ممتزجاً بشيء منه وجب الغسل بعد العلم بكونه منياً. .
مسألة 175 : إذا تحرك المني عن محله بالاحتلام و لم يخرج إلى الخارج ، لا يجب الغسل .
مسألة 176 : يجوز للشخص إجناب نفسه بمقاربة زوجته و لو لم يقدر على الغسل و كان بعد دخول الوقت ، نعم إذا لم يتمكن من التيمم أيضاً لا يجوز ذلك . و أما في الوضوء فلا يجوز على الأحوط لمن كان متوضئا و لم يتمكن من الوضوء لو أحدث أن يبطل وضوءه إذا كان بعد دخول الوقت .
مسألة 177 : إذا شك في أنه هل حصل الدخول أم لا ، لا يجب عليه الغسل ، و كذا لا يجب لو شك في أن المدخول فيه فرج ، أو دبر ، أو غيرهما .

( 63 )

مسألة 178 : الوطء في دبر الخنثى موجب للجنابة على الأحوط لزوماً فيجب الجمع بين الغسل و الوضوء إذا كان الواطئ ، أو الموطوء محدثاً بالأصغر . و أما الوطء في قبلها فلا يوجب الجنابة للواطئ إلا مع الإنزال و أما الموطوءة فيلزمها رعاية الاحتياط و إن لم تنزل ، للعلم الإجمالي بتوجه تكاليف الرجال أو النساء إليها .
و لو أدخلت الخنثى في الرجل أو الأنثى مع عدم الإنزال لا يجب الغسل على الموطوء ، و أما الواطئ فيلزمه الاحتياط لما تقدم .
و إذا أدخل الرجل بالخنثى و تلك الخنثى بالأنثى وجب الغسل على الخنثى ، و لا يجب على الرجل و الأنثى إذا لم يترتب على جنابة الآخر أثر إلزامي بالنسبة إليه على التفصيل المتقدم في المسألة ( 171 ) .

 الفصل الثاني

فيما يتوقف صحته أو جوازه على غسل الجنابة ، و هو أمور :
الأول : الصلاة مطلقاً ، عدا صلاة الجنائز ، و كذا أجزاؤها المنسية ، بل سجود السهو على الأحوط استحبابا .
الثاني : الطواف الواجب بالإحرام مطلقاً ـ كما تقدم في الوضوء ـ و في صحة الطواف المندوب من المجنب إشكال .
الثالث : الصوم ، بمعنى أنه لو تعمد البقاء على الجنابة في شهر رمضان أو قضائه حتى طلع الفجر بطل صومه ، و كذا صوم ناسي الغسل في شهر رمضان ، على ما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى .
الرابع : مس كتابة القرآن الشريف ، و مس اسم الله تعالى على ما تقدم في الوضوء .

( 64 )

الخامس : اللبث في المساجد ، بل مطلق الدخول فيها ، و إن كان لوضع شيء فيها ، بل لا يجوز وضع شيء فيها حال الاجتياز أو من خارجها على الأحوط ، كما لا يجوز الدخول لأخذ شيء منها ، و يجوز الاجتياز فيها بالدخول من باب مثلا ، و الخروج من آخر إلا في المسجدين الشريفين ـ المسجد الحرام ، و مسجد النبي صلى الله عليه و آله ـ و الأحوط وجوبا إلحاق المشاهد المشرفة للمعصومين عليهم السلام ، بالمساجد في الأحكام المذكورة ، و لا يلحق بها أروقتها ـ فيما لم يثبت كونه مسجداً كما ثبت في بعضها ـ كما لا يلحق بها الصحن المطهر و إن كان الإلحاق أحوط .
السادس : قراءة آية السجدة من سور العزائم ، و هي ( ألم السجدة ، و حم السجدة ، و النجم ، و العلق ) و الأحوط استحباباً إلحاق تمام السورة بها حتى بعض البسملة .
مسألة 179 : لا فرق في حرمة دخول الجنب في المساجد بين المعمور منها و الخراب ، و إن لم يصل فيه أحد ، بشرط بقاء العنوان عرفاً بأن يصدق أنه مسجد خراب ، و أما مع زوال العنوان فلا تترتب عليه آثار المسجدية ، بلا فرق في ذلك كله بين المساجد في الأراضي المفتوحة عنوة و غيرها .
مسألة 180 : ما يشك في كونه جزءا من المسجد من صحنه و حجراته و منارته و حيطانه و نحو ذلك و لم تكن امارة على جزئيته ـ و لو كانت هي يد المسلمين عليه بعنوان المسجدية ـ لا تجري عليه أحكامها .
مسألة 181 : لا يجوز أن يستأجر الجنب لكنس المسجد في حال الجنابة بل الإجارة فاسدة ، و لا يستحق الأجرة المسماة ، و في استحقاقه أجرة المثل إشكال ، نعم يجوز استئجاره لذلك من غير تقييد بزمان الجنابة فيستحق الأجرة حينئذ و إن أتى به حالها . هذا إذا علم الأجير بجنابته ، أما إذا

( 65 )

جهل بها فالأظهر جواز استئجاره مطلقاً، و كذلك الصبي و المجنون الجنب .
مسألة 182 : إذا علم إجمالاً جنابة أحد الشخصين و علم الجنب منهما بجنابته ، لا يجوز استئجارهما ، و لا استئجار أحدهما لقراءة العزائم ، أو دخول المساجد أو نحو ذلك مما يحرم على الجنب .
مسألة 183 : مع الشك في الجنابة لا يحرم شيء من المحرمات المذكورة ، إلا إذا كانت حالته السابقة هي الجنابة .

الفصل الثالث
ما يكره للجنب

 
قد ذكروا أنه يكره للجنب الأكل و الشرب إلا بعد الوضوء ، أو بعد غسل اليدين و التمضمض و غسل الوجه ، و تزول مرتبة من الكراهة بغسل اليدين فقط ، و يكره قراءة ما زاد على سبع آيات من غير العزائم ، بل الأحوط استحباباً عدم قراءة شيء من القرآن ما دام جنباً، و يكره أيضاً مس ما عدا الكتابة من المصحف ، و النوم جنبا إلا أن يتوضأ أو يتيمم بدل الغسل .

 الفصل الرابع
واجبات غسل الجنابة

 
و هي أمور : فمنها النية ، و يجري فيها ما تقدم في نية الوضوء .
و منها : غسل ظاهر البشرة على وجه يتحقق به مسماه ، فلا بد من رفع الحاجب ، و تخليل ما لا يصل الماء معه إلى البشرة إلا بالتخليل ، و لا يجب غسل الشعر ، إلا ما كان من توابع البدن ، كالشعر الرقيق و إن كان الأحوط استحباباً غسل مطلق الشعر ، و لا يجب غسل البواطن كباطن العين و الأذن و الفم . نعم الأحوط وجوباً غسل ما يشك في أنه من الباطن أو الظاهر ، و إن

( 66 )

علم سابقاً أنه من الباطن ثم شك في تبدله .
و منها : الإتيان بالغسل على إحدى كيفيتين :
أولاهما : الترتيب ، و الأحوط وجوباً فيه أن يغسل أولاً تمام الرأس ـ و منه العنق ـ ثم بقية البدن ، و الأحوط الأولى أن يغسل أولاً تمام النصف الأيمن ثم تمام النصف الأيسر ، و لا بد في غسل كل عضو من إدخال شيء من الآخر مما يتصل به إذا لم يحصل العلم بإتيان الواجب إلا بذلك ، و لا ترتيب هنا بين أجزاء كل عضو ، فله أن يغسل الأسفل منه قبل الأعلى ، كما أنه لا كيفية مخصوصة للغسل هنا ، بل يكفي المسمى كيف كان ، فيجزي رمس الرأس بالماء أولاً ، ثم الجانب الأيمن ، ثم الجانب الأيسر ، كما يكفي رمس البعض ، و الصب على الآخر .
ثانيتهما : الارتماس ، و هو على نحوين : دفعي و تدريجي ، و الأول هو تغطية الماء لمجموع البدن و ستره لجميع أجزائه و هو أمر دفعي يعتبر الانغماس التدريجي مقدمة له ، و الثاني هو غمس البدن في الماء تدريجا مع انخفاظ الوحدة العرفية فيكون غمس كل جزء من البدن جزء من الغسل لا مقدمة له كما في النحو الأول ، و الأظهر صحة الثاني كالأول ، و يعتبر في الثاني أن يكون كل جزء من البدن خارج الماء قبل رمسه بقصد الغسل و يكفي في النحو الأول خروج بعض البدن من الماء ثم رمسه فيه بقصد الغسل .
مسألة 184 : النية في النحو الأول يجب أن تكون مقارنة للتغطية في زمان حدوثها فإذا تحقق بها استيلاء الماء على جميع البدن مقرونا بالنية كفى ، و أما إذا توقف ذلك على أمر آخر كتخليل الشعر أو رفع القدم عن الأرض مثلاً فلا بد من استمرار النية من حين التغطية إلى حين وصول الماء إلى تمام الأجزاء ، أو نية الغسل بالارتماس البقائي المقارن مع وصوله إليها ، و أما في النحو الثاني فتجب النية مقارنة لغمس أول جزء من البدن في الماء

( 67 )

و استمرارها إلى حين غمس الجميع .
مسألة 185 : ذكر جماعة أن الغسل الترتيبي يتحقق بتحريك الرأس و الرقبة ثم الجانبين بقصد غسلها ـ فيما إذا كان جميع البدن تحت الماء ـ و كذلك تحريك بعض الأعضاء و هو في الماء بقصد غسله . و قالوا أيضا بتحقق الغسل الارتماسي الدفعي بتحريك البدن تحت الماء بقصد غسله . و لكن هذا لا يخلو عن إشكال و الأحوط عدم الاكتفاء به .
ومنها : إطلاق الماء ، و طهارته بل و نظافته ـ على قول ـ و إباحته ، و المباشرة اختياراً ، و عدم المانع من استعمال الماء من مرض و نحوه ، و طهارة العضو المغسول على نحو ما تقدم في الوضوء . و قد تقدم فيه أيضاً الكلام في اعتبار إباحة الإناء و المصب ، و حكم الجبيرة ، و الحائل و غيرهما من أفراد الضرورة ، و حكم الشك ، و النسيان ، و ارتفاع السبب المسوغ للوضوء الناقص في الأثناء و بعد الفراغ منها فإن الغسل كالوضوء في جميع ذلك ، نعم يفترق عنه في عدم اعتبار الموالاة فيه في الترتيبي منه .
مسألة 186 : الغسل الترتيبي مع مراعاة الترتيب فيه بين الأيمن و الأيسر أفضل من الغسل الارتماسي .
مسألة 187 : الأظهر جواز العدول من الغسل الترتيبي إلى الارتماسي بقسميه و كذا العدول من القسم الثاني من الارتماسي إلى غيره ، هذا في العدول الاستئنافي ـ أي رفع اليد عما شرع فيه و استئناف غيره ـ و أما العدول التكميلي من الترتيبي إلى الارتماسي ففيه إشكال بل منع و كذا العكس فيما يتصور فيه ذلك .
مسألة 188 : يجوز الارتماس فيما دون الكر ، و إن كان يجري على الماء حينئذ حكم المستعمل في رفع الحدث الأكبر .
مسألة 189 : إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت ، فتبين ضيقه فغسله

( 68 )

صحيح .
مسألة 190 : ماء غسل المرأة من الجنابة ، أو الحيض ، أو نحوهما على الزوج على الأظهر .
مسألة 191 : إذا خرج من بيته بقصد الغسل في الحمام فدخله و اغتسل ، و لم يستحضر النية تفصيلاً ، كفى ذلك في نية الغسل إذا كان بحيث لو سئل ماذا تفعل لأجاب بأنه يغتسل ، أما لو كان يتحير في الجواب ـ إلا بعارض كخوف أو نحوه ، بل من جهة عدم تأثر النفس عن الداعي الإلهي ـ بطل ، لانتفاء النية .
مسألة 192 : إذا كان جواز الاستفادة من الحمام من قبيل الإباحة المشروطة بدفع نقد معين معجلاً ، فإن كان قاصداً ـ حين الاغتسال ـ عدم إعطاء العوض للحمامي ، أو كان قاصداً إعطاء غير العوض المعين ، أو كان قاصداً للتأجيل ، أو كان متردداً في ذلك بطل غسله و إن استرضاه بعد ذلك .
مسألة 193 : إذا ذهب إلى الحمام ليغتسل ، و بعد الخروج شك في أنه اغتسل أم لا بنى على العدم .
و لو علم أنه اغتسل لكن شك في أنه اغتسل على الوجه الصحيح أم لا ، بنى على الصحة .
مسألة 194 : إذا كان ماء الحمام مباحاً ، لكن سخن بالحطب المغصوب ، لا مانع من الغسل فيه .
مسألة 195 : لا يجوز الغسل في حوض المدرسة ، إلا إذا علم بعموم الوقفية ، أو الإباحة ، و لو من جهة جريان العادة باغتسال أهله أو غيرهم فيه من دون منع أحد .
مسألة 196 : الماء الذي يسبلونه ، لا يجوز الوضوء ، و لا الغسل منه إلا مع العلم بعموم الرضا .

( 69 )

مسألة 197 : لبس المئزر الغصبي حال الغسل و إن كان محرماً في نفسه ، لكنه لا يوجب بطلان الغسل .

 الفصل الخامس
مستحبات غسل الجنابة

 
قد ذكر العلماء رضي الله عنهم : أنه يستحب غسل اليدين أمام الغسل من المرفقين ثلاثاً، ثم المضمضة ثلاثاً ، ثم الاستنشاق ثلاثاً ، و إمرار اليد على ما تناله من الجسد ، خصوصاً في الترتيبي ، بل ينبغي التأكد في ذلك و في تخليل ما يحتاج إلى التخليل ، و نزع الخاتم و نحوه ، و الاستبراء بالبول قبل الغسل .
مسألة 198 : الاستبراء بالبول ليس شرطاً في صحة الغسل ، لكن إذا تركه و اغتسل ثم خرج منه بلل مشتبه بالمني ، جرى عليه حكم المني ظاهراً ، فيجب الغسل له كالمني ، سواء استبرأ بالخرطات ، لتعذر البول أم لا ، إلا إذا علم بذلك أو بغيره عدم بقاء شيء من المني في المجرى .
مسألة 199 : إذا بال بعد الغسل و لم يكن قد بال قبله ، لم تجب إعادة الغسل و إن احتمل خروج شيء من المني مع البول .
مسألة 200 : إذا دار أمر المشتبه بين البول و المني بعد الاستبراء بالبول و الخرطات ، فالظاهر كفاية الوضوء و إن لم يصدر منه الحدث الأصغر بعد الغسل و قبل خروج البلل المشتبه .
مسألة 201 : يجزئ غسل الجنابة عن الوضوء لكل ما اشترط به .
مسألة 202 : إذا خرجت رطوبة مشتبهة بعد الغسل ، و شك في أنه استبرأ بالبول ، أم لا ، بنى على عدمه فيجب عليه الغسل .

( 70 )

مسألة 203 : لا فرق في جريان حكم الرطوبة المشتبهة ، بين أن يكون الاشتباه بعد الفحص و الاختبار ، و أن يكون لعدم إمكان الاختبار من جهة العمى ، أو الظلمة، أو نحو ذلك .
مسألة 204 : لو أحدث بالأصغر في أثناء الغسل من الجنابة فله أن يتمه ، و الأحوط وجوباً ضم الوضوء إليه حينئذ ، و له العدول الاستئنافي من الترتيبي إلى الارتماسي و بالعكس و لا حاجة حينئذ إلى ضم الوضوء .
مسألة 205 : إذا أحدث أثناء سائر الأغسال بالحدث الأصغر جرى عليه ما تقدم في غسل الجنابة إلا في الاستحاضة المتوسطة فإنه يجب فيها الوضوء على كل حال .
مسألة 206 : إذا أحدث بالأكبر في أثناء الغسل ، فإن كان مماثلاً للحدث السابق ، كالجنابة في أثناء غسلها ، أو المس في أثناء غسله ، فلا إشكال في وجوب الاستئناف ، و إن كان مخالفاً له فالأقوى عدم بطلانه فيتمه و يأتي بالآخر ، و يجوز الاستئناف بغسل واحد لهما ، و لا يجب الوضوء بعده في غير الاستحاضة المتوسطة .
مسألة 207 : إذا شك في غسل الرأس و الرقبة قبل الدخول في غسل البدن ، رجع و أتى به ، و كذا إذا كان بعد الدخول فيه على الأحوط ، و لو شك في غسل الطرف الأيمن فاللازم الاعتناء به حتى مع الدخول في غسل الطرف الأيسر على الأقوى .
مسألة 208 : إذا غسل أحد الأعضاء ، ثم شك في صحته و فساده فالظاهر أنه لا يعتني بالشك ، سواء كان الشك بعد دخوله في غسل العضو الآخر ، أم كان قبله .
مسألة 209 : إذا شك في غسل الجنابة بنى على عدمه ، و إذا شك

( 71 )

فيه بعد الفراغ من الصلاة لم تجب إعادتها ، إلا إذا كانت موقتة و حدث الشك في الوقت و صدر منه الحدث الأصغر بعد الصلاة فإن الأحوط إعادتها حينئذ ، و يجب عليه الغسل لكل عمل تتوقف صحته أو جوازه على الطهارة من الحدث الأكبر من غير فرق بين الصلاة و غيرها حتى مثل مس كتابة القرآن و هذا الغسل يمكن أن يقع على نحوين : ( الأول ) أن يقطع بكونه مأموراً به ـ وجوبا أو استحبابا ـ كأن يقصد به غسل يوم الجمعة أو غسل الجنابة المتجددة بعد الصلاة و حينئذ فله الاكتفاء به في الإتيان بكل عمل مشروط بالطهارة سواء سبقه الحدث الأصغر أم لا . ( الثاني ) أن لا يكون كذلك بأن أتى به لمجرد احتمال بقاء الجنابة التي يشك في الاغتسال منها قبل الصلاة ، و حينئذ يكتفي به في الإتيان بما هو مشروط بالطهارة عن الحدث الأكبر فقط كجواز المكث في المساجد ، و أما ما هو مشروط بالطهارة حتى عن الحدث الأصغر فلا يكتفى فيه بالغسل بل يجب ضم الوضوء إليه إن سبقه صدور الحدث منه دون ما لم يسبقه .
مسألة 210 : إذا اجتمع عليه أغسال متعددة واجبة أو مستحبة ، أو بعضها واجب و بعضها مستحب ، فقد تقدم حكمها في شرائط الوضوء في المسألة ( 141 ) فراجع .
مسألة 211 : إذا كان يعلم ـ إجمالا ـ أن عليه أغسالاً لكنه لا يعلم بعضها بعينه ، يكفيه أن يقصد جميع ما عليه . و إذا قصد البعض المعين كفى عن غيره على تفصيل تقدم في المسألة ( 141 ) من شرائط الوضوء ، و إذا علم أن في جملتها غسل الجنابة و قصده في جملتها أو بعينه لم يحتج إلى الوضوء ، بل الأظهر عدم الحاجة إلى الوضوء مطلقاً في غير الاستحاضة المتوسطة .