1440/03/23
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/03/23
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أقسام الصوم المحظور/صوم العيدين
كان الكلام في أن العبادة المنهي عنها - كصلاة الحائض أو صوم العيدين – هل تكون محرمة ذاتاً أو تكون محرمة تشريعاً فقط؟ البحث فيه يقع في مقامات ثلاثة:-
المقام الأول: في إمكان أن تكون الحرمة تعبدية.
المقام الثاني: في ثمرة هذا البحث.
المقام الثالث: في أدلة الحرمة الذاتية.
أما الأول منها فقد أستشكل في كون الحرمة تعبدية، بإعتبار أن الفعل إنما صار عبادياً لتعلق الأمر به - ولذا يعتبر قصد هذا الأمر في عباديته -، فمع ذلك كيف يعقل تعلق النهي الدال على الحرمة الذاتية به؟! فإن هذا النهي يكشف عن المفسدة ومبادئ الحرمة في متعلقه فلا يمكن أن يجتمع مع الأمر في شيء واحد. نعم، لا مانع من اجتماع الأمر مع الحرمة التشريعية، لأن النهي التشريعي لا يكشف عن مفسدة في الفعل.
وأجيب عن هذا الإشكال بأن العبادات على قسمين، منها ما تكون عباديتها ذاتية من دون حاجة إلى تعلق الأمر بها كالسجود[1] ، ومنها ما لا يكون كذلك، بل عباديتها تنشأ من الأمر بها. وعلى كليهما لا يرد إشكال اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد، إذ على الأول لا يوجد أمر بالعبادة، فيمكن النهي عن بعض حالاتها كحرمة السجود لغير الله، وعلى الثاني الأمر إنما يتعلق بالعبادة على تقدير عدم النهي بها، فمع وجود النهي عنها لا يوجد أمر فعلي بها كي يلزم الاجتماع المذكور فيها. بعبارة أخرى العبادة في القسم الثاني هي التي جعلت بحسب عنوان عام لكي يُتعبد بها، وإن كان شخص هذه العبادة التي نهى الشارع عنها لم يتعلق بها أمر وليست عبادة.
فلا إشكال في أصل إمكان تصور الحرمة الذاتية.
المقام الثاني: في ثمرة القول بالحرمة الذاتية. قالوا بوجود الثمرة في إمكان الإحتياط وعدمه فيما إذا ثبت العيد بالأدلة الظاهرية لكن مع ذلك المكلف يحتمل الخلاف و أن هذا اليوم من رمضان، اذ بناءاً على الحرمة التشريعية يمكن الإحتياط لإمكان الصوم برجاء المطلوبية لاحتمال ان لا يكون هذا اليوم عيداً، وحينئذ لا يرتكب حراماً ولا يكون مشرِّعاً، لأنه إن كان الصوم واقعاً واجباً – بأن لم يكن ذلك اليوم عيداً - فقد أتى به برجاء مطلوبيته، وإن كان عيداً في الواقع فلم يرتكب حراماً بصومه لعدم التشريع.
أما بناءاً على الحرمة الذاتية فلا يمكنه الإحتياط، لأن ترك الصوم يكون خلاف الإحتياط لإحتمال وجوبه، وفعله أيضاً يكون خلاف الإحتياط لاحتمال حرمة صومه - ولو كان برجاء المطلوبية – إن كان في الواقع حراماً. فأي شيء يفعل يكون خلاف الإحتياط فالأمر يدور بين محذورين.
المقام الثالث: في أدلة القول بالحرمة الذاتية
الدليل الاول: التسمك بظواهر ادلة الحرمة وانه تحريم للأفعال الخارجية وهذا يناسب الحرمة الذاتية، لأن موضوع الحرمة التشريعية التشريع وهو امر قصدي جوانحي.
ويجاب عنه :اولاً : عدم وضوح كون موضوع الحرمة التشريعية هو الفعل القلبي القصدي الجوانحي، بل يمكن القول بانه الفعل الخارجي الذي يتحقق به التشريع، كالتجري _على القول بحرمته_ حيث يكون الفعل المتجرى به حراماً، وان كان التجري عنواناً قصدياً جوانحياً، لكن الحرمة تتعلق بالفعل المتجرى به، وفي المقام يقال بتعلق الحرمة بالفعل الذي يتحقق به التشريع.
وثانياً: مع التنزل عن الجواب الاول يقال بان الحرمة التي تتعلق بالفعل القصدي يمكن ان تكون معروضة على الفعل الخارجي وذلك لوجود العلاقة بينهما، فيكون الفعل القصدي معروضاً للحرمة ايضاً.
وسيأتي ان الحرمة في امثال المقام (حرمة صوم العيد، وحرمة صلاة الحائض، وغير ذلك) ليست حرمة تكليفية، وإنما هي ارشاد إلى اعتبار شيء في التكليف وبيان حده، فالنهي عن صلاة الحائض مثلاً هو ارشاد إلى حد التكليف، وأن تكليف الصلاة لا يتعلق بالحائض، ومن هنا لا يقال بان ظاهر ادلة التحريم أنها متعلقة بالأفعال الخارجية الذي يناسب الحرمة الذاتية.
الدليل الثاني: دعوى ان النهي في العبادات والامر بتركها، بل ان التعبير بالحرمة فيها ظاهر في ان الحرمة ذاتية[2] ، ودلالتها على الحرمة التشريعية يحتاج إلى مؤنة زائدة، لأنها خلاف الظاهر، فالمحرم في هذه الادلة هو الفعل، مع انه في الحرمة التشريعية لا يكون الفعل محرماً الا اذا قصد به الأمر الجزمي، فالدليل الذي يقول بحرمة صوم العيد، يظهر منه حرمة فعل الصوم بلا ان يحتاج إلى ضميمة.
ويجاب عنه:مع التسليم بان الظهور الاولي للنهي أو الأمر بالترك أو التحريم هو ما تقدم ان هذا الظهور لا مانع من الاخذ به في موارد النهي عن الفعل الخارجي، كما في ادلة تحريم شرب الخمر والغيبة و امثال ذلك، وحرمة الفعل تساوق كون الحرمة حرمة ذاتية، أما اذا فرضنا ان النهي متعلق بعبادة أو معاملة كالنهي عن الصوم في العيد أو النهي عن البيع، فقد قالوا بالمانع من الاخذ بالظهور الاولي، والمانع هو شيوع استعمال النهي والامر بالترك والتحريم في الارشاد، وهذا التعارف في الاستعمال واضح جداً في هذه الموارد فكثير ما يكون النهي عن العبادة أو المعاملة ارشاداً إلى شرط من شروط التكليف أو شرط من شروط المكلف به أو إلى الصحة أو الفساد أو غير ذلك، ويجمع هذه الامور كلها هو الارشاد إلى بيان حدود التكليف و ذلك كالنهى عن الصلاة في الثوب النجس، فانه ارشاد الى اعتبار طهارة الثوب في الصلاة و لم يفهم احد من ذلك انه نهى تكليفي يكشف عن حرمة ذاتية، وكالنهى عن الصلاة في المكان المغصوب فانه واضح في الارشاد الى اعتبار اباحة المكان في صحة الصلاة، وكالنهى عن الصلاة خلف الفاسق فانه ارشاد الى اعتبار العدالة في امام الجماعة، و الامر في باب المعاملات أوضح.
و من هنا هذا الظهور الاولي يوجد - في محل الكلام - ما يمنع الاخذ به، و قد عبر بعضهم انه ينعقد له ظهور ثانوي في الارشاد و ذلك وان كان صحيحا في كثير من الموارد، لكن هنا اذا لم ينعقد له ظهور ثانوي،…على الاقل شيوع الاستعمال و كثرته تمنع من الاخذ بذلك الظهور، و هذا الدليل مبني على افتراض وجود ذلك الدليل و عدم المانع من الاخذ به.