38/01/17
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/01/17
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: النواهي.
وتوجد ثمرة ثانية:- وهي أنه إذا فرض أن شخصاً شرب الخمر ففي المرّة الثانية إذا ترك الخمر يلزم أن لا يكون ممتثلاً ، بل نقول أكثر وهو أن نقول له يجور لك أن تشربه لأنّ النهي كان واحداً وهو متوجه إلى المجموع بقيد المجموع والمفروض أنّ المجموع بقيد المجموع قد اختل لأنه ارتكب الشرب هنا ، فبالتالي لا يمكن ترك المجموع بقيد المجموع فالامتثال غير ممكن فالأمر والواحد قد سقط لأنه لا يمكن امتثاله فاشرب في المرّة الثانية ، وهل تلتزم بهذا ؟!! فلو قلنا أنّ النهي ليس بمتعدّد لازمه في المرّة الثانية أنه يجوز له أن يتناول الخمر ، بينما إذا قلنا النهي متعدّد فذاك النهي قد عُصي أما هذا النهي الثاني موجود على حاله فلابدّ من امتثاله.
ونكرّر السؤال من جديد:- وهو أنه من أين نشأ هذا الفارق ، يعني في باب النهي يتعدّد النهي وفي باب الأمر يبقى الأمر واحداً فما هو منشأ هذا ؟ فالنتيجة متفقون عليها ولكن سؤالنا في التخريج الفنّي لهذه النتيجة المتفق عليها.
رب قائل يقول:- ذلك نشأ من مقدّمات الحكمة ، فهي اقتضت في باب النهي التعدّد والانحلال بينما في باب الأمر لا تقتضي ذلك.
والجواب:- إنّ مقدّمات الحكمة واحدة والواحد لا يصدر منه أشياء مختلفة ، فإذا كانت العلّة واحدة فكيف تصدر منها أشياء مختلفة فهذا خلف كونها واحدة ، فإذا كانت مقدّمات الحكمة واحدة فكيف تنتج في باب النهي الانحلال والتعدّد وفي باب الأمر يكون مقتضاها الوحدة وعدم التعدّد ، فهذا يحتاج إلى تفسير.
وإن شئت قلت:- لو قال المولى ( أكرم العالم ) فالإكرام يسمّى متعلّق والعالم يسمّى موضوع - والمائز بين الموضوع والمتعلّق ؟ إنَّ ما يدفع التكليف إليه هو متعلّق فالإكرام هو متعلق أما العالم لا يدفعني التكليف نحوه بل يقول لو كان هناك عالم فأكرمه فهذا يكون موضوعاً - ، بلحاظ المتعلق أي الاكرام الحكم بالوجوب انحلالي أو ليس بانحلالي ؟ وليس بانحلالي ، يعني ليس الواجب أن تكرم هذا الشخص بجميع أفراد الاكرام بل يكفي الفرد الواحد من الاكرام ، أما بلحاظ العالم أو الفقير فهو انحلالي لكل فقير فقير وكلّ عالم عالم ، فالحكم انحلالي بلحاظ الموضوع وليس بانحلالي وإنما هو وحداني بلحاظ المتعلّق ، فكيف صار الحكم الواحد وحداني بلحاظ المتعلّق وانحلالي بلحاظ الموضوع ؟ فإن قلت:- ذلك بمقدّمات الحكمة ، قلت:- هي واحدة فكيف تنتج هذا الشيء المختلف ؟ هذا سؤال وجيه ، فهذه النتيجة المتفق عليها المسلّمة كيف اختلفت فلم ينحلّ الوجوب بلحاظ الاكرام وانحل بلحاظ الموضوع ؟
هناك بعض الاجابات:-
نذكر منها الاجابة الأولى وهي للسيد الخوئي(قده)[1] [2] :- وحاصل ما ذكره أنه قال:- في الحقيقة المنشأ ليس مقدمات الحكمة إذ مقدّمات الحكمة تقتضي أنّ الحكم قد تعلّق بالطبيعة ، الوجوب تعلّق بطبيعة الاكرام من دون قيد وتعلّق بطبيعة العالم من دون قيدٍ ولا تقتضي أكثر من هذا وإنما استفدنا عدم الانحلال بلحاظ المتعلّق باعتبار أنّ جميع أفراد الاكرام لا يمكن تحقيقها ، وهذا قرينة على أنّ المطلوب هو فرد واحد من أفراد لا جميع أفراد الاكرام فإنّ هذا غير ممكن ، بينما إذا قيل لا تشرب الماء فبلحاظ الماء الذي هو موضوع نقول إنَّ المقصود في الحقيقة جميع الأفراد ، يعني لا تشرب هذا ولا تشرب هذا ولا تشرب ذاك وهكذا ، والوجه في ذلك هو إنه إذا كان المقصود ترك شرب ماء واحد فيرد عليه أنّ ترك الواحد هو متحقّق بشكل قهري لأنّ بعض أفراد الماء أنا حتماً لا استطيع شربه فجزماً أنا تاركٌ لواحد ، فإذا كان المقصود هو ترك الواحد فترك الواحد متحقّق جزماً فلابد وأن يكون مقصود المتكلّم ترك الجميع.
إذن الفارق سوف يصير هو هذا وهو أنه حينما يقول لا تشرب الماء فبلحاظ الماء نقول هو انحلالي إذ لو كان المقصود الفرد الواحد يلزم طلب تحصيل الحاصل فإنّ ترك الواحد متحقّق جزماً فلابد وأن يكون المقصود هو ترك الجميع ، وهذا بخلاف المتعلّق - ( اشرب ) - فإنّ المقصود الأمر بشربٍ واحد لا أنّ المقصود بشرب الجميع فإنه ليس المقصود كلّ أفراد الشرب وإلا كلّ أفراد الشرب لا استطيع امتثالها ، ، فالمقصود بالتالي حينما يقول اشرب الماء يعني اشرب فرداً واحداً ، وهكذا حينما يقول لا تشرب الماء فبلحاظ الماء يكون المقصود ترك الجميع إذ ترك الأحد جزماً متحقّق وأما بلحاظ الشرب فلابدّ وأن يكون الحكم واحداً فإنّ الشرب بلحاظ الجميع هو شيء متعذّر ، كالإكرام بلحاظ جميع أفراد الاكرام أو جميع أفراد الشرب غير ممكنة ، فالقرينة الخارجية صارت سبباً للتفرقة لا نفس مقدّمات الحكمة ، فالفارق ليس مقدّمات الحكمة بل مقدّمات الحكمة اقتضت تعلّق الحكم بالطبيعة ولكن تأتي أمور خارجية على أساسها نقول بلحاظ المتعلق نقول الحكم وحداني وبلحاظ الموضوع نقول هو متعدّد كما أوضحنا.