1440/08/22
تحمیل
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول
40/08/22
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: باب التعارض، تعريف التعارض و النزاع بين الشيخ و الآخوند، ثلاث حيثيات في حجية الخبر الواحد و خمس حيثيات في حيثية صدور الرواية
كان الكلام في تعريف التعارض و الإلتفات إلی أن منشأ التعارض هو تنافي الدلالة أم تنافي المدلول، حيث حصل الخلاف بين الشيخ الأنصاري و صاحب الكفاية في ذلك و مر بنا أن هذا الخلاف نظير الخلاف الذي وقع بين الأعلام في مراتب المرجحات، هل المرجحات بينها مراتب و ترتيب أو هي في عرض واحد؟
ثلاث حيثيات في حجية الخبر الواحد (الصدور و الدلالة و جهة الصدور) و خمس جهات في حيثية الصدوركان الحجر الأساس في معرفة هذا البحث هو تحليل منظومة حجية الخبر الواحد أو منظومة الحجج، لأن في الحقيقة حجية الخبر الواحد ليست حجية واحدة بل حجج تتركب و تنضم بعضها إلی البعض فحينئذ يكون الخبر الواحد حجة. من الأمور الظاهرة البينة في الأذهان أن حجية الخبر الواحد هي تركب من ثلاث حجج، حجية الصدور وحجية الدلالة و حجية جهة الصدور و هذا التركب أقل تركب يمكن أن يقال في هذه الجهة، لكنه أكثر من هذا لأن منها حجية الدلالة و حجية المضمون و حجية صحة الكتاب و موقف الطائفة علی هذا الخبر، علی أية حال حيثيات في حجية الخبر و إن كان مغفولا عنها لكنها في الحقيقة حيثيات متباينة و متغايرة لأجل الخبر، يعني سبعة جهات رئيسية موجودة في الخبر الواحد. لكن دعونا نذكر الثلاث المعهودة في الأذهان -في حجية الخبر الواحد لابد من سبع حيثيات و ربما بالتحليل يصاعد إلی إحدی عشر حيثية لكن إجمالا نقول سبع حيثيات أو ثلاث حيثيات- صدور و الدلالة و جهة الصدور هذه الثلاث حجج من دونها لايتم للخبر الحجية. -طبعا في الآية الكريمة أيضا نفس الشيء، صدور الآيةالكريمة و دلالة الآية الكريمة و هلم جرا- فمعرفة هذا التركب المنظومي لحجية الخبر أو حجية الدليل مطلقا الآية أو الشهرة حجية منظومية أو المنظومة للحجج، هذه معرفة كيفية تركبها مثل تركب الصلوة أولها التكبير و آخرها التسليم و ثلثها الطهور و هلم جرا بالنسبة الي الخبر معرفة سنخ تلك الحيثيات امر مهم.
مر بنا أمس أن تحقيق و تحليل حقيقة حجية الصدور مهم كي يعرف الانسان موقعيته يعني رتبة أهميته، طبعا فيه فرق بين الصدور و بين وصول الصدور و بين اعتبار وصول الصدور، ثلاث حيثيات كلها بنحو إجمالي قيد حجية الصدور و إلا بالدقة فيه فرق.
الصدور من المعصوم يعني النطق و هناك وصول الصدور و طبعا هذا أمر تكويني مثل الأول و ما لهما ربط بالإعتبار و عدم الإعتبار يعني ربما يكون المخبر غير الموثق أو كاذبا لكن يحصل به وصول الصدور أو ربما عادل و معتبر و جليل لكنه لم يوصل الخبر لأنه أوصله بشكل موهوم، فالوصول ليس يدور مدار الإعتبار بل هو شيء تكويني. إذاً عندنا صدور و عندنا وصول الصدور و عندنا إعتبار الصدور، بحوث صار فيه مغالطة بين أصل الصدور و بين وصول الصدور و بين اعتبار وصول الصدور. ثلاث أمور في حجية الصدور.
هذه النقاط و إن أثرناها في الخبر الواحد لكن بعض النقاط التي نأثرها هنا لم نأثرها هناك في الخبر الواحد و الآن نذكرها ليعلم أن شرعية الحكم الفقهي ليست مرهونة بوصول الحكم فضلا عن اعتبار وصول الحكم بل شرعية الحكم الشرعي مرتبطة بصدوره عن المعصوم.
نكتة مهمة: الحيثيات الخمسة للصدور.سجل الاصوليون المؤاخذة علی الأخباريين بأن هناك صدورا تفصيليا و هناك صدورا إجمالياً. الصدور الإجمالي مثل صدور القوانين الدستورية و هو يعني صدور كل القوانين التي تهيمنها القوانين الدستورية مثل القوانين البرلمانية و الوزارية إذا كانت متطابقة مع موازين القوانين الدستورية. كل تلك القوانين صادرة لكن صادرة في ضمن القوانين الدستورية بنحو إجمالي لا بنحو تفصيلي.
شرعية الحكم الشرعي أيضا غير مرهونة بالصدور التفصيلي لكنها مرهونة بالصدور الإجمالي، إن لم نذكر أنها ليست مرهونة بالصدور الإجمالي بل مرهونة بالمطابقة لما هو في اللوح المحفوظ. هذا موجود في أجوبة الأصوليين علی شبهة الأخباريين في قاعدة «كلما حكم به العقل حكم به الشرع»، قالوا: المهم المطابقة مع إرادات الشارع. إذاً شرعية الحكم الشرعي مرهونة بالصدور الإجمالي لاالتفصيلي.
في كثير من الروايات التي نقرأها -الائمة لهم ولاية تشريع لايحيط بها الفقهاء و لاريب فيه- في مساحات كثيرة يقول الائمة عليهم السلام مثلا: ألاتری إلی كذا، يعني الائمة ينبهون كيف هو؟ يعني هذه المساحات بتعليم و تنبيه الائمة أهل البيت يمكن للفقهاء أن يقفوا عليها و إلا بدون التعليم من الائمة لايمكن تحصيلها.
في بحث الصدور في حجية الخبر حيثيتان، حيثية الصدور التفصيلي و الإجمالي من المعصوم، هذان حيثيتان لاحيثية واحدة أو أصل مطابق هو فوق الصدور الإجمالي، هذه ثلاث حيثيات، بعدها وصول الصدور حيثية رابعة و بعدها حيثية إعتبار الوصول التفصيلي حيثية خامسة. الصدور يبتني علی خمسة حيثيات، إجمالا نقول حجية الصدور لكن فيه خمس حيثيات. الأصوليون في مؤاخذاتهم علی الأخباريين في قاعدة كلما حكم به العقل حكم به الشرع أثاروا هذه البحوث ومنهج قويم و متين و ليس ابتعادا عن الشرع و الوحي بل إنما إبتعاد عن سطحية الرواية فمنهج الفقاهة منهج الفهم و ليس منهج الرواية، الأخباري كل عمدته علی الإخبار و الصدور و الأصولي منهجه علی المطابقة المعنوية والأصول التشريعي.
مرارا و كرارا ذكرنا هذا المطلب أن الشيخ وحيد البهبهاني كان أشد حرصا علی تراث أهل البيت عليهم السلام من صاحب الحدائق و لاأقولها زيفا أو إفكا أو خداعا بل واقعا هكذا، الوحيد البهبهاني أشد رعاية من صاحب الحدائق. و ليس فقط الشيخ وحيد البهبهاني بل الجيل الأول من تلاميذ الشيخ وحيد مثل الشيخ جعفر كاشف الغطاء و بحر العلوم و صاحب الرياض و أسد الله التستري و مفتاح الكرامة و النراقيين و عشرات يعتبر من الجيل الأول و الجيل الثاني، صاحب الجواهر يعتبر من الجيل الثالث من تلاميذ الوحيد و شريف العلماء من الجيل الثالث و هو أستاذ الشيخ الأنصاري و كان نابغة. مدرسة الوحيد مبناهم إنسدادي و الإنسداديون ليسوا يقولوا بإعتبار صدور الكتب الأربعة كالأخباريين بل يقولون كل تراث الأئمة أهل البيت في الكتب المعتبرة كلها معتبرة بدليل الإنسداد. لكنهم يقولون منهجنا يختلف عن الاخباريين. ماذا الفرق؟ كل التراث معتبرة بدليل الإنسداد و الفرق أن الأخباري مبناه علی الصدور، حسب مؤاخذة يسجلها الأصوليون علی غالب الأخباريين أن الصدور ليس كل شيء بل هذه مرحلة إبتدائية و تمهيدية و ماوراء الصدور اصل الشيء و كل الشيء، هذا هو الفرق بين الأصوليين والأخباريين و إلا في هذا المبنی حتی صاحب الجواهر إنسدادي و الشيخ الأنصاري لكن ليس هذا الفارق و الفارق أن منهج الأصوليين يقول أن الصدور ليس كل شيء بل المهم أن تنظر إلی المفاد و تعمل الفقاهة والإجتهاد في المفاد، هذا هو الفرق بين الأصوليين و الأخباريين. ليس كما يتوهم أن الأصوليين عندهم الأخبار ليست معتبرة إلا بميزان متشدد بل العكس و هؤلاء أسود علم الأصول الوحيد البهبهاني و بحر العلوم و كاشف الغطاء و صاحب الإشارات في الأصول و غيره أجيال عشرات من تلاميذ الوحيد البهبهاني و كلهم إنسداديون و الإنسداد يقول باعتبار كل الأخبار، هؤلاء دخلوا في مصارعة و مواجهة علمية علی الأخباريين. للشيخ جعفر كاشف الغطاء كتاب مخطوط فيه ستين فرقا بين الأخباريين و الأصوليين و طبع حجريا ليس موجودا في الأسواق و الفرق ليس في أصل الصدور بل الأصوليون يقولون ليس الصدور كل شيء، لااعتبار الصدور فيه دور ذلك الحد و لاعدم اعتبار الصدور فيه دور ذاك الحد. اتفاقا مواخذة الأصوليين علی الاخباريين هي هذه.
المنهج الاصولي يعني يجعل منهج الفقاهة سنخ الرواية في هذه الحيثيات و احدی عشر جهة موجودة في نقاشاتهم موجودة هنا هذه الجهات يقولون سنخ الصدور و اعتبار الصدور أو وصول الصدور هذا سنخ روايي و حجية الراوي و ليست حجية الفقيه و الفرق بيني و بينك أيها الأخباري أنت حجية الراوي عندك و ليس حجية الفقيه، الصدور لا يخرج الفقه عن حجية الراوي و الراوي يعني المخبر. الأصولي يقول الدور الخطير لحجية الفقيه و الفهم و الظهور، سنخ حجية الصدور حجية إخبارية و سنخ حجية الدلالة و الظهور هي الدلالة الإستعمالية و التفهيمية ثم الجدية، هنا فقاهة الفقيه تظهر و أصولية الأصولي تظهر. مجتهد يعني يعمل الإجتهاد و الملكة العلمية. يعرف القواعد الأصولية الكاملة و يعرف أصول التشريع الكاملة، هنا بيت القصيد في حجية الخبر الواحد أن الصدور حجية من سنخ حجية الراوي و حجية إخبارية، اعتبار الصدور ليس ركن الأركان، وصول الصدور شيء آخر صدور تفصيلي شيء اخر و صدور أجمالي شيء آخر، مراتب و كلها غير متوقفة علی اعتبار الصدور التفصيلي.
أصلا نزاع الأصولي حتی مع الاخباري في هذا الجانب، الإنسداديون الذين كانوا بشراسة في قبال صاحب الحدائق و قبال الأخباريين -و إن أعظم بهم العلماء من كلاالطرفين- لكن المقصود ان النقاش ليس في إعتبار الصدور. في موارد عديدة أنظر الحدائق و شرح وحيد البهبهاني علی مفاتيح الشرايع أو غيرها، صاحب الحدايق يقول هذه الرواية ضعيفة أما الوحيد البهبهاني يعتبر الرواية، صاحب الحدائق يقول: مع أن الرواية صحيحة لكن المشهور أعرض عن الرواية و لايعمل به، أما البهبهاني يبين أن المشهور كذا و كذا. المقصود ان القضية الفارق بين منهج الأخباري و منهج الأصولي في هذا التحليل أن الصدور أو اعتبار وصول الصدور التفصيلي أو أصل الصدور هذا الاعتبار من سنخ حجية الراوي و ليس من حجية الفقيه وهذا الذي تشير اليه الآية الكريمة العظيمة و إن كان للرواة دور عظيم و ضروري أما كون الركن الركين هذا خلاف الآية الكريمة «لولا نفر النفر» إشارة إلی اعتبار الصدور أو أصل الصدور أو وصول الصدور «النفر» يعني أن يهاجروا لكي يتلقوا علم الائمة اهل البيت من الرواية اما «ليتفقهوا في الدين» يعني حجية الفقيه يعني حجية الراوي و من يخادع العوام أن الرواية كافية هذا خلاف نص القرآن الكريم لأن نهاية المطاف حجية الفقيه ليتفقهوا يعني يتفهموا هي القنطرة الصيطرة بعد حجية الراوي.
هذا هو الفرق بين المنهجين.
نرجع إلی المطلب، أن سنخ حجية الصدور ذات خمس حيثيات، حجية إخبارية و إنباءية، نفس آية النبأ فيه الخارطة الموجودة في آية النفر «إذا جاءكم فاسق بنبأ» الإنباء يعني الوصول و إيصال الخبر فتبينوا مثل ليتفقهوا لذلك جملة من الأصوليين يقولون أن «تبينوا» ليس مخصوصا بحجية الخبر الفاسق بل حتی خبر العادل لازم أن يتبين.
ابن قبة من المتكلمين و الأصوليين و الشيخ المفيد في الرد علی ابن قبة يقول: التبين عند الشيخ المفيد و ابن ادريس و القدماء كلهم لابد في الخبر من الإنباء، لايكفي حجية الراوي، لاتكفي في حجية الخبر بنص القران «ليتفقهوا» و «تبينوا» يعني لابد من إعمال نظام ملكة الإجتهاد و الفهم لاالاجتهاد بالرأي بل يعني تنظر بمجهر الفهم أعظم من نظرك و سماعك بحاسة السمع، حاسة السمع حجية الراوي وحاسة الفهم في الإدراك هذا هو الحجية.
لانقول أن منهج الأخباريين خلاف الدين بل من سنن الدين، لكن أين هذا من منهج الفقهاء منهج الأصوليين و هذا المنهج هو الاكمل و لابد منه في نهاية المطاف، إذاً حجية الخبر الواحد بالصدور يعني أصل التصور و الدلالة التصورية يعني تصل اليك الألفاظ و دور الراوي مسجل الصوت و الألفاظ. رب حامل إلی من هو أفقه منه. في بيان سيد الأنبياء في حجة الوداع رب حامل فقه و ليس بفقيه. و روايات كثيرة عندنا «انمانحمل أوعية ليست بوعاء» يعني الفهم ما عنده و لابد من دور الفقيه و الفقاهة و هنا بيت القصيد و لاتغلب الوعي الحوزوي أن الاصولي و منهج الأصولي يعني التشدد بالصدور بل هذا منج الأخباري و ليس تمام الإستنباط و إن كان ضروريا لكن زمام الأمور في الدين بيد الفقاهة. أما سنخ الدلالة و الدلالة الإستعمالية و الدلالة التفهيمة عندنا هذه في الحقيقة من سنخ حجية الفقيه و الفهم. هنا الفرق بين الراوي و الحافظ للصوت و منهج الفقاهة. نفس القران يقول : «أفلايتدبرون» و «لايعلم تاويله» يعني هذا النزول للقران أنزل مراتب القران مثل إعتبار وصول الألفاظ و المرتبة اللاحقة هي الفهم و الفقه.
حجية جهة الصدور أين تقع لابد أن نخوض فيها.