33/11/19
تحمیل
(بحث يوم السبت 19 ذو القعدة 1433 هـ 177)
الموضوع :- الكلام في المسألة السابعة والأربعين / حكم سماع دعوى أحد الشريكين وقوع الغلط في القسمة بعد حصولها / الشروع في المسألة الثامنة والأربعين وبعدها في المسألة التاسعة والأربعين / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
كان الكلام حول مدى سماع دعوى أحد الشريكين وقوع الغلط في القسمة بعد حصولها ؟
والمقصود بالغلط المدّعى من قبل أحد الشريكين في المقام هو حصول الزيادة والنقيصة في القسمة أو وبعبارة أخرى أن القسمة غير عادلة وقلنا إن هذا المعنى أعم من أن يكون عن عمد أو خطأ ، ومن هنا قلنا بأن الدعوى تنسجم مع افتراض كل منهما .
إذا تبيّن هذا فنقول إن الخصم في هذه الدعوى هو الشريك الآخر دائماً لأنه طرف القضية فأحد الشريكين عندما يدّعي أن القسمة التي حصلت فيها زيادة ونقصان هو في الحقيقة يوجّه الخطأ فيها إلى الشريك الآخر الذي هو المدّعى عليه فكأنه يطالبه بإلغاء هذه القسمة لأن فيها جوراً عليه .
ولا فرق في هذا بين أن يكون من مارس عملية التقسيم هو الشريك الآخر نفسه أو يكون شخصاً آخر وحينئذ يقع الكلام في هذه الدعوى
[1]
فهل تُسمع بدون بيّنة أو لا تُسمع أو قل هل للمدّعي إحلاف المُدّعى عليه أم ليس له ذلك ؟ بعد الفراغ عن سماع هذه الدعوى مع البيّنة فإنه لا إشكال في أنه حينئذ يُحكم على طبق البيّنة ببطلان هذه القسمة وعود المال مشتركاً بينهما فالكلام إذاً في إذا لم تكن له بينة في البين .
والجواب في المقام هو أن الشريك المُدّعى عليه تارة يُجيب بنفي العلم بدعوى الغلط أي الزيادة والنقصان - في هذه القسمة وتارة يجيب بنفي الغلط واقعاً :
أما في الحالة الأولى فالظاهر عدم سماع الدعوى بمعنى أنها مع عدم البيّنة لا يترتب عليها أثر فلا تقتضي يميناً على المُدّعى عليه وذلك باعتبار أن أصالة الصحة في جانبه لأن قول المدّعي على خلاف الأصل فعليه إثبات دعواه فإن لم تكن له بينة فليس له هنا إحلاف المُدّعى عليه لأنه يجيب بنفي العلم بوقوع الغلط في القسمة والمدّعي لا يُكذّبه في ما يقول - إذ ليس المفروض هاهنا دعوى كون المدّعي يدّعي علم المُدّعى عليه بالغلط فإن هذا فرع آخر سيأتي الحديث عنه - وعلى ذلك فليس من حقّ المدّعي مطالبة المُدّعى عليه باليمين بعد أن لم تكن له بيّنة على دعواه لأن الحلف في محلّ الكلام يجب أن يتطابق مع الدعوى فإذا كانت الدعوى هي وقوع الغلط في القسمة فاليمين لو طُلب من المُدّعى عليه فلا بد أن يقع على نفي الغلط في القسمة أيضاً ومع افتراض أنه جاهل والمدّعي لا يُكذّبه في دعواه بعدم العلم فلا معنى لأن يُطلب منه اليمين على نفي الغلط
[2]
.
والحاصل أنه في هذه الحالة إذا لم تكن للمدّعي بينة فلا تُسمع دعواه .
ولكن هل هذا يعني سقوط الدعوى أصلاً من جهة عدم تمكن المُدّعى عليه من الحلف على نفي ما يدّعيه المدّعي باعتباره جاهلاً وغيرُ العالم لا يُطلب منه اليمين على نفي الواقع .
هذا الكلام طرحناه في ذيل المسألة العاشرة وقلنا هناك بأنه لا موجب لسقوط الدعوى فعندما يتعذر اليمين على المُدّعى عليه لعدم علمه فلا موجب لسقوط الدعوى أصلاً إذ بإمكانه أن يردّ اليمين على المدّعي فإنه حقّ ثابت للمدّعى عليه سواء تمكن من اليمين أم لم يتمكن كما أقمنا الشواهد عليه من الروايات في البحث المزبور ، نعم .. إذا لم يردّ اليمين تصدّى الحاكم لردّها على المدّعي فإذا حلف المدّعي كسب الدعوى وهذا معناه أن الدعوى لا ينحصر طريق إثباتها بالبيّنة بل يمكن إثباتها بهذا الطريق أي باليمين المردودة على المدّعي إما من قبل المُدّعى عليه أو من قبل الحاكم .
وأما في الحالة الثانية - وهي ما إذا أجاب الشريك الثاني بنفي الغلط في القسمة
[3]
- فالظاهر سماع الدعوى فإنها كأيّ دعوى أخرى يكون فيها طرفان : مدّع ومنكر فإذا لم تكن للمدّعي هاهنا بينة على وقوع الغلط الذي يدّعيه في القسمة توجّهت اليمين للمدّعى عليه فإذا حلف على نفي وقوع الغلط ثبتت صحة القسمة وإن لم يحلف وردّ اليمين - هو أو الحاكم على الخلاف المذكور في تلك المسألة
[4]
على المدّعي وحلف هذا الأخير ثبت وقوع الغلط في هذه القسمة وحُكم ببطلانها حينئذ .
هذا كله في دعوى الغلط المجردة أي وقوع الزيادة والنقيصة في القسمة وتبيّن أن الدعوى تكون مسموعة في جميع صور هذا الفرض من كون القاسم هو الشريك أو شخصاً آخر وغير ذلك .
نعم .. لهم كلام في ما إذا كان القاسم هو الحاكم أو المعيّن من قبله وأما في غير هذه الحالة فالدعوى تكون مسموعة غاية الأمر أن المُدّعى عليه إن أجاب بعدم العلم لم يُطلب منه اليمين وليس من حقّ المدّعي إحلافه على نفي الواقع لكن من حقّه ردّ اليمين على المدّعي كما ذكرنا - ، وأما إذا أجاب
[5]
بنفي وقوع الغلط في القسمة فيُطلب منه اليمين حينئذ .
وأما إذا ادّعى المدّعي علم الشريك بالغلط ففي هذه الحالة هل تُسمع الدعوى أم لا ؟
الظاهر أن المشهور بينهم سماع الدعوى وللمدّعي إحلاف الشريك وهو المُدّعى عليه - على نفي العلم بوقوع الغلط في هذه القسمة وهنا فرضان :
الثاني : أن تكون دعوى العلم مُستبطَنَة في دعوى الغلط فكأن المدّعي هنا يدّعي أمرين : وقوع الغلط بالقسمة وعلم المُدّعى عليه بذلك فدعواه في الحقيقة عبارة عن دعويين .
أما على الفرض الأول فالملاحظ عليه أنه لا توجد فائدة وثمرة عملية من هذه الدعوى فإنه على تقدير أن يثبت علم المُدّعى عليه بالغلط لا يترتب على ذلك ثبوت الغلط واقعاً وبالتالي بطلان القسمة لعدم الملازمة بين الأمرين حتى لو كان طريق إثبات المُدّعى عليه بالغلط هو البيّنة .
ومن هنا يكون سماع هذه الدعوى المجردة محل تأمل .
ولكن الظاهر أن الأصحاب اتّفقوا على سماع هذه الدعوى وأن المدّعي له إحلاف المُدّعى عليه بنفي العلم وظاهرهم أنه تترتب عليها الآثار بمعنى أنه إذا حلف على نفي العلم سقطت الدعوى وصحّت القسمة وإن لم يحلف وردّ اليمين على المدّعي وحلف هذا الأخير على علم المُدّعى عليه فيظهر أنه يثبت الغلط في القسمة ويُحكم ببطلانها ولكن في ما ذكروه تأمل كما أشرنا .
وأما على الفرض الثاني فلا مانع من سماع هذه الدعوى ويكون حالها كحال أيّ دعوى أخرى فإذا اعترف المُدّعى عليه ثبتت الدعوى وإذا أنكر كان للمدّعي إحلافه فإذا حلف سقطت الدعوى وصحّت القسمة وإذا امتنع كان له ردّ اليمين على المدّعي فإذا حلف ثبتت دعواه وبطلت القسمة .
الشريك ذلك فلا محذور في قبول سماع هذه الدعوى وإذا لم تكن بينة فللمدّعي إحلاف المُدّعى عليه على نفي الغلط لأنه أنكر الغلط وأنكر علمه به في هذه القسمة .
هذا ما يمكن أن يقال في هذا المقام وبه يتم الكلام في هذه المسألة .
ثم قال (قده) في المسألة الثامنة والأربعين :
" القسمة عقد لازم فلا يجوز لأحد الشريكين فسخه ، ولو ادّعى وقوع الغلط والاشتباه فيها فإن أثبت ذلك بالبينة فهو وإلا فلا تسمع دعواه ، نعم .. لو ادّعى علم شريكه بوقوع الغلط فله إحلافه على عدم العلم " .
خصّص (قده) عدم جواز فسخ عقد القسمة بما إذا أراد ذلك أحد الشريكين وأما لو أراده كلا الشريكين بالتراضي أو بالتقايل بتعبير آخر فالذي قرّبناه هو الجواز وأن القسمة تقبل الإقالة لإطلاق أدلة الإقالة .
ويلاحظ على ما ذكره (قده) من أنه إذا لم يأت ببينة على دعواه وقوع الغلط والاشتباه في القسمة فلا تكون دعواه مسموعة أنه إن أجاب المدّعي بنفي الغلط فتُسمع الدعوى كأيّ دعوى أخرى يكون فيها مدّع ومنكر فإذا لم يأت المدّعي ببينة يُطلب من المنكر اليمين على نفي الغلط ، وأما إذا أجاب بنفي العلم فهنا مجال لدعوى أنه لا يُطلب منه اليمين على نفي وقوع الغلط واقعاً لكونه جاهلاً به ولكن ليس معنى ذلك انسداد باب الدعوى وأنها لا يكون لها أثر بل لها أثر وهو إمكان ردّ اليمين على المدّعي من قبل المُدّعى عليه .
وأما ذكره (قده) بقوله : " لو ادّعى علم شريكه بوقوع الغلط فله إحلافه على عدم العلم " فلا يخلو من تأمل .
ثم قال (قده) في المسألة التاسعة والأربعين :
" إذا ظهر بعض المال مستحقاً للغير بعد القسمة فإن كان في حصة أحدهما دون الآخر بطلت القسمة ، وإن كان في حصتهما معاً فإن كانت النسبة متساوية صحت القسمة ، ووجب على كل منهما ردّ ما أخذه من مال الغير إلى صاحبه ، وإن لم تكن النسبة متساوية ، كما إذا كان ثلثان منه في حصة أحدهما وثلث منه في حصة الآخر بطلت القسمة أيضاً " .
خلاصة كلامه (قده) أن هذا البعض من المال الذي ظهر مستحقاً للغير تارة يكون بعضاً معيّناً وأخرى يكون بعضاً مشاعاً
[8]
.
ثم إن البعض المعيّن المستحق للغير تارة يكون معيّناً في حصة أحد الشريكين وأخرى يكون في حصة كل منهما وهذا الشق الأخير تارة يكون بالتساوي وتارة يكون مع التفاوت .
وأما إذا كان البعض المستحق للغير مشاعاً فتارة يكون مشاعاً في حصة أحدهما وأخرى يكون مشاعاً في كلتا الحصتين على نحو التساوي .
ومثال القسم الأول من المشاع ما لو ترك الميت ولداً وزوجة فجرت قسمة الميراث ثم ظهرت له زوجة أخرى فهذه الزوجة الأخرى تشترك على نحو الإشاعة مع الزوجة الأولى في حصتها من الميراث وهي الثمن .
وسيأتي الكلام في هذه الصور إن شاء الله تعالى .
[1] أي دعوى الغلط من قبل أحد الشريكين بعد القسمة .
[2] أي نفي ما يدّعيه المدّعي .
[3] أي أنكر الغلط الذي يدّعيه المدّعي في القسمة .
[4] أي العاشرة .
[5] أي المدّعى عليه .
[6] أي دعوى المدّعي علم الشريك بالغلط .
[7] أي التي مضمونها مجرد دعوى المدّعي علم المُدّعى عليه بوقوع الغلط في القسمة .
[8] والسيد الماتن (قده) لم يُشر إلى هذا الفرض ولكن الفقهاء (رض) أشاروا إليه (منه دامت بركاته) .