الفصل الرابع

البريد الإلكتروني طباعة

مسألة 90 : المشهور على اعتبار أن يكون المبيع و الثمن مالا يتنافس فيه العقلاء ، فكل ما لا يكون مالا كبعض الحشرات لا يجوز بيعه ، و لا جعله ثمنا ، و لكن هذا لا يخلو عن إشكال و إن كان هو الأحوط . مسألة 91 : إذا كان الحق قابلا للنقل و الانتقال كحق التحجير جاز جعله ثمنا على الأظهر ، كما يجوز جعل متعلقه بما هو كذلك ثمنا ، و يجوز جعل شيء بإزاء رفع اليد عن الحق ، حتى فيما إذا لم يكن قابلا للنقل و الانتقال ، و كان قابلا للإسقاط ، كما يجوز جعل الإسقاط ثمنا ، بأن يملك البائع عليه فعل الإسقاط فيجب عليه الإسقاط بعد البيع . مسألة 92 : يشترط في كل من العوضين أن يكون معلوما مقداره المتعارف تقديره به عند البيع من كيل أو وزن أو عد أو مساحة ، فلا تكفي المشاهدة في مثله ، و لا تقديره بغير المتعارف فيه عند البيع كبيع المكيل بالوزن أو بالعكس و كبيع المعدود بالوزن أو بالكيل أو بالعكس ، نعم لا بأس بجعل الكيل وسيلة لاستعلام الوزن أو العدد و نحو ذلك ، كأن يجعل كيل


( 37 )

يحوي كيلو غراما من السكر مثلا فيباع السكر به ، و إذا كان الشيء مما يباع في حال بالمشاهدة ، و في حال أخرى بالوزن أو الكيل ، كالثمر يباع على الشجر بالمشاهدة و في المخازن بالوزن ، و الحطب محمولا على الدابة بالمشاهدة و في المخزن بالوزن ، و اللبن المخيض يباع في السقاء بالمشاهدة و في المخازن بالكيل فصحة بيعه مقدراً أو مشاهداً تابعة للمتعارف . مسألة 93 : يكفي في معرفة التقدير إخبار البائع بالقدر ، كيلاً أو وزناً ، أو عداً ، و لا فرق بين عدالة البائع و فسقه ، و الأحوط وجوباً اعتبار حصول اطمئنان المشتري بإخباره ، و لو تبين الخلاف بالنقيصة كان المشتري بالخيار في الفسخ و الإمضاء ، فإن فسخ يرد تمام الثمن و إن أمضاه ينقص من الثمن بحسابه ، و إن تبين الزيادة كانت الزيادة للبائع و كان المشتري بالخيار بين الفسخ و الإمضاء بتمام الثمن . مسألة 94 : لابد في مثل القماش و الأرض و نحوهما ـ مما يكون تقديره بالمساحة دخيلاً في زيادة القيمة ـ معرفة مقداره ، و لا يكتفى في بيعه بالمشاهدة إلا إذا تعارف بيعه بها كما في بيع بعض الدور و الفرش و نحوهما . مسألة 95 : إذا اختلفت البلدان في تقدير شيء ، بأن كان موزوناً في بلد ، و معدوداً في آخر ، و مكيلاً في ثالث ، فالظاهر أن المدار في التقدير بلد المعاملة . مسألة 96 : قد يؤخذ الوزن شرطاً في المكيل أو المعدود ، أو الكيل شرطاً في الموزون ، مثل أن يبيعه عشرة أمنان من الدبس ، بشرط أن يكون كيلها صاعاً ، فيتبين أن كيلها أكثر من ذلك لرقة الدبس ، أو يبيعه عشرة أذرع من قماش ، بشرط أن يكون وزنها ألف مثقال ، فيتبين أن وزنها تسعمائة ، لعدم إحكام النسج ، أو يبيعه عشرة أذرع من الكتان ، بشرط أن يكون وزنه مائة مثقال ، فيتبين أن وزنه مائتا مثقال لغلظة خيوطه و نحو ذلك مما كان


( 38 )

التقدير فيه ملحوظاً صفة كمال للمبيع لا مقوماً له ، و الحكم أنه مع التخلف بالزيادة أو النقيصة يكون الخيار للمشتري ، لتخلف الوصف ، فإن أمضى العقد كان عليه تمام الثمن ، و الزيادة إن كانت فهي له . مسألة 97 : يشترط معرفة جنس العوضين و صفاتهما التي تختلف القيمة باختلافها ، كالألوان و الطعوم و الجودة و الرداءة و الرقة و الغلظة و الثقل و الخفة و نحو ذلك ، مما يوجب اختلاف القيمة ، أما ما لا يوجب اختلاف القيمة منها فلا تجب معرفته ، و إن كان مرغوباً عند قوم ، و غير مرغوب عند آخرين ، و المعرفة أما بالمشاهدة ، أو بتوصيف البائع ، أو بالرؤية السابقة . مسألة 98 : يشترط أن يكون كل واحد من العوضين ملكاً ، مثل أكثر البيوع الواقعة بين الناس ، أو ما هو بمنزلته ، كبيع الكلي في الذمة فلا يجوز بيع ما ليس كذلك ، مثل بيع السمك في الماء و الطير في الهواء ، و شجر البيداء قبل أن يصطاد أو يحاز ، و لا فرق في ما يكون ملكا بين أن يكون ملكا لشخص أو لجهة فيصح بيع ولي الزكاة بعض أعيان الزكاة و شراؤه العلف لها . مسألة 99 : يشترط أن يكون كل من العوضين طلقاً ، بأن لا يتعلق به لأحد حق يقتضي بقاء متعلقه في ملكية مالكه ، و الضابط فوت الحق بانتقاله إلى غيره ، و من هذا القبيل حق الرهانة على الأظهر ، فلا يجوز بيع العين المرهونة إلا إذا أذن المرتهن أو أجاز أو فك الرهن فإنه يصح بيعها حينئذ . مسألة 100 : لا يجوز بيع الوقف إلا في موارد : منها : أن يخرب بحيث لا يمكن الانتفاع به في جهة الوقف مع بقاء عينه ، كالحيوان المذبوح ، و الجذع البالي ، و الحصير المخرق . ومنها : أن يخرب على نحو يسقط عن الانتفاع المعتد به ، مع كونه ذا منفعة يسيرة ملحقة بالمعدوم عرفا . ومنها : ما إذا اشترط الواقف بيعه عند حدوث أمر ، من قلة المنفعة أو


( 39 )

كثرة الخراج ، أو كون بيعه أنفع ، أو وقوع خلاف بين الموقوف عليهم أو احتياجهم إلى عوضه ، أو نحو ذلك . و منها : ما إذا طرأ ما يستوجب أن يؤدي بقاؤه إلى الخراب المسقط له عن المنفعة المعتد بها عرفا ، و اللازم حينئذ تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء . مسألة 101 : إذا وقع الاختلاف الشديد بين الموقوف عليهم بحيث لا يؤمن من تلف النفوس و الأموال ففي صحة بيع الوقف حينئذ إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه . مسألة 102 : ما ذكرناه من جواز البيع في الصور المذكورة لا يجري في المساجد ، فإنها لا يجوز بيعها على كل حال . نعم يجري في مثل الخانات الموقوفة للمسافرين ، و كتب العلم و المدارس و الرباطات الموقوفة على الجهات الخاصة . مسألة 103 : إذا جاز بيع الوقف فإن كان له متول خاص قد عهد إليه الواقف بجميع شؤونه فله بيعه من دون حاجة إلى إجازة غيره ، و إلا فاللازم ـ مطلقا على الأحوط ـ مراجعة الحاكم الشرعي و الاستئذان منه في البيع . و إذا بيع الوقف لطرو الخراب عليه أو ترقب طروه فالأحوط لزوماً أن يشتري بثمنه ملك و يوقف على نهج وقف الأول ـ بل الأحوط أن يكون الوقف الجديد معنوناً بعنوان الوقف الأول مع الإمكان و إلا فيما هو أقرب إليه فالأقرب ـ نعم لو خرب بعض الوقف جاز بيع ذلك البعض و صرف ثمنه في مصلحة المقدار العامر إن أمكن و إلا ففي وقف آخر إذا كان موقوفاً على نهج وقف الخراب ، و إذا خرب الوقف و لم يمكن الانتفاع به في الجهة الموقوف عليها و أمكن بيع بعضه و تعمير الباقي بثمنه فالأحوط الاقتصار على بيع بعضه فيعمر الباقي بثمنه .


( 40 )

مسألة 104 : لا يجوز بيع رقبة الأرض الخراجية . و هي : الأرض المفتوحة عنوة العامرة ـ لا بالأصالة ـ حين الفتح ، فإنها ملك للمسلمين من وجد و من يوجد 0 و لا فرق بين أن تكون فيها آثار مملوكة للبائع من بناء أو شجر أو غيرهما ، و أن لا تكون . بل الظاهر عدم جواز التصرف فيها إلا بإذن الحاكم الشرعي ، و لو ماتت فلا يبعد بقاؤها على ملك المسلمين و عدم تملكها بالإحياء ، و أما الأرض العامرة بالأصالة حين الفتح فهي ملك للإمام عليه السلام ، و إذا حازها أحد كان أولى بها من غيره ما لم يمنع عنه مانع شرعي و إذا كان مؤمنا لم يجب عليه دفع عوض إزاء ذلك ، و كذا الأرض الميتة في زمان الفتح فإنها ملك للإمام عليه السلام ، و إذا أحياها أحد كان أحق بها من غيره ـ لولا طرو عنوان ثانوي يقتضي خلافه ـ مسلماً كان المحيي أو كافراً ، و ليس عليه دفع الخراج و أجرة الأرض إذا كان مؤمناً ، و إذا تركها لمنع ظالم و نحوه حتى ماتت فهو على أحقيته بها ، و لكنه إذا ترك زرعها و أهملها و لم ينتفع بها بوجه ، جاز لغيره زرعها ، فيكون أحق بها منه و إن كان الأحوط استحباباً عدم زرعها بلا إذن من الأول إذا عرفه أو تمكن من معرفته ، إلا إذا علم أنه قد أعرض عنها ، و إذا أحياها السلطان المدعي للخلافة على أن تكون للمسلمين لحقها حكم الأرض الخراجية . مسألة 105 : في تعيين أرض الخراج إشكال ، و قد ذكر العلماء و المؤرخون مواضع كثيرة منها . و إذا شك في أرض أنها كانت ميتة أو عامرة ـ حين الفتح ـ تحمل على أنها كانت ميتة ، فيجوز إحياؤها و حيازتها إن كانت حية ، كما يجوز بيعها من حيث كونها متعلقة لحقه و كذا نحوه من التصرفات . مسألة 106 : يشترط في كل من العوضين أن يكون مقدوراً على تسليمه فلا يصح بيع الجمل الشارد ، أو الخاتم الواقع في البحر مثلاً و لا فرق بين العلم بالحال و الجهل بها ، نعم لو كان من انتقل إليه قادراً على تسلمه


( 41 )

و إن لم يكن من انتقل عنه قادراً على تسليمه فالظاهر صحة المعاملة كما لو باع العين المغصوبة و كان المشتري قادرا على أخذها من الغاصب فإنه يصح البيع ، كما يصح بيعها على الغاصب أيضاً و إن كان البائع لا يقدر على أخذها منه ثم دفعها إليه ، و إذا كان المبيع مما لا يستحق المشتري أخذه ، كما لو باع من ينعتق على المشتري صح ، و إن لم يقدر على تسليمه . مسألة 107 : لو قطع بالقدرة على التسليم فباع فانكشف الخلاف بطل ، و لو قطع بالعجز عنه فانكشف الخلاف فالظاهر الصحة . مسألة 108 : لو انتفت القدرة على التسليم في زمان استحقاقه ، لكن علم بحصولها بعده ، فإن كانت المدة يسيرة صح ، و إذا كانت طويلة لا يتسامح بها ، فإن كانت مضبوطة كسنة أو أكثر فالظاهر الصحة مع علم المشتري بها و كذا مع جهله بها ، لكن يثبت الخيار للمشتري ، و هكذا الحال ـ على الأقرب ـ فيما لو كانت المدة غير مضبوطة كما لو باعه دابة غائبة يعلم بحضورها لكن لا يعلم زمانه . مسألة 109 : إذا كان العاقد هو المالك فالاعتبار بقدرته ، و إن كان و كيلاً في إجراء الصيغة فقط فالاعتبار بقدرة المالك ، و إن كان وكيلاً في المعاملة كعامل المضاربة ، فالاعتبار بقدرته أو قدرة المالك فيكفي قدرة أحدهما على التسليم في صحة المعاملة ، فإذا لم يقدرا بطل البيع . مسألة 110 : يجوز بيع غير المقدور تسليمه مع الضميمة ، إذا كانت ذات قيمة معتد بها .

الفصل الرابع

الخيارات

الخيار حق يقتضي السلطنة على فسخ العقد برفع مضمونه و هو أقسام :

( الأول ) : خيار المجلس :

أي مجلس البيع فإنه إذا وقع البيع كان لكل من البائع و المشتري الخيار في المجلس ما لم يفترقا ، فإذا افترقا ـ عرفا ـ لزم البيع و انتفى الخيار و لو كان المباشر للعقد الوكيلان في إجراء الصيغة لم يكن الخيار لهما بل لموكليهما بشرط اجتماعهما في مجلس العقد أو في مجلس آخر للمبايعة ، و أما مع عدم اجتماعهما فلا خيار لهما أيضا ، فليس لهما توكيل الوكيلين في الفسخ بعد أن لم يكن لهما حق في ذلك . و هكذا الحال لو اجتمع الوكيل في إجراء الصيغة ـ من دون حضور موكله ـ مع المالك ـ مثلاً ـ في الطرف الآخر فإنه لا يثبت الخيار لأي من الطرفين ، و لو تصدى العقد الوكيل المفوض من قبل المالك في تمام المعاملة و شؤونها ثبت الخيار له دون الموكل و إن كان حاضراً في مجلس العقد ، و المدار على اجتماع المتبايعين و افتراقهما سواء أكانا هما المالكين أم غيرهما ، و لو فارقا المجلس مصطحبين بقي الخيار لهما حتى يفترقا ، و لو تصدى البيع شخص واحد وكالة عن المالكين أو ولاية عليهما ففي ثبوت الخيار إشكال بل الأظهر العدم . مسألة 111 : هذا الخيار يختص بالبيع و لا يجري في غيره من المعاوضات . مسألة 112 : يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في العقد ، كما يسقط


( 43 )

بإسقاطه بعد العقد .

( الثاني ) : خيار الحيوان :

كل من اشترى حيواناً ثبت له الخيار ثلاثة أيام مبدؤها زمان العقد ، و إذا كان العقد في أثناء النهار لفق المنكسر من اليوم الرابع ، و الليلتان المتوسطتان داخلتان في مدة الخيار ، و كذا الليلة الثالثة في صورة تلفيق المنكسر ، و إذا لم يفترق المتبايعان حتى مضت ثلاثة أيام سقط خيار الحيوان ، و بقي خيار المجلس للبائع دون المشتري على الأقوى . مسألة 113 : يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في متن العقد ، كما يسقط بإسقاطه بعده ، و بالتصرف في الحيوان تصرفاً يدل على إمضاء العقد و اختيار عدم الفسخ ، أو تصرفاً مغيراً له أما حقيقة ـ كنعلها أو أخذ حافرها أو جز صوفها ـ أو حكماً كتقبيل الجارية المشتراة أو لمسها . مسألة 114 : يثبت هذا الخيار للبائع أيضاً ، إذا كان الثمن حيواناً . مسألة 115 : يختص هذا الخيار أيضاً بالبيع ، و لا يثبت في غيره من المعاوضات . مسألة 116 : إذا تلف الحيوان قبل القبض أو بعده في مدة الخيار كان تلفه من مال البائع فيبطل البيع ، و يرجع المشتري عليه بالثمن إذا كان قد دفعه إليه . مسألة 117 : إذا طرأ عيب في الحيوان من غير تفريط من المشتري لم يمنع من الفسخ و الرد ، و إن كان بتفريط منه سقط خياره .

( الثالث ) : خيار الشرط :

و المراد به : الخيار المجعول باشتراطه في العقد ، إما لكل من المتعاقدين أو لأحدهما بعينه ، أو لأجنبي . مسألة 118 : لا يتقدر هذا الخيار بمدة معينة ، بل يجوز اشتراطه في


( 44 )

أي مدة كانت قصيرة أو طويلة ، متصلة أو منفصلة عن العقد ، نعم لابد من تعيين مبدأها و تقديرها بقدر معين ، و لو ما دام العمر ، فلا يجوز جعل الخيار مهملاً من حيث المدة ابتداءً و انتهاءً و إلا بطل الشرط و صح العقد ، و أما جعله محدوداً بحد معين في الواقع مجهول عند المتعاقدين أو أحدهما ففي صحته و صحة العقد معه إشكال . مسألة 119 : إذا جعل الخيار شهراً كان الظاهر منه المتصل بالعقد و كذا الحكم في غير الشهر من السنة أو الأسبوع أو نحوهما ، و إذا جعل الخيار شهراً مردداً بين الشهور من غير تعين له في الواقع فالظاهر بطلان الشرط و صحة العقد . مسألة 120 : لا يجوز اشتراط الخيار في الإيقاعات ، كالطلاق و الإبراء ، و لا في العقود الجائزة ، كالوديعة و العارية ، و يجوز اشتراطه في العقود اللازمة عدا النكاح ، و في جواز اشتراطه في الصدقة و في الهبة اللازمة و في الضمان إشكال ، و إن كان الأظهر الجواز في الثاني . مسألة 121 : يجوز اشتراط الخيار للبائع في مدة معينة متصلة بالعقد ، أو منفصلة عنه ، على نحو يكون له الخيار في حال رد الثمن بنفسه مع وجوده أو ببدله مع تلفه كأن يبيع الدار التي قيمتها مائة ألف دينار بثلاثين ألف دينار و يشترط لنفسه الخيار لو أرجع الثمن في المدة المحددة إلى المشتري ، و يسمى هذا بـ ( بيع الخيار ) و إنما يصح لو كان الطرفان قاصدين للبيع و الشراء حقيقة ، فإذا مضت مدة الخيار لزم البيع و سقط الخيار و امتنع الفسخ ، و إذا فسخ في المدة من دون رد الثمن أو بدله مع تلفه لا يصح الفسخ ، و كذا لو فسخ قبل المدة فلا يصح الفسخ إلا في المدة المعينة ، في حال رد الثمن أو رد بدله مع تلفه ، ثم إن الفسخ أما أن يكون بإنشاء مستقل في حال الرد ، مثل فسخت و نحوه ، أو يكون بنفس الرد ، على أن يكون إنشاء الفسخ بالفعل و هو


( 45 )

الرد ، لا بقوله ( فسخت ) و نحوه . مسألة 122 : المراد من رد الثمن إحضاره عند المشتري و تمكينه منه ، فلو أحضره كذلك جاز له الفسخ و إن امتنع المشتري من قبضه . مسألة 123 : الظاهر أنه يجوز اشتراط الفسخ في تمام المبيع برد بعض الثمن ، كما يجوز اشتراط الفسخ في بعض المبيع بذلك . مسألة 124 : إذا تعذر تمكين المشتري من الثمن لغيبة ، أو جنون ، أو نحوهما مما يرجع إلى قصور فيه فالظاهر أنه يكفي في صحة الفسخ تمكين وليه ، و لو كان الحاكم الشرعي أو وكيله ، فإذا مكنه من الثمن جاز له الفسخ ، هذا إذا جعل الخيار للبائع مشروطاً برد الثمن أو بدله إلى المشتري و أطلق ، و أما لو اشترط الرد إلى المشتري نفسه و إيصاله بيده فلا يتعدى منه إلى غيره . مسألة 125 : نماء المبيع من زمان العقد إلى زمان الفسخ للمشتري ، كما أن نماء الثمن للبائع . مسألة 126 : لا يجوز للمشتري فيما بين العقد إلى انتهاء مدة الخيار التصرف الناقل للمبيع من هبة أو بيع أو نحوهما و لو تصرف كذلك صح و إن كان آثماً ، و كذا لا يجوز له التصرف المتلف فيه ، و لو تلف كان ضمانه على المشتري ، و لا يسقط بذلك كله خيار البائع ، إلا إذا كان المقصود من الخيار المشروط خصوص الخيار في حال وجود العين بحيث يكون الفسخ موجباً لرجوعها لنفسها إلى البائع ، لكن الغالب الأول . مسألة 127 : إذا كان الثمن المشروط رده ديناً في ذمة البائع كما إذا كان للمشتري دين في ذمة البائع فباعه بذلك الدين ، و اشترط الخيار مشروطاً برده بكون رده بإعطاء فرد منه و إن برأت ذمة البائع عما كان عليها بجعله ثمناً ، و إذا كان الثمن عيناً في يد البائع فالظاهر عدم ثبوت الخيار إلا في حال دفعها بعينها إلى المشتري ، نعم لو صرحا في شرطهما برد ما يعم بدلها مع عدم


( 46 )

التمكن من رد العين أو كان ذلك مقتضى الإطلاق ـ كما إذا كان الثمن مما انحصر الانتفاع المتعارف منه بصرفه لا ببقائه كالنقود ـ كفى رد البدل أيضاً . و إذا كان الثمن كلياً في ذمة المشتري فدفع منه فرداً إلى البائع بعد وقوع البيع فالظاهر كفاية رد فرد آخر في صحة الفسخ ، إلا إذا صرح باشتراط كون المردود عين ذلك الفرد المقبوض . مسألة 128 : لو اشترى الولي شيئاً للمولى عليه ببيع الخيار ، فارتفع حجره ـ قبل انقضاء المدة ـ كان الفسخ مشروطاً برد الثمن إليه ، و لا يكفي الرد إلى وليه ، و لو اشترى أحد الوليين كالأب ببيع الخيار جاز الفسخ بالرد إلى الولي الآخر كالجد ، إلا أن يكون المشروط الرد إلى خصوص الولي المباشر للشراء . مسألة 129 : إذا مات البائع ـ قبل إعمال الخيار ـ انتقل الخيار إلى ورثته ، فلهم الفسخ بردهم الثمن إلى المشتري ، و يشتركون في المبيع على حساب سهامهم ، و لو امتنع بعضهم عن الفسخ لم يصح للبعض الآخر الفسخ ، لا في تمام المبيع و لا في بعضه ، و لو مات المشتري كان للبائع الفسخ برد الثمن إلى ورثته ، نعم لو جعل الشرط رد الثمن إلى المشتري بشخصه فالظاهر عدم قيام ورثته مقامه فيسقط هذا الخيار بموته . مسألة 130 : يجوز اشتراط الخيار في الفسخ للمشتري برد المبيع إلى البائع ، و الظاهر منه رد نفس العين ، فلا يكفي رد البدل حتى مع تلفها إلا أن تقوم قرينة على إرادة ما يعم رد البدل عند التلف ، كما يجوز أيضاً اشتراط الخيار لكل منهما عند رد ما انتقل إليه بنفسه أو ببدله عند تلفه . مسألة 131 : لا يجوز اشتراط الخيار في الفسخ برد البدل مع وجود العين ، بلا فرق بين رد الثمن و رد المثمن ، و في جواز اشتراطه برد القيمة في المثلي ، أو المثل في القيمي مع التلف إشكال ، و إن كان الأظهر أيضاً


( 47 )

العدم . مسألة 132 : يسقط هذا الخيار ، بانقضاء المدة المجعولة له ، مع عدم الرد و بإسقاطه بعد العقد .

الرابع : خيار الغبن :

إذا باع بأقل من قيمة المثل ، ثبت له الخيار ، و كذا إذا اشترى بأكثر من قيمة المثل ، و تعتبر الأقلية و الأكثرية مع ملاحظة ما انضم إليه من الشرط ، و لا يثبت هذا الخيار للمغبون ، إذا كان عالما بالحال أو مقدما على المعاملة من غير اكتراث بأن لا يكون ما انتقل إليه أقل قيمة مما انتقل عنه . مسألة 133 : يشترط في ثبوت الخيار المغبون أن يكون التفاوت موجباً للغبن عرفاً ، بأن يكون مقداراً لا يتسامح به عند غالب الناس فلو كان جزئياً غير معتد به لقلته لم يوجب الخيار ، و حده بعضهم بالثلث و آخر بالربع و ثالث بالخمس ، و لا يبعد اختلاف المعاملات في ذلك فالمعاملات التجارية المبنية على المماكسة الشديدة يكفي في صدق الغبن فيها العشر بل نصف العشر و أما المعاملات العادية ـ و لا سيما الأشياء اليسيرة ـ فقد لا يكفي فيها ذلك و المدار على ما عرفت من عدم المسامحة الغالبية . مسألة 134 : الظاهر كون الخيار المذكور ثابتاً من حين العقد لا من حين ظهور الغبن فلو فسخ قبل ظهور الغبن صح فسخه مع ثبوت الغبن واقعاً . مسألة 135 : ثبوت هذا الخيار إنما هو بمناط الشرط الارتكازي في العرف العام ، فلو فرض كون المرتكز في عرف خاص ـ في بعض أنحاء المعاملات أو مطلقا ـ هو اشتراط حق استرداد ما به التفاوت و على تقدير عدمه ثبوت الخيار يكون هذا المرتكز الخاص هو المتبع في مورده ، و أما في غيره فالمتبع هو المرتكز العام من ثبوت حق الفسخ ابتداءً فليس للمغبون


( 48 )

مطالبة الغابن بالتفاوت و ترك الفسخ ، و لو بذل له الغابن التفاوت لم يجب عليه القبول بل يتخير بين فسخ البيع من أصله و إمضائه بتمام الثمن المسمى ، نعم لو تصالحا على إسقاط الخيار بمال صح الصلح و سقط الخيار و وجب على الغابن دفع عوض المصالحة . مسألة 136 : يسقط الخيار المذكور بأمور : الأول : إسقاطه بعد العقد و إن كان قبل ظهور الغبن ، و لو أسقطه بزعم كون التفاوت فاحشاً فتبين كونه أفحش ، فإن كان الإسقاط معلقاً ـ لباً ـ على كون التفاوت فاحشاً كما لعله الغالب بطل الإسقاط ، و إن لم يكن معلقاً عليه بل كان هو من قبيل الداعي له صح ، و كذا الحال لو صالحه عليه بمال . الثاني : اشتراط سقوطه في متن العقد ، و إذا اشترط سقوطه بزعم كونه فاحشاً فتبين أنه أفحش جرى فيه التفصيل السابق . الثالث : تصرف المغبون ـ بائعاً كان أو مشترياً فيما انتقل إليه ـ تصرفاً يدل على الالتزام بالعقد ، هذا إذا كان بعد العلم بالغبن ، أما لو كان قبله فالمشهور عدم السقوط به و لا يخلو من تأمل ، بل البناء على السقوط به ـ لو كان دالاً على الالتزام بالعقد ـ لا يخلو من وجه ، نعم إذا لم يدل على ذلك كما هو الغالب في التصرف حال الجهل بالغبن فلا يسقط الخيار به و لو كان متلفاً للعين أو مخرجاً لها عن الملك أو مانعاً عن الاسترداد كاستيلاد الجارية . مسألة 137 : إذا ظهر الغبن للبائع المغبون ففسخ البيع فإن كان المبيع موجوداً عند المشتري استرده منه ، و إن كان تالفاً بفعله أو بغير فعله رجع بمثله ، إن كان مثلياً ، و بقيمته إن كان قيمياً ، و إن وجده معيباً بفعله أو بغير فعله أخذه مع أرش العيب ، و إن وجده خارجاً عن ملك المشتري بأن نقله إلى غيره بعقد لازم كالبيع و الهبة المعوضة أو لذي الرحم ، فالظاهر أنه


( 49 )

بحكم التالف فيرجع عليه بالمثل أو القيمة و ليس له إلزام المشتري بإرجاع العين بشرائها أو استيهابها ، بل لا يبعد ذلك لو نقلها بعقد جائز كالهبة و البيع بخيار فلا يجب عليه الفسخ و إرجاع العين ، بل لو اتفق رجوع العين إليه بإقالة أو شراء أو ميراث أو غير ذلك بعد دفع البدل من المثل أو القيمة لم يجب عليه دفعها إلى المغبون ، نعم لو كان رجوع العين إليه قبل دفع البدل وجب إرجاعها إليه و أولى منه في ذلك لو كان رجوعها إليه قبل فسخ المغبون ، بلا فرق بين أن يكون الرجوع بفسخ العقد السابق و أن يكون بعقد جديد ، فإنه يجب عليه دفع العين نفسها إلى الفاسخ المغبون و لا يجتزي بدفع البدل من المثل أو القيمة ، و إذا كانت العين باقية عند المشتري حين فسخ البائع المغبون لكنه قد نقل منفعتها إلى غيره بعقد لازم كالإجارة اللازمة أو جائز كالإجارة المشروط فيها الخيار لم يجب عليه الفسخ أو الاستقالة مع إمكانها ، بل يدفع العين و أرش النقصان الحاصل بكون العين مسلوبة المنفعة مدة الإجارة . مسألة 138 : إذ فسخ البائع المغبون و كان المشتري قد تصرف في المبيع تصرفاً مغيراً له فإما أن يكون بالنقيصة أو بالزيادة أو بالامتزاج بغيره فإن كان بالنقيصة أخذ البائع من المشتري المبيع و بدل التالف بالإضافة إلى أرش النقيصة الحاصلة من زوال الهيئة الاجتماعية إذا كان لها دخل في زيادة القيمة و كان التالف قيمياً أو مثلياً متعذراً بحيث لا يتدارك تمام النقص بدفع قيمة التالف فقط . و إن كان بالزيادة فإما أن تكون الزيادة صفة محضة كطحن الحنطة و صياغة الفضة و قصارة الثوب ، و أما أن تكون صفة مشوبة بالعين كصبغ الثوب ، و أما أن تكون عيناً غير قابلة للفصل كسمن الحيوان و نمو الشجرة أو قابلة للفصل كالثمرة و البناء و الغرس و الزرع . فإن كانت صفة محضة أو صفة مشوبة بالعين ، فإن لم توجب زيادة قيمة العين فالمبيع للبائع


( 50 )

و لا شيء للمشتري ، و إلا فالأقوى شركة الغابن مع المغبون في المالية الثابتة للمبيع بلحاظ تلك الصفة الكمالية بلا فرق في ذلك بين أن يكون وجود تلك الصفة بفعل الغابن أو لا ، كما إذا اشترى منه عصا عوجاء فاعتدلت ، أو خلا قليل الحموضة فزادت حموضة ، و هكذا الحال فيما إذا كانت الزيادة عينية غير قابلة للانفصال كسمن الحيوان و نمو الشجرة . و أما ان كانت قابلة للانفصال كالصوف و اللبن و الشعر و الثمر و البناء و الزرع كانت الزيادة للمشتري ، و حينئذ فإن لم يلزم من فصل الزيادة حال الفسخ ضرر على المشتري كان للبائع إلزام المشتري بفصلها حينه كاللبن و الثمر ، بل له ذلك و إن لزم الضرر على المشتري من فصلها و لكن يحتمل حينئذ أن يكون ضامناً للضرر الوارد على المشتري خصوصاً فيما إذا كان ـ أي المشتري ـ جاهلاً بالغبن فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك ، و إذا أراد المشتري فصل الزيادة فليس للبائع منعه عنه ، و إذا أراد المشتري فصلها بقلع الشجرة أو الزرع أو هدم البناء فحدث من ذلك نقص على الأرض تداركه ، فعليه طم الحفر و تسوية الأرض و نحو ذلك ، و إن كان بالامتزاج فإن كان بغير جنسه وعد المبيع مستهلكاً فيه عرفاً كامتزاج ماء الورد المبيع بالماء ضمنه المشتري ببدله من المثل أو القيمة ، و إلا فإن عد الموجود طبيعة ثالثة للتفاعل بين الممتزجين مثلاً كالسكنجبين المصنوع من الخل و السكر ، فحكمه الشركة من المزيج بنسبة المالية . و إن لم يكن كذلك بأن عد الموجود خليطاً من موجودات متعددة لا يمكن إفراز بعضها عن بعض إلا بكلفة بالغة كمزج طن من حب الحنطة بطن من حب الشعير فلو فسخ البائع فليس له إلزام المشتري بالإفراز أو بدفع بدل ماله بل يتصالحان بوجه لا يستلزم الربا . و هكذا الحال في الامتزاج بالجنس إذا لم يعد الموجود شيئاً واحداً كخلط حب الحنطة بحب الحنطة سواءأكان الخلط بمثله أو كان بالأجود أو بالأردأ ، و أما إذا عد شيئاً


( 51 )

واحداً كخلط دقيق الحنطة بدقيق الحنطة أو خلط السمن بالسمن فلا يبعد في مثله الحكم بالشركة في العين بنسبة المالية .