35/06/15
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة/ منجّزية العلم الإجمالي
كان الكلام في الدليل على العلّية التامّة الذي ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه). قلنا أنّه يمكن الاستشكال في هذا الدليل لا من الجهة التي بيّناها في الدرس السابق، وإنّما يمكن الاستشكال فيه بهذا البيان، وقد تقدّمت الإشارة إليه. هذا البرهان يبتني على افتراض أنّ حكم العقل بالمنجّزية حكم فعلي تنجيزي وليس حكماً معلّقاً على عدم الترخيص في المخالفة، وقد اعترف المحقق العراقي(قدّس سرّه) بهذا الابتناء، هو يقول بصريح العبارة بأنّ الحكم العقلي بالمنجّزية والاشتغال وبلزوم الامتثال لو كان تعليقياً معلّقاً على عدم الترخيص من قبل الشارع لما كان الترخيص منافياً لا لحكم العقل ولا للتكليف المعلوم بالإجمال، المضادّة التي هي الركن الأساس في برهانه مبتنية على أن يكون الحكم العقلي حكماً تنجيزياً لا تعليقياً وهذا كما قلنا يعترف به نفس المحقق العراقي(قدّس سرّه)، غاية الأمر أنّه يقول بأنّه ثبت عندي أنّ الحكم العقلي تنجيزي بالبرهان الذي نقلناه عنه سابقاً في حرمة المخالفة القطعية، هو يستكشف كون الحكم العقلي تنجيزياً وفعلياً وليس معلّقاً من ارتكاز المضادة بين الترخيص وبين التكليف المعلوم بالإجمال وقد تقدّم نقل ذلك عنه.
إذن: تمامية هذا البرهان موقوفة على افتراض أنّ حكم العقل بالمنجّزية حكم فعلي تنجيزي وليس تعليقياً، وهذا معناه أنّ هذا البرهان ينهار ولا يتم إذا قلنا بأنّ الحكم العقلي معلّق على عدم الترخيص من قبل الشارع نفسه؛ فحينئذٍ لا يتم هذا البرهان لإثبات علّية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية؛ لأنّ الحكم العقلي في المقام الذي على أساسه قال المحقق العراقي(قدّس سرّه) بأنّ الحكم الترخيصي ينافي التكليف المعلوم بالإجمال وأنّ بينهما مضادة، هو اعترف أنّ هذا مبنيٌ على التنجيزية، فإذا أنكرنا التنجيزية وقلنا بالتعليق، فهذا البرهان لا يكون تامّاً. يعني يمكن الجواب عن هذا البرهان على هذا الأساس، بأنّ الحكم العقلي ليس تنجيزياً وإنّما هو حكم تعليقي. والصحيح كما تقدّم أنّه تعليقي وليس تنجيزياً، وقد تقدّم سابقاً ذكر الدليل على أنّ الحكم العقلي هو حكم تعليقي وليس حكماً تنجيزياً، وهو مسألة أنّ هذا حكم يحكم به العقل لأجل المولى ورعاية لجانبه وشأنه وحقّه، فمثل هذا الحكم لا يُتصوّر إلاّ أن يكون تعليقياً؛ لأنّه لا معنى لافتراض أنّ العقل يبقى مصرّاً على هذا الحكم مع افتراض أنّ المولى هو تخلّى عن حقه وسمح بالمخالفة، فلا معنى لذلك. فالصحيح أنّ الحكم العقلي حكم تعليقي، وبناءً على هذا لا يكون هذا البرهان تامّاً باعتراف المحقق العراقي(قدّس سرّه) نفسه. هذا هو الاعتراض الذي يمكن أن يورد على المحقق العراقي(قدّس سرّه).
الصحيح في المقام هو أن يُقال: تقدّم سابقاً أنّ المانع من الترخيص في مخالفة التكليف المعلوم بالإجمال الواصل إلى المكلّف ليس هو كون الترخيص منافياً لحكم العقل حتّى يقال في مقام ردّه كما تقدّم أنّ الحكم العقلي تعليقي وليس تنجيزياً، وهذه المنافاة بين الترخيص وبين الحكم العقلي إنّما تكون على تقدير كون الحكم العقلي تنجيزياً غير معلقٍ، بينما الصحيح أنّه معلّق، فلا يكون الترخيص منافياً للحكم العقلي، وإنّما يكون رافعاً لموضوعه، المانع ليس هو هذا على ما تقدّم، ليس هو كون الترخيص في المخالفة منافياً لحكم العقل بالمنجّزية وبالاشتغال ولزوم الامتثال، ليس هذا هو المانع، وإنّما المانع هو المضادّة التي يشعر بها الإنسان والعالم بالحكم والذي وصل إليه التكليف، المضادّة بين التكليف وبين الترخيص. هذه المضادّة والمنافاة هي التي تمنع من افتراض الترخيص في مخالفة حكم وصل إلى المكلّف وعلم به، ولو مع التردّد والاشتباه بين فردين، لكن بالنتيجة وصل إلى المكلّف وعلم به، مثل هذا التكليف لا يكون الترخيص في مخالفته مقبولاً، ولا يمكن التصديق بأنّ نفس المولى الذي وصل تكليفه إلى المكلّف وعلم به، هو لا يصدّق أنّ نفس المولى رخّص في مخالفته، التنافي والتضادّ بين الترخيص وبين التكليف المعلوم بالإجمال لا يمكن التصديق بهما، وحيث أنّ المفروض في محل الكلام ثبوت التكليف ووصوله والعلم به؛ ولذا هذا المكلّف ــــــــــــ على الأقل ــــــــــــ الذي وصل إليه التكليف وعلم به لا يكاد يصدّق بأنّ نفس المولى يُرخّص في مخالفة هذا التكليف؛ ولذا يكون الترخيص محالاً، يعني غير ممكنٍ وغير قابلٍ للتصديق، العالم بالتكليف لا يصدّق بوجود ترخيصٍ من قبل المولى في مخالفة ذلك التكليف. هذا الذي قلناه سابقاً.
هذا أيضاً نقوله في المقام، بمعنى أنّ هذا الذي قلناه سابقاً أنتج لنا سابقاً أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعية، يعني علّة تامّة لمنع ثبوت الترخيص في جميع الأطراف؛ لأنّ الترخيص في جميع الأطراف يعني الترخيص في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال، يعني للتكليف الواصل إلى المكلّف، هذا هو الذي ادّعينا سابقاً أنّ العلم الإجمالي يمنع من هذا الترخيص؛ لأنّ الترخيص في جميع الأطراف في البحث السابق هو ترخيص في المخالفة القطعية للتكليف الواصل إلى المكلّف، والمكلّف على الأقل لا يصدّق بمثل هذا الترخيص، أنّ نفس المولى مع افتراض بقاء التكليف ووجوده، هذا الشخص الذي علم بهذا التكليف لا يكاد يصدّق بأنّ الشارع رخّص في مخالفته القطعية؛ لأنّه يرى أنّ هناك تضادّاً وتنافياً بين الترخيص في المخالفة القطعية وبين التكليف وثبوته والذي يكون واصلاً إلى المكلّف ويكون عالماً به، ولو إجمالاً، هذه المضادّة بينهما هي التي تكون مانعة من الترخيص في تمام أطراف العلم الإجمالي. وأمّا في محل الكلام الذي هو وجوب الموافقة القطعية، السؤال الذي يُطرح هو: أنّ هذه الاستحالة التي ثبتت في البحث السابق، هل هي ثابتة في محل الكلام، أو لا ؟
وبعبارة أخرى: إنّ العقل الذي فرضنا أنّه يدرك المنافاة والمضادّة بين الترخيص في تمام الأطراف، أو الترخيص في المخالفة القطعية، هل يدرك أيضاً المضادّة بين الترخيص في بعض الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال، أو لا يدرك هذه المضادّة ؟ هل يحكم العقل باستحالة الترخيص في بعض الأطراف ؟ استحالة الترخيص في المخالفة الاحتمالية كما كان يحكم باستحالة الترخيص في تمام الأطراف واستحالة الترخيص في المخالفة القطعية، أو أنّه لا يُدرك هذه الاستحالة ولا يحكم بها ؟ البناء على العلّية التامّة، أو عدمها ينبغي أن نجيب فيه عن هذا السؤال: أنّ العقل هل يدرك استحالة الترخيص في بعض الأطراف كما يدرك استحالة الترخيص في تمام الأطراف ؟ هل يرى العقل مضادّة بين الترخيص في بعض الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال الواصل إلى المكلّف، هناك إدراك لهذه الاستحالة، أو لا ؟ هناك إدراك لهذه المنافاة، أو لا ؟ إذا فرضنا أنّ العقل يدرك ذلك كما يدركه بالنسبة إلى الترخيص في تمام الأطراف يصح كلام المحقق العراقي(قدّس سرّه) بأنّ العلم الإجمالي يكون علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعية ولوجوب الموافقة القطعية. وأمّا إذا قلنا أنّ العقل يفرّق بين المخالفة القطعية وبين المخالفة الاحتمالية، يفرّق بين الترخيص في تمام الأطراف وبين الترخيص في بعض الأطراف، العقل يُفرّق بينهما.
وبعبارةٍ أخرى: العقل لا يرى مانعاً من ترخيص المولى في المخالفة الاحتمالية مع حفظ التكليف وافتراض بقاء التكليف، لكنّه يرى مانعاً من الترخيص في المخالفة القطعية، هل يُفرّق العقل بينهما ؟ الصحيح هو أنّه يفرّق بينهما، العقل لا يرى مانعاً ولا مضادّة بحيث تستوجب استحالة الترخيص من قبل الشارع في بعض الأطراف، لا يرى استحالة في المقام، ولا يدرك هذه الاستحالة التي كان يدركها بالنسبة إلى الترخيص في المخالفة القطعية، يُميّز بين المخالفة القطعية والمخالفة الاحتمالية، الترخيص في المخالفة الاحتمالية يساوق رفع اليد عن اصل التكليف وإلغاء التكليف بالمرّة مع افتراض بقاء التكليف بحسب الفرض؛ لأنّه يعلم بالتكليف، الترخيص في المخالفة القطعية إلغاء للتكليف تقريباً؛ كأنّ التكليف لا وجود له، بينما الترخيص في المخالفة الاحتمالية ليس هكذا، العقل يُدرك ويميّز بكل وضوح بأنّه من الممكن أنّ المشرّع لبعض المصالح التي يلاحظها هو نفس المشرّع، من الممكن أنّه يتنازل عن الموافقة القطعية إلى الموافقة الاحتمالية، يتنازل إلى الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية، لنفترض أنّ مصلحة التسهيل على المكلّفين كانت ملحوظة للشارع المقدّس، قد يتنازل عن بعض الملاكات الواقعية التي يحافظ عليها فيما لو أمر بالاحتياط وأمر بالموافقة القطعية، يتنازل عن هذه المصالح التي تتحقق بالموافقة القطعية وبالاحتياط في مقابل مصلحة التسهيل على المكلّف حتّى لا يلزم المكلّف ولا يوقعه في ضيق، فلعلّه، هذا شيء محتمل، ولكن العقل يبني على هذا الأساس، وعلى هذا الأساس لا يحكم بالاستحالة، العقل يُفرّق بين المخالفة القطعية وبين المخالفة الاحتمالية. الذي يراه منافياً للتكليف ويعتبره إلغاءً للتكليف وتجريداً له عن حقيقته هو عبارة عن الترخيص في المخالفة القطعية، كأنّه لا يوجد تكليف، يعني تجريد التكليف عن حقيقته وعن واقعه، بينما الترخيص في المخالفة الاحتمالية ليس هكذا، لا يرى فيه ضيراً ولا يرى مانعاً في أن يرخّص الشارع في المخالفة الاحتمالية، فيسمح للمكلّف بإجراء الأصل العملي في الطرفين مع إلزامه بالإتيان بالطرف الآخر؛ لأنّ المفروض أننا انتهينا إلى نتيجة حرمة المخالفة القطعية، فيُرخّص له في ارتكاب طرفٍ مع إلزامه بارتكاب الباقي، وهذا معناه أنّه يرخّص له في مخالفة احتمالية، العقل لا يرى مانعاً من أن يكون هذا له مبرراته بالنسبة إلى المشرّع الحكيم؛ ولذا لا يراه محالاً، لكن المخالفة القطعية مع افتراض ثبوت التكليف لا يصدّق العقل أنّ الشارع نفسه يرخّص في المخالفة القطعية.
بناءً على هذا الكلام؛ حينئذٍ النتيجة التي نصل إليها هي أنّ العلم الإجمالي ليس علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية وإن كان علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعية؛ لوجود المانع الثبوتي هناك وعدم وجوده في محل الكلام.
هذا كلّه بالنسبة إلى اصل المطلب، وأمّا مسألة جعل البدل، فقد ذكرها كلٌ من الطرفين، يعني القائل بالعلّية والقائل بالاقتضاء، المحقق النائيني(قدّس سرّها) الذي لا يقول بالعلّية ذكرها باعتبار أنّه جعلها دليلاً على إمكان الترخيص في المخالفة الاحتمالية، أنّه يمكن الترخيص في المخالفة الاحتمالية ويمكن جريان الأصل في بعض الأطراف، يقول: الدليل هو في مسألة جعل البدل الشارع رخّص في المخالفة الاحتمالية بأن جعل أحد الطرفين بدلاً عن الواقع ورخّص في ارتكاب الطرف الآخر،[1] هذا دليل على أنّ الشارع من الممكن أن يُرخّص في ارتكاب المخالفة الاحتمالية؛ ولذا لا يكون العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية. المحقق العراقي(قدّس سرّها) أيضاً ذكر مسألة البدل، لكن ذكرها بصدد بيان أنّ مسألة جعل البدل لا يصح أن تُجعل نقضاً على ما نقوله من العلّية التامّة في محل الكلام؛ لأنّها مسألة أخرى، مسألة جعل البدل كما تقدّم هي مسألة غير محل الكلام، فلا يمكن جعلها نقضاً علينا عندما نقول بالعلّية التامّة في محل الكلام؛[2] لأنّه يرى أنّ مسألة جعل البدل ناظرة إلى مرحلة الامتثال ومرحلة تفريغ الذمّة، بينما كلامنا ناظر إلى مرحلة الاشتغال، أنّه هل تشتغل الذمّة بهذا التكليف على نحوٍ يمنع من الترخيص في مخالفته الاحتمالية، أو ليس هكذا ؟ كلامنا في مرحلة الاشتغال بينما مسألة جعل البدل ناظرة إلى مرحلة الامتثال وتفريغ الذمة بعد فرض اشتغالها، بعد فرض اشتغال الذمة بالتكليف وتنجّز التكليف على المكلّف؛ حينئذٍ يقال في مرحلة الامتثال الشارع يكتفي بالامتثال الاحتمالي، يكتفي بأحد الطرفين ويجعله بدلاً عن الواقع ويكتفي بامتثاله من قبل المكلّف ولو ترك الامتثال في الطرف الآخر؛ ولذا يقول أنّ التزامنا بإمكان جعل البدل، والاكتفاء بمسألة جعل البدل في الامتثال الاحتمالي ليس نقضاً علينا؛ لأننا نتحدّث عنه في مرحلة الاشتغال، أنّ العلم الإجمالي ماذا يقتضي ؟ هل يقتضي وجوب الموافقة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال على نحو العلّية، أو لا يقتضي ذلك على نحو العلّية.
وبعبارةٍ أخرى: أنّ المحقق العراقي(قدّس سرّه) كأنّه يريد أن يقول أنّ محل الكلام ومسألة جعل البدل مسألتان منفصلتان، فلا يصح جعلها نقضاً على ما نقول من العلّية التامّة في محل الكلام.
المحقق النائيني(قدّس سرّه) له كلام قد يُفهم منه الموافقة للمحقق العراقي(قدّس سرّه)، فبعد أن ذكر المطلب الذي نقلناه عنه، أنّه يقول: يدل على عدم العلّية في محل الكلام إمكان الترخيص في مسألة جعل البدل، الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي في مسألة جعل البدل، فيقول هذا دليل على أنّ العلم الإجمالي ليس علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية. بعد أن يذكر هذا يقول ما نصّه: نعم، يصح أن يقال أنّ العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي يكون علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية بتعميم الموافقة القطعية إلى الوجدانية والتعبّدية لا خصوص الوجدانية.[3] الذي يُفهم من هذه العبارة هو أنّه يريد أن يقول في الموافقة الوجدانية للتكليف وأنّ العلم الإجمالي هل هو علّة تامّة للموافقة القطعية الوجدانية للتكليف المعلوم بالإجمال، أو ليس علّة تامّة ؟ إذا فُرض الكلام في هذا يقول نحن لا نلتزم بالعلّية التامّة، نحن نقول هنا بالاقتضاء، العلم الإجمالي ليس علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية الوجدانية بدليل مسألة جعل البدل؛ لأنّه في مسألة جعل البدل اكتفى الشارع بالامتثال الاحتمالي ورخّص بالمخالفة الاحتمالية مع أنّه هنا لا توجد موافقة قطعية وجدانية؛ لأنّ المكلّف اقتصر على البدل، إذا اقتصر على البدل امتثل في هذا الطرف؛ لأنّ الشارع جعله بدلاً عن الواقع، وترك الامتثال في الطرف الآخر هذه ليست موافقة قطعية وجدانية، فالبحث إن كان في علّية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية الوجدانية، فنحن نقول بعدم العلّية التامّة، أمّا إذا كان البحث في علّية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية الأعم من الوجدانية والتعبّدية، يقول هنا يصح أن يقال أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية الأعم من الوجدانية ومن التعبّدية، وإنّما الشارع يتمكّن من الترخيص في المخالفة الاحتمالية إذا جعل أحد الطرفين بدلاً، يعني الذي في هو واقعه موافقة قطعية وإن لم تكن موافقة قطعية وجدانية، لكنّها موافقة قطعية تعبّدية، العلم الإجمالي علّة تامّة للأعم من الموافقة الوجدانية والموافقة التعبّدية؛ حينئذٍ نلتزم بالعلّية التامّة. هذا ما يُفهم من عبارته(قدّس سرّه).
نفس الكلام يقوله المحقق العراقي(قدّس سرّه)، حيث يقول أنّ محل كلامنا ليس في خصوص أنّ العلم الإجمالي هل هو علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية الوجدانية بالخصوص، أو لا ؟ وإنّما محل كلامنا في العلم الإجمالي هل هو علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية الأعم من الوجدانية، أو لا ؟ يقول نحن هنا نقول بأنّ العلم الإجمالي علّة تامّة، وفي عبارة المحقق النائيني(قدّس سرّه) أيضاً هو يقول بالعلّية التامّة في هذا الفرض، فهل هما متوافقان ؟ بالنتيجة سوف يكون النزاع لفظياً، يتوافقان على أنّ محل الكلام هو علّية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية الأعم من الوجدانية والتعبّدية، وكل منهما يجيب بأنّه علّة تامّة. وبعبارة أخرى: لا يمكن الترخيص في أحد الطرفين إلاّ بجعل الآخر بدلاً، أمّا من دون جعل الآخر بدلاً الذي يعني الترخيص حينئذٍ انتفاء الموافقة القطعية الوجدانية، وانتفاء الموافقة القطعية التعبّدية، من دون هذا يستحيل الترخيص وأنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية الأعم من الوجدانية أو التعبّدية، لابدّ إمّا من موافقة وجدانية، احتياط يقتضي أن تأتي بكلا الطرفين، أو على الأقل موافقة قطعية تعبّدية؛ لأنّ الموافقة التعبّدية موافقة قطعية، فهل هما يختلفان، أو لا ؟ هذا يأتي الحديث عنه إن شاء الله تعالى.
كان الكلام في الدليل على العلّية التامّة الذي ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه). قلنا أنّه يمكن الاستشكال في هذا الدليل لا من الجهة التي بيّناها في الدرس السابق، وإنّما يمكن الاستشكال فيه بهذا البيان، وقد تقدّمت الإشارة إليه. هذا البرهان يبتني على افتراض أنّ حكم العقل بالمنجّزية حكم فعلي تنجيزي وليس حكماً معلّقاً على عدم الترخيص في المخالفة، وقد اعترف المحقق العراقي(قدّس سرّه) بهذا الابتناء، هو يقول بصريح العبارة بأنّ الحكم العقلي بالمنجّزية والاشتغال وبلزوم الامتثال لو كان تعليقياً معلّقاً على عدم الترخيص من قبل الشارع لما كان الترخيص منافياً لا لحكم العقل ولا للتكليف المعلوم بالإجمال، المضادّة التي هي الركن الأساس في برهانه مبتنية على أن يكون الحكم العقلي حكماً تنجيزياً لا تعليقياً وهذا كما قلنا يعترف به نفس المحقق العراقي(قدّس سرّه)، غاية الأمر أنّه يقول بأنّه ثبت عندي أنّ الحكم العقلي تنجيزي بالبرهان الذي نقلناه عنه سابقاً في حرمة المخالفة القطعية، هو يستكشف كون الحكم العقلي تنجيزياً وفعلياً وليس معلّقاً من ارتكاز المضادة بين الترخيص وبين التكليف المعلوم بالإجمال وقد تقدّم نقل ذلك عنه.
إذن: تمامية هذا البرهان موقوفة على افتراض أنّ حكم العقل بالمنجّزية حكم فعلي تنجيزي وليس تعليقياً، وهذا معناه أنّ هذا البرهان ينهار ولا يتم إذا قلنا بأنّ الحكم العقلي معلّق على عدم الترخيص من قبل الشارع نفسه؛ فحينئذٍ لا يتم هذا البرهان لإثبات علّية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية؛ لأنّ الحكم العقلي في المقام الذي على أساسه قال المحقق العراقي(قدّس سرّه) بأنّ الحكم الترخيصي ينافي التكليف المعلوم بالإجمال وأنّ بينهما مضادة، هو اعترف أنّ هذا مبنيٌ على التنجيزية، فإذا أنكرنا التنجيزية وقلنا بالتعليق، فهذا البرهان لا يكون تامّاً. يعني يمكن الجواب عن هذا البرهان على هذا الأساس، بأنّ الحكم العقلي ليس تنجيزياً وإنّما هو حكم تعليقي. والصحيح كما تقدّم أنّه تعليقي وليس تنجيزياً، وقد تقدّم سابقاً ذكر الدليل على أنّ الحكم العقلي هو حكم تعليقي وليس حكماً تنجيزياً، وهو مسألة أنّ هذا حكم يحكم به العقل لأجل المولى ورعاية لجانبه وشأنه وحقّه، فمثل هذا الحكم لا يُتصوّر إلاّ أن يكون تعليقياً؛ لأنّه لا معنى لافتراض أنّ العقل يبقى مصرّاً على هذا الحكم مع افتراض أنّ المولى هو تخلّى عن حقه وسمح بالمخالفة، فلا معنى لذلك. فالصحيح أنّ الحكم العقلي حكم تعليقي، وبناءً على هذا لا يكون هذا البرهان تامّاً باعتراف المحقق العراقي(قدّس سرّه) نفسه. هذا هو الاعتراض الذي يمكن أن يورد على المحقق العراقي(قدّس سرّه).
الصحيح في المقام هو أن يُقال: تقدّم سابقاً أنّ المانع من الترخيص في مخالفة التكليف المعلوم بالإجمال الواصل إلى المكلّف ليس هو كون الترخيص منافياً لحكم العقل حتّى يقال في مقام ردّه كما تقدّم أنّ الحكم العقلي تعليقي وليس تنجيزياً، وهذه المنافاة بين الترخيص وبين الحكم العقلي إنّما تكون على تقدير كون الحكم العقلي تنجيزياً غير معلقٍ، بينما الصحيح أنّه معلّق، فلا يكون الترخيص منافياً للحكم العقلي، وإنّما يكون رافعاً لموضوعه، المانع ليس هو هذا على ما تقدّم، ليس هو كون الترخيص في المخالفة منافياً لحكم العقل بالمنجّزية وبالاشتغال ولزوم الامتثال، ليس هذا هو المانع، وإنّما المانع هو المضادّة التي يشعر بها الإنسان والعالم بالحكم والذي وصل إليه التكليف، المضادّة بين التكليف وبين الترخيص. هذه المضادّة والمنافاة هي التي تمنع من افتراض الترخيص في مخالفة حكم وصل إلى المكلّف وعلم به، ولو مع التردّد والاشتباه بين فردين، لكن بالنتيجة وصل إلى المكلّف وعلم به، مثل هذا التكليف لا يكون الترخيص في مخالفته مقبولاً، ولا يمكن التصديق بأنّ نفس المولى الذي وصل تكليفه إلى المكلّف وعلم به، هو لا يصدّق أنّ نفس المولى رخّص في مخالفته، التنافي والتضادّ بين الترخيص وبين التكليف المعلوم بالإجمال لا يمكن التصديق بهما، وحيث أنّ المفروض في محل الكلام ثبوت التكليف ووصوله والعلم به؛ ولذا هذا المكلّف ــــــــــــ على الأقل ــــــــــــ الذي وصل إليه التكليف وعلم به لا يكاد يصدّق بأنّ نفس المولى يُرخّص في مخالفة هذا التكليف؛ ولذا يكون الترخيص محالاً، يعني غير ممكنٍ وغير قابلٍ للتصديق، العالم بالتكليف لا يصدّق بوجود ترخيصٍ من قبل المولى في مخالفة ذلك التكليف. هذا الذي قلناه سابقاً.
هذا أيضاً نقوله في المقام، بمعنى أنّ هذا الذي قلناه سابقاً أنتج لنا سابقاً أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعية، يعني علّة تامّة لمنع ثبوت الترخيص في جميع الأطراف؛ لأنّ الترخيص في جميع الأطراف يعني الترخيص في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال، يعني للتكليف الواصل إلى المكلّف، هذا هو الذي ادّعينا سابقاً أنّ العلم الإجمالي يمنع من هذا الترخيص؛ لأنّ الترخيص في جميع الأطراف في البحث السابق هو ترخيص في المخالفة القطعية للتكليف الواصل إلى المكلّف، والمكلّف على الأقل لا يصدّق بمثل هذا الترخيص، أنّ نفس المولى مع افتراض بقاء التكليف ووجوده، هذا الشخص الذي علم بهذا التكليف لا يكاد يصدّق بأنّ الشارع رخّص في مخالفته القطعية؛ لأنّه يرى أنّ هناك تضادّاً وتنافياً بين الترخيص في المخالفة القطعية وبين التكليف وثبوته والذي يكون واصلاً إلى المكلّف ويكون عالماً به، ولو إجمالاً، هذه المضادّة بينهما هي التي تكون مانعة من الترخيص في تمام أطراف العلم الإجمالي. وأمّا في محل الكلام الذي هو وجوب الموافقة القطعية، السؤال الذي يُطرح هو: أنّ هذه الاستحالة التي ثبتت في البحث السابق، هل هي ثابتة في محل الكلام، أو لا ؟
وبعبارة أخرى: إنّ العقل الذي فرضنا أنّه يدرك المنافاة والمضادّة بين الترخيص في تمام الأطراف، أو الترخيص في المخالفة القطعية، هل يدرك أيضاً المضادّة بين الترخيص في بعض الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال، أو لا يدرك هذه المضادّة ؟ هل يحكم العقل باستحالة الترخيص في بعض الأطراف ؟ استحالة الترخيص في المخالفة الاحتمالية كما كان يحكم باستحالة الترخيص في تمام الأطراف واستحالة الترخيص في المخالفة القطعية، أو أنّه لا يُدرك هذه الاستحالة ولا يحكم بها ؟ البناء على العلّية التامّة، أو عدمها ينبغي أن نجيب فيه عن هذا السؤال: أنّ العقل هل يدرك استحالة الترخيص في بعض الأطراف كما يدرك استحالة الترخيص في تمام الأطراف ؟ هل يرى العقل مضادّة بين الترخيص في بعض الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال الواصل إلى المكلّف، هناك إدراك لهذه الاستحالة، أو لا ؟ هناك إدراك لهذه المنافاة، أو لا ؟ إذا فرضنا أنّ العقل يدرك ذلك كما يدركه بالنسبة إلى الترخيص في تمام الأطراف يصح كلام المحقق العراقي(قدّس سرّه) بأنّ العلم الإجمالي يكون علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعية ولوجوب الموافقة القطعية. وأمّا إذا قلنا أنّ العقل يفرّق بين المخالفة القطعية وبين المخالفة الاحتمالية، يفرّق بين الترخيص في تمام الأطراف وبين الترخيص في بعض الأطراف، العقل يُفرّق بينهما.
وبعبارةٍ أخرى: العقل لا يرى مانعاً من ترخيص المولى في المخالفة الاحتمالية مع حفظ التكليف وافتراض بقاء التكليف، لكنّه يرى مانعاً من الترخيص في المخالفة القطعية، هل يُفرّق العقل بينهما ؟ الصحيح هو أنّه يفرّق بينهما، العقل لا يرى مانعاً ولا مضادّة بحيث تستوجب استحالة الترخيص من قبل الشارع في بعض الأطراف، لا يرى استحالة في المقام، ولا يدرك هذه الاستحالة التي كان يدركها بالنسبة إلى الترخيص في المخالفة القطعية، يُميّز بين المخالفة القطعية والمخالفة الاحتمالية، الترخيص في المخالفة الاحتمالية يساوق رفع اليد عن اصل التكليف وإلغاء التكليف بالمرّة مع افتراض بقاء التكليف بحسب الفرض؛ لأنّه يعلم بالتكليف، الترخيص في المخالفة القطعية إلغاء للتكليف تقريباً؛ كأنّ التكليف لا وجود له، بينما الترخيص في المخالفة الاحتمالية ليس هكذا، العقل يُدرك ويميّز بكل وضوح بأنّه من الممكن أنّ المشرّع لبعض المصالح التي يلاحظها هو نفس المشرّع، من الممكن أنّه يتنازل عن الموافقة القطعية إلى الموافقة الاحتمالية، يتنازل إلى الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية، لنفترض أنّ مصلحة التسهيل على المكلّفين كانت ملحوظة للشارع المقدّس، قد يتنازل عن بعض الملاكات الواقعية التي يحافظ عليها فيما لو أمر بالاحتياط وأمر بالموافقة القطعية، يتنازل عن هذه المصالح التي تتحقق بالموافقة القطعية وبالاحتياط في مقابل مصلحة التسهيل على المكلّف حتّى لا يلزم المكلّف ولا يوقعه في ضيق، فلعلّه، هذا شيء محتمل، ولكن العقل يبني على هذا الأساس، وعلى هذا الأساس لا يحكم بالاستحالة، العقل يُفرّق بين المخالفة القطعية وبين المخالفة الاحتمالية. الذي يراه منافياً للتكليف ويعتبره إلغاءً للتكليف وتجريداً له عن حقيقته هو عبارة عن الترخيص في المخالفة القطعية، كأنّه لا يوجد تكليف، يعني تجريد التكليف عن حقيقته وعن واقعه، بينما الترخيص في المخالفة الاحتمالية ليس هكذا، لا يرى فيه ضيراً ولا يرى مانعاً في أن يرخّص الشارع في المخالفة الاحتمالية، فيسمح للمكلّف بإجراء الأصل العملي في الطرفين مع إلزامه بالإتيان بالطرف الآخر؛ لأنّ المفروض أننا انتهينا إلى نتيجة حرمة المخالفة القطعية، فيُرخّص له في ارتكاب طرفٍ مع إلزامه بارتكاب الباقي، وهذا معناه أنّه يرخّص له في مخالفة احتمالية، العقل لا يرى مانعاً من أن يكون هذا له مبرراته بالنسبة إلى المشرّع الحكيم؛ ولذا لا يراه محالاً، لكن المخالفة القطعية مع افتراض ثبوت التكليف لا يصدّق العقل أنّ الشارع نفسه يرخّص في المخالفة القطعية.
بناءً على هذا الكلام؛ حينئذٍ النتيجة التي نصل إليها هي أنّ العلم الإجمالي ليس علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية وإن كان علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعية؛ لوجود المانع الثبوتي هناك وعدم وجوده في محل الكلام.
هذا كلّه بالنسبة إلى اصل المطلب، وأمّا مسألة جعل البدل، فقد ذكرها كلٌ من الطرفين، يعني القائل بالعلّية والقائل بالاقتضاء، المحقق النائيني(قدّس سرّها) الذي لا يقول بالعلّية ذكرها باعتبار أنّه جعلها دليلاً على إمكان الترخيص في المخالفة الاحتمالية، أنّه يمكن الترخيص في المخالفة الاحتمالية ويمكن جريان الأصل في بعض الأطراف، يقول: الدليل هو في مسألة جعل البدل الشارع رخّص في المخالفة الاحتمالية بأن جعل أحد الطرفين بدلاً عن الواقع ورخّص في ارتكاب الطرف الآخر،[1] هذا دليل على أنّ الشارع من الممكن أن يُرخّص في ارتكاب المخالفة الاحتمالية؛ ولذا لا يكون العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية. المحقق العراقي(قدّس سرّها) أيضاً ذكر مسألة البدل، لكن ذكرها بصدد بيان أنّ مسألة جعل البدل لا يصح أن تُجعل نقضاً على ما نقوله من العلّية التامّة في محل الكلام؛ لأنّها مسألة أخرى، مسألة جعل البدل كما تقدّم هي مسألة غير محل الكلام، فلا يمكن جعلها نقضاً علينا عندما نقول بالعلّية التامّة في محل الكلام؛[2] لأنّه يرى أنّ مسألة جعل البدل ناظرة إلى مرحلة الامتثال ومرحلة تفريغ الذمّة، بينما كلامنا ناظر إلى مرحلة الاشتغال، أنّه هل تشتغل الذمّة بهذا التكليف على نحوٍ يمنع من الترخيص في مخالفته الاحتمالية، أو ليس هكذا ؟ كلامنا في مرحلة الاشتغال بينما مسألة جعل البدل ناظرة إلى مرحلة الامتثال وتفريغ الذمة بعد فرض اشتغالها، بعد فرض اشتغال الذمة بالتكليف وتنجّز التكليف على المكلّف؛ حينئذٍ يقال في مرحلة الامتثال الشارع يكتفي بالامتثال الاحتمالي، يكتفي بأحد الطرفين ويجعله بدلاً عن الواقع ويكتفي بامتثاله من قبل المكلّف ولو ترك الامتثال في الطرف الآخر؛ ولذا يقول أنّ التزامنا بإمكان جعل البدل، والاكتفاء بمسألة جعل البدل في الامتثال الاحتمالي ليس نقضاً علينا؛ لأننا نتحدّث عنه في مرحلة الاشتغال، أنّ العلم الإجمالي ماذا يقتضي ؟ هل يقتضي وجوب الموافقة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال على نحو العلّية، أو لا يقتضي ذلك على نحو العلّية.
وبعبارةٍ أخرى: أنّ المحقق العراقي(قدّس سرّه) كأنّه يريد أن يقول أنّ محل الكلام ومسألة جعل البدل مسألتان منفصلتان، فلا يصح جعلها نقضاً على ما نقول من العلّية التامّة في محل الكلام.
المحقق النائيني(قدّس سرّه) له كلام قد يُفهم منه الموافقة للمحقق العراقي(قدّس سرّه)، فبعد أن ذكر المطلب الذي نقلناه عنه، أنّه يقول: يدل على عدم العلّية في محل الكلام إمكان الترخيص في مسألة جعل البدل، الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي في مسألة جعل البدل، فيقول هذا دليل على أنّ العلم الإجمالي ليس علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية. بعد أن يذكر هذا يقول ما نصّه: نعم، يصح أن يقال أنّ العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي يكون علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية بتعميم الموافقة القطعية إلى الوجدانية والتعبّدية لا خصوص الوجدانية.[3] الذي يُفهم من هذه العبارة هو أنّه يريد أن يقول في الموافقة الوجدانية للتكليف وأنّ العلم الإجمالي هل هو علّة تامّة للموافقة القطعية الوجدانية للتكليف المعلوم بالإجمال، أو ليس علّة تامّة ؟ إذا فُرض الكلام في هذا يقول نحن لا نلتزم بالعلّية التامّة، نحن نقول هنا بالاقتضاء، العلم الإجمالي ليس علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية الوجدانية بدليل مسألة جعل البدل؛ لأنّه في مسألة جعل البدل اكتفى الشارع بالامتثال الاحتمالي ورخّص بالمخالفة الاحتمالية مع أنّه هنا لا توجد موافقة قطعية وجدانية؛ لأنّ المكلّف اقتصر على البدل، إذا اقتصر على البدل امتثل في هذا الطرف؛ لأنّ الشارع جعله بدلاً عن الواقع، وترك الامتثال في الطرف الآخر هذه ليست موافقة قطعية وجدانية، فالبحث إن كان في علّية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية الوجدانية، فنحن نقول بعدم العلّية التامّة، أمّا إذا كان البحث في علّية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية الأعم من الوجدانية والتعبّدية، يقول هنا يصح أن يقال أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية الأعم من الوجدانية ومن التعبّدية، وإنّما الشارع يتمكّن من الترخيص في المخالفة الاحتمالية إذا جعل أحد الطرفين بدلاً، يعني الذي في هو واقعه موافقة قطعية وإن لم تكن موافقة قطعية وجدانية، لكنّها موافقة قطعية تعبّدية، العلم الإجمالي علّة تامّة للأعم من الموافقة الوجدانية والموافقة التعبّدية؛ حينئذٍ نلتزم بالعلّية التامّة. هذا ما يُفهم من عبارته(قدّس سرّه).
نفس الكلام يقوله المحقق العراقي(قدّس سرّه)، حيث يقول أنّ محل كلامنا ليس في خصوص أنّ العلم الإجمالي هل هو علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية الوجدانية بالخصوص، أو لا ؟ وإنّما محل كلامنا في العلم الإجمالي هل هو علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية الأعم من الوجدانية، أو لا ؟ يقول نحن هنا نقول بأنّ العلم الإجمالي علّة تامّة، وفي عبارة المحقق النائيني(قدّس سرّه) أيضاً هو يقول بالعلّية التامّة في هذا الفرض، فهل هما متوافقان ؟ بالنتيجة سوف يكون النزاع لفظياً، يتوافقان على أنّ محل الكلام هو علّية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية الأعم من الوجدانية والتعبّدية، وكل منهما يجيب بأنّه علّة تامّة. وبعبارة أخرى: لا يمكن الترخيص في أحد الطرفين إلاّ بجعل الآخر بدلاً، أمّا من دون جعل الآخر بدلاً الذي يعني الترخيص حينئذٍ انتفاء الموافقة القطعية الوجدانية، وانتفاء الموافقة القطعية التعبّدية، من دون هذا يستحيل الترخيص وأنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية الأعم من الوجدانية أو التعبّدية، لابدّ إمّا من موافقة وجدانية، احتياط يقتضي أن تأتي بكلا الطرفين، أو على الأقل موافقة قطعية تعبّدية؛ لأنّ الموافقة التعبّدية موافقة قطعية، فهل هما يختلفان، أو لا ؟ هذا يأتي الحديث عنه إن شاء الله تعالى.