38/05/22
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
38/05/22
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / الأصول العملية/ الاستصحاب
الذي نقوله هو: ليس مجرّد أن يكون هناك قيد في الصغرى لابدّ أن يكون مأخوذاً في الكبرى، وإنّما ما يُذكر في الصغرى كقيدٍ يختلف، تارةً يكون دخيلاً في الحكم، وأخرى لا يكون دخيلاً في الحكم، يكون مجرّد موردٍ، ذكر هذا القيد باعتباره مورداً، فالمسألة ينبغي أن تنصب على هذه الجهة: أنّ القيد المذكور في محل الكلام وهو قوله: (فأنه على يقين من وضوئه) هذا هل هو قيد دخيل في الحكم، أو هو مجرّد مورد ؟ مورد الرواية هو اليقين بالوضوء والشك في بقاء الوضوء، فعندما يقول: (فأنه على يقينٍ من وضوئه) فأنّ(من وضوئه) ليست قيداً دخيلاً، وإنما هي مجرّد مورد، الكلام ينبغي أن ينصب على أنّ القيد اُخذ على نحو القيدية، أو اُخذ على نحو الموردية ؟ وهذا ما سيتضح في هذا البحث الذي دخلنا فيه في الدرس السابق.
في الدرس السابق قلنا: أنّ هناك وجوهاً ذُكرت لإثبات التعميم وإلغاء الخصوصية في هذه الصحيحة. الوجه الأول ذكرناه في الدرس السابق.
الوجه الثاني: هو دعوى أنّ احتمال الاختصاص في هذه الرواية ينشأ من احتمال أن تكون اللام الداخلة على اليقين للعهد (ولا ينقض اليقين بالشك) الألف واللام عهدية، أي اليقين المذكور قبلها، واليقين المذكور قبلها هو اليقين بالوضوء، فكأنّ الجملة تقول: (لا ينقض اليقين بالوضوء بالشك) فتختص بالوضوء. هذا الوجه يقول أنّ احتمال الاختصاص ينشأ من احتمال أن تكون اللام عهدية، فإذا نفينا هذا الاحتمال، وقلنا أنّ الالف واللام ليست عهدية، وإنّما هي للجنس؛ حينئذٍ يثبت التعميم، ويُدّعى بأنّ الأصل في الألف واللام أن تكون للجنس لا للعهد، كونها للعهد يحتاج إلى مثبت وقرينة، فمع عدم القرينة على أنها عهدية الأصل في الألف واللام أن تكون للجنس، فإذا كانت للجنس، فكأنه قال: أن مطلق اليقين، طبيعي اليقين لا ينقض بالشك، لا خصوص اليقين بباب الوضوء، فيثبت التعميم.
الوجه الثالث: إنكار التقييد في الصغرى. اليقين ورد في الصغرى مطلقاً لا مقيداً بباب الوضوء، وإن كان الوارد في الصغرى هو(فإنه على يقين من وضوئه)، لكنه بالرغم من هذا يقال: (من وضوئه) ليست قيداً لليقين؛ لأنها ليست متعلقة باليقين، وإنّما هي متعلقة بالظرف، فكأنه قال: (فأنه من وضوئه على يقينٍ) فإذا قلنا أنّ (من وضوئه) ليست متعلقة باليقين، وإنّما هي متعلقة بالظرف؛ حينئذٍ تنتهي المشكلة، يكون اليقين المذكور في الصغرى مطلقاً وليس مقيداً بهذا القيد، فبطبيعة الحال يكون اليقين في الكبرى(لا تنقض اليقين بالشك) يراد به مطلق اليقين. ومن هنا يثبت التعميم ولا تكون الصحيحة مختصة بباب الوضوء. هذه وجوهٌ ثلاثة ذُكرت في كلماتهم لإلغاء الخصوصية، لابدّ من ملاحظتها والتأمّل فيها.
أمّا بالنسبة إلى الوجه الأول: الذي هو أنّ التعليل ــــــــ كل كلامنا هو بناءً على الاحتمال الأول الذي يفترض أنّ قوله عليه السلام: (فأنه على يقين من وضوئه) علّة اُقيمت مقام الجزاء المحذوف ــــــــ له ظهور أولي في أن يكون بأمرٍ ارتكازي لا بأمرٍ تعبّدي الذي هو خلاف الظاهر، وحيث أنّ الجملة تعليلية بحسب الفرض، فلابدّ أن يكون التعليل بأمرٍ ارتكازي، ومن الواضح أنّ المرتكز في الأذهان ليس هو الاستصحاب في باب الوضوء، العرف والعقلاء لا يفهمون خصوصية للوضوء، المرتكز في أذهان الناس هو الاستصحاب بشكلٍ مطلق وفي جميع الموارد من دون فرقٍ بين باب الوضوء وغيره وحيث أنّ هذا هو المركوز في الأذهان لا الاستصحاب في باب الوضوء فقط، وحيث أنّ الرواية ورد فيها التعليل والتعليل لابدّ أن يكون بأمرٍ مركوز، إذن: بالنتيجة لابدّ أن يكون التعليل بالاستصحاب في جميع الموارد لا بخصوص الاستصحاب في باب الوضوء. هذا كان حاصل الوجه الأول.
والظاهر أنه لا ينبغي الإشكال في تمامية هذا الوجه على تقدير ثبوت أنّ التعليل في الرواية بأمرٍ ارتكازي. لكن الكلام في أنه من قال أنّ التعليل في الرواية هو بأمر ارتكازي ؟! وبعبارة أخرى: هل هناك ملازمة واضحة بين التعليل وبين كونه بأمرٍ ارتكازي ؟ إلا يمكن أن نتصوّر أنّ التعليل لا يكون بأمرٍ ارتكازي، وإنّما يكون بأمرٍ تعبّدي ؟ أنّ التعليل في محل الكلام في الصحيحة، هل هو بأمرٍ ارتكازي، أو لا ؟ فقد يقال: لا دليل على أنّ كل تعليل لابدّ أن يكون بأمرٍ ارتكازي، قد يكون بأمرٍ ارتكازي وقد يكون بأمر غير ارتكازي. قد يكون بأمرٍ مرتكز في أذهان المخاطبين والإمام(عليه السلام) يريد أن يشير إلى ذلك الأمر الارتكازي في أذهانهم لتقريب المطلب ولإقناعهم، وقد يُعلل بأمرٍ تعبّدي صرِف ليس مرتكزاً في أذهان المخاطبين، المخاطبون يجهلونه وليسوا على علمٍ به، ومع ذلك الإمام(عليه السلام) يعلل بهذا الأمر التعبدي؛ ولذا يوجد فرق بالوجدان بين أن يقال: (لا تضرب اليتيم لأنه ظلم) وبين أن يقال: (أكرم زيداً لأنه عالم) في المثال الأول تعليل بأمرٍ ارتكازي؛ لأنّ حرمة الظلم وقبحه أمر مرتكز في أذهان المخاطبين باعتبارهم عقلاء، فهو أمر مرتكز في أذهانهم، التعليل يشير إلى هذا الأمر المرتكز في أذهانهم وهو حرمة الظلم وقبحه، بينما في المثال الثاني وجوب إكرام العالم ليس أمراً مرتكزاً في أذهان العقلاء بحيث هم يعلمونه قبل الخطاب وبقطع النظر عنه، العقلاء والعرف لا يفهمون وجوب إكرام العالم بشكل عام إلا من خلال هذا الخطاب لا أنه شيء ثابت في أذهانهم قبل الخطاب، بخلاف حرمة الظلم وقبحه، فأنه شيء مرتكز في أذهانهم بقطع النظر عن الخطاب. أمّا وجوب إكرام العالم، فهذا شيء ليس مرتكزاً في أذهان العقلاء. نعم يعلمون بوجوب إكرام العالم من خلال هذا الخطاب مع أنه تعليل، لكنّه ليس تعليلاً بأمرٍ ارتكازي، وإنّما بأمرٍ تعبّدي، والتعليل بالأمور التعبّدية وارد في كثير من الأحاديث، أحاديث كثيرة في الأبواب المختلفة يرد فيها التعليل ليس بأمرٍ ارتكازي، وإنما بأمرٍ تعبّدي لا يُفهم إلا من خلال الخطاب، مع هذا الشارع يُعلل بهذا الشيء مع عدم افتراض أنّ العقلاء يعلمون به واستقر في أذهانهم بقطع النظر عن الخطاب، هذا الشيء له شواهد كثيرة، ومن هنا قد يقال: أنّ مجرّد التعليل لا يقتضي أن يكون بأمرٍ ارتكازي؛ بل قد يكون بأمرٍ ارتكازي وقد يكون بأمرٍ تعبّدي.
إذن: هذا الدليل لا يتم؛ لأننا في الرواية ـــــــ بناءً على الاحتمال الأول ـــــــ نواجه تعليلاً، كأنه قال: (لا يجب عليه الوضوء، وإن لم يستيقن أنه قد نام، فلا يجب عليه الوضوء؛ لأنّه على يقينٍ من وضوئه). هذا تعليل، أمّا من قال بأنّه تعليل بأمرٍ ارتكازي ؟ لعلّه تعليل بأمرٍ تعبّدي على غرار قوله(أكرِم زيداً لأنه عالم).
لكن قد يجاب عن هذه الملاحظة كما ذُكر في بعض الكلمات: بأنّ هذا الكلام صحيح، أنّ التعليل قد يكون بأمرٍ ارتكازي وقد يكون بأمرٍ تعبّدي وهذا ممّا لا يمكن إنكاره، لكن في خصوص المقام قد يُدّعى وجود ما يقتضي أن يكون التعليل بأمرٍ ارتكازي لا بأمرٍ تعبّدي، ويدل على ذلك قوله: (ولا ينقض اليقين بالشك) بأن يقال: أنّ جملة(وإن لم يستيقن أنه قد نام، فلا يجب عليه الوضوء؛ لأنه على يقين من وضوئه) هي من قبيل أن يقول: (أكرم زيداً لأنه عالم) هذه الجملة بهذا المقدار يتم فيها الكلام السابق، يعني لا نعلم أنّ التعليل هل هو بأمرٍ ارتكازي أو هو بأمرٍ تعبّدي ؟ قد يكون بأمرٍ ارتكازي من قبيل(لا تضرب اليتيم لأنه ظلم) وقد يكون بأمرٍ تعبّدي من قبيل(أكرم زيداً لأنه عالم). لكن إذا ضممنا إلى ذلك ذيل الرواية، الجملة الثانية التي هي قوله: (ولا ينقض اليقين بالشك) يرِد هذا السؤال: لماذا أضيفت هذه الجملة ؟ ولنطبقه على جملة(أكرم زيداً لأنه عالم) لتكون أوضح، إذا قال: (أكرم زيداً لأنه عالم، والعالم يجب إكرامه) فتكون من قبيل ما نحن فيه، لدينا حكم(أكرم زيداً) وهذا الحكم معلل(لأنه عالم) وتوجد إضافة(والعالم يجب إكرامه) ما نحن فيه من هذا القبيل. يوجد لدينا حكم وهو(لا يجب الوضوء) معلل بأنه(لأنه على يقين من وضوئه) وتوجد إضافة وهي(لا ينقض اليقين بالشك) إذا نظرنا إلى مثال(أكرم زيداً لأنه عالم، والعالم يجب إكرامه) السؤال هو أنّ التعليل وحده ليس دليلاً على أنّ التعليل بأمرٍ ارتكازي، لكن هذه الإضافة(والعالم يجب إكرامه) لماذا أضافها ؟ هل اُضيفت لإثبات أنّ مطلق العالم يجب إكرامه ؟ الجواب لا ؛ لأنّ هذا شيء يُفهم من قوله: (لأنه عالم) ثبوت الحكم لمطلق العالم يُفهم من قوله: (أكرم زيداً لأنه عالم). إذن: لماذا هذه الإضافة ؟ لابدّ أن يكون لجملة(والعالم يجب إكرامه) فائدة، ويُدّعى بأنّ فائدة هذه الجملة هو بيان مناسبة الحكم(وجوب الإكرام) للموضوع(مطلق العالم)، فكأنه قال: (والعالم ينبغي إكرامه) يناسب هذا الموضوع أن يثبت له وجوب الإكرام، بيان هذه المناسبة. إذا صار البناء تفسير هذه الجملة على أنها جيء بها لإفادة التناسب بين الحكم والموضوع وأنّ مطلق العالم يناسبه أن يثبت له وجوب الإكرام، وأنّ وجوب الإكرام المناسب أن يثبت لمطلق العالم لا لخصوص عالمٍ معيّن؛ حينئذٍ يمكن أن يقال أنّ هذا أمر ارتكازي إشارة إلى ما هو مرتكز في أذهان الناس من هذه المناسبة، أنّ المناسب لمطلق العالم أنّه يجب إكرامه في مقابل أن يثبت وجوب الإكرام لبعض أفراد العالم، المناسبة بين الحكم والموضوع هو الذي جيء بهذه الجملة لإفادة ذلك، فإذا كان كذلك؛ حينئذٍ هذا إشارة إلى أمر ارتكازي، هذا أمر مرتكز في أذهان الناس، ليس ثبوت الحكم للعالم؛ بل أنّ هناك مناسبة بين وجوب الإكرام وبين مطلق العالم، هذه المناسبة أمر يفهمه العرف والعقلاء بقطع النظر عن الخطاب، ومن هنا يقال بأنّ التعليل في هذه العبارة هو بأمرٍ ارتكازي، من هنا يُفهم هذا الشيء، لو قال: (أكرم زيداً لأنه عالم) وسكت، يتم فيها الكلام السابق، لا نفهم أنه تعليل بأمرٍ ارتكازي، لكن عندما يُضيف(أكرم زيداً لأنه عالم والعالم يجب إكرامه) كأنه يقول: أنّ المناسب لمطلق العالم أن يثبت له هذا الحكم. هذا يمكن أن يقال أنه إشارة إلى أمر ارتكازي، ومن هنا يقال أنّ هذا هو مقصود من يقول أنّ التعليل في هذه العبارة هو تعليل بأمرٍ ارتكازي. هذا يُراد تطبيقه على الصحيحة في محل الكلام، باعتبار أنّ الصحيحة فيها حكم، وهو(لا يجب عليه الوضوء) وفيها تعليل، وهو(لأنه على يقين من وضوئه) وفيها إضافة، وهي(ولا ينقض اليقين بالشك)، وجيء بهذه الإضافة ليس لإفادة أنّ كل يقينٍ لا ينقض بالشك؛ لأنّ هذا يُفهم من التعليل(فلا يجب عليه الوضوء؛ لأنه على يقين من وضوئه) وإنّما جيء بها لإثبات مناسبة أنّ اليقين لا ينبغي نقضه بالشك، إثبات التناسب بين اليقين وبين عدم النقض، باعتبار أنّ اليقين فيه جهة استحكام وجهة إبرام، بعكس الشك الذي لا إبرام ولا استحكام فيه. هذا إلفات نظر للعاقل إلى مرتكزاته، أنّ اليقين فيه جهة استحكام وإبرام، ومثل هذا الشيء الذي فيه جهة استحكام وإبرام لا ينبغي نقضه بشيءٍ لا استحكام فيه ولا إبرام، فتكون العبارة تعليلاً بأمرٍ ارتكازي.
لكن يبدو أنّ هذا الجواب قابل للتأمل، باعتبار أنّ الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) عندما قال بالاحتمال الأول، الظاهر أنه لا يقصد بأنّ جملة(فأنه على يقين من وضوئه) هي وحدها العلة، وإنما الظاهر أنه يقصد أنّ العلّة هي وما بعدها، أنّ العلّة هي(فأنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك)، ليس مقصوده أنّ العلّة هي جملة(فأنه على يقين من وضوئه) وإلاّ فأنّ هذه الجملة قد لا تصلح للتعليل أصلاً، وهي إشارة إلى اليقين السابق، الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) لا يقول بأنّ اليقين هو اليقين التعبّدي، وإنّما يقينه هو اليقين السابق، كيف تصلح جملة(فأنه على يقينٍ من وضوئه) لتعليل الحكم بعدم وجوب الوضوء مالم نضم إليها جملة(وأنّ اليقين لا ينقض بالشك) ؟! التي يُفهم منها لزوم الجري العملي على طِبق اليقين السابق، وبالتالي لا يجب عليه الوضوء.
إذن: العلّة بنظر الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) على الظاهر هي مجموع الجملتين لا خصوص الجملة الأولى.[1] إذا ثبت هذا؛ حينئذٍ لا يمكن أن نقيس ما نحن فيه بجملة(أكرم زيداً لأنه عالم والعالم يجب إكرامه) لأنّ هناك كانت إضافة بعد التعليل، التعليل(لأنه عالم) انتهى، فهمنا من ذلك أنّ كل عالمٍ يجب إكرامه، جاءت هذه الإضافة، فنقول أنّ هذه الإضافة ما هي فائدتها ؟ هل فائدتها إثبات وجوب الإكرام لمطلق العالم ؟ نقول: لا ؛ لأنّ هذا يثبت بنفس التعليل، فلابدّ أن تكون لها فائدة أخرى، وفائدتها إشارة إلى المناسبة وما هو مرتكز في أّهان الناس، فيكون المجموع بأمرٍ ارتكازي. وهذا غير ما نحن فيه، ما نحن فيه الجملة الثانية هي جزء من العلّة، هي تمام التعليل وليست إضافة حتى نقول ما هي فائدتها، أصلاً التعليل لا يصح بافتراض الجملة الأولى فقط، وإنّما التعليل لعدم وجوب الوضوء إنما يصح لمجموع الجملتين، الصغرى تقول: (فأنه على يقين سابقٍ من وضوئه)، والكبرى تقول: (أنّ هذا اليقين السابق لا ينبغي نقضه بالشك) فيكون تعليلاً لعدم وجوب الوضوء عليه ما دام أنه لم يستيقن بالنوم، فليس هناك إضافة حتى نقول أنّ هذه الإضافة إشارة إلى المناسبة فيكون التعليل بأمرٍ ارتكازي، وإنّما ذُكر حكم وذُكرت علّة ـــــــ بقطع النظر عمّا سيأتي ـــــــ الحكم عدم وجوب الوضوء، وعلّته الاستصحاب. فليس هناك شيء إضافي حتى نقول لماذا جيء بهذا الأمر الإضافي، فنبحث عن مناسبة، عن أمرٍ ارتكازي حتى يكون هذا هو الوجه في كون التعليل في الرواية تعليلاً بأمرٍ ارتكازي.
الشيء الذي يمكن أن يقال هو: بناءً على ما تقدّم سابقاً من بعضهم من أنّ الاستصحاب أمر مركوز في أذهان الناس، وبناءً على قيام السيرة عليه، وقد تقدّم سابقاً قيام السيرة عليه، وأنّه لولا الاستصحاب تختل كثير من الأمور. بناءً على أنّ الاستصحاب أمر مركوز في أذهان الناس، هذا يمكن أن يساعد على أنّ التعليل في الرواية بأمرٍ ارتكازي؛ لأنه عللّه بالاستصحاب، فالتعليل بأنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك، هذا تعليل بالاستصحاب، والاستصحاب أمر مركوز في أذهان الناس، وقامت عليه السيرة، هذا يساعد على أنّ التعليل في الرواية بأمرٍ ارتكازي. وأمّا إذا أنكرنا ذلك، وقلنا أنّ الاستصحاب ليس أمراً مركوزاً في أذهان الناس، ولم تقم عليه السيرة أصلاً كما ذهب إلى ذلك بعضهم، بناءً على هذا؛ حينئذٍ إثبات أنّ التعليل في الرواية بأمرٍ ارتكازي يكون مشكلاً. والغريب أنّ بعض من أنكر ارتكازية الاستصحاب على ما تقدّم سابقاً، وادّعى أنّ عمل العقلاء بالاستصحاب إنما هو من باب الاطمئنان أو من باب الاحتياط، أو من باب الغفلة، هو بنفسه يقول هنا أنّ التعليل في الرواية هو بأمرٍ ارتكازي، السيد الخوئي(قدّس سرّه) ملتفت إلى هذه الجهة؛ لأنّه ممن أنكر ارتكازية الاستصحاب، ولكنه في المقام ادّعى بأنّ التعليل بأمرٍ ارتكازي؛ ولذلك التفت وأورد على نفسه بأنه قد يقال بأنّ ما تقدّم منّا من انكار ارتكازية الاستصحاب ينافي دعوى أنّ التعليل في الرواية بأمرٍ ارتكازي، هناك منافاة بينهما، إذا لم يكن الاستصحاب أمراً مركوزاً في أذهان الناس، فالتعليل به لا يكون بأمرٍ ارتكازي وإنما لابدّ أن يكون بأمر تعبّدي.[2]