39/02/01
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
39/02/01
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- البحث الثالث عشر ( أنحاء التمسك بالإطلاق ثلاثة)- الاطلاق ومقدمات الحكمة.
البحث الثالث عشر:- انحاء التمسك بالإطلاق ثلاثة.
هناك أنحاء ثلاثة للتمسك بالإطلاق اثنان منها لا ينبغي الاشكال في جوازها وحجيتها الثالث محكوم بعدم الحجية ، أما الأوّلان اللذان لا إشكال في حجيتهما فهما:-
الأوّل:- ما إذا كان أصل التقيد مشكوكاً كما إذا في الآية الكريمة ﴿ أحل الله البيع ﴾ وشككنا هل هو مقيد بالعربية أو الماضوية أو لا وهذا شك في أصل التقييد هذا هو القدر المتيقن من حجية الاطلاق والمدرك هو سيرة العقلاء الممضاة.
الثاني:- ما إذا شك في التقييد الزائد ، فهنا أيضاً يكون الاطلاق حجة ، من قبيل ﴿ أحل الله البيع ﴾ فإنه لا اشكال في كونه مقيداً بغير ما إذا كان البيع فضولياً وبغير ما إذا كان متعلق البيع محرّماً أو مجهولاً فهذه تقييدات جزمية فإذا شككنا في تقييدٍ زائد كأن نشك في اعتبار العربية ففي هذا الاطلاق حجة أيضاً بلا كلام ، والمدرك في ذلك هو سيرة العقلاء الممضاة أيضاً ، والشاهد على سيرة العقلاء هذه هي أن الفقهاء يتمسكون بإطلاق ﴿ أحل الله البيع ﴾ في جميع الموارد المشكوكة والحال أنَّ هذا شك في التقييد الزائد لأنه مقيّد بالقيود الجزمية قَبلاً وإنما نشك في قيودٍ زائدة وسيرة الفقهاء جرت على ذلك والفقه أصلاً مبني على هذا ، وهكذا ﴿ وحرّم الربا ﴾ فنحن نتمسّك بإطلاقه والحال أنه خرج منه الربا بين الوالد وولده وبين الزوج وزوجته ، فإذا شككنا في تقييد زائد نتمسّك بالإطلاق ، هكذا فعل الفقهاء والفقهاء هم الشريحة والصداق الواضح من العقلاء وهذا لا كلام فيه ، وإنما ذكرنا هذين الموردين مقدّمة للمورد الثالث.
وأما المورد الثالث الذي وقع محلاً للكلام فهو ما إذا فرض أنَّ لدينا دليلاً مطلقاً وفرض أنَّ فرداً من الأفراد هو غير مشمول لحكم الاطلاق جزماً ولكن نشك هل خروجه من الاطلاق هو من باب التخصيص والتقييد[1] أو من باب التخصّص ، ومثاله العرفي كما إذا قال المولى ( أكرم كل نجفي ) وجاء شخص فأشار لي المولى بأن لا تكرمه ، فهنا هذا الشخص خارج من ( أكرم كل نجفي ) جزماً ولكن لماذا أخرجه المولى فهل أخرجه لأجل أنه ليس بنجفي أصلاً - يعني يريد أن يقول لي إنَّ هذا ليس بنجفي - فيكون خروجه تخصصياً أو أنه نجفيّ ولكن لا تكرمه لأنه غير ملتزم فيكون الخروج بالتخصيص ، فالأمر دائر بين أن يكون الخروج تخصيصاً أو أنه تخصّصي ، يعني بين أن يكون الخروج حكمياً لا موضوعياً أو هو خروج موضوعي أيضاً ، فهل يمكن أن نتمسّك بأصالة الاطلاق لنفي التخصيص والتقييد وبالتالي يثبت أنَّ الخروج موضوعي تخصّصي ؟ فهل يمكن التمسّك بأصالة عدم التخصيص - أي أصالة العموم - لإثبات التخصّص أي لإثبات الخروج الموضوعي وأن الخروج ليس خروجاً حكمياً ؟
وتظهر الثمرة في أنه إذا فرضنا أنَّ الخروج خروجاً تخصصياً يني هو ليس بنجفي فنرتّب عليه جميع آثار غير النجفي ، فلو فرضنا أنَّ غير النجفي له آثار أخرى غير مسألة الاكرام وعدم الاكرام ففي مثل هذه الحالة إذا كان الخروج تخصصياً فلتلك الآثار الأخرى الثابتة للنجفي لا تكون ثابتة له ، بينما إذا كان الخروج بالتخصيص يعني من حيث هذا الحكم هو خارج عنه يعني هو باقٍ على كونه نجفياً فالآثار الأخرى إن كانت موجودة للنجفي فحينئذٍ سوف تترتب عليه ، فالثمرة تظهر بلحاظ الآثار الأخرى.
والصحيح أنه لا يجوز التسّمك بأصالة التخصيص لإثبات التخصّص ، والوجه في ذلك هو أنَّ مدرك هذه الأصول اللفظية - يعني أصالة العموم والاطلاق - هو سيرة العقلاء والقدر المتيقن منها أنه لو دار الأمر بين التخصيص وعدم التخصيص يعني نعلم أن هذا فرد من أفراد العام جزماً ولكن هل خرج بالتخصيص أو لم يخرج فهنا العقلاء يطبّقون أصالة العموم جزماً ، أما إذا دار الأمر بين التخصيص والتخصّص فكونهم يتمسّكون هنا بعدم أصالة التخصيص لإثبات التخصص هو أوّل الكلام.
ولك أن تقول بعبارة أخرى:- إنَّ العقلاء يتمسّكون بأصالة عدم التخصيص جزماً في حالة ما إذا شكوا في أنَّ الفرد خارج من الحكم أو لا ، أما إذا كان خارجاً عن الحكم جزماً ولكن هل خروجه عن الحكم بنحو التخصيص أو التخصّص فهنا لا نجزم بانعقاد السيرة ، ولذلك لو راجعت قرارة نفسك فإنك تبقى شاكاً في أنه هل نتمسّك بها أو لا ، وشكك هو عدم الجزم بوجود سيرة عقلائية ، فلا يمكن اجراء أصالة عدم التخصيص لإثبات التخصص.
والمثال الشرعي:- لو فرض أنَّ المكلف استنجى فوقع ثوبه في ماء الاستنجاء فهل يتنجّس وهل أنَّ ماء الاستنجاء طاهر أو نجس ؟ إنه توجد رواية تقول هو لا يتنجّس ، وهي صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي:- ( سألة أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أينجس ذلك ثوبه ؟ قال:- لا بأس به )[2] ، وقد استدل بهذه الرواية غير واحد من الفقهاء على طهارة ماء الاستنجاء بدليل أنَّ الامام عليه السلام حينما سئل وقيل له أينجس ذلك ثوبه فقال لا وهذا معناه أنَّ ماء الاستنجاء طاهر ولذلك لا ينجّس الثوب.
ولكن يمكن أن يستشكل في المقام ويقال:- كما يحتمل عدم تنجس الثوب للنكتة المذكورة يوجد احتمال ثانٍ وهو أنَّ ماء الاستنجاء نجس لكنه لا ينجّس الملاقي لا أنه طاهر.
والفارق بين هذا وذاك:- فعلى الأوّل تقول إنَّ ماء الاستنجاء طاهر أما بناء على هذا يكون ماء الاستنجاء نجس غاية الأمر هو نحوٌ من النجاسة لا تنجّس ، وهذا الاحتمال موجود.
ولك أن تقول بعبارة أخرى:- إنَّ كبرى ( كل متنجّس ينجّس ) نعلم بخروج ماء الاستنجاء عنها جزماً لكن نشك هل هو خارج منها من باب أنه طاهر - وهذا خروج موضوعي - أو نه خرج منها لا من باب أنه طاهر بل من باب أنه نجس لكن خرج من حكمها فلا ينجّس ، فهو خارج من هذه الكبرى جزماً ولكن لا ندري هل هو خارج منها خروجاً موضوعياً أو خروجاً حكمياً ، فلأجل أن يتم الاستدلال بالرواية على كون ماء الاستنجاء طاهراً لابد أن نتمسّك بأصالة عدم التخصيص لإثبات التخصّص ، يعني نقول إنَّ قاعدة ( كلّ نجسٍ يُنجّس ) لم يطرأ عليها تخصيص فإنَّ الأصل عدم التخصيص حتى يثبت بعدم التخصيص التخصص ، يعني أنَّ الخروج موضوعي ، يعني أنَّ ماء الاستنجاء خارج موضوعاً من هذه الكبرى ، يعني هو ليس بنجس أصلاً بل هو طاهر ، فلابد لك أن تبني على هذا حتى يصير التمسّك بالرواية صحيح.
إذن نقول في ردّ الفقهاء الذين تمسكوا بهذه الروية لإثبات أنَّ ماء الاستنجاء طاهر:- إنَّ هذا الاستدلال يتوقف على ضمّ كبرى ( الأصل هو عدم التخصيص عند الدوران بين التخصيص والتخصّص ) فيثبت بذلك أن الخروج تخصصّي ، ولماذا يبنى على ذلك ؟ لأنه في موردنا صحيح أنَّ الرواية قالت إن ثوبك لا يتنجّس ولكن لأيّ شيء هو لا يتنجّس هل لأجل أنَّ ماء الاستنجاء طاهر أو يوجد احتمال أنَّه نجس ولكن لا ينجّس ، فإذن نقول لعلّه من باب أنه نجس لكنه لا ينجّس.
وإن شئت قلت:- إنَّ كبرى ( النجس ينجّس ) خرج منها ماء الاستنجاء جزماً ولكن يشكل بأنه هل خرج موضوعاً أو خرج حكماً فقط ، وأنت تريد أن تتمسّك بأصالة عدم التخصيص لإثبات التخصّص - يعني لإثبات أن الخروج موضوعي يعني هو ليس بنجس أصلاً وإنما هو طاهر - واجراء أصالة عدم التخصيص لإثبات التخصّص ليست ثابتة حيث لم تنعقد عليها سيرة العقلاء.