38/06/13
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/06/13
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أصالة البراءة
إلى هنا قد وصلنا إلى أن قاعدة قبح العقاب بلا بيان من القضايا الأولية الفطرية وثبوتها لا يحتاج إلى دليل بل هي ثابتة بنفسها ولكن لا بد من إثبات موضوعها في الخارج فإن احتمال التكليف إذا كان بيانا ومحركا للمكلف ومنجزا للواقع فلا تجري هذه القاعدة وتنتفي بانتفاء موضوعها واما إذا قلنا إن احتمال التكليف ليس بيانا لا عقلا ولا شرعا ولا عند العقلاء فعندئذ تطبيق قاعدة قبح العقاب بلا بيان ضروري وقهري فهي تنطبق على صغراها وانطباق الكبرى على الصغرى ضروري فلا يحتاج إلى أي مؤونة زائدة وعلى هذا فلا يبقى مجال لقاعدة حق الطاعة.
واما قاعدة حق الطاعة فهي متوقفة على ان يكون احتمال التكليف بيانا ومحركا ومنجزا وبيّنا للمكلف فإذا كان احتمال التكليف دليلا فالمرجع قاعدة حق الطاعة وحق العبودية لا قاعدة قبح العقاب بلا بيان وهذا ما يحتاج إلى إثبات أي إثبات ان احتمال التكليف بيان أو ليس ببيان حجة او ليس بحجة.
بقي علينا ان نذكر مستند الفرق بين القاعدتين ويمكن ان يكون مستندا الى احدى النكات الاتية:
النكتة الاولى: أن السيرة العقلائية بين الموالي والعبيد في موارد الشك في التكليف أي الشك في أمر الموالي الى العبيد واحتماله قد جرت على التمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان وان أمر المولى إلى العبد إنما يكون نافذا إذا كان وصوله إليه بالعلم الوجداني أو بالعلم التعبدي ومع عدم وصوله إليه كذلك بل كان مجرد احتمال وشك في الواقع فهو لا يصلح أن يكون بيانا لأن الاحتمال عند العقلاء لا يصلح أن يكون بيانا ومحركا ومنجزا للتكليف في الواقع ولهذا يتمسك العقلاء بقاعدة قبح العقاب بلا بيان عند احتمال التكليف.
ولعل المحقق النائيني قد اعتمد على هذه السيرة فيما ذكره من التمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان.
ودعوى اختصاص هذه السيرة بالموالي العرفية والجعلية وعدم عمومها الموالي الذاتية صحيحة ولكن المحقق النائيني لم يفرق بين ان تكون مولوية المولى ذاتية وبين أن تكون جعلية فعلى كلا التقديرين يرجع إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان في موارد الشك والاحتمال بلا فرق بين أن يكون احتمال التكليف من المولى الذاتي أو من المولى الجعلي فلا يفرق بينهما.
فكل من يدعي أن المورد من موارد قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا بد من إثبات ان احتمال التكليف لا يصلح أن يكون بيانا ومن يدعي أن المورد من موارد قاعدة حق الطاعة والعبودية لا بد من إثبات أن احتمال التكليف بيان ومنجز ومحرك.
هذه نكتة الفرق بين المولوية الذاتية والمولوية الجعلية.
النكتة الثانية: أن مولوية المولى إذا كانت ذاتية فلا حدود لها فهي مطلقة تكوينا وتشريعا أي كما انها ثابتة في موارد العلم بالتكليف سواء كان العلم وجدانيا او تعبديا فكذلك هي ثابتة في موارد الشك في التكليف بل هي كذلك حتى في موارد كون التكليف موهوما لأن هذا مقتضى عدم محدوديتها.
وأما المولوية الجعلية فقد تقدم انها تتبع في السعة والضيق الجعل وعلى هذا فنحن نعلم بجعل المولوية في موارد العلم بالتكليف الوجداني او التعبدي ولا نعلم بجعل المولوية في موارد الشك في التكليف وموارد احتماله فالقدر المتيقن هو موارد العلم بجعل المولوية وهي موارد العلم بالتكليف وجدانا او تعبدا ولا نعلم بجعلها في موارد احتمال التكليف والشك فيه فضلا عن كونه موهوما. هذا هو الفرق بين المولوية الذاتية والمولية الجعلية.
والجواب عن ذلك: أنا ذكرنا غير مرة أن أخذ العلم بالحكم في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في مرتبة المجعول ممكن ثبوتا ولا محذور فيه كمحذور الدور وتوقف الشيء على نفسه فهذا المحذور غير لازم وفي المقام إذا كانت مولوية المولى المجعولة مختصة بصورة العلم بالأحكام الشرعية وجدانا او تعبدا فلازم ذلك أن العلم بالمولوية قد أخذ في مرتبة الجعل في موضوعها في مرتبة المجعول وهذا لا محذور فيه ثبوتا فلا يلزم الدور لأن العلم يتوقف على الجعل والجعل لا يتوقف على العلم بل المجعول يتوقف على العلم فإذاً لا دور في البين ولا يلزم توقف الشيء على نفسه.
فإذاً أخذ المولية الجعلية في مرتبة الجعل في موضوع نفسها في مرتبة المجعول ممكن ثبوتا ولكن بحاجة إلى دليل في مقام الإثبات فهل الدليل يدل على ذلك في مقام الإثبات او لا؟
الجواب على ذلك: أن أدلة ولاية النبي الأكرم(ص) والأئمة الأطهار(ع) مطلقة ومقتضى إطلاقها أن جعل الولاية لهم لا يختص بصورة العلم بها بل يعم صورة الشك والاحتمال أيضا فولايتهم كما انها ثابتة في موارد العلم بالتكليف فكذلك ثابتة في موارد الشك والاحتمال أيضا وعلى هذا فلا فرق بين المولوية الذاتية والمولوية الجعلية من هذه الجهة فكما ان المولية الذاتية ثابتة في موارد الشك والاحتمال فكذلك المولوية الجعلية ثابتة في هذه الموارد. فإذا كانت الأدلة مطلقة في مقام الإثبات فهي تكشف عن الإطلاق في مقام الثبوت وان الولاية مجعولة لهم مطلقا لا مقيدة بصورة العلم بها لأن الإطلاق في مقام الإثبات كاشف عن الإطلاق في مقام الثبوت.
والعمدة إثبات أن احتمال التكليف محرك للمكلف وبيان له أولا؟ فإن أثبتنا انه بيان ولو كان في الشبهات الحكمية بعد الفحص لأن احتماله مساوق لاحتمال العقوبة فلا موضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بيان واما إذا قلنا أنه لا يصلح أن يكون بيانا في الشبهات الحكمية بعد الفحص فالمورد مورد لقاعدة قبح العقاب بلا بيان.
النكتة الثالثة: أن المولوية إذا كانت ذاتية فهي أقوى وأشد من المولوية الجعلية لأنها كما قلنا مطلقة في التكوينيات والتشريعيات واما المولوية الجعلية فهي خاصة في التشريعيات لا في التكوينيات فمولوية الباري تعالى ثابتة في التكوينيات والتشريعيات بنحو الإطلاق واما مولوية النبي الأكرم(ص) والأئمة الأطهار(ع) فهي ثابتة في التشريعيات فقط، وعلى هذا تكون المولوية الذاتية أشد وأقوى بمراتب من المولوية الجعلية، فإذا كان احتمال التكليف مستندا إلى المولوية الذاتية فالمرجع فيه قاعدة حق الطاعة دون قاعدة قبح العقاب بلا بيان واما إذا كان احتمال التكليف مستندا إلى المولوية الجعلية فالمرجع فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان فلا بد من هذا التفصيل.
والجواب عن ذلك: أنه لا شبهة في أن مولوية الباري تعالى أقوى من مولوية غيره فإن له الولاية المطلقة على جميع التكوينيات والتشريعيات واما ولاية النبي الأكرم(ص) والأئمة الأطهار(ع) فهي مختصة بالتشريعيات فقط. وهذا لا كلام فيه. وإنما الكلام في الحكم الصادر من المولى الذاتي من جهة مولويته التشريعية لا من جهة مولويته التكوينية والمفروض ان الحكم الصادر من النبي الأكرم(ص) أنه صادر منه بمولويته التشريعية فإذا كان هذا الحكم حكم مولوي فإن وصل على المكلف بالعلم الوجداني او التعبدي فلا مناص من تطبيق قاعدة حق الطاعة والعبودية واما إذا لم يصل بالعلم الوجداني او بالعلم التعبدي بل كان مجرد احتمال وشك فعندئذ لا بد من إثبات ان احتمال التكليف بيان أو ليس ببيان فإن أثبتتنا انه بيان فلا بد من الرجوع إلى قاعدة حق الطاعة والعبودية وان أثبتنا انه ليس ببيان فالمرجع فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
هذا ملخص ما ذكرناه في بيان الوجه الذي أفاده المحقق النائيني(قده) وقد فصلنا الحديث عنه كثيرا.