38/03/21
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/03/21
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- التنبيه السادس ( العبادة المستحبة والمكروهة ) – اجتماع الأمر والنهي.
وفي مقام الجواب نقول:- إنَّ العبادات المستحبة والمكروهة على نحوين ، الأوّل ما يكون له بدل ، والثاني ما لا يكون له بدلاً ، أما الذي له بدل مثل الصلاة في الحمّام فإنَّ لها بدلاً بأن يخرج من الحمام ويصلي في البيت أو في المسجد ، وأما مثال مالا بدل له صوم يوم عاشوراء فهو مكروه ليس له بدل ، ولا تقل أصوم يوم تاسوعاء أو غيره ، فأقول لك إنَّ ذاك مطلوب ومستحب لنفسه وليس بدلاً.
والآن نتكلّم في النحو الأوّل - أي العبادة المكروهة التي لها بدل -.
نقول يمكن حلّ الاشكال ببيان:- إنَّ هذا النهي عن الصلاة في الحمام الذي نهي كراهتي ليس نهياً تكليفاً مولوياً بل هو نهي ارشادي ، يعني إذا كان نهياً كراهتياً ناشئاً عن مبغوضة وحزازة فهذا الدليل يصير تاماً ، لأنه بالتالي سوف يجتمع نهي ناشئ عن مبغوضية غايته خفيفة مع الأمر ، وإذا أمكن أن يجتمع الأمر مع المبغوضية الخفيفة فيمكن أن يجتمع مع المبغوضية الشديدة إذ لا فرق ، وأيضاً إذا كان ناشئاً من مبغوضية فهذا الاشكال موجود ، ويبقى اشكال أنه كيف يتقرّب إلى الله تعالى بالمبغوض ، فإذا كانت العبادة مبغوضة كيف تتقرّب بها إلى الله عزّ وجلّ ؟! فالإشكال يكون وارداً ، ولكن إذا قلنا هذا النهي هو نهي ارشادي يعني أنَّ الأحاديث الشريفة التي تقول لنا لا تصلِّ في الحمام هي في الحقيقة ترشدنا إلى أنَّ هذا الفرد هو أقل من حيث المزايا وأقل من حيث الثواب وإني أرشدك أيها المكلّف الى الفرد الأكثر ثواباً وليس فيه حزازة بل فيه مزيّة فأذهب وصلِّ في المسجد أو في البيت فإنَّ فيه ثواباً أكثر ، فهو إذن ارشادي وليس مولوياً ناشئاً عن مفسدةٍ ، وإذا كان هكذا فحينئذٍ لا مشكلة؛ إذ بناءً على هذا لا يوجد إلا أمر أما النهي فليس موجوداً ، فإنَّ ذاك إرشاد ، يعني يوجد أمرٌ بالصلاة في الحمّام وأرشدك إلى أنها أقل ثواباً من الأفراد الأخرى ، وهذا لا مشكلة فيه ، أما الذي لا يمكن فهو الناشئ من حزازة ومبغوضية ، فإذا قلنا إنَّ هذا الأمر ارشادي فلا مشكلة حينئذٍ والتقرّب حينئذٍ يكون ممكناً؛ لأنه ليس فيه حزازة ومنقصة ومبغوضية للمولى وإنما هو أقل ثواباً ، فالتقرّب يمكن حينئذٍ ولا مشكلة فيه.
وهكذا في مثال آخر كائتمام المسافر بالحاضر أو الحاضر بالمسافر حيث يقولون هو مكروه ، ومعناه بناءً على هذا ليس هو بتلك الكراهة المولوية الناشئة عن حزازة ، وإلا إذا كانت ناشئة عن حزازة يلزم عدم امكان التقرّب وإنما هو مكروه ومكروه بمعنى أقل ثواباً فإذا تأتمّ مسافر بمسافر حينئذٍ يكون الثواب أكثر ، وحاضر بحاضر يكون الثواب أكثر ، أما مسافر بحاضر فالثواب يكون أقل ، فكراهة بمعنى ارشاد إلى قلّة الثواب ، فهذا الفرد أقل ثواباً وأقل مزيّة ، فإذن لا يكون الاشكال مرتفعاً.
إن قلت:- هذا جيد ومتين ولكن جئني بدليل على أنَّ هذا النهي ارشادي وليس نهياً مولوياً ؟
قلت:- يكفيني أن يكون هذا احتمالاً وجيهاً ، فالإشكال حينئذٍ لا يتوجّه ، فلا يمكن أن يستدل على عدم الامتناع بالعبادات المكروهة إذ يحتمل أنّ هذا ليس من باب النهي المولوي بل من باب النهي الارشادي ويكفينا الاحتمال ، وهذا من أحد موارد قاعدة إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ، فإنَّ دليلك سوف يصير باطلاً لأنه يحتمل أن يكون هذا النهي ارشادياً.
بل أقول مادام يرتفع الاشكال بناءً على كونه ارشادياً فالإشكالات كلّها تزول فتتعين الارشادية حينئذٍ ، فنفس كون الارشادية رافعة للإشكالات تصير دليلاً على تعيّن هذا الاحتمال ، فسوف يرتقي هذا الاحتمال ويصعد عن مستوى الاحتمال ونتمكنّ أن نقول يصير بدرجة الاطمئنان فنقول هذا النهي كراهتي بهذا المعنى ، فإذن ل ينحلّ الاشكال في العبادات المكروهة التي لها بدل بهذا الشكل الذي أشرنا إليه.
هذا ولكن الشيخ النائيني(قده) هو أراد أن يجيب بجواب غير هذا الحواب فقال[1] :- وهذا الجواب الذي ذكره يبتني على مبنىً له قد تقدّمت الاشارة إليه ، وهو أنَّ الأمر بالطبيعة يستلزم ترخيصات متعدّدة بعدد الأفراد لكنها ترخيصات مشروطة ، فحينما يقول لك صلِّ فهذا أمرٌ بالطبيعة ، فمعناه أنت مرخّصٌ في أن تطبق الصلاة المطلوبة في المسجد ومرخّصٌ في أن تطبقها في البيت ..... وهكذا ، ترخيصات متعدّدة بعدد الأفراد ولكنه مشروط بأنه أنت طبّقها في هذا المورد إن لم تطبقها في المورد الآخر ، وهو بناءً على هذا المبنى جاء ليحلّ هذا الاشكال فقال إنَّ المولى حينما أمر بالصلاة فهناك ترخيصات متعدّدة بعدد الأفراد وأحد تلك الترخيصات هو الصلاة في الحمّام - يعني أنت مرخّص في الصلاة في الحمّام – ، ثم قال:- جاءتنا الرواية التي تقول لا تصلِّ في الحمّام - يعني يكره أن تصلّي في الحمام - هذا في الحقيقة نهيٌ عن التطبيق ، وهو نهيٌ كراهتي وليس نهياً تحريمياً ، فإنه لو كان نهياً تحريمياً فنقول كيف ترخّص في هذا التطبيق بمقتضى الأمر بالطبيعة وتنهى نهياً تحريمياً عنه هذا فإن هذا تهافت ؟! ولكن المفروض أنه لا ينهى نهياً تحريمياً وإنما ينهى نهياً كراهتياً ، فهو يقول أنت مرخّص في كلّ تطبيقٍ ومنه تطبيق الصلاة في الحمّام ولكن هذا التطبيق مكروهاً ، وهنا لا منافاة بين الرخصة في التطبيق وبين كونه مكروهاً ، إنما المنافاة فيما إذا كان التطبيق في الحكم الثاني محرّماً فإنَّ الترخيص في التطبيق بمقتضى الأمر بالطبيعة مع حرمة التطبيق عن فردٍ معيّن لا يجتمعان ، أما جواز التطبيق مع كراهة التطبيق في هذا الفرد لا مشكلة فيه.
فإذن هو فسّر النهي عن الصلاة في الحمّام بكراهة التطبيق وهي لا تتنافى مع الترخيص في التطبيق المستفادة من الأمر بالطبيعة.