38/01/21
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/01/21
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – السيرة العقلائية
تقدم أن صاحب الكفاية(قده) ذكر أنا لو تنزلنا عن رادعية الآيات الناهية للسيرة أو مخصصية السيرة وكذلك تنازلنا عن كون الآيات الناهية ناسخة للسيرة باعتبار أنها بعموماتها متأخرة عن السيرة تصل النوبة إلى الأصول العملية وهي استصحاب بقاء حجية أخبار الثقة حيث أنا نشك في بقائها بعد نزول هذه الآيات الكريمة فلا مانع من استصحاب بقائها.
وذكرنا ان السيد الاستاذ(قده) قد أورد على هذا الاستصحاب بوجوه:
الوجه الأول: ان هذا الاستصحاب هو استصحاب في الشبهات الحكمية وهو غير جار فيها.
وما أفاده السيد الاستاذ(قده) صحيح فإنا أيضا بنينا على عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية. ولكن ما ذكره السيد الأستاذ من سبب عدم جريانه هو إنما هو التعارض بين استصحاب بقاء المجعول واستصحاب عدم سعة الجعل فيسقطان بالتعارض فمن أجل ذلك لا يجري الاستصحاب في الشبهات الحكمية من جهة ابتلائه بالمعارض.
ولكنا ذكرنا أن الوجه في عدم جريانه في الشبهات الحكيمة ليس هو التعارض بل أمر آخر على تفصيل ذكرناه في مبحث الاستصحاب.
الوجه الثاني: من الوجوه التي ذكرها السيد الاستاذ(قده) ان جريان هذا الاستصحاب في المقام مبني على أن تكون السيرة ممضاة شرعا في صدر الإسلام وقبل نزول الآيات الناهية عن العمل بالظن وأما إذا قلنا إن إمضاء هذه السيرة قبل نزول هذه الآيات غير معلوم فلا موضوع لهذا الاستصحاب لأن الشك حينئذ في أصل وجود حجية أخبار الثقة، فمن أجل ذلك لا مجال لهذا الاستصحاب.
وهذا الذي أفاده(قده) لا يمكن المساعدة عليه؛ إذ لا شبهة في أن هذه السيرة ممضاة في صدر الإسلام وأول البعثة فإن أصحاب النبي الأكرم(ص) والتباعين له بكافة أصنافهم كانوا يعملون بأخبار الثقة في أمورهم الاجتماعية والفردية والعقائدية والمادية والمعنوية في مرأى ومسمع النبي الأكرم(ص) فلو كانت هذه السيرة خطرا على الأغراض التشريعية والمصالح الدينية لكان على النبي الردع عنها لأن بإمكانه(ص) ذلك، ولم يكن هنا أي مانع من الردع عنها. فسكوته وعدم الردع كاشف قطعي عن الإمضاء من قبل النبي لهذه السيرة، غاية الأمر إذ نزلت هذه الآيات المباركة الناهية عن بالعمل بالظن يشك في رادعيتها وهذا الشك يكون منشأ للشك في بقاء حجية السيرة فعندئذ لا مانع من استصحاب بقاء الحجية.
الوجه الثالث: أن هذا الاستصحاب دوري لأن الدليل على حجية الاستصحاب هو حجية اخبار الثقة فلو كانت حجية اخبار الثقة ثابتة بالاستصحاب لدار إذ معنى ذلك أن حجية أخبار الثقة متوقفة على حجية الاستصحاب وحجيته متوقفة على حجية أخبار الثقة فيلزم توقف حجية أخبار الثقة على حجية أخبار الثقة وهذا مستحيل لأنه من توقف الشيء على نفسه ومرده إلى علية الشيء لنفسه وهي مستحيلة.
هذا مضافا إلى أن هذا الدور مبني على أن يكون دليل الاستصحاب هو حجية أخبار الثقة وأما إذا قيل أن دليل حجيته هو حكم العقل أو الاجماع فلا يلزم هذا الدور، وإن كان هذا القيل غير ثابت.
الوجه الرابع: أن الآيات الناهية كما تصلح ان تكون رادعة عن السيرة كذلك تصلح أن تكون رادعة عن الاستصحاب لأن الاستصحاب أيضا داخل في عدم العلم أي الظن والآيات تدل على حرمة العمل بالظن فلا يمكن الاعتماد على هذا الاستصحاب.
وهذا الوجه صحيح بعد التنازل عن أن السيرة لا تصلح أن تكون مخصصة لعمومات هذه الآيات الناهية.
هذا كله حول ما ذكره صاحب الكفاية(قده).
الوجه الثالث: ما ذكره[1] السيد الاستاذ(قده) من أنا نقطع بعدم الردع عن هذه السيرة ونقطع بإمضائها شرعا وثابتة في الشريعة المقدسة فقد أفاد في وجه ذلك أمرين:
الأول: ان هذه السيرة مستمرة بين أصحاب النبي الأكرم(ص) وتابعيه بكافة طوائفهم وهكذا في زمن الأئمة الأطهار(ع) ولم يرد أي ردع أو منع لا من النبي الأكرم(ص) ولا من الأئمة الأطهار(ع) في هذه الفترة الزمنية الطويلة فإنهم كانوا يعملون على أخبار الثقة في أمورهم الدينية الاجتماعية والفردية والمادية والمعنوية وفي علاقاتهم مع المجتمع ليلا ونهارا بأخبار الثقة رغم وجود هذه الآيات في الكتاب العزيز ولا يخطر ببالهم أن هذه الآيات رادعة عن السيرة، فهم يعملون على طبق مرتكزاتهم فإن مرتكزات كل إنسان وتقاليده هي المحددة لسلوكه الخارجي الاجتماعي والفردي والمادي والمعنوي فما دام لم يكن هنا مانع وردع عن العمل بمرتكزاته وتقاليده فهو يتحرك على طبقها بدون ادنى منبه وتذكير في البين.
وعلى هذا فنقطع أن هذه السيرة غير مردوع عنها لا من النبي الأكرم(ص) ولا من الأئمة الأطهار(ع) في طول هذه الفترة الزمنية.
الأمر الثاني: أن مفاد هذه الآيات الناهية إرشاد إلى حكم العقل وهو تحصيل الأمن من العقوبة وليس حكما تكليفيا مولويا، فإن العقل مستقل بتحصيل الأمن من الإدانة والعقوبة في مقام الامتثال والطاعة لأن هم العقل هو تحصيل المؤمن من العقوبة. وهذ الآيات الناهية مفادها الإرشاد إلى هذا الحكم العقلي والمؤمن الذاتي هو العلم الوجداني فإذا علم الإنسان بأن صلاته مطابقة للواقع وصحيحة حصل له الأمن من العقوبة وأما حجية أخبار الثقة فهي مؤمنة بالعرض وحيث أن كل ما بالعرض لا بد أن ينتهي إلى ما بالذات فحجية أخبار الثقة إنما تكون مؤمنة باعتبار القطع بحجيتها ففي الحقيقة المؤمن هو القطع بحجية أخبار الثقة، فإذا حصل للمكلف القطع بالمؤمن فهو يكتفي في مقام الامتثال والإطاعة سواء علم بمطابقة عمله للواقع أو لم يعلم.
وعلى هذا فالسيرة العقلائية حيث قد جرت على العمل بأخبار الثقة فتكون أخبار الثقة حجة بعد إمضاء الشارع لهذه السيرة وحجية أخبار الثقة قطعية فتكون أخبار الثقة مؤمنة من جهة القطع بحجيتها وهذا القطع هو المؤمن من الإدانة والعقوبة في مرحلة الامتثال.
وعلى هذا فالسيرة العقلائية القائمة على العمل بأخبار الثقة التي تدل على حجيتها واردة على هذه الآيات الناهية ورافعة لموضوعها وجدانا فإن موضوع النهي في هذه الآيات عدم المؤمن أي لا يجوز العمل بما لا يؤمن من الإدانة والعقوبة.
فتقديم السيرة العقلائية القائمة على العمل بأخبار الثقة التي تدل على حجيتها بعد الإمضاء وحيث أن المكلف يقطع بحجية أخبار الثقة فيكون قطعه رافع لموضوع هذه الآيات الناهية وجدانا فتكون السيرة العقلائية واردة في نهاية المطاف على هذه الآيات المباركة نظير حكومة [ورود] الأصول العملية كالاستصحاب ونحوه على الأصول العملية العقلية كأصالة البراءة العقلية فإن الاستصحاب وارد على أصالة البراءة العقلية لأن موضوعها عدم البيان ولا شبهة في أن الاستصحاب مع حجيته بيان فمن أجل ذلك يكون تقديم الاستصحاب على أصالة البراءة العقلية بالورود لا بالحكومة وكذا تقديمه على أصالة التخيير العقلي إذ لا شبهة في أن الاستصحاب مرجح والعقل إنما يحكم بالتخيير إذا لم يكن لأحدهما مرجح على الآخر.
هكذا ذكره السيد الاستاذ(قده).