32/11/24
تحمیل
الصورة الثانية:- أن يطرأ الحدث بعد الإتيان بأربعة أشواط والمفروض أن صدوره بلا اختيار ، وفي مثله يحكم بكفاية إتمام ما سبق بعد الطهارة - أي كما ذهب إليه المشهور - أما لماذا ؟ انه لنفس النكتة السابقة فيقال ان المسالة ابتلائية وحكمها يلزم أن يكون واضحاً وحيث لا يحتمل أن يكون ذلك الحكم الواضح على خلاف ما ذهب إليه مشهور الفقهاء فيحصل الاطمئنان بصحة ما ذهب إليه مشهور الفقهاء وأنه هو الموقف الشرعي.
وواضح أن القدر المتيقن مما ذهب إليه المشهور حينما حكموا بكفاية الإتمام هو حالة ما إذا طرأ الحدث بعد أربعة أشواط وكان بلا اختيار ، بل ورواية بن أبي عمير عن بعض أصحابنا فان ذلك هو القدر المتيقن منها أيضاً.
الصورة الثالثة:- أن يطرأ الحدث بعد أربعة أشواط ولكن مع فرض صدوره عن اختيار ، أو نفترض أنه صدر بلا اختيار ولكن كان قبل تحقق أربعة أشواط - يعني أتى بثلاثة ونصف أو ثلاثة وثلاثة أرباع الشوط - انه( قده) احتاط في هذه الصورة بإكمال ما سبق - بعد الطهارة - ثم الإتيان بعد ذلك بطواف جديد كامل برجاء المطلوبية .
ثم قال(قده) ان هذا الاحتياط يمكن اختصاره باحتياط آخر أقل كلفة منه وذلك بأن يتطهر المكلف بعد صدور الحدث ويأتي بطواف كامل جديد بقصد به الأعم من التمام والإتمام ، يعني على تقدير كون ما سبق باطلاً سيكون هذا الطواف الجديد تاماً وجديداً برأسه ولا يضر ذلك الأوَّل بعد كونه باطلاً ، وأما على تقدير كون ما سبق صحيحاً فيكون هذا متمماً لذلك الصحيح ولكنه يكون متمماً بمقدار الحاجة - أي بمقدار ثلاثة أشواط ونصف مثلاً - وتبقى الثلاثة والنصف الأخرى زائدة ولا تؤثر زيادتها لما سوف يأتي إنشاء الله تعالى من أن الزيادة تتحقق بالقصد فإذا لم يقصد الزيادة والإتيان بطواف صحيح فلا يكون المأتي به زائداً . وهذا كله واضح.
ولكن يبقى السؤال وهو لماذا هذا الاحتياط سواء بشكله الاول أو بشكله الثاني ؟ يعني لِمَ صار (قده) إلى الاحتياط ولم يُفتِ بما صار إليه المشهور في هذه الصورة وهو أنه يبني على ما سبق بعد الطهارة لأن المنسوب إليهم هو أن الحدث لو صدر بعد تجاوز النصف فيتم ما سبق وهنا قد فرض أنه قد تحقق التجاوز عن النصف ولكن قبل بلوغ أربعة أشواط فان المناسب لما عليه المشهور هو الحكم بالطهارة وإتمام ما سبق ، فلماذا احتاط ولم يجزم بكفاية الإتمام كما جزم في الصورة الثانية بكفايته ؟
والجواب:- ان الوجه في ذلك هو أن مقتضى إطلاق كلمات المشهور وان كان هو ذلك ولكن حيث ان اتفاقهم هو دليل لبّي وليس دليلاً لفظياً حتى يتمسك بإطلاقه وحيث نحتمل أن مرادهم من النصف هو الوصول إلى أربعة أشواط فيلزم الاقتصار على القدر التيقن غايته أن هذا احتمال وليس شيئاً جزمياً ، فلو كان الدليل دليلاً لفظياً لنفينا مثل الاحتمال المذكور بالإطلاق اللفظي ولكن حيث انه لا يوجد لدينا دليل لفظي وإنما ما تمسكنا به هو دليل لبي يعني قلنا ان المسالة عامة البلوى ويلزم أن يكون حكمها واضحاً والمشهور حيث ذهبوا إلى كفاية إتمام ما سبق فيتضح أن ذلك هو الموقف الشرعي ، ان ما تمسكنا به هو هذا ولكن بما انه يحتمل أن مقصودهم من النصف هو الوصول إلى الأربع لذلك ينبغي المصير إلى الاحتياط .
والأمر كذلك بالنسبة إلى رواية بن أبي عمير عن بعض أصحابنا فإنها عبرت ( إذا تجاوز النصف كفى الطهارة وإتمام ما سبق ) فانه يحتمل أن يكون مقصودها من النصف هو الوصول إلى أربعة أشواط .
وقد تسأل:- ان هذا الاحتمال إذا كان ثابتاً فما ذكرتموه من المصير إلى الاحتياط شيء وجيه ، ولكن من أين نشأ لكم هذا الاحتمال والحال أن النصف في اللغة العربية عبارة عما هو المعهود ، فنصف السبعة عبارة عن ثلاثة ونصف وليس الأربعة ، فلماذا أبديتم هذا الاحتمال ؟
والجواب:- ان المنشأ لذلك أمران ، ونعترف بأن كل واحد منهما لا يصلح كدليل علمي ولكنه قد يورث الاحتمال:-
الاول:- انه قد ورد في بعض روايات طرو الحيض أثناء الطواف استعمال كلمة النصف وأرادة أربعة أشواط منها من قبيل ما رواه الشيخ الطوسي(قده) بإسناده عن ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عمن سأل أبا عبد الله عليه السلام ( عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت ، قال:- تتم طوافها وليس عليها غيره ومتعتها تامة ولها أن تطوف بين الصفا والمروة لأنها زادت على النصف وقد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج ، وان هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج فان أقام بها جمّالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر )[1] , ووجه الدلالة هو أنها قد جعلت المقابلة بين ثلاثة أشواط وأربعة لا بين ثلاثة وثلاثة ونصف فلو كان المدار في النصف على النصف الحقيقي لكان المناسب جعل المقابلة بين الثلاثة والثلاثة ونصف.
إذن قد يفهم من هذه الرواية أن المقصود من النصف هو أربعة أشواط ، ونؤكد ان مقصودنا هو احتمال ذلك ولا نريد أن نجزم به.
والثاني:- لو كان المقصود من كلمة النصف هو المعنى الحقيقي فنسأل ونقول بم يتحقق النصف ؟ انه يتحقق بثلاثة أشواط ونصف ، ولكن الثلاثة والنصف أين تكون ؟ فهل الطائف عنده وسيلة قياس حتى يشخص ذلك ؟ انه شيء صعب ، فلو كان المقصود هو النصف الحقيقي لكان المناسب للإمام عليه السلام والفقهاء الإحالة على أمر واضح وذلك بجعل المدار على الوصول إلى الركن الثالث من الكعبة فان البداية هي من ركن الحجر الأسود ثم إذا سار ووصل إلى الركن الثالث فقد تحقق النصف ، فلو كان المقصود هو النصف الحقيقي لكان من المناسب التعبير بدل النصف بالوصول إلى الركن الثالث فان الحوالة عليه حوالة على أمر واضح بخلاف الحوالة على كلمة النصف ، فيمكن على مستوى الاحتمال أن نفهم من هذا ان المقصود من النصف هو إكمال أربعة أشواط ولذلك لم يحوّل الإمام عليه السلام على الوصول إلى الركن الثالث.
وعلى أي حال ان فرض أن مثل هذا الاحتمال تولّد في نفسك ورأيته احتمالاً مقبولاً فالمصير إلى الاحتياط هو المتعين لأنه آنذاك يحتمل أن يكون مقصود الرواية والفقهاء من كلمة النصف هو الوصول إلى أربعة ، أما إذا رفضت هذا الاحتمال ورأيت أن هذين المنشأين لا قيمة لهما ولا يوجد منشأ آخر للاحتمال فمن المناسب آنذاك إلحاق هذه الصورة بالصورة الثانية ويصير حكمهما واحداً . هذا بالنسبة إلى ما لو صدر الحدث قبل نهاية الأربع.
وأما لو وصل المكلف إلى الأربع وصدر الحدث بعدها ولكن عن عمد فالكلام هو الكلام لاحتمال أن فتوى الفقهاء والرواية اللذين حكما بالإتمام بعد الطهارة ناظران إلى حالة الصدور من دون اختيار ، وعليه فالمصير إلى الاحتياط شي وجيه.
وقبل ان نختم هذه المسألة أود الإشارة إلى قضية فنية:- وهي أنا ذكرنا في هذه المسألة ثلاث صور وبيَّنا حكم كل صورة منها ، ولكن هضم هذه الصور وحفظها شيء صعب ، وهناك طريقة أيسر يمكن تقديمها للمكلف بلا حاجة إلى هذا التطويل وذلك بأن يقال:- انه متى ما طرأ الحدث أثناء الطواف فبإمكان المكلف أن يتطهر ويأتي بطواف كامل بقصد الأعم من التمام والإتمام من دون حاجة إلى بيان الصور الثلاث فانه ضابط وحكم ميسَّر ، وهو كما يتم في الصورة الثالثة يتم في الصورة الأولى والثانية أيضاً ، فان المكلف لو تطهر وأتى بطواف كامل بقصد الأعم من التمام والإتمام فقد فرَّغ ذمته يقيناً.
[1] الوسائل 13- 455 85 أبواب الطواف ح4.