36/04/25
تحمیل
الموضوع:- اشتراك الأحكام -
مباحث الحكم.
ونذكر إضافة فنقول:- أنّه أحياناً لا يجوز تعجيز النفس عن امتثال التكليف حتى قبل حلول وقت الواجب وذلك فيما إذا دلّ الدليل الخارجي على أنّ المقدّمة يلزم فعلها قبل زمان الواجب كما هو الحال بالنسبة إلى الغسل في ليلة الصيام فإنّ وجوب الصوم يبتدئ من حين طلوع الفجر ولكن غسل الجنابة يجب قبل الفجر لدلالة الدليل الخاص على ذلك، وهذا ما يصطلح عليه في علم الأصول بالمقدمات المفوّتة، فهناك مقدّمات لو لم يفعلها المكلّف قبل زمان الواجب لفات امتثال الواجب ولم يمكن امتثاله، وقد وقع الأعلام في إشكالٍ وهو أنه كيف تجب المقدّمة قبل حلول زمان الواجب ؟ وهذه هي مشكلة وجوب المقدّمات المفوّتة وتوجد آراء متعدّدة في كيفية حلّها ونحن الآن لسنا بصدد حلّ هذه المشكلة وإنما نريد أن نقول إنّه بعد أن دلّ الدليل على لزوم فعل المقدّمة قبل طلوع الفجر فلا يجوز تعجيز النفس قبل زمان الواجب وذلك بإراقة ماء الغسل مثلاً رغم أنّ وقت الواجب لم يحن ولكن إراقة الماء والانتقال إلى التيمم لا يجوز لأنّه يجب فعل المقدّمة قبل زمان الواجب، أما كيف نخرّج وجوب المقدّمة قبل زمان وجوب ذي المقدمة فنيّاً فتلك قضيّة أخرى تبحث في مسألة المقدّمات المفوّتة، لكن بعدما لزم وجوب فعل المقدمة قبل زمان الواجب فتفويت القدرة على المقدمة - أي على الغسل - قبل حلول الفجر لا يجوز وهذا مطلب واضح إذ المفروض أنّ المقدمة تجب الآن فمادامت تجب فتفويت القدرة شيء غير جائز، وهذا كلامٌ سيّالٌ في مطلق موارد المقدّمات المفوتة.
ويوجد موردٌ أخر لا يجوز فيه تعجيز النفس قد أشرنا ليه فما سبق وهو ما إذا انطبق عنوانٌ ثانويٌّ كأن فرض أنه كان ينطبق على الشخص عنوان المضيّع لصلاته - فيما إذا بنينا على أنّ عنوان تضييع الصلاة من المحرمات - أو لا يصدق عليه أنّه محافظٌ على صلاته - بناء على وجوب مثل العنوان الذكور - ففي مثل ذلك لا يجوز أن ينام الشخص قبل طلوع الفجر إذ قد ينطبق عليه عنوان المضيّع أو غير المحافظ على صلاته.
اشتراك الأحكام:-
لم يقع إشكال وخلافٌ بين الإمامية في أنّ الأحكام الواقعيّة مشتركة بين العالم والجاهل، وذكر والشيخ الأعظم(قده) في الرسائل ما نصّه:- ( وقد تواتر بوجود الحكم المشترك بين العالم والجاهل الأخبار والآثار )[1] . إذن هو يدّعي تواتر الأخبار على اشتراك الأحكام.
وإذا لاحظنا الأخبار قد لا نعثر على خبرٍ يدلّ بالدلالة المطابقيّة على الاشتراك بحيث يقول إنَّ الأحكام مشتركة بين العالم والجاهل، ولا يبعد أنّ مقصوده هو أنّ الأخبار قد دلّت ولو بالدلالة الالتزاميّة دون المطابقة على ذلك، من قبيل أخبار وجوب التعلّم التي تقول:- ( يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له هلّا عملت ؟ فيقول:- لم أعلم، فيقال له:- هلا تعلمت ؟.... )، ومثل آية النفر ﴿ فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين ﴾ يعني توجد أحكامُ دينٍ حتى يتفقهوا، فوجوب التعلّم يدلّ بالدلالة الاتزاميّة على وجود أحكامٍ في حقّ الجميع إذ لو لم تكن هناك أحكام في حقّ الجاهل فالتعلّم يكون لغواً، فنفس روايات وجوب التعلّم تدلّ بالالتزام على أنّ الأحكام مشتركة، وهكذا آية النفر الآمرة بالتفقه تدلّ بالالتزام على وجود أحكام مشتركة.
وكذلك ما دلّ على تشريع الأمارات كالخبر وغيره من الأمارات فهو يدل بالإلتزام على وجود أحكامٍ مشتركةٍ وإلا فالامارة تكون أمارة على ماذا إذا لم يكن هناك حكم مشترك ؟! إنها لا تكون أمارةً على شيءٍ إذ لا يوجد حكمٌ في حقّ الجاهل حتى تكون أمارةً عليه، فلابد وأن نفترض أن الأحكام مشتركة حتى يصحّ توجيه حجّية الأمارات.
إذن لا يبعد أّن مقصوده من تواتر الأخبار يعني الدالّة ولو بالالتزام، وإذا كان هذا هو مقصودة فهو شيءٌ ليس ببعيد.
ولكن بقطع النظر عن الأخبار التي ذكرها الشيخ الأعظم(قده) قد يقال:- إنّ نفس الاختصاص وتقيّد الحكم بخصوص العالم هو مستحيلٌ بنفسه للدور الذي ينسب إلى العلامة(قده)، وحاصله:- إنَّ ثبوت الحكم موقوفٌ على العلم به - بناءً على اختصاص الحكم بالعالم -، والعلم بالحكم فرع ثبوت الحكم إذ لو لم يكن حكمٌ فأعلم بماذا ؟!! فيلزم بذلك الدور، يعني يثبوت الحكم يكون موقوفاً على ثبوت الحكم.
وهذه ليست صياغة دقيقة وجوابها واضح:- فإنا نسلّم المقدّمة الأولى وهي أن ثبوت الحكم فرع العلم بالحكم - بناء على اختصاص الاحكام بالعالمين - أمّا أنَّ العلم بالحكم موقفٌ على ثبوت الحكم فهذا أوّل الكلام، فالعلم بالشيء هل هو فرع ثبوت الشيء ؟! فنحن لو كنّا نعلم بنزول المطر فهل يلزم أن يكون المطر نازلاً حتماً ؟ أفلا يمكن أن أعلم بنزول المطر من دون نزوله اشتباهاً ؟!! ولا تقل إنّ هذا في المنطق يعدُّ جهلاً، كلّا فنحن نريد العلم بمعنى الجزم وليس بذلك المعنى، فأنا أجزم بنزول المطر والحال أنّه لا يوجد مطر، وكلّ جاهلٍ مركّبٍ عنده علمٌ بمعنى الجزم ولكنّه لا يطابق الواقع، ولو كان العلم بالشيء فرع وجود الشيء لكان كلّ علمٍ مطابقاً للواقع ولا يبقى آنذاك جهلٌ مركّب.
والصحيح كما ذكر من أنّ العلم أمرٌ ذهنيٌّ والأمر الذهني لا يتعلّق إلا بالصورة الذهنية وليس بالواقع الخارجي، فعلمي بنزول المطر لا يتعلّق بنزول المطر الخارجي وإلا صار ما في الذهن ثابتاً في الخارج أو أنّ الخارج سوف يدخل في الذهن، فمتعلّق العلم دائماً هو الصور الذهنيّة، فالصور الذهنيّة هي المعلوم بالذات وليس الواقع الخارجي وإذا نسبنا العلم إلى الواقع الخارجي فهذه نسبةٌ بالعرض وهو معلومٌ ثانياً وبالعرض وإلا فحقيقةٌ المعلوم بالذات هو الصورة الذهنيّة، وهذا ينبغي أن يكون من الواضحات - وهو أنّ العلم بالشيء ليس موقوفاً على ثبوت ذلك الشيء فالعلم بالشيء فرع ثبوت الصورة في الذهن لا فرع ثبوت الشيء خارجاً -.
وعلى هذا الأساس يندفع الدور إذ نقول:- إنَّ ثبوت الحكم في حقّي فرع علمي به، وعلمي به ليس فرع ثبوته حقيقةً في حقّي وإنما هو فرع الصورة الذهنية، فإذا تصوّرت الحكم أمكن تعلّق العلم به، فالعلم يتعلّق بالصور الذهنيّة لا بالوجود الخارجي فلا دور.
والخلاصة:- إنَّ هذا الصيغة للدور التي تنسب إلى العلامة الحلي(قده) صيغة مرفوضة وواضحة الضعف ولابد من ذكر بيانٍ آخر لاثبات الاستحالة
وفي هذا المجال يذكر بيانان للاستحالة:-
البيان الأوّل:- إنّ دور العلم في نظر العالم هو دور الكاشف لا دور المولّد، فأنا حينما أعلم بوجود الأسد فليس علمي يولّد الأسد بل يكشف عن وجوده ولا يمكن أن يصدّق عاقلٌ أنّ علمه هو الذي يولّد معلومه، بينما بناءً على اختصاص الحكم بالعالمين سوف يكون العلم بالحكم مولّداً للحكم ولا يمكن للعاقل أن يصدّق بهذا، ومادام لا يمكن أن يصدق به العاقل فلا يمكن للمشرّع أن يشرّع حكماً من هذا القبيل لأنّ الحكم يشرّعه للناس العقلاء فأذا رفضه العقلاء ولم يقبلوه فلا يمكنه أن يشرّع مثل هذا الحكم.
البيان الثاني:- إنّه يلزم الدرو في مرحلة العلم بالحكم، يعني إذا أردت أن أعلم به فيلزم من علمي دورٌ في مرحلة العلم، وعليه فمثل هذا الحكم لا يمكن أن يعلم به المكلف، ومادام لا يمكن أن يعلم به المكلف فتشريعه يصير لغواً وبلا فائدة، يعني أنَّ المولى لا يشرّع مثل هذا الحكم الذي لا يمكن أن يصل إلى المكلّف ولا يمكن أن يعلم به المكلف حيث إنّ علمه به شيءٌ مستحيل ؟ ولماذا هو مستحيل ؟ إنّه يلزم الاستحالة في مرحلة العلم وذلك باعتبار أنّ العلم بالحكم فرع العلم بموضوعه، فأنا أعلم بوجوب الحجّ إذا علمت بموضوع الوجوب والموضوع هو المستطيع القادر، فإذا علمت بأنّي مستطيعٌ قادرٌ فهذا علمٌ بموضوع الحكم فسوف أعلم بالوجوب.
وتعال إلى موردنا فموضوع الحكم ما هو ؟ إنّ موضوعه هو العلم به، وعلى هذا الأساس إذا أردت أن أعلم بالحكم فلابد وأن أعلم بموضوعه يعني أعلم بالعلم بالحكم، فعلمي بالحكم فرع العلم بالعلم بالحكم، وحيث إنّ العلم بالعلم بالحكم ليس هو في واقعه علمين وإنما هو علمٌ واحدٌ فالعلم بالعلم هو علمٌ، فعلى هذه الأساس يكون علمي بالحكم فرع علمي بالحكم، فصار العلم بالحكم فرع العلم الحكم وهذا هو الدور، وهو شيءٌ مستحيلٌ .
إذن العلم بالحكم المذكور الذي هو موقوفٌ على العلم هو مستحيلٌ في حدّ نفسه وتشريع حكمٍ لا يمكن أن يُعلم به ويلزم الدرو من العلم به فأصل تشريعه يكون مستحيلاً.
ونذكر إضافة فنقول:- أنّه أحياناً لا يجوز تعجيز النفس عن امتثال التكليف حتى قبل حلول وقت الواجب وذلك فيما إذا دلّ الدليل الخارجي على أنّ المقدّمة يلزم فعلها قبل زمان الواجب كما هو الحال بالنسبة إلى الغسل في ليلة الصيام فإنّ وجوب الصوم يبتدئ من حين طلوع الفجر ولكن غسل الجنابة يجب قبل الفجر لدلالة الدليل الخاص على ذلك، وهذا ما يصطلح عليه في علم الأصول بالمقدمات المفوّتة، فهناك مقدّمات لو لم يفعلها المكلّف قبل زمان الواجب لفات امتثال الواجب ولم يمكن امتثاله، وقد وقع الأعلام في إشكالٍ وهو أنه كيف تجب المقدّمة قبل حلول زمان الواجب ؟ وهذه هي مشكلة وجوب المقدّمات المفوّتة وتوجد آراء متعدّدة في كيفية حلّها ونحن الآن لسنا بصدد حلّ هذه المشكلة وإنما نريد أن نقول إنّه بعد أن دلّ الدليل على لزوم فعل المقدّمة قبل طلوع الفجر فلا يجوز تعجيز النفس قبل زمان الواجب وذلك بإراقة ماء الغسل مثلاً رغم أنّ وقت الواجب لم يحن ولكن إراقة الماء والانتقال إلى التيمم لا يجوز لأنّه يجب فعل المقدّمة قبل زمان الواجب، أما كيف نخرّج وجوب المقدّمة قبل زمان وجوب ذي المقدمة فنيّاً فتلك قضيّة أخرى تبحث في مسألة المقدّمات المفوّتة، لكن بعدما لزم وجوب فعل المقدمة قبل زمان الواجب فتفويت القدرة على المقدمة - أي على الغسل - قبل حلول الفجر لا يجوز وهذا مطلب واضح إذ المفروض أنّ المقدمة تجب الآن فمادامت تجب فتفويت القدرة شيء غير جائز، وهذا كلامٌ سيّالٌ في مطلق موارد المقدّمات المفوتة.
ويوجد موردٌ أخر لا يجوز فيه تعجيز النفس قد أشرنا ليه فما سبق وهو ما إذا انطبق عنوانٌ ثانويٌّ كأن فرض أنه كان ينطبق على الشخص عنوان المضيّع لصلاته - فيما إذا بنينا على أنّ عنوان تضييع الصلاة من المحرمات - أو لا يصدق عليه أنّه محافظٌ على صلاته - بناء على وجوب مثل العنوان الذكور - ففي مثل ذلك لا يجوز أن ينام الشخص قبل طلوع الفجر إذ قد ينطبق عليه عنوان المضيّع أو غير المحافظ على صلاته.
اشتراك الأحكام:-
لم يقع إشكال وخلافٌ بين الإمامية في أنّ الأحكام الواقعيّة مشتركة بين العالم والجاهل، وذكر والشيخ الأعظم(قده) في الرسائل ما نصّه:- ( وقد تواتر بوجود الحكم المشترك بين العالم والجاهل الأخبار والآثار )[1] . إذن هو يدّعي تواتر الأخبار على اشتراك الأحكام.
وإذا لاحظنا الأخبار قد لا نعثر على خبرٍ يدلّ بالدلالة المطابقيّة على الاشتراك بحيث يقول إنَّ الأحكام مشتركة بين العالم والجاهل، ولا يبعد أنّ مقصوده هو أنّ الأخبار قد دلّت ولو بالدلالة الالتزاميّة دون المطابقة على ذلك، من قبيل أخبار وجوب التعلّم التي تقول:- ( يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له هلّا عملت ؟ فيقول:- لم أعلم، فيقال له:- هلا تعلمت ؟.... )، ومثل آية النفر ﴿ فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين ﴾ يعني توجد أحكامُ دينٍ حتى يتفقهوا، فوجوب التعلّم يدلّ بالدلالة الاتزاميّة على وجود أحكامٍ في حقّ الجميع إذ لو لم تكن هناك أحكام في حقّ الجاهل فالتعلّم يكون لغواً، فنفس روايات وجوب التعلّم تدلّ بالالتزام على أنّ الأحكام مشتركة، وهكذا آية النفر الآمرة بالتفقه تدلّ بالالتزام على وجود أحكام مشتركة.
وكذلك ما دلّ على تشريع الأمارات كالخبر وغيره من الأمارات فهو يدل بالإلتزام على وجود أحكامٍ مشتركةٍ وإلا فالامارة تكون أمارة على ماذا إذا لم يكن هناك حكم مشترك ؟! إنها لا تكون أمارةً على شيءٍ إذ لا يوجد حكمٌ في حقّ الجاهل حتى تكون أمارةً عليه، فلابد وأن نفترض أن الأحكام مشتركة حتى يصحّ توجيه حجّية الأمارات.
إذن لا يبعد أّن مقصوده من تواتر الأخبار يعني الدالّة ولو بالالتزام، وإذا كان هذا هو مقصودة فهو شيءٌ ليس ببعيد.
ولكن بقطع النظر عن الأخبار التي ذكرها الشيخ الأعظم(قده) قد يقال:- إنّ نفس الاختصاص وتقيّد الحكم بخصوص العالم هو مستحيلٌ بنفسه للدور الذي ينسب إلى العلامة(قده)، وحاصله:- إنَّ ثبوت الحكم موقوفٌ على العلم به - بناءً على اختصاص الحكم بالعالم -، والعلم بالحكم فرع ثبوت الحكم إذ لو لم يكن حكمٌ فأعلم بماذا ؟!! فيلزم بذلك الدور، يعني يثبوت الحكم يكون موقوفاً على ثبوت الحكم.
وهذه ليست صياغة دقيقة وجوابها واضح:- فإنا نسلّم المقدّمة الأولى وهي أن ثبوت الحكم فرع العلم بالحكم - بناء على اختصاص الاحكام بالعالمين - أمّا أنَّ العلم بالحكم موقفٌ على ثبوت الحكم فهذا أوّل الكلام، فالعلم بالشيء هل هو فرع ثبوت الشيء ؟! فنحن لو كنّا نعلم بنزول المطر فهل يلزم أن يكون المطر نازلاً حتماً ؟ أفلا يمكن أن أعلم بنزول المطر من دون نزوله اشتباهاً ؟!! ولا تقل إنّ هذا في المنطق يعدُّ جهلاً، كلّا فنحن نريد العلم بمعنى الجزم وليس بذلك المعنى، فأنا أجزم بنزول المطر والحال أنّه لا يوجد مطر، وكلّ جاهلٍ مركّبٍ عنده علمٌ بمعنى الجزم ولكنّه لا يطابق الواقع، ولو كان العلم بالشيء فرع وجود الشيء لكان كلّ علمٍ مطابقاً للواقع ولا يبقى آنذاك جهلٌ مركّب.
والصحيح كما ذكر من أنّ العلم أمرٌ ذهنيٌّ والأمر الذهني لا يتعلّق إلا بالصورة الذهنية وليس بالواقع الخارجي، فعلمي بنزول المطر لا يتعلّق بنزول المطر الخارجي وإلا صار ما في الذهن ثابتاً في الخارج أو أنّ الخارج سوف يدخل في الذهن، فمتعلّق العلم دائماً هو الصور الذهنيّة، فالصور الذهنيّة هي المعلوم بالذات وليس الواقع الخارجي وإذا نسبنا العلم إلى الواقع الخارجي فهذه نسبةٌ بالعرض وهو معلومٌ ثانياً وبالعرض وإلا فحقيقةٌ المعلوم بالذات هو الصورة الذهنيّة، وهذا ينبغي أن يكون من الواضحات - وهو أنّ العلم بالشيء ليس موقوفاً على ثبوت ذلك الشيء فالعلم بالشيء فرع ثبوت الصورة في الذهن لا فرع ثبوت الشيء خارجاً -.
وعلى هذا الأساس يندفع الدور إذ نقول:- إنَّ ثبوت الحكم في حقّي فرع علمي به، وعلمي به ليس فرع ثبوته حقيقةً في حقّي وإنما هو فرع الصورة الذهنية، فإذا تصوّرت الحكم أمكن تعلّق العلم به، فالعلم يتعلّق بالصور الذهنيّة لا بالوجود الخارجي فلا دور.
والخلاصة:- إنَّ هذا الصيغة للدور التي تنسب إلى العلامة الحلي(قده) صيغة مرفوضة وواضحة الضعف ولابد من ذكر بيانٍ آخر لاثبات الاستحالة
وفي هذا المجال يذكر بيانان للاستحالة:-
البيان الأوّل:- إنّ دور العلم في نظر العالم هو دور الكاشف لا دور المولّد، فأنا حينما أعلم بوجود الأسد فليس علمي يولّد الأسد بل يكشف عن وجوده ولا يمكن أن يصدّق عاقلٌ أنّ علمه هو الذي يولّد معلومه، بينما بناءً على اختصاص الحكم بالعالمين سوف يكون العلم بالحكم مولّداً للحكم ولا يمكن للعاقل أن يصدّق بهذا، ومادام لا يمكن أن يصدق به العاقل فلا يمكن للمشرّع أن يشرّع حكماً من هذا القبيل لأنّ الحكم يشرّعه للناس العقلاء فأذا رفضه العقلاء ولم يقبلوه فلا يمكنه أن يشرّع مثل هذا الحكم.
البيان الثاني:- إنّه يلزم الدرو في مرحلة العلم بالحكم، يعني إذا أردت أن أعلم به فيلزم من علمي دورٌ في مرحلة العلم، وعليه فمثل هذا الحكم لا يمكن أن يعلم به المكلف، ومادام لا يمكن أن يعلم به المكلف فتشريعه يصير لغواً وبلا فائدة، يعني أنَّ المولى لا يشرّع مثل هذا الحكم الذي لا يمكن أن يصل إلى المكلّف ولا يمكن أن يعلم به المكلف حيث إنّ علمه به شيءٌ مستحيل ؟ ولماذا هو مستحيل ؟ إنّه يلزم الاستحالة في مرحلة العلم وذلك باعتبار أنّ العلم بالحكم فرع العلم بموضوعه، فأنا أعلم بوجوب الحجّ إذا علمت بموضوع الوجوب والموضوع هو المستطيع القادر، فإذا علمت بأنّي مستطيعٌ قادرٌ فهذا علمٌ بموضوع الحكم فسوف أعلم بالوجوب.
وتعال إلى موردنا فموضوع الحكم ما هو ؟ إنّ موضوعه هو العلم به، وعلى هذا الأساس إذا أردت أن أعلم بالحكم فلابد وأن أعلم بموضوعه يعني أعلم بالعلم بالحكم، فعلمي بالحكم فرع العلم بالعلم بالحكم، وحيث إنّ العلم بالعلم بالحكم ليس هو في واقعه علمين وإنما هو علمٌ واحدٌ فالعلم بالعلم هو علمٌ، فعلى هذه الأساس يكون علمي بالحكم فرع علمي بالحكم، فصار العلم بالحكم فرع العلم الحكم وهذا هو الدور، وهو شيءٌ مستحيلٌ .
إذن العلم بالحكم المذكور الذي هو موقوفٌ على العلم هو مستحيلٌ في حدّ نفسه وتشريع حكمٍ لا يمكن أن يُعلم به ويلزم الدرو من العلم به فأصل تشريعه يكون مستحيلاً.