33/02/23
تحمیل
الموضوع / التنبيه الثالث / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
هذا ولكن يمكن أن يقال:- ان الانصراف ثابت بقطع النظر عما أفاده السيد الشهيد(قده) فان العقلاء أو العرف لا يتقبَّل الترخيص في جميع الأطراف بعد فرض الجزم بحرمة واحد منها ، ان هذا معناه هو الترخيص في ارتكاب الحرام إذ أن واحداً منها حرام حسب الفرض فيلزم الترخيص في ارتكاب الحرام والعقلاء والعرف حيث يأبيان عن مثل ذلك ويريان المناقضة بين الترخيص في جميع الأطراف وبين وجود الحرام الواقعي فيصير هذا سبباً لانصراف أدلة الأصول عن مورد الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي من دون تفرقة بين أن تكون الأطراف محصورة أو ليست محصورة فان المناقضة ثابتة على كلا التقديرين غايته هي أوضح إذا كانت الشبهة محصورة ومن هنا يأبى العرف عن شمول دليل الأصل لموارد العلم الإجمالي ، وبناءاً على هذا لا يتم ما ذكره المشهور باعتبار أنهم قالوا ( لا محذور في الترخيص في جميع الأطراف بعدما كان لا يلزم مخالفة قطعية عملية لفرض كثرة الأطراف ) ، ونحن نقول:- صحيح أنه لا يلزم مخالفة قطعية عملية ولكن نفس الترخيص في ارتكاب جميع الأطراف يأباه العرف بعد علمه بوجود الحرام في واحدٍ منها . هذا بالنسبة إلى ما أفاده المشهور
وأما بالنسبة إلى ما أفاده السيد الشهيد(قده):- فانا ندَّعي أن نفس وجود الحرام في الأطراف سبب لفهم العرف انصراف دليل الأصل عن مورد الشبهة المحصورة وغير المحصورة فان هذه المنافاة ثابتة على كلا التقديرين.
وبناءاً على هذا يتضح التأمل أيضاً فيما أفاده غير واحد حيث قيل:- ان الأصول لا تجري في أطراف العلم الإجمالي إذا كانت ترخيصية وأما إذا كانت إلزامية فلا محذور في جريانها ، يعني لو كان عندي إناءان وقد تنجس أحدهما وكانت الحالة السابقة لهما هي الطهارة فاستصحاب الطهارة هنا مع استصحابه هناك يعبَّر عنه بالأصل الترخيصي ، إنهم قالوا لا يمكن جريانهما ، وهذا بخلاف ما لو كانت الحالة السابقة هي النجاسة ثم علمنا بطهارة واحد منهما فإنهم قالوا لا مانع من جريان استصحاب النجاسة في هذا الطرف الثاني ، ان جريان هذين الاستصحابين لا يؤدي إلى مخالفة قطعية بل غاية ما يلزم هو الاجتناب عن الطاهر وهو لا محذور فيه فان المحذور هو في ارتكاب النجس وليس في التجنب عن الطاهر . هكذا فصَّلوا بين الأصول الترخيصية.
نعم كان للشيخ الأنصاري(قده) - على ما قرأنا في الرسائل - مخالفة في هذا المجال حيث قال:- ان الأصول الالزامية لا تجري في الأطراف أيضاً باعتبار أن دليل الاستصحاب يقول في لسانه ( لا تنقض اليقين بالشك وإنما انقضه بيقين آخر ) انه يحصل تهافت بين الصدر والذيل ، فمقتضى الصدر لو كان وحده هو جريان استصحاب النجاسة في هذا الطرف واستصحاب النجاسة في ذلك الطرف ، ولكن مقتضى الذيل الذي يقول ( ولكن انقضه بيقين آخر ) هو أن الاستصحاب لا يمكن جريانه في كليهما إذ أن أحدهما نجزم بانتقاض اليقين السابق فيه بيقين آخر ، انه لأجل هذا قال الشيخ الأعظم ان الأصول الالزامية لا تجري في الأطراف أيضاً كالأصول الترخيصية ، هذا على مبنى القوم وعلى مبنى الشيخ الأعظم(قده).
والذي نريد أن نقوله الآن هو:- انه بناءاً على ما ذكرناه من المناقضة العرفية بين تطبيق دليل الأصل في جميع الأطراف وبين العلم بالخلاف في واحد منها وان هذه المناقضة العرفية توجب انصراف دليل الأصل - الذي هو مطلق - إلى خصوص الشبهة البدوية فان الأصول الالزامية لا تجري كالأصول الترخيصية من دون حاجة إلى الاستعانة بما ذكره الشيخ الأعظم(قده) من التهافت بين الصدر والذيل وإنما نقول ان دليل الأصل مطلق وحيث توجد مناقضة بين تطبيقه في جميع الأطراف والعلم بالخلاف في واحد فينصرف إلى خصوص الشبهة البدوية ، وهذا طريق يسير وسهل للوصول إلى النتيجة الأعم من دون حاجة إلى ما ذكره الشيخ الأعظم(قده).
هذا كله في الوجه الثاني وقد اتضح أنه لا يمكن الاستناد إليه لإثبات عدم تنجيز العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة.
الوجه الثالث:- ما أفاده الشيخ النائيني(قده)
[1]
وحاصله:- ان العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة لا ينجِّز حرمة المخالفة العملية القطعية ولا وجوب الموافقة العملية القطعية ، أما أنه لا ينجز حرمة المخالفة فلفرض عدم إمكانها فان الأطراف ما دامت كثيرة فالمخالفة العملية ليست ممكنة فلا تكون حراماً فان حرمة الشيء فرع إمكانه والقدرة عليه وحيث لا يمكن المخالفة العملية فلا تكون محرمة.
وأما أنه لا ينجِّز وجوب الموافقة القطعية فلان وجوب الموافقة فرع حرمة المخالفة وحيث لا تحرم المخالفة فلا تجب الموافقة ، أما لماذا كان وجوب الموافقة فرع حرمة المخالفة ؟ ذلك باعتبار أن وجوب الموافقة ينشأ من تعارض الأصول في الأطراف فحينما تتعارض وتتساقط تجب آنذاك الموافقة إذ لا يبقى مؤمِّن في هذا الطرف لسقوطه بالمعارضة ولا في ذاك الطرف لسقوطه بالمعارضة ..... وهكذا وهذه المعارضة إنما تتحقق بين الأصول فيما إذا حرمت المخالفة القطعية إذ بعد حرمتها لا يمكن جريان جميع هذه الأصول لأن لازم جريان جميع الأصول المخالفة العملية القطعية فإذا قلنا هي ليست حراماً لعدم إمكانها فلا تتعارض الأصول في الأطراف آنذاك فلا تجب الموافقة القطعية.
ثم قال(قده):- ان هذا المطلب يتم في الشبهة التحريمية فقط ، يعني إذا علمت أن واحداً من الأطراف حرام إذ تكون مخالفة الحرمة بالفعل وفعل الجميع ليس ممكناً بعد فرض كثرة الأطراف فلا تحرم المخالفة ، وهذا بخلافه فيما إذا كانت الشبهة وجوبية فان الشبهة تكون بالترك وترك الجميع سهل المؤونة وممكن.
إذن المخالفة القطعية ممكنة في باب الشبهة الوجوبية وإنما لا تكون ممكنة في باب الشبهة التحريمية لأنه المطلوب فيها الفعل وفعل الجميع ليس بممكن.
[1] أجود التقريرات 2 276 ، فوائد الأصول 4 119.