23-01-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/01/23
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
مسألة ( 404 ):- يتخيّر الرجل بين الحلق والتقصير والحلق أفضل ومن لبد شعر رأسه بالصمغ أو العسل أو نحوهما لدفع القمّل أو عقّص شعر رأسه وعقده بعد جمعه ولفّه فالأحوط له اختيار الحلق بل وجوبه هو الأظهر . ومن كان صرورةً فالأحوط له أيضاً اختيار الحلق وإن كان تخييره بين الحلق والتقصير لا يخلو من قوّة.
..........................................................................................................
مضمون المسألة واضحٌ وهو باختصار:- إن المرأة -كما تقدّم - يتعيّن عليها التقصير وأما الرجل فهو بالخيار بينه وبين الحلق حتى في الصرورة وإن كان الأحوط استحباباً بل هو الأفضل الحلق والملبّد والمعقّص يتعّين عيله الحلق. هذا مضمون المسألة الذكورة.
وقبل أن ندخل في صميم المسألة نشير إلى قضايا فنيّة ثلاث وهي جانبية وليست مهمة:-
القضية الأولى:- إنه كان من المناسب له(قده) الجمع بين بيان وظيفة المرأة ووظيفة الرجل لا أن تيّن وظيفة المرأة في مسألةٍ - وهي المسألة السابقة - ووظيفة الرجل تبيّن في مسألة أخرى - وهي هذه المسألة - وكان من المناسب الجمع بينهما في مسألة واحدة فهنا لو جُمع بني الأمرين وقيل:- ( المرأة يتعيّن عليها التقصير والرجل بالخيار بينه وبين الحلق حتى في الصرورة .... ) كان أفضل حينئذٍ في مقام الالتفات والاستيعاب.
القضية الثانية:- إنه أشار ضمن كلامه إلى الملبّد والمعقّص لشعره وهذان مفقودان في زماننا فلا داعي إلى الاشارة إلى ذلك بعدما كان هذا شيئاً منعدماً.
ومعنى مصطلح المعقّص والمبلّد:- قال صاحب الوافي(قده):- ( العقص اللّي والفتل وادخال أطراف الشعر في أصوله ، والتلبيد أن يجعل في الشعر شيء من صمغٍ لئلا يسعد ويقمل اتّقاءً على الشعر .. )[1].
القضية الثالثة:- إنه حصل تطويل في ألفاظ المسألة المذكورة وكان من المناسب اختصارها وحذف الزوائد وذلك بأن يعبّر هكذا:- ( المرأة يتعيّن عليها التقصير والرجل مخير بينه وبين الحلق بما في ذلك الصرورة وإن كان الأحوط بل الأفضل له الحلق ).
عودٌ إلى المسألة:- والكلام يقع تارةً في غير الصرورة وأنه مخيّر بين الحلق والقصير أو لا ، وأخرى يقع بالنسبة إلى غير الصرورة:-
أما بالنسبة الى غير الصرورة:- فلا يظهر خلاف في أنه مخيّر بين الأمرين ، قال في الجواهر:- ( بلا خلاف أجده في الحاج والمعتمر مفردة غير الملبد والصرورة )[2] ونحن كلامنا في الحاج الذي ليس بصرورة وهو(قده) قال ( بلا خلاف أجده فيه ) . إذن من حيث الفتوى لم ينقل خلاف في المسألة.
ولكن الكلام من حيث المستند فكيف نستدل على التخيير ؟
يمكن أن يستدل بما يلي:-
الدليل الأول:- الاستدلال ببعض النصوص الدالة على ذلك من قبيل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا أحرمت فعقّصت شعر رأسك أو لبّدّته فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير وإن أنت لم تفعل فمخيّرٌ لك التقصير والحلق في الحج أفضل وليس في المتعة إلا التقصير )[3] ، ودلالتها واضحة فإنها قالت:- ( وإن أنت لم تفعل فمخيّرٌ لك التقصير والحلق في الحج أفضل ) والقدر المتيقن منها هو غير الصرورة . إذن هو مخيّر بين الأمرين.
وهي أيضا دلّت على الحكم الآخر - أعني أن الحلق أفضل - فهي دلت على حكمين من الأحكام المذكورة في المتن هما التخيير وأن الحلق أفضل.
وغير ذلك من الروايات . بل إذا قبلنا دلالة الآية الكريمة - أعني قوله تعالى ﴿ لتدخلن المسجد الحرام انشاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين ﴾ – والتي سيأتي الحديث عنها وقلنا بأنها تدلّ على جواز الحلق وجواز التقصير وأن الكلف بالخيار كما تمسّك بها السيد الخوئي(قده) فيما بعد فهنا أيضا يُتَمسّك بها في المقام كما هو واضح فلعلّه هو القدر المتيقن وإنما اللام في تمامية دلالتها وعدمه نرجئه إلى فيما بعد وتكفينا الروايات.
الدليل الثاني:- ما أشرنا إليه أكثر من مرّة وهو أن المسألة ابتلائية ولازم ابتلائيتها أن يكون حكمها واضحاً وهذا الحكم الواضح لابد وأن ينعكس على الأصحاب وعلى الناس ومعه نقول يتعيّن أن يكون ذلك الحكم الواضح والمنعكس على الناس هو التخيير إذ لو كان تعيّن الحلق هو الحكم الواضح فكيف اتفق الفقهاء على التخيير ؟! إن هذا لا يتلاءم مع الوضوح في تعيّن الحلق لو فرض أنه كان وضوح في تعيّن الحلق . إذن هذا الاتفاق على التخيير يعطينا أن الحكم الواضح الذي وصل إلى الأصحاب وإلى الناس من أهل البيت عليهم السلام هو التخيير . وكما قلت في محاضرات سابقة أن هذا البيان يرجع في محصّلة إلى التمسك بفكرة الاطمئنان غايته أن هذا البيان هو طريقٌ وبيانٌ لكيفيّة تحصيل الاطمئنان وإلا فهو ليس شيئاً يغاير الاطمئنان.
وقد يتمسك بدليلٍ ثالث:- وهو أن التخيير هو مقتضى الأصل فلا نحتاج إلى رواية ولا إلى ما ذكر من البيان الثاني فإنه بالتالي نشك أن الذمة هل اشتغلت بالحج المقيّد بخصوص الحلق أو بالأعم منه ومن التقصير فننفي اشتغال الذمة بخصوص الحلق بالأصل وبذلك يثبت أن المكلف بالخيار بين الأمرين بلا حاجة إلى روايةٍ ولا إلى البيان الثاني الذي أشرنا اليه.
وقد يشكل ويقال:- إنّ محلّ الكلام هو في غير الصرورة وغير الصرورة لا يجب عليه الحج فلا معنى لأن نقول هو قد اشتغلت ذمته بالحج في الجملة جزماً وأما بالحج المقيّد بأن يكون مع الحلق فمشكوكٌ فننفيه بالبراءة !! إن هذا لا معنى له لأن عملية الانشغال تكون في الحج الصرورة فهذا يذكر في حج الصرورة لو شككنا في أنه يعتبر فيه خصوص الحلق أو لا ويكون وجيها لأن الذمة مشغولة به فيأتي هذا الكلام وأنه نشك بانشغال الذمة بالمقيّد ولكن المفروض أن الكلام هو في الحجّ غير الصرورة وفي الحج غير الصرورة لا يوجد انشغالُ ذمةٍ فلا يأتي هذا البيان من الأساس ، هكذا قد يشكل على البيان المذكور.
وجوابه:- إن المكلف إذا شرع في الحج انشغلت ذمته بإتمامه ونحن متّفقون على ذلك وبعد أن انشغلت الذمّة به يأتي هذا البيان وأنه أنا أشك بعدما شرعتُ في الحج هل انشغلت ذمّتي به بشرط أن يكون مع الحلق بالخصوص أو لا فانفيه بالبراءة . إذن لا اشكال من هذه الناحية.
نعم يرد الاشكال من ناحية أن وظيفة البراءة هي نفي الإلزام والكلفة فكلما كانت هناك كلفة مشكوكة وتكليف مشكوك فالبراءة تنفيه وهذا المقدار لا يكفينا في المقام لأنه بعد أن نأتي بالتقصير نشك هل حلّت لنا المحرّمات أو لا فكيف نثبت أن المحرّمات قد حلّت بهذا التقصير فإن أصل البراءة لا يمكنه إثبات حليّة المحرّمات فإنه لا يدلّ على ذلك فإن لسانه لسان رفعٍ وننفيٍ لا لسان إثبات فهو لا يثبت حليّة المحرّمات بالتقصير وإنما ينفي الإلزام بخصوصه فيقول أنت لا تعلم بالإلزام بخصوص الحلق فهو مرفوعٌ أما أن التقصير لو أتيت به يحلّ لك المحرّمات فهذا لا يدلّ عليه ، نعم هو يقول إنك لو أتيت بالتقصير فأنت ليس بمعاقبٍ أما أنه تحلّ به المحرمات فلا يدلّ على ذلك . إذن التمسّك بأصل البراءة في المقام لا يؤمّن لنا كلّ المطلوب بل يؤمّن الجزء غير المهم من المطلوب ، اللهم إلا أن يقال إن الثابت من الأدلة الدالة على حرمة المحرّمات في الإحرام هو استمرار الحرمة إلى أن يحصل أحد الأمرين فيما إذا لم يكن ممنوعاً منه شرعاً فإذا حصل الحلق ولم يكن منه منعٌ شرعيّ أو حصل التقصير ولم يكن منه منعٌ شرعيٌّ حصل بذلك التحلّل من المحرّمات فالمستفاد من الأدلة هو ذلك لا أن الحرمة مستمرّة إلى الأبد بل هي مؤقتة إلى حين حصول أحد هذين الأمرين لكن شريطة أن لا يكون ممنوعاً منه شرعاً والمفروض أن البراءة تؤمّن لنا عدم المنع الشرعي فيثبت أنه لا منع شرعيّ من ناحية التقصير لو أتيت به ومعه سوف نجزم حينئذٍ بارتفاع الحرمة ويتنقّح موضوع ارتفاع الحرمة فأن الحرمة حرمةٌ مؤقّتة بهذه الغاية وحيث أن هذه الغاية قد حصلت ونُقِحت بأصل البراءة فالحرمة آنذاك ترتفع ولا مجال لجريان الاستصحاب في مثل ذلك ، إنه لو تم هذا الاستظهار من الأدلة كان ذلك شيئاً وجيهاً - يعني التمسك بالبراءة بعد ضمّ هذه الضميمة - أما إذا لم يثبت هذا الاستظهار فيكفينا حينئذٍ الدليلان السابقان . هذا كلّه بالنسبة إلى غير الصرورة.
مسألة ( 404 ):- يتخيّر الرجل بين الحلق والتقصير والحلق أفضل ومن لبد شعر رأسه بالصمغ أو العسل أو نحوهما لدفع القمّل أو عقّص شعر رأسه وعقده بعد جمعه ولفّه فالأحوط له اختيار الحلق بل وجوبه هو الأظهر . ومن كان صرورةً فالأحوط له أيضاً اختيار الحلق وإن كان تخييره بين الحلق والتقصير لا يخلو من قوّة.
..........................................................................................................
مضمون المسألة واضحٌ وهو باختصار:- إن المرأة -كما تقدّم - يتعيّن عليها التقصير وأما الرجل فهو بالخيار بينه وبين الحلق حتى في الصرورة وإن كان الأحوط استحباباً بل هو الأفضل الحلق والملبّد والمعقّص يتعّين عيله الحلق. هذا مضمون المسألة الذكورة.
وقبل أن ندخل في صميم المسألة نشير إلى قضايا فنيّة ثلاث وهي جانبية وليست مهمة:-
القضية الأولى:- إنه كان من المناسب له(قده) الجمع بين بيان وظيفة المرأة ووظيفة الرجل لا أن تيّن وظيفة المرأة في مسألةٍ - وهي المسألة السابقة - ووظيفة الرجل تبيّن في مسألة أخرى - وهي هذه المسألة - وكان من المناسب الجمع بينهما في مسألة واحدة فهنا لو جُمع بني الأمرين وقيل:- ( المرأة يتعيّن عليها التقصير والرجل بالخيار بينه وبين الحلق حتى في الصرورة .... ) كان أفضل حينئذٍ في مقام الالتفات والاستيعاب.
القضية الثانية:- إنه أشار ضمن كلامه إلى الملبّد والمعقّص لشعره وهذان مفقودان في زماننا فلا داعي إلى الاشارة إلى ذلك بعدما كان هذا شيئاً منعدماً.
ومعنى مصطلح المعقّص والمبلّد:- قال صاحب الوافي(قده):- ( العقص اللّي والفتل وادخال أطراف الشعر في أصوله ، والتلبيد أن يجعل في الشعر شيء من صمغٍ لئلا يسعد ويقمل اتّقاءً على الشعر .. )[1].
القضية الثالثة:- إنه حصل تطويل في ألفاظ المسألة المذكورة وكان من المناسب اختصارها وحذف الزوائد وذلك بأن يعبّر هكذا:- ( المرأة يتعيّن عليها التقصير والرجل مخير بينه وبين الحلق بما في ذلك الصرورة وإن كان الأحوط بل الأفضل له الحلق ).
عودٌ إلى المسألة:- والكلام يقع تارةً في غير الصرورة وأنه مخيّر بين الحلق والقصير أو لا ، وأخرى يقع بالنسبة إلى غير الصرورة:-
أما بالنسبة الى غير الصرورة:- فلا يظهر خلاف في أنه مخيّر بين الأمرين ، قال في الجواهر:- ( بلا خلاف أجده في الحاج والمعتمر مفردة غير الملبد والصرورة )[2] ونحن كلامنا في الحاج الذي ليس بصرورة وهو(قده) قال ( بلا خلاف أجده فيه ) . إذن من حيث الفتوى لم ينقل خلاف في المسألة.
ولكن الكلام من حيث المستند فكيف نستدل على التخيير ؟
يمكن أن يستدل بما يلي:-
الدليل الأول:- الاستدلال ببعض النصوص الدالة على ذلك من قبيل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا أحرمت فعقّصت شعر رأسك أو لبّدّته فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير وإن أنت لم تفعل فمخيّرٌ لك التقصير والحلق في الحج أفضل وليس في المتعة إلا التقصير )[3] ، ودلالتها واضحة فإنها قالت:- ( وإن أنت لم تفعل فمخيّرٌ لك التقصير والحلق في الحج أفضل ) والقدر المتيقن منها هو غير الصرورة . إذن هو مخيّر بين الأمرين.
وهي أيضا دلّت على الحكم الآخر - أعني أن الحلق أفضل - فهي دلت على حكمين من الأحكام المذكورة في المتن هما التخيير وأن الحلق أفضل.
وغير ذلك من الروايات . بل إذا قبلنا دلالة الآية الكريمة - أعني قوله تعالى ﴿ لتدخلن المسجد الحرام انشاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين ﴾ – والتي سيأتي الحديث عنها وقلنا بأنها تدلّ على جواز الحلق وجواز التقصير وأن الكلف بالخيار كما تمسّك بها السيد الخوئي(قده) فيما بعد فهنا أيضا يُتَمسّك بها في المقام كما هو واضح فلعلّه هو القدر المتيقن وإنما اللام في تمامية دلالتها وعدمه نرجئه إلى فيما بعد وتكفينا الروايات.
الدليل الثاني:- ما أشرنا إليه أكثر من مرّة وهو أن المسألة ابتلائية ولازم ابتلائيتها أن يكون حكمها واضحاً وهذا الحكم الواضح لابد وأن ينعكس على الأصحاب وعلى الناس ومعه نقول يتعيّن أن يكون ذلك الحكم الواضح والمنعكس على الناس هو التخيير إذ لو كان تعيّن الحلق هو الحكم الواضح فكيف اتفق الفقهاء على التخيير ؟! إن هذا لا يتلاءم مع الوضوح في تعيّن الحلق لو فرض أنه كان وضوح في تعيّن الحلق . إذن هذا الاتفاق على التخيير يعطينا أن الحكم الواضح الذي وصل إلى الأصحاب وإلى الناس من أهل البيت عليهم السلام هو التخيير . وكما قلت في محاضرات سابقة أن هذا البيان يرجع في محصّلة إلى التمسك بفكرة الاطمئنان غايته أن هذا البيان هو طريقٌ وبيانٌ لكيفيّة تحصيل الاطمئنان وإلا فهو ليس شيئاً يغاير الاطمئنان.
وقد يتمسك بدليلٍ ثالث:- وهو أن التخيير هو مقتضى الأصل فلا نحتاج إلى رواية ولا إلى ما ذكر من البيان الثاني فإنه بالتالي نشك أن الذمة هل اشتغلت بالحج المقيّد بخصوص الحلق أو بالأعم منه ومن التقصير فننفي اشتغال الذمة بخصوص الحلق بالأصل وبذلك يثبت أن المكلف بالخيار بين الأمرين بلا حاجة إلى روايةٍ ولا إلى البيان الثاني الذي أشرنا اليه.
وقد يشكل ويقال:- إنّ محلّ الكلام هو في غير الصرورة وغير الصرورة لا يجب عليه الحج فلا معنى لأن نقول هو قد اشتغلت ذمته بالحج في الجملة جزماً وأما بالحج المقيّد بأن يكون مع الحلق فمشكوكٌ فننفيه بالبراءة !! إن هذا لا معنى له لأن عملية الانشغال تكون في الحج الصرورة فهذا يذكر في حج الصرورة لو شككنا في أنه يعتبر فيه خصوص الحلق أو لا ويكون وجيها لأن الذمة مشغولة به فيأتي هذا الكلام وأنه نشك بانشغال الذمة بالمقيّد ولكن المفروض أن الكلام هو في الحجّ غير الصرورة وفي الحج غير الصرورة لا يوجد انشغالُ ذمةٍ فلا يأتي هذا البيان من الأساس ، هكذا قد يشكل على البيان المذكور.
وجوابه:- إن المكلف إذا شرع في الحج انشغلت ذمته بإتمامه ونحن متّفقون على ذلك وبعد أن انشغلت الذمّة به يأتي هذا البيان وأنه أنا أشك بعدما شرعتُ في الحج هل انشغلت ذمّتي به بشرط أن يكون مع الحلق بالخصوص أو لا فانفيه بالبراءة . إذن لا اشكال من هذه الناحية.
نعم يرد الاشكال من ناحية أن وظيفة البراءة هي نفي الإلزام والكلفة فكلما كانت هناك كلفة مشكوكة وتكليف مشكوك فالبراءة تنفيه وهذا المقدار لا يكفينا في المقام لأنه بعد أن نأتي بالتقصير نشك هل حلّت لنا المحرّمات أو لا فكيف نثبت أن المحرّمات قد حلّت بهذا التقصير فإن أصل البراءة لا يمكنه إثبات حليّة المحرّمات فإنه لا يدلّ على ذلك فإن لسانه لسان رفعٍ وننفيٍ لا لسان إثبات فهو لا يثبت حليّة المحرّمات بالتقصير وإنما ينفي الإلزام بخصوصه فيقول أنت لا تعلم بالإلزام بخصوص الحلق فهو مرفوعٌ أما أن التقصير لو أتيت به يحلّ لك المحرّمات فهذا لا يدلّ عليه ، نعم هو يقول إنك لو أتيت بالتقصير فأنت ليس بمعاقبٍ أما أنه تحلّ به المحرمات فلا يدلّ على ذلك . إذن التمسّك بأصل البراءة في المقام لا يؤمّن لنا كلّ المطلوب بل يؤمّن الجزء غير المهم من المطلوب ، اللهم إلا أن يقال إن الثابت من الأدلة الدالة على حرمة المحرّمات في الإحرام هو استمرار الحرمة إلى أن يحصل أحد الأمرين فيما إذا لم يكن ممنوعاً منه شرعاً فإذا حصل الحلق ولم يكن منه منعٌ شرعيّ أو حصل التقصير ولم يكن منه منعٌ شرعيٌّ حصل بذلك التحلّل من المحرّمات فالمستفاد من الأدلة هو ذلك لا أن الحرمة مستمرّة إلى الأبد بل هي مؤقتة إلى حين حصول أحد هذين الأمرين لكن شريطة أن لا يكون ممنوعاً منه شرعاً والمفروض أن البراءة تؤمّن لنا عدم المنع الشرعي فيثبت أنه لا منع شرعيّ من ناحية التقصير لو أتيت به ومعه سوف نجزم حينئذٍ بارتفاع الحرمة ويتنقّح موضوع ارتفاع الحرمة فأن الحرمة حرمةٌ مؤقّتة بهذه الغاية وحيث أن هذه الغاية قد حصلت ونُقِحت بأصل البراءة فالحرمة آنذاك ترتفع ولا مجال لجريان الاستصحاب في مثل ذلك ، إنه لو تم هذا الاستظهار من الأدلة كان ذلك شيئاً وجيهاً - يعني التمسك بالبراءة بعد ضمّ هذه الضميمة - أما إذا لم يثبت هذا الاستظهار فيكفينا حينئذٍ الدليلان السابقان . هذا كلّه بالنسبة إلى غير الصرورة.