36/11/07
تحمیل
الموضوع: الأصل عند الشك في حجية الظن
كان كلامنا فيما إذا شككنا في حجية أمارة، وذكرنا أن مقتضى الأصل الأولي هو عدم حجيتها وقد استدل على ذلك بوجوه، وقد تقدم الكلام في الوجه الاول، وقد وصل الكلام فيما ذكره صاحب الكفاية (قده)، وحاصله أن ما هو المشهور بين الاصحاب أن من آثار حجية الامارة صحة الاستناد اليها في مقام العمل الشخصي وفي مقام العمل النوعي كعملية الاستنباط، وصحة اسناد مؤداها الى الشارع كالوجوب او الحرمة فهما من آثار حجية الامارة، ولكن صاحب الكفاية انكر ذلك وأن صحة الاستناد إلى الامارة في مقام العمل ليست من آثار حجيتها وكذلك صحة اسناد مؤداها الى الشارع فهي ليست من آثار حجية الامارة وقد أفاد في وجه ذلك أمرين[1] :
الأمر الأول- وهو أمر افتراضي -: إذا فرضنا وجود أمارة لا تكون حجة ولكن الدليل من الخارج قد قام على صحة الاستناد اليها في مقام العمل وصحة اسناد مؤداها الى الشارع، فهذا الدليل يكشف عن ان صحة الاستناد والاسناد ليست من آثار حجية الأمارة ، فإن الامارة في نفسها لا تكون حجة بل الدليل الخارجي يدل على صحة الاستناد اليها في مقام العمل وصحة اسنادها الى الشارع.
الأمر الثاني: أن الشيء قد يكون حجة ومع ذلك لا يصح الاستناد اليه في مقام العمل ولا يصح اسناد مؤداه الى الشارع، وقد مثّل لذلك بالظن الانسدادي على القول بالحكومة ، فإنه حجة ومع ذلك لا يصح الاعتماد عليه في مقام العمل لا العمل الشخصي ولا العمل النوعي كعملية الاستنباط، كمالا يصح اسناد مؤداه الى الشارع كالوجوب او الحرمة.
هكذا أفاده (قده).
ثم اشكل على شيخنا الانصاري(قده) بأن الشيخ يرى بأن صحة الاستناد الى الأمارة وصحة اسنادها الى الشارع من آثار حجيتها.
ولكن ما ذكره صاحب الكفاية لا يرجع الى معنى محصل.
أما الأمر الاول فهو مجرد افتراض لا واقع موضوعي له لأنه مجرد تصور شيء لا يكون حجة ومجرد تصور دليل يدل على صحة الاستناد اليه في مقام العمل وصحة اسناد مؤداه الى الشارع، فإن كل ذلك افتراض لا واقع موضوعي له.
ومع الاغماض عن ذلك وتسليم ان هذا الافتراض واقع في الخارج وفرضنا أن الأمارة لا تكون حجة ولكن هناك دليل يدل على صحة الاستناد اليها في مقام العمل وصحة اسناد مدلولها من الوجوب او الحرمة الى الشارع فلا شبهة في ان هذ الدليل يدل بالمطابقة على صحة الاسناد والاستناد وبالالتزام على حجية الامارة فإن الأمارة إذا لم تكن حجة فكيف يمكن للمجتهد على الاعتماد عليها في مقام عملية الاستنباط؟ وإذا لم تكن حجة فكيف يصح اسناد مؤداها وهو الوجوب او الحرمة الى الشارع؟ فمن أجل ذلك ما دل على صحة الاستناد اليها في مقام العمل وصحة اسناد مؤداها الى الشارع بالمطابقة يدل بالالتزام على حجية هذه الامارة.
فالنتيجة أن ما ذكره صاحب الكفاية(قده) غير تام.
وأما الظن الانسدادي على القول بالحكومة فهو ليس بحجة شرعا ولا عقلا فإن العقل لا يكون مشرعا لأن المشرع هو الله تبارك وتعالى فالظن الانسدادي لا يكون حجة، والعمل بالظن الانسدادي إنما هو من باب الاحتياط لا من باب انه حجة، فإن مقدمات الانسداد إذا تمت وتكون نتيجتها الحكومة أي حكم العقل بوجوب العمل بالظن باعتبار ان الاحتياط التام لا يمكن أي الاحتياط في المشكوكات والموهومات والمظنونات جميعا غير ممكن أو لا أقل يوجب العسر والحرج.
فإذن لا بد من التبعيض في الاحتياط والتبعيض في الاحتياط يقتضي تقديم المظنونات على المشكوكات والموهومات إذ لو قدمنا الموهومات والمشكوكات على المظنونات لزم تقديم المرجوح على الراجح وهو قبيح عقلا فمن اجل ذلك يحكم العقل في التبعيض في الاحتياط وتعيين العمل بالمظنونات، فالعمل بالظن من باب الاحتياط لا انه حجة شرعا او عقلا فإن العقل لا يكون مشرعا.
إلى هنا قد تبين أنه لا شبهة في أن صحة الاستناد الى الأمارة في مقام العمل وصحة اسناد مدلولها ومضمونها الى الشارع من آثار حجيتها هذا مما لا شبهة فيه.
الوجه الثاني - من الوجوه التي استدل بها على أن الاصل الأولي عدم حجية الأمارة إذا شك في حجيتها-: ما ذكره شيخنا الانصاري(قده) من أن عموم الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظن مقتضاه عدم جواز العمل بالأمارات المشكوك حجيتها لأن القدر المتيقن الخارج عن عموم هذه الآيات والروايات هو الأمارات المعتبرة وهي التي ثبتت حجيتها بدليل وأما الأمارة التي نشك في حجيتها فلا نعلم بخروجها عن عموم هذه الآيات بل نعلم تعبدا بخروجها عن عموم هذه الآيات والروايات لأن الشك إنما هو في التخصيص الزائد أي نشك أن عموم هذه الآيات والروايات هل خصص بهذه الأمارات المشكوك حجيتها أو لم يخصص؟ فيكون الشك في التخصيص الزائد والمرجع فيه هو أصالة العموم فلا بد من الرجوع الى عموم الآيات والروايات.
وهذ الذي ذكره شيخنا الانصاري (قده) متين.