38/03/04
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
38/03/04
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة( 27 ) - المكاسب المحرمة.
وبغضّ النظر عن هذا وحتى لو سلّمنا وجود نهي عن البيع يمكن أن نقول:- هذا النهي كالنهي الوارد في رواية المفضّل بن عمر الجعفي حيث إنَّه جاء في هذه الرواية أنَّ الامام عليه السلام رأى درهماً ستّوق - بفتح السّين وضمّها كتَُنّور فالحرف الأوّل يجوز فيه الوجهان - ، وما هو درهم السَُتّوق ؟ هو درهم فيه ثلاث طبقات الطبقة الأولى فضّة والثالثة فضّة وما بينهما نحاس والامام عليه السلام قال لا يجوز بيع هذا وانفاقه ، وانفاقه يعني تبيع وتشتري به في السوق فإنه لا يجوز ذلك ، وهذه الرواية دلّت عن بيع الدرهم الذي فيه غش ، هكذا قد يقال ، فإنَّ هذه الرواية تدل على النهي عن البيع ، فإذن حصلنا على نهيٍ عن البيع.
ونجيب عن هذه الرواية وهو جواب أيضاً عن رواية الواسطي وهي أن نقول:- من المحتمل أنَّ هذا النهي هو من باب أنَّ نفس العملة هي مغشوشة فلا يجوز العامل بها حتى مع العلم بذلك فإنَّ من المحرّمات التعامل بالعملة الزوّرة حتى مثل الدولار الآن وحتى لو نحن نعلم بذلك فأنت إذا أردت أن تتعامل بهذه العملة المغشوشة فهذا لا يجوز وهذا من الواضح ليس نهياً عن الغش بالمعنى المصطلح ، فإنَّ الغش بالمعنى المصطلح أخذ فيه عنصر الجهل والخفاء بينما هنا حتى مع العلم لا يجوز التعامل بالعنوان الثانوي ، فأنت العملة الفاسدة المغشوشة حتى مع العلم لا يجوز التعامل بها فلعل النهي من هذا الباب ، وهذا لا ينفعنا ، هذا الجواب كما يرد على رواية الجعفي يرد أيضاً على رواية الواسطي ، فإذن الجواب واحد عن كلتا الروايتين ، ونصّ الرواية هو :- ( الشيخ بإسناده عن ابن أبي عمير عن علي الصيرفي عن المفضل بن عمر الجعفي قال:- كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فألقي بين يديه دراهم فألقى إليَّ درهماً منها فقال:- أيش هذا ؟ فقلت:- سَُتّوق ، قال:- وما الستّوق ؟ قلت:- طبقتين فضة وطبقة نحاس وطبقة من فضّة ، فقال:- اكسر هذا فإنه لا يحلّ بيع هذا ولا انفاقه )[1] .
والأمر كما ذكرنا ، يعني يحتمل أن يكون هذا النهي نهياً عن التعامل بمثل هذا الدرهم حتى مع علم الطرفين بكونه مغشوشاً وهذا ليس هو الغش بالمعنى المصطلح الذي يلزم فيه الجهالة ، فهذا خارج عن محلّ كلامنا ، فبالتالي لا تنفعنا هذه الرواية.
نعود إلى الرواية:- فإنه ورد فيها ( قال:- وما الستّوق ؟ فقلت:- طبقتين ) ، وهل الصحيح هو طبقتين أو طبقتان ؟ ولكن هذه قضية اعرابية والأمر سهل ، ولكن المناسب أنه ليس طبقتين ولا طبقتان بل المناسب أن تكون ( طبقة ) يعني على ما هو موجود في الرواية سوف يصير الدرهم أربع طبقات والحال أنها ثلاث طبقات ، ومن هنا قال الفيض في الوافي تعليقاً على قوله ( طبقتين فضّة ):- ( الصواب طبقة من فضّة وكأنه مما صحّفه النسّاخ )[2] ، حينما نقل هذه الرواية يوجد تعليق للمجلسي في مرآة العقول نقله في هامش الكافي حيث قال:- ( إنَّ السَُتّوق طبقة أعلى من فضّة ثم طبقة نحاس ثم طبقة فضة ) ، فالمقصود هو ثلاث طبقات ولكن الرواية تشعر بوجود أربع طبقات ، وهذه قضية جانبية ليست مهمة.
إذن اتضح أنه يمكن أن نجيب عن هذه الرواية وراية الواسطي بأنها ناظرة إلى الغشّ بالمعنى الآخر غير الغشّ بالمعنى المصطلح ، فلا تنفعنا هاتان الروايتان.
هذا مضافاً إلى جوابٍ آخر يمكن أن نذكره عن كلتا الروايتين:- وهو أنه من المحتمل أن يكون هذا النهي تكليفياً ، ومن أين لك أنه نهي ارشادٌ الى الفساد ؟!!
وخلاصة كلامنا:- إنه اتضح أنه توجد ثلاثة أجوبة ، ذكرناها عن رواية الواسطي وذكرنا جوابين عن رواية المفضّل بن عمر ، أما الأجوبة الثلاثة التي ذكرتها عن رواية الواسطي ، فالأوّل منها:- هو أننا ذكرنا أنه لا يوجد فيها نهي عن البيع وإنما أمرٌ بإتلاف الدينار فأقصى ما هناك هو الأمر بالإتلاف وليس نهياً عن البيع ، والثاني:- أنه يحتمل أن يكون هذا النهي عن البيع على تقدير تسليمه هو نهي عن الغش بالمعنى الآخر غير المعنى الذي هو محلّ كلامنا ، والثالث:- هو أنه من قال إنَّ هذا النهي هو نهي ارشاد إلى الفساد بل لعلّه نهياً تكيفياً ، فإذن لا تنفعنا هاتان الروايتان وقد قلنا إنَّ النهي التكليفي لا يقتضي الفساد ، كما ذكرنا جوابان عن رواية المفضّل بن عمر ، الأوّل:- إنَّ هذا نهيٌ عن الغش بالمعنى الآخر وليس بالمعنى المصلح ، والثاني:- هو أنه لعلّ هذا نهي تكليفي وليس نهياً ارشادياً.
والخلاصة من كلّ هذا على ما اتضح:- أنه لا يوجد مثبت لبطلان البيع المشتمل على الغش.
هكذا كلّه بالنسبة إلى الحكم الأوّل.
الكلام في الحكم الثاني الوارد في المسألة:-
أما بالنسبة إلى الكلام في الحكم الثاني - أعني ثبوت الخيار عند ظهور الغش وأي خيار يثبت - فيختلف ذلك باختلاف المقامات ، وقد ذكر الشيخ الأعظم(قده) في هذا المجال إنه إن كان الغش بإظهار ضفة مفقودة - يعني واقعاً هي مفقودة لكنه يوحي بأنها موجودة - فهنا يثبت خيار التدليس ، من قبيل الدار يشتريها شخص ولكن أساسها ضعيف ولكن صاحبها قد صبغها وأجرى أموراً أخرى عليها تظهر أنها قوية ، أو جارية هي قبيحة ولكن البائع جعلها جميلة ، وإن كان من قبيل مزج الماء باللبن فهنا يثبت خيار العيب فإنَّ هذا لبنٌ معيبٌ يثب فيه خيار العيب ، وإذا فرض أنَّ الغش كان بوجود شيءٍ لا مالية له من قبيل أن يبيع له الحنطة المخلوطة بالتراب فينقص من الثمن بمقدار ذلك ويثبت خيار تبعّض الصفقة يعني له حقّ فسخ كلّ المعاملة ، وإذا كان الغش بشيءٍ متموَّل فيبطل البيع بمقدار ذلك المقدار المغشوش المتموَّل كما لو فرض أنه اشترى حنطة فتبيّن أن نصف المبيع شعيراً أو شيئاً آخر ولكن له ماليّة فهو قد ذكر أنه يبطل هنا ولم يأت بتعبير تبعّض الصفقة ، بينما في القسم الثالث قال ينقص الثمن ويثبت خيار تبعّض الصفقة ولم يقل يبطل ، ونصّ عبارته:- ( فإن كان قد غشَّ في اظهار وصفٍ مفقودٍ كان فيه خيار التدليس ، وإن كان من قبيل شوب اللبن بالماء فالظاهر هنا خيار العيب لعدم خروجه بالمزج عن مسمى اللبن فهو لبن معيوب ، وإن كان من قبيل التراب الكثير في الحنطة كان له حكم تبعّض الصفقة ونقص الثمن بمقار التراب الزائد لأنه غير متموّل ، ولو كان شيئاً متموّلاً بطل البيع في مقابله )[3] .
ويرد عليه:- إنَّ ذكر البطلان في خصوص القسم الرابع حيث قال يبطل البيع بمقدار الضميمة المتموَّلة فذكر البطلان هنا يدل على أنه في القسم الثالث لا يبطل ، هكذا توحي عبارته ، وأيضاً خيار تبعّض الصفقة ذكره في الثالث ولم يذكره في الرابع فهذا يوحي بأنَّ خيار تبعّض الصفقة يثبت في الثالث دون الرابع والبطلان يثبت في الرابع دون الثالث ، والحال أنَّ المناسب أن يقول:- ( إنه في كلا القسمين الأخيرين الثالث والرابع يبطل البيع بمقدار تلك الضميمة التي هي الغش ويثبت خيار تبعّض الصفقة ) ، أمّا أنه يبطل البيع بمقدار هذه الضميمة في كلا القسمين لأنَّ المفروض أن البيع هو بيع للعين الشخصية وليس للعين الكلّية وأنا قد بعت مئة كيلو حنطة مثلاً بعنوان أنه مبيع شخصي فظهر أنَّ النصف الثاني ليس حنطة وإنما هو شعير فتنطبق هنا ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع ، فمادام المبيع شخصياً فهنا يوجد قانون عام وهو أنه إذا ظهرت المخالفة في المبيع الشخصي بحيث كانت المغايرة عرفية كالحنطة والشعير فحينئذٍ تنطبق قاعدة ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع فيلزم البطلان في كليهما سواء كان هذا النصف الذي فيه غش متموَّل أو لم يكن متموّلاً فإن هذا لا يؤثر ، وأمّا أنه يثبت خيار تبعّض الصفقة في كليهما فلأنَّ المفروض أني قد اشتريت مئة كيلو كاملة ولم يسلّم لي هذا المبيع فيلزم ثبوت خيار تبعّض الصفقة في كلا الموردين.
إذن ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) قابل للإشكال بما أشرنا إليه.
إذن المناسب له أن يذكر في كلا القسمين الأخيرين أنه يبطل بمقدار تلك الضميمة التي فيها غش ويثبت خيار تبعّض الصفقة في كليهما ، فعدّهما قسمان ليس وجيهاً ، بل المناسب أن يُعدّا قسماً واحداً - يعني تصير الأقسام ثلاثة لا أربعة -.
وذكر السيد الخوئي(قده)[4] :- أنه لو اشترى صُبرة حنطة على أنها وزنتان بدينارين ثم ظهر بعد ذلك أنَّ النصف منها تراب فيصحّ البيع بمقدار وزنةٍ التي هي حنطة بدينار وأما النصف الآخر فيبطل فيه البيع ، يعني بعبارة أخرى أنه يأخذ وزنةً ويعطيه ديناراً وأما الوزنة الثانية فيكون البيع فيها باطلاً يسترجع دينارها إذا كان قد دفعه إلى البائع ، هكذا ذكر(قده) وأشكل بذلك على الشيخ الأعظم(قده) حيث إنّ الشيخ الأعظم خصّص البطلان بما إذا ظهر أنَّ القسم الثاني متموَّل أما إذا كان تراباً فلو يذكر الشيخ الأعظم(قده) البطلان والحال أنَّ المناسب في مثل هذه الحالة أن يحكم بالبطلان خلافاً للشيخ فإنَّ كلامه يوحي بعدم البطلان حيث خصّص البطلان بالقسم الرابع الذي تكون الضميمة فيه متموَّلة أما إذا لم تكن متموَّلة كالتراب فيظهر من الشيخ عدم البطلان ، هذا قد سجّله كإشكالٍ على الشيخ الأعظم.
أقول:- هذا نقبله من السيد الخوئي(قده) ، ولكن نذكر شيئاً يرد على السيد الخوئي(قده) أيضاً ، وهو أنه لماذا لم تذكر خيار تبعّض الصفقة ؟! فإنك كما حكمت بالبطلان من المناسب أن تذكر أنه يثبت في ذلك تبعّض الصفقة ، اللهم إلا أن يكون قد سكت عنه من باب وضوحه أو ، من باب أنَّ الشيخ الأعظم(قده) ذكر أنه يثبت تبعّض الصفقة فلا داعي لأن يذكر تبعّض الصفقة ، وإلا إذا كان لم يذكر تبعّض الصفقة لهدفٍ فلا نسلّم ذلك ، بل المناسب ثبوت خيار تبعّض الصفقة.
بقي شيء:- وهو أنه لو فرض أنه ظهر الغش فتارةً كون هناك تدليس فيثبت خيار التدليس كما مثّلنا بالدار الواهية الأركان ، ومرّة يثبت عيب فخيار العيب ، ومرّة يظهر أنه غير متموَّل أو هو متموَّل ولكنه من جنسٍ آخر فيبطل بمقداره ويثبت خيار تبعّض الصفقة.
والسؤال:- لو فرضنا أنَّ المورد ليس من هذه الموارد الثلاثة بحيث لا يدخل تحت أحد الخيارات المعروفة لدى الفقهاء فهل في مثل هذه الحالة نثبت الخيار بعنوانٍ جديد فلنسمّه خيار الغش مثلاً وإن لم يرجع إلى التدليس أو غيره أو نبقى مقيدين بعناوين الخيارات المعروفة فإذا لم توجد فلا يوجد خيار ؟ ، وإذا قلت إنه يوجد خيار فلابدّ من أن تأتي بمدركٍ على وجود الخيار وثبوته.