37/04/20
تحمیل
الموضـوع:- معونة الظالمين - مسألة ( 18 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
إن قلت:- إن المناسب في أمثال هذه الموارد هو الرجوع إلى أهل اللغة حتى نلاحظ أنهم كيف يفسرون الركون أما أن نبدي احتمال أخذ عنصر الاعتماد على الطرف أو بتعبير آخر السكون والاطمئنان إلى الطرف فهذا مجرّد دعوى تحتاج إلى مثبت ، وهذا مطلب كلّي نستفيد منه بشكل كلّي ولا يختص بمقامنا ولكن مقامنا من أحد مصاديقه.
قلت:-
أوّلاً:- إننا نرجع إلى اللغة فيما إذا فرض أن الكلمة كانت ذات معنىً غير مفهوم وغير واضح عرفاً ففي مثل هذه الحالة لتشخيص معنى تلك الكلمة نرجع إلى أهل اللغة إمّا مطلقاً أو في خصوص ما إذا أورث كلامهم الاطمئنان كما لو أورث الاطمئنان ، كما لو أنهم اتفقوا أو أغلبهم أو مجموعة منهم على هذا الشيء ، أمّا إذا فرض أن الكلمة ذات معنىً مركوز في ذهننا فيمكن أن نستعين بذلك المعنى المرتكز وحينئذٍ لا محذور في الرجوع ما نفهمه نحن كعرف ، فنرجع إلى المعنى الذي نستفيده ، فإنّ لتبادر هو من أحد مثبتات المعنى وإذا أردنا أن نسد هذا الباب وحصرنا القضيّة بأهل اللغة فالتبادر حينئذٍ لابد وأن لا نأخذ به.
إذن التبادر في مورد إمكان تحقّقه يكون هناك مجالٌ وأنت راجع نفسك الآن فماذا تفهم من ( أن فلان ركن إلى فلان ) ؟ إننا نفهم هذا المعنى لا أننا لا نفهم معناه ونحتاج في الرجوع إلى اللغوي ، فنفهم من ( ركن إلى فلان ) أي اطمأن إليه واعتمد عليه لا أننا لا نفهم هذا المعنى.
على أنّه لو رجعنا إلى كلمات أهل اللغة نجذ أن هذا موجود في كلماتهم ، فقد ورد في العين:- ( ركن إلى الدنيا مال إليها واطمأن )[1] ، وفي لسان العرب:- ( ركن إلى الشيء مال إليه وسكن )[2] ، وفي المصباح:- ( ركنت إلى زيد اعتمدت عليه )[3] ،وفي النهاية في غريب الحديث:- ( الركون السكون إلى الشيء والميل إليه )[4] .
إذن بناءً على هذا لا يبعد أخذ عنصر الركون والاطمئنان إلى الشيء - ويكفيني أنّ هذا احتمال وجيه - وبالتالي لا يمكن أن نقول كما استدل النراقي وبحر العلوم بأنّه هو الميل القليل فكيف بالإعانة فإنّ هذا لا يأتي ، بل المأخوذ هو عنصر الاعتماد ولو احتمالاً فحينئذٍ لا يمكن التمسّك بالآية الكريمة لأنه تمسّك في مورد إجمال المفهوم أو في الشبهة المصداقية. هذا ما يرد عليهم.
ثانياً:- لو سلّمنا أنّ الركون عبارة عن الميل إلا أنه ليس هو الميل القليل ، يعني أن كلمة ( قليل ) لا نسلّمها ، بل هو الميل إلى الجانب المعيّن أما عنصر القلّة فلا ندري من أين هو ، وواضح أنهم حينما أخذوا عنصر القلّة وقالوا هو الميل القليل فهذا قد أثر وأوجب الأولوية ، فحينما نسمع بذلك نقول صحيح أنه إذا كان الركون هو عبارة عن الميل القليل فحينئذٍ كيف بالإعانة ، ولكن من أين لكم أن قيد قليل موجودٌ وكلمات أهل اللغة ليس فيها قيد ( قليل ) بل هو الميل.
مضافاً إلى أنّ بعض الآيات القرآنية قد تنفي هذا الاحتمال كقوله تعالى ﴿ ولو لا أن ثبّتناك لقد كدت أن تركن إليهم شيئاً قليلاً ﴾[5] ، فالآية الكريمة واضحة ، فالله تعالى قيّد الركون بشيئاً قليلاً ، فإذا كان الركون هو عبارة عن الميل القليل فلا داعي إلى التقييد بكلمة ( قليلاً ) ، بل من المناسب أن يقول ( لقد كدت أن تركن إليهم ).
إذن يتضح أنّ الركون هو عبارة عن أصل الميل من دون أخذ عنصر القوّة فيه.
ثالثاً:- سلّمنا أنّه هو عبارة عن الميل لكن نسأل ما المقصود من الميل هل هو الميل القلبي أو الميل الخارجي فإنّ هذه كلمة مجملة فحينما نقول ركن إلى فلان أي مال إليه ونفترض أنه قليل ، فالميل ما هو القصود منه هل هو الميل القلبي الذي هو بمعنى أنه يهواه ويحبّه أو المقصود هو الميل الخارجي أي في عالم الخارج بأن أقول له في الخارج تعال واجلس قربي مثلاً أو مثل أن أحضر في مجلس الشخص ، فهل المقصود هو الميل الخارجي أو الميل النفساني ؟
فإن قالوا إنّ معناه هو الميل النفساني فحينئذٍ نقول:- إنّ من يقدّم السوط لعله لا يوجد عنده ميل نفساني للطرف وإنما طمع في الدنيا وزخارفها بل لعلّه يبغض هذا الشخص أشد البغض فأين الميل النفساني ؟!! وهذا سوف لا يثبت لنا أنه في جميع الموارد يكون التقديم والاعانة محرّمة لأنها بشرط الميل النفساني والميل النفساني قد لا يكون موجوداً ، بل إنّ نفس التقديم الخارجي ليس ميلاً نفسانياً إذ الميل النفساني قضية قائمة في القلب ولا تنطبق على التقديم الخارجي والاعانة الخارجية ، فالإعانة الخارجية لا معنى لحرمتها وإنما تكون الحرمة منصبّة على الميل النفساني.
وأمّا إذا فسّر بالميل الخارجي فالميل الخارجي إنما يكون بالذهاب إلى مجالس الظالم وما شاكل ذلك ، أما أنه يقدم له السوط مرّة واحدة فهذا ليس من المعلوم عدّه من الميل الخارجي.
فإذن حتى لو فسّرنا الركون بالميل لا يمكن إثبات حرمة الاعانة الخارجية إمّا لأجل أنّ الركون عبارة عن الميل النفساني وهو لا ينطبق على الاعانة الخارجية أو هو عبارة عن الميل الخارجي ولكن قلنا إنَّ الميل الخارجي يتحقّق بالخضور في مجالسهم والمشي معهم وغير ذلك وليس بتقديم السوط لهم مرّة واحدة مثلاً.
التقريب الثاني:- ما أفاده السيد الخوئي(قده) في مصباح الفقاهة[6] حيث ذكر إنّ المراد من الركون إمّا الدخول معهم في ظلمهم ، أو الميل إليهم ، وعلى الأوّل فالدلالة واضحة ، وعلى الثاني تدلّ على حرمة إعانتهم بالأولوية.
فهو إذن يظهر أنه لا يستبعد تفسير الركون بالميل كما ذكره النراقي والسيد بحر العلوم ، وسلّم بالأولوية أيضاً ، لكنه حذف قيد القلّة ، مضافاً إلى أنّه أبدى احتمال أن يكون هناك معنىً ثانٍ وهو الدخول معهم في ظلمهم وقال إذا فسرناه على هذا المعنى فدلالة الآية الكريمة على حرمة الاعانة تكون واضحة.
وفيه:- إنه قال ( على الأوّل تكون الدلالة واضحة ) ، ونحن نقول:- إنها ليست واضحة فإنّ الركون لو فرض أنه عبارة عن الدخول معهم في ظلمهم ولكن الاعانة ليست دخولاً معهم في ظلمهم بل الاعانة تعني مجرّد تقديم السوط أو كتابة أوراق الأحكام الصادرة منهم أما نفس المعين فهو لا يمارس الحرام ولا يدخل فيه فكيف يقول إنّه على الأوّل تكون الدلالة واضحة ؟!! بل هي خفيّة جداً
وعلى الثاني ذكر أنها تدّل بالأولوية – أي بناء على تفسيره بالميل - ، وقد اتضحت مناقشة ذلك فإنا نقول:- إنّ فُسّر الميل بالميل القلبي فالإعانة الخارجية لا تكون محرمة لأنها ليست ميلاً قلبياً ، على أنّ الميل القلبي قد لا يكون موجوداً في الاعانة وقد كون موجوداً في الاعانة لا أنه دائماً موجود في الاعانة ، وإذا فسّرناه بالميل الخارجي فالميل الخارجي قلنا إنما هو يتحقّق بالحور في محافلهم والجلوس إلى جنبهم في المجالس لا مجرد تقديم السوط إليهم مرّة واحدة مثلاً.
ومن خلال هذا كلّه اتضح أنّ القاعدة في مسألة إعانة الظالم على ظلمه تقتضي الحرمة ولكن لما أشرنا إليه وهو التمسّك بقاعدة حرمة الاعانة على الحرام لقوله تعالى ﴿ ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾[7] وغير ذلك على ما بيّناه سابقاً ، وقد نضيف المرتكز المتشرّعي ، لا لما أشاروا إليه.
وأما ما أفادوه من الاستناد إلى العقل والاجماع وإلى آية ﴿ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ﴾[8] فقد اتضح مناقشة جميع ذلك.
أذن نحن نتّفق معهم في أصل الحرمة ولكن اختلفنا في الطريق إلى أثباتها.
وبعد هذا من المناسب أن ننتقل إلى البحث الآخر وهو البحث بلحاظ الروايات ، ولكن حيث إنّ الروايات ورد فيها عنوان معونة الظالمين فنحتاج إليها في بحثنا لإثبات الحرمة الشرعية كما نحتاج إليها فيما إذا كانت الاعانة على حرام غير الظلم - وهو البحث الثاني الذي سوف يأتي ، ونحتاج إليها أيضاً في إثبات حرمة الاعانة على المباح ، فإذن نحتاج إلى الروايات في كلّ هذه الموارد.
ولأجل أن لا ننظر في الروايات ثلاث مرّات فمن المناسب إذن أن نبيّن ما تقتضيه القاعدة بلحاظ الاعانة على المباح لأنّ الكلام فيه قصير وكذلك الاعانة على الحرام غير الظلم ثم نبحث بحثاً واحداً في عن الروايات ونلاحظ هل يستفاد منها الحرمة في الموارد الثلاثة أو في خصوص الظلم ، فحينئذٍ هي في الحقيقة نظرة واحدة نستفيد منها في جميع المقامات الثلاثة ، وعلى هذا الأساس سوف يقع بحثنا الآن في مقتضى القاعدة في الاعانة على المباح والحرام ثم بعد ذلك نستعرض الروايات.