37/12/04
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
37/12/04
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 21 ) القيافة - المكاسب المحرمة.
وأما الدليل الرابع الذي يمكن استفادته من عبارته(قده):- فهو التمسك بالإجماع ، وقد علقنا عليه أكثر من مرّة فلا نكرر.
الآراء تجاه رواية زكريا:-
ذكرنا في المحاضرة الساقة أنّ رواية زكريا - التي اصطفّ فيها اخوة وأعمام وعمات الامام عليه السلام وجاء القافة .... الخ - وقعت محلاً للخلاف بين الأعلام ، فذهب صاحب الحدائق(قده)[1] إلى أنها تدلّ على حجّية القيافة وتمسّك بها للحجّية وذلك في موضعين منها:-
الأوّل:- إنّ أقرباء الامام أرسلوا وراء القافة والامام عليه السلام لم ينكر عليهم ذلك ولم يقل القيافة ليست حجّة شرعاً لا يجوز الاستناد إليها وهذا يدلل على أنّ القيافة حجّة.
وإذا قلت:- إن الامام كان يعلم أنّ القافة سوف يحكمون لصالحه كما حكموا بالفعل لصالحه فلذلك سكت فسكوته ناشئ من علمه بمطابقة ما ينتهي إليه القافة للواقع.
قلت:- إنّ هذا لنا وليس علينا ، يعني هذا يدللّ على أنّ القيافة صحيحة وتنتهي إلى نتائج صحيحة ولذلك سكت الامام عليه السلام.
ثانياً:- إنّ أقرباء الامام عليه السلام قالوا له إنّ الرسول صلى الله عليه وآله قضى بالقيافة وأخذ بقولهم وأيدهم والامام عليه السلام سكت ولم يقل لهم هذا كذب وزور وبهتان على النبي صلى الله عليه وآله ، وهذا يدلّ على صحّة النسبة ، فإذن الاستناد إلى القيافة يكون حجّة مادام النبي صلى الله عليه وآله أيّد ذلك.
إنّ قلت:- إنّ الامام عليه السلام ( أنا لا أرسل وراء القافة انتم أرسلوا ) وهذا يدللّ على عدم الحجّية وإلا لكان هو يرسل إليهم ولا داعي إلى أن يقول أنتم أرسلوا وراءهم.
قلت:- إنّ هذا لا يدللّ على عدم حجية القيافة ، بل لعلّ النكتة في أنه لم يرسل وراءهم خوفاً من أن يتّهم الامام عليه السلام وأنه اتفق مع القافة في الحكم لصالحه فلذلك هو أبعد نفسه عن هذه الشبهة ، فقول الامام عليه السلام ( انتم أرسلوا وراء القافة ) لا يدلّ على أنّ القافة ليس حكمهم حجّة في نظر الامام عليه السلام.
ثم قال بعد ذلك:- ولكن المدرك المهم على حرمة القيافة ليس الروايات وإنما هو الاجماع ، فالإجماع دلّ على الحرمة وإلا فلا مستند من الروايات.
ثم أضاف شيئاً آخر:- وهو إن رواية زكريا وإن قرّبنا دلالتها على الحواز ولكن دلالتها ليس قطعيّة والحجّة هي إذا كانت دلالته قطعية.
أقول:- هذا الكلام الأخير الذي ذكره - وهو أنّ الاجماع هو المدرك ثم قال الرواية دلالتها غير قطعية - لعلّ فيه شيئاً من التنافي ، أنه بالتالي أنت إذا كان الاجماع موجوداً فالرواية حتى لو كانت دلالتها قطعية فسوف لا نأخذ بها مادام الاجماع تاماً على الحرمة - هذا على مبانيهم - ، فإذن يلزم أن نفترض عدم وجود إجماع ، فإذا كان الاجماع ليس موجوداً فحينئذٍ الرواية لا يمكن الاستناد إليها لأنّ دلالتها ليست قطعيّة ، ولا أدري لماذا تراجع عن دلالتها بعد أن قوّاها ؟!! ، وهذه قضيّة جانبية فنّية ليست مهمّة.
والمهم الذي أريد أن اقوله:- هو ما استند إليه في الوجهين في اثبات أنّ الرواية تدلّ على حجية القيافة والوجه الأوّل الذي ذكره هو أن الامام عليه السلام لم ينكر على أقربائه وعمومته الارسال وراء القافة فسكوته يدلّ على الجواز.
والجواب:- نحن لا نعرف ظرف الرواية فهو مجمل ، فلعلّ الامام عليه السلام وقع تحت ضغطٍ شديد من قبل أقربائه.
ولا تقل:- هذا إمام ويستطيع أن يفعل كل شيء فهل يستطيع أحد أن يضغط عليه ؟
قلت:- هذا صحيح فإنّ الامام عليه السلام هو قويّ وبيده تغيير العالم كما يريد ولكنه ليس مأموراً بذلك ، فالإمام عليه السلام مأمور أحياناً بالخضوع ولا يعمل القوى التي يمتلكها ، فالرواية نحن لا نعرف ظروفها وأجوائها حتى لماذا سكت الأمام عليه السلام ، فنقول الامام سكت لأنه لعلّه كان الضغط عليه شديداً ولا يعطوه مجالاً للكلام بحيث إذا أراد أن يناقشهم فسوف يتّهموه أكثر مثلاًً ، فمقصودي أنّ أجواء الرواية ليست واضحة فهي قضية في واقعة فلا يمكن أن نقول سكوت الامام هنا يدلّ على الامضاء.
وأما الوجه الثاني الذي ذكره(قده) وهو أنهم نسبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قضى بقول القافة وهو سكت ولم يرد عليهم يردّ هذا نفس ما أشرنا إليه في ردّ الوجه الأوّل وهو أنّ الامام رأى أنّ الموقف حرج ولم يتمكن من الردّ عليهم بشيء ، فلعلّه لهذا ولغيره لم يردّ.
والخلاصة التي أريد قولها:- هو أن الأجواء التي واجهها الامام عليه السلام ليست واضحة لنا ولم تنقها الرواية ولكن الرواية تدلّ على أنه كانت أجواء أزمة واجهها الامام عليه السلام بحيث يقول لهم الامام هو ابني وهم لم يقبلوا ذلك منه ، هذا بالنسبة إلى صاحب الحدائق(قده) ، إذن صاحب الحدائق(قده) رأى أنّ الرواية تدلّ على حجّية القيافة لكن الذي منعه من الأخذ هو أنّ دلالتها ليست قطعية ، مضافاً إلى الاجماع.
وأما رأي الشيخ الأعظم(قده):- فقد تقدّم رأيه حيث قال إنّ الرواية يستفاد منها للنسبة إلى النبي وأنه أيّد القافة ورضي بما حكموا به في قضية مجزّز المدلجي ، فاستفاد أنّ الرواية تدلّ على نفي حجّية حكم القافة ، ونصّ عبارته:- ( وقد افترى بعض العامة على رسول الله صلى الله عليه وآله بأنه قضى بقول القافة وقد أنكر ذلك عليهم في الأخبار كما يشهد به ما عن الكافي عن زكريا بن يحيى )[2] . إذن هو جعل هذه الرواية دليلاً على عدم حجية القيافة.
والتعليق قد تقدّم:- وهو أنّ الرواية أقصى ما دلت عليه هو أن الامام الرضا عليه السلام قال أنتم أرسلوا إليهم أما أنا فلا أرسل ولم يقل إنّ النسبة إلى النبي باطلة ، فهو لم يؤيد ولم ينكر ، فالرواية حيادية من هذه الناحية ، فكيف تستفيد أيها الشيخ الأعظم(قده) أنّ الرواية تدل على عدم حجّية القيافة وأنكر الامام الرضا عليه السلام النسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله ؟!!
وأما السيّد الخوئي(قده)[3] :- فذكر أنّ هذه الرواية مخالفة لضرورة المذهب ، ومقصود أنه نطرحها حتى لو كان سندها معتبر فضلاً عن سندها فيه مجهول وهو زكريا وذلك لوجين:-
الأوّل:- هو أنّ أخوات الامام وأخواته كيف يقفن امامهم والامام عليه السلام يرض بذلك ؟ فهذا مخالف لضرورة المذهب ، وإذا قلت:- الاضطرار هو الذي دعى الامام عليه السلام أن يسكت ، قلت:- إنّ التحقيق من صحّة نسبة الامام الجواد إلى الرضا وأنه ابنه لا يتوقّف على العمّات والأخوات بل يكفي الأعمام والاخوة الرجال بلا حاجة إلى العمّات والأخوات.
الثاني:- وشاركه معه الميرزا علي الايرواني[4] ، وحاصله:- إنّ مثل عليّ بن جعفر وغيره هل يعتقدون بإمامة الامام الرضا عليه السلام أو لا ؟ إنه لا يوجد احتمال أنهم لا يعتقدون بذلك ، فإذا كانوا يعتقدون بإماته فهو يقول لهم هذا ابني فما معنى أنهم يذهبون إلى القافة والتوقّف في قبول قوله عليه السلام إنّ هذا تناقض وتنافي ؟!
ويمكن التعليق عليه:-
أما بالنسبة إلى ما ذكره أوّلاً فيمكن أن يقال:- لعلّ الأمر كان خارجاً عن اختياره ، فهم البسوا الامام جبّة وقلنسوة وأعطوه مسحاة فيتبيّن أنّ الامام عليه السلام كانت الظروف حرجة عليه بحيث رضي حتى أن تقف عمّاته وإذا لم يوقفهن فحينئذٍ قد يتّهم بأنه لا يريد أن تُعرَف النسبة بشكلٍ واضح وحتى لا تعمل القيافة أثرها ولا يتبيّن من خلالها شيء واضح.
فإذن نعود إلى نفس ما ذكرناه في ردّ الحدائق فنقوله هنا ، وهو أنّ الظروف التي واجهها الامام عليه السلام كانت ظروفاً حرجة حيث لم يتمكن من رفض وقوفهنَّ أمامهم.
وأما ما ذكره في الوجه الثاني:- فنقول إنَّ المؤمن لابد وأن يلوذ بالله عزّ وجلّ ، فلعلّ الانسان يحوص حيصةً ، فإنه قد يحصل في بعض اللحظات انحراف ، فلعلّه طرأ ما طرأ ولكن الرجل غسلها بعد ذلك - مثل بعضٍ فإنه حاص حيصةً غسلها يوم صفّين على تقدير صحّة هذه الرواية - فكان الرجل يقدّم النعل إلى الامام الجواد عليه السلام رغم أنه رجل شيبة والامام الجواد عليه السلام كان شابّاً.
وعلى أيّ حال نقول للسيد الخوئي(قده) لعلّه طرأ ما طرأ فإنّ الانسان قد تطرأ في حياته بعض اللحظات.
هذا موقف ازاء هذه الرواية من قبل السيد الخوئي والميرزا علي الايرواني.
وربما يوجد موقفٌ آخر وهو أن يقال:- إنّ الرواية موجودة في الكافي ، والكافي كما نعرف قد شهد الكليني(قده) أنه لا يذكر فيه إلا الآثار الصحيحة حيث قال في مقدّمة الكافي:- ( وقلت إنك تحبّ أن يكون عندك كتاب كافٍ يجمع فيه من جميع فنون علم الدّين ما يكتفي به المتعلّم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدّين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام ...... وقد يسَّر الله وله الحمد أليف ما سألت ..... ووسعنا قليلاُ كتاب الحجّة وإن لم نكمله على استحقاقه )[5] وهذا يدل على أنّ الرجل يشهد على أنه قد جمع الآثار الصحيحة في كتابه ، وأيضاً يظهر أنّ هذه المقدّمة كتبها بعد تأليف كتاب الكافي وليس قبل تأليفه فإنه قال:- ( وقد يسر الله وله الحمد تأليف ما سألت ... ووسعنا قليلاً كتاب الحجة وإن لم نكمله ) ، فليس من البعيد أنّ يُستشهد بقوله هذا أنّ ما كتبه في المقدّمة هو قد كتبه في النهاية وليس في البداية حتى تقول قد تغيّرت خطّته وما رسمه لنفسه قد تغيّر بعد ذلك ، فإذنّ هو قد شهد في المقدّمة بذلك ، والمفروض أنه في كتاب الحجّة قد ذكر هذه الرواية في اثبات إمامة الجواد عليه السلام لأنّه توجد عنده أبواب بعدد الأئمة وكلّ رواية ترتبط بإثبات إمامة الامام يذكرها في ذلك الباب الذي يرتبط بذلك الامام ، وقد شُهِدَ للكليني أنه العارف بأخبار أهل البيت عليهم السلام ، فإذا جمعنا هذه الأمور فيمكن أن نقول إنّ هذه الرواية مادام قد ذكرت في الكافي وهو عارف بالأخبار وهو قال في المقدّمة أنا أذكر الأخبار الصحيحة ، فإذن نأخذ بهذه الرواية ولا تتوقف.
ويردّه:- صحيحٌ أنه قال في المقدّمة إني أذكر الأخبار الصحيحة ولكنه لم يقول لم أذكر إلا الصحيحة ، بل قال أذكر الصحيحة ، وهذا لا ينافي أنهي ذكر أحياناً وبشكلٍ نادرٍ أشياء لم تكن صحيحة ، هذا شيء.
وهناك شيء آخر:- وهو أنّه صحيح أنّه عارفٌ بالأخبار وما يذكره في كتابه لا يبعد أنه فيه شهادة على قبول تلك الرواية ، ولكن بالتالي هذا اجتهادٌ ورأيٌ له ، ولكن نحن لا نتَّبع اجتهاده وأريه ، ولعلّ مستنداته لو ذكرت لنا فنحن نرفضها ، فإذن لا يمكن أن نتساير مع اجتهاده هذا.
والنتيجة النهائية التي ريد قولها وأنهي كلامي عن هذه الرواية:- هو أنّ هذه الرواية لا يمكن أن يستشهد بها على حجّية القيافة كما صنع صاحب الحداق(قده) ، ولا على عدم حجّيتها كما صنع الشيخ الأعظم(قده) ، ولا نقول هي مخالفة لضرورة المذهب كما صنع السيد الخوئي(قده) ، ولا نقول هي صحيحة كما ذكر الاتجاه الأخير ، والمهمّ أنّ الرواية ضعيفة السند بزكريا فلا يمكن استفاد حجّية القيافة منها ولا عدم الحجّية.