37/04/07
تحمیل
الموضـوع:- حكم الاناشيد والتصفيق والرقص والزغاريد - مسألة (17)- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وقد تسأل عمّا إذا لم تكن الآلة من آلات الموسيقى المتعارفة بل كانت مثل القدر وما شابهه فيما إذا استعين ببعض الأمور للضرب عليه كملعقةٍ أو غير ذلك وخرجت أصوات مشابهة للأصوات التي تخرج من آلات الموسيقى
فهل يحرم مثل ذلك أيضاً أو لا ؟
قد يقال:- إنّه لا موجب لتحريم ذلك فإنّ المحرّم هو عنوان آلات الموسيقى والمفروض أنّ هذه ليست من مصاديق تلك الآلات ، فإّن هذا قدر وملعقة فالاستعانة بهما والاستفادة منهما حتى إذا أوجب خروج أصوات مشابهةٍ لا موجب لتحريمه بعدما كان مصبّ الحرمة هو آلات الموسيقى كالمزمار وما شاكل ذلك.
وجوابه قد اتضح من خلال ما بيّناه سابقاً:- فإنّ المستند ليس هو روايةٍ قد أخذت عنوان آلات الموسيقى من دفٍّ أو طبلٍ أو مزمارٍ أو ما شاكل ذلك ، نعم ذكر صاحب الوسائل(قده)[1] مجموعة من الروايات وقد ذكرنا ورايةً منها ولعلها أحسنها وهي أنّه حينما مات آدم عليه السلام شمت به قابيل .... الخ ، وقد قلنا إنّ هذه لرواية قابلة للمناقشة دلالةً ، فلا أقل هي لا تدلّ على التحريم كما ذكرنا ، ولا بأس بمراجعة تلك الروايات وملاحظة هل يمكن أن يستفاد منها شيء ، وأنا قد راجعتها ولم أتمكن أن استفيد منها شيئاً.
إذن العنوان المحرّم هو ليس عناوين خاصّة كعنوان الطبل وما شاكل ذلك حتى يقال إنَّ القدر مع الملعقة لا يصدق عليها هذه العناوين ، وإنما المستند هو الارتكاز وعموميّة البلوى وليس المستند هو أخذ هذه العناوين في روايات خاصّة.
إذن من هذه الناحية قد يقال بالحلية وقد اتضح مناقشته.
وقد يقال في إثبات الحلّية:- إنّ المستند عندنا حيث هو الارتكاز وعموميّة البلوى فيتمسّك بالقدر المتيقن ، والمتيقن هو الآلات المتعارفة إذا أوجبت طرباً وكان اللحن الخارج منها مشابهاً لألحان أهل الفسوق - يعني مجموع أمرين الآلات المتعارفة وأن يكون الصوت الخارج منها موجباً للطرب - ، وحيث إنّ القدر وما شابهه ليس من تلك الآلات فلا موجب لحرمته.
ولكن يمكن أن يعلّق ويجاب:- صحيحٌ أنّ الآلات الموسيقية هي مركز التحريم والقَدَر المتيقّن ، ولكن هل لها خصوصيّة بما هي هي بحسب الارتكاز أو بما أنها تُخرِج اللحن والصوت المذكور ؟ يعني هي ملحوظة عند الارتكاز - ولو ارتكازاً - بنحو الطريقيّة لا بنحو الموضوعية ؟ إنّ هذا احتمالٌ وجيهٌ ، يعني حيث يحدث منها صوت معيّن ولهويّ فهذا هو تمام النكتة للارتكاز ، إنّه يمكن أن يدّعى هذا ، وإذا لم نجزم به فلا أقل من كونه شيئاً وجيهاً ، وعلى هذا فالأحوط وجوباً التعميم للاستعانة بمثل هذه الأمور.
الأمر السادس:- حكم الأناشيد والرقص والتصفيق والزغاريد.
أما بالنسبة إلى الأناشيد:- فالمناسب جوازها تمسّكاً بالبراءة ، اللهم إلا إذا كان النشيد بلحنٍ غنائيٍّ وربما قد لا يكون آنذاك نشيداً وإنما يصير غناءً ، ولكن لو فرضنا أنّه كان نشيداً بلحنٍ غنائيٍّ فحينئذٍ يدخل تحت عنوان الغناء فيكون محرّماً ، أما إذا لم يكن من هذا القبيل فلا موجب لتحريمه ونتمسّك بالبراءة.
وإذا شك في صدق الغناء عليه بنحو الشبهة المفهوميّة أو بنحو الشبهة المصداقية فالمناسب البراءة.
أمّا إذا كانت الشبهة مفهوميّة - يعني نشك في شمول مفهوم الغناء للأناشيد - فالحرمة ثابتة للغناء بالمقدار المتيقّن وأما ما زاد فنشك في كونه غناءً فلا يمكن التمسّك بإطلاق الدليل عند إجمال المفهوم بل نتمسّك بالقدر المتيقّن.
وإن كانت مصداقية فلا يجوز من باب عدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة.
إذن الأناشيد لا بأس بها مادامت ليست مصداقاً لعنوان الغناء.
وواضحٌ أنّنا الآن نتكلّم عن النشيد بما هو نشيد ، وأمّا إذا فرض أنّه استعين معه بآلات موسيقية فيأتي الكلام المتقدّم ، فإن كانت تلك الآلات يستعان بها لإبراز أصوات طربيّة مشابهة لألحان أهل الفسوق والفجور فيكون حراماً ، ولكن هذا حرامٌ اقترن بحلالٍ ، فالنشيد حلال لكن هذا يكون حراماً صنعه وإيجاده وسماعه ، وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا حرمة لا من هذه الناحية ولا من تلك.
وأمّا بالنسبة إلى الرقص:- فلا دليل بشكلٍ واضحٍ على تحريمه إلا أحد أمرين:-
الأوّل:- التمسّك بما دلّ على حرمة اللهو حيث يقال إنّ الرقص من مصاديق اللهو فهو يلهي وينسي عن ذكر الله عزّ وجلّ.
الثاني:- رواية السكوني المتقدّمة:- ( أنهاكم عن الزفن المزمار والكوبات والكبرات )[2] .
أمّا بالنسبة إلى الأوّل:- فقد علّقنا عليه أكثر من مرّة وقلنا إنّه لا يوجد دليلٌ واضحٌ على حرمة عنوان اللهو بإطلاقه بحيث يكون تاماً دلالةً وسنداً ، ولو فرض أنّه كان موجوداً كرواية المجالس المتقدّمة فلا يمكن العمل بظهوره الوسيع ، والمعنى المتوسط غير متعيّن وغير معلوم ، فيقتصر على القدر المتيقن وهو الغناء الطربي فإنّه المصداق الواضح والمتيقّن لعنوان اللهو الطربي - يعني الغناء - ، فالرقص يشكّ من كونه - من مصاديق هذا - مشمولاً لهذا العموم بعد لزوم الاقتصار على القدر المتيقّن.
وأمّا بالنسبة إلى الثاني:- فالرواية لو تمّت سنداً يمكن أن يقال إنّ كلمة ( الزفن ) وإن فسّرها بعض أهل اللغة بالرقص - كما نقلنا بعض عبائرهم - ولكن هناك تفسيرٌ آخر أشار إليه الطريحي(قده) في مجمع البحرين وهو اللعب فقال:- ( الزفن الرقص واللعب وفي الخبر كانت تزفّن الحسن عليه السلام ) [3] ، فاللعب أحد معاني الزفن ، ومعلومٌ أنّ اللعب لا يمكن الالتزام بحرمته بما هو لعب وبعرضه العريض ، فالنهي آنذاك - أي ( أنهاكم ) - يكون من المناسب حمله على الكراهة بلحاظ الزفن لو كان المقصود منه اللعب ، وحيث لم يتعيّن أحد هذين المعنيين أيهما المراد فتبقى الرواية مجملة ، فإن كان المقصود هو الرقص فالنهي يمكن الأخذ بظاهره وهو التحريم ، ولكن يحتمل أنه أريد منه اللعب فالنهي لابد من حمله على الكراهة ، ولا مرجّح لهذا على ذاك إذ بالتالي لابد وأن نتصرّف أحد تصرفين إمّا أن نقول الزفن هو الرقص فيبقى النهي على ظاهره أو نفسّره باللعب فلابد من حمل النهي على الكراهة فيصير حينئذٍ ترديدٌ وإجمالٌ في المورد ، وبالتالي لا يمكن التمسّك بالرواية.
إن قلت:- إنّ الطريحي(قده) من المتأخرين وليس من اللغويين الذين يمكن الاعتماد عليهم ، وبالتالي الكلمات المتقدّمة كالصحاح والقاموس يفسّرونه بالرقص ولم يفسّرونه بالرقص واللعب فالمعتمد هو كلمات اللغويين المتقدّمين دون مثل مجمع البحرين - وهذا كلام سيّال - ؟
قلت:- إنّ الطريحي(قده) لا يذكر مطلباً من نفسه ، بل هو ينقل ما وجده من كلمات المتقدّمين ، فلابد وأنّه عثر على أن بعض أهل اللغة يفسّرونه بذلك وإلا فهو ليست له هذه القدرة على هذا التصرّف . فإذن كلامه يكون حجّة من هذه الناحية - يعني أنّه ينقل ما هو ثابتٌ عند أهل اللغة المتقدّمين -.
ثم إنّه لو تنزّلنا وقلنا إنّ الزفن عبارة عن الرقص دون اللعب وتفسيره باللعب لا مثبت له ، ولكن يمكن أن نقول:- إنّ الرقص هو قد فسّر في بعض كلمات أهل اللغة باللعب ومادام قد فسّر باللعب عاد الإشكال؛ إذ اللعب بإطلاقه لا يمكن الالتزام بحرمته فلابد من حمل النهي على الكراهة.
ولو تنزّلنا وفسّرنا الرقص باللعب ولكن لا مطلق اللعب وإنما بنحو الحركات الخاصّة ، فهو لعبٌ خاصٌّ حيث توجد فيه حركات خاصّة معروفة.
فنجيب آنذاك:- إنّه حتى لو سلّمنا بهذا نقول:- إنّ الحركات الخاصّة لا تختصّ بالرقص المتداول في يومنا هذا بين أهله ، بل هي موجودة في مجالات أخرى ، فعند أهل القرى والأرياف بل حتى عن غيرهم نجدهم حينما يستقبلون شخصاً محترماً أو غير ذلك فإنهم يتحرّكون بحركات خاصّة كالأهازيج - الهوسات - ، فهي إذن حركات خاصّة ، وهل يلتزم بحرمة مثل ذلك ؟! إنّه شيءٌ بعيد.
فبالتالي يبقى النهي لا يمكن أن نحمله على الحرمة حتى بناءً على تفسيره بالحركات الخاصّة.
ومن الواضح أنّ كلمة الرّقص هي من الألفاظ التي تغيّر معناها ، ففي زماننا صار لها معنىٍ ثانٍ ، أمّا معناها بحسب اللغة فلا يختصّ بهذا الشيء ، والروايات حينئذٍ لابد من حملها على ذلك المعنى وليس على المعنى المتداول في يومنا هذا ، وهذه من الموارد التي حصل فيها تغيّرٌ في المعنى ، مثل كلمة ( الشك ) ففي يومنا هذا الشك هو تساوي الطرفين ، أمّا سابقاً فمعناه هو خلاف العلم فالظن أيضاً يقال له شكٌّ ، والرقص من هذا القبيل فمعناه في اللغة إمّا مطلق اللعب أو مطلق الحركات الخاصّة فيشمل حينئذٍ حتى مثل الأهازيج – الهوسات - لأنها حركات خاصّة.
إن قلت:- لنفسّره بالحركات الخاصّة - أو بالأحرى الأخصّ - ، يعني الحركات التي نسمّيها في زماننا بالرقص بحيث لا تشمل الأهازيج - الهوسات - وما شاكلها ، وبالتالي سوف نحافظ على ظهور ( أنهاكم ) في التحريم ؟
قلت:- إنَّ هذا احتمالٌ ، ولكن يوجد احتمالٌ آخر معاكسٌ وهو أن نبقى كلمة ( الزفن ) على معناها الأوسع اللغوي ولكن بالتالي يلزم التصرّف في ظهور ( أنهاكم ) بحمله على الكراهة ، فنحن إذن أمام تصرّفين ولا مرجّح لأحدهما على الآخر.
وبهذا نصل إلى هذه النتيجة الآن:- وهي أنّه لا يوجد دليلٌ معتدٌّ به على حرمة الرقص.