37/12/26
تحمیل
الأستاذ السيد علي السبزواري
بحث الفقه
37/12/26
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- شرائط الوضوء.
قال السيد الماتن (رحمه الله): الثاني عشر: النية وهي القصد إلى الفعل، مع كون الداعي أمر الله تعالى، إما لأنه تعالى أهل للطاعة وهو أعلى الوجوه ، أو لدخول الجنة والفرار من النار وهو أدناها وما بينهما متوسطات. ولا يلزم التلفظ بالنية، بل ولا إخطارها بالبال، بل يكفي وجود الداعي في القلب بحيث لو سئل عن شغله يقول: أتوضأ مثلا، وأما لو كان غافلا بحيث لو سئل بقي متحيرا فلا يكفي، وإن كان مسبوقا بالعزم والقصد حين المقدمات. ويجب استمرار النية إلى آخر العمل، فلو نوى الخلاف أو تردد وأتى ببعض الأفعال بطل إلا أن يعود إلى النية الأولى قبل فوات الموالاة. ولا يجب نية الوجوب والندب لا وصفا ولا غاية، ولا نية وجه الوجوب والندب بأن يقول: أتوضأ الوضوء الواجب أو المندوب، أو لوجوبه أو ندبه، أو أتوضأ لما فيه من المصلحة، بل يكفي قصد القربة وإتيانه لداعي الله، بل لو نوى أحدهما في موضع الآخر كفى إن لم يكن على وجه التشريع أو التقييد ، فلو اعتقد دخول الوقت فنوى الوجوب وصفا أو غاية ثم تبين عدم وجوبه صح، إذا لم يكن على وجه التقييد، وإلا بطل ، كأن يقول: أتوضأ لوجوبه وإلا فلا أتوضأ))[1] .
ذكرنا سابقا ان المعنى اللغوي للنية هو القصد ، فمن عبّر من الفقهاء بان النية هي القصد انما ذكر المعنى اللغوي للفظ النية ، وذكرنا عبارة بعض اللغوين فيما سبق ، وذكرنا عبارة العامة حيث عبروا عن النية بالقصد ايضا ولكنه قصد مقيد نحو ذلك الفعل المقصود وليس مطلق القصد.
ولكن هذا القصد والارادة والاختيار هي من مقومات كل فعل اختياري ، فكل فعل اختياري يصدر من الانسان انما يتقوم بهذه الامور الثلاثة وهي القصد والارادة والاختيار ، فاذا ورد من الشرع ما يدل على اعتبار احدها فهو يكون ارشاد الى ذلك الامر التكويني الفطري ، وبهذا تميز الانسان على سائر المخلوقات.
ثم نقول انهم اذا فسروا النية بالقصد فلا مشاحة في البين ، لان القصد هو المعنى اللغوي للنية مع انه من مقومات الفعل الاختياري وهذا يعني انهم ذكروا احد مقومات الفعل الاختياري في تعريف النية.
وقيل بان النية هي الارادة كما عبر الفخر الرازي ، وبعض الفقهاء عبروا عن النية في كتبهم الفقهية بإرادة اتيان الفعل ، وذكرنا جملة من كلماتهم ونذكر بعض كلماتهم في المقام.
قال الفخر الرازي (عرفها المتكلمون بأنها إرادة من الفاعل للفعل مقارنة له والفرق بينه وبين العزم انه مسبوق بالتردد دونها ولا يصدق على إرادة الله انها نية فيقال أراد الله ولا يقال نوى الله وعرفها الفقهاء بأنها إرادة ايجاد الفعل المطلوب شرعا على وجهه).
واشكل على هذا في الكتب المفصلة بان الارادة شيء والنية التي تراد في كل فعل واجب شيء اخر، وغيرها من الاشكالات التي ذكرت على هذا التعريف.
وحكي عن حواشي الشهيد (رحمه الله) (انها عند المتكلمين اراد بالقلب يقصد بها الى الفعل).
وفي شرح المفاتيح قال في تعريف النية (انها الباعثة على الفعل المنبعثة عن العلم) ، وهذا ما ذكرناه في تعريف العامة من انهم يشترطون في النية علمه بذلك.
ونحوه ما عن العلامة الطباطبائي (رحمه الله).
والحاصل ان المستفاد من جميع كلماتهم هو انها كلها تريد ان تبين ان النية انما هي قصد معين لفعل خاص ، هذا الفعل الذي اوجبه الله تبارك وتعالى انما يأتي به المكلف على وجهه فلابد ان يكون هناك قصد في البين ، وقلنا انه اشارة الى المعنى اللغوي لا يخرجون عنه وان خرجت كلماتهم عن لفظ القصد.
ثم قال السيد الماتن (رحمه الله) في الوضوء لابد ان تكون النية منبعثة عن امر المولى ، وهذا اشارة الى انه يشترط في العبادة مضافا الى اصل النية نحو العمل واتيان العمل يشترط قصد التقرب الى الله وبما ان الوضوء من العبادات باتفاق جميع المسلمين فلابد ان يكون هناك قصد للتقرب الى الله تبارك وتعالى بان يأتي بالوضوء بقصد امتثال امر المولى.
ذكرنا سابقا ان العبادات تمتاز عن غير العبادات بانها تحتاج الى قصد القربى وعلى هذا اتفاق المسلمين ، وقلنا بان الاجماع قائم على اعتبار قصد القربى في العبادات ومنها الوضوء محصلا ومنقولا ، وذكرنا ما يدل على ذلك ، وهذا لا اشكال فيه.
انما الكلام في ان قصد التقرب بماذا يتحقق؟
الجواب:- ذكر السيد الماتن (رحمه الله) في المقام انه يتحقق بقصد ارادة امر المولى ، وامر المولى هذا هل له موضوعية خاصة بحيث لو لم نأتي بالفعل العبادي بقصد ارادة امر المولى لا تتحقق العبادة ام ان امر المولى طريق الى العبادة التي لابد ان يأتي بها هذا المكلف ان تكون مضافة الى الله تبارك وتعالى ، ومجرد ان يأتي بالفعل من دون جهة اضافة الى المعبود لا تصح هذه العبادة ، وجهة الاضافة تختلف اختلافا كبيرا ولها عناوين متعددة ، ذكر السيد الماتن واحد منها في المقام وسيذكر في عبارته الاتية بعض منها وان استشكل بعض الفقهاء (رحمهم الله) في كثير من هذه العناوين التي سيذكرها المصنف ، ولكن يمكن الجواب عنه بان المكلف يمكن ان يأتي بها باضافتها الى المعبود باي جهة تحققت الاضافة فيصح هذا العمل ، وان لم تتحقق منه جهة الاضافة اما لنهي الشارع او لغير ذلك فلا تكون العبادة صحيحة ، ولذا ذكر السيد الوالد (رحمه الله) وغيره من ان ذكر امر المولى من مصاديق هذه الاضافة وليس متعينا ان يأتي به بقصد امر المولى.
وهذه الاضافة تتحقق تارة من ناحية قصد امر المولى واخرى من ناحية طلب الثواب او خوفا من العقاب ونحو ذلك.
فتارة يأتي به لان هذا الفعل محبوب لدى المولى او لأنه حق من حقوقه الله تبارك وتعالى يريد ان يوفي حق الله في هذا الفعل فهذا اضافة اليه وتارة يأتي من ناحية العباد نفسه وتارة اخرى يأتي من ناحية المعبود وتارة يأتي من ناحية المبادئ للفعل وتارة يأتي من ناحية ما يترتب على الفعل من الثواب والعقاب ، هذه كلها جهات الاضافة التي لابد من اعتبرها في كل امر عبادي ، وبهذا يمكن رفع النزاع بين الاعلام (رحمهم الله) حيث انهم يتنازعون في ان هذا الفعل اذا اتى به بداعي نيل الثواب فهل هذا يعتبر عبادة او بداعي الخوف من العقاب فهل يسمى هذا عبادة فقد استشكل على ذلك وسياتي بيانه.
ولكن اذا قلنا بان هذا كله من مصاديق الاضافة ويكفي في العبادة ان تكون هنا اضافة بين العباد وفعل العباد والمعبود كفي ذلك في صحة العبادة ، ولا ريب ولا اشكال في ان ذلك يختلف بحسب مقامات العابدين العارفين فمن يعبد الله لأجل كونه اهلا للعبادة شيء ومن يعبد الله لأجل كونه في يده الثواب او خوفا من عقابه شيء اخر ومن يعبده لأجل ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فلذا العناوين التي ذكروها في المقام متعددة ولكن كلها اضافة الى المعبود وكلها صحيحة.
ولكن سياتي الاشكال في بعض هذه العناوين مما سيذكره المصنف ، والجواب واضح عن تلك الاشكالات.