35/01/19


تحمیل
الموضوع: الصوم: ضروريات الدين

كان الكلام في القول الثاني (السببية المقيدة ) وقلنا انه يستدل عليها بعده ادلة تقدم ذكر الدليل الاول وهو عبارة عن التمسك بالروايات الدالة على كفر فرقتين وهما الخوارج والنواصب ويستدل بهذه الروايات على ان كفر هؤلاء ليس راجعا الى انكار الرسالة فهم لا ينكرون الرسالة ولا يكذبون الرسول صلى الله عليه واله .
بل هم ينكرون ضروريا من ضروريات الدين وهو مودة اهل البيت عليهم السلام وهذا الانكار لا يمكن ارجاعه الى انكار الرسالة .
وهذا الاستدلال ينفعنا في نفي الامارية (القول الثالث) في قبال السببية اما اثبات السببية المقيدة في قبال السببية المطلقة المنسوبة الى المشهور (على تشكيك في النسبة ) فطريقها هو انكار الاطلاق في هذه الادلة (فهي لا اطلاق لها لشمول حالة الجهل ) .
واذا لم يكن في الروايات اطلاق لشمول حالة الجهل فأنها تكون مختصة بموردها وهو حالة العلم (بكون الذي انكروه من ضروريات الدين ) .
اما الروايات الدالة على كفرهم فهي عديده :-
الاولى :- معتبرة الفضيل قال(دخلت على أبي جعفر ( عليه السلام ) وعنده رجل فلما قعدت قام الرجل فخرج، فقال : لي يا فضيل ما هذا عندك، قلت : وما هو ؟ قال : حروري، قلت كافر؟ قال : إي والله مشرك .)[1]
فظاهر الرواية ان الامام عليه السلام اقر الفضيل على قوله (كافر) واضاف ان كفره مشوب بالشرك ويؤيد ذلك ان المجلسي في مرآة العقول ذكر (وفي بعض النسخ ومشرك وهو أظهر)[2]
الثانية:- أبي مسروق( قال: سألني أبو عبد الله ( عليه السلام ) عن أهل البصرة، فقال لي: ما هم؟ قلت : مرجئة وقدرية وحرورية فقال : لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد الله على شيء)[3]
والرواية معتبرة سندا فهي وان كان في سندها محمد بن حكيم لكنه معطوف على حماد أي ان الرواية جاءت من الطريقين وعليه يمكن الاعتماد عليها, ودلالتها نفس دلالة الرواية الاولى .
الثالثة:- الروايات الدالة على ان حبهم ايمان وبغضهم كفر وهي روايات مستفيضة جمع قسم منها المجلسي في كتابه البحار تحت عنوان ذم مبغضيهم وانه كافر حلال الدم والذي يبدو من هذه الروايات ان المراد في الكفر هو الذي يقابل الاسلام وليس الذي يقابل الايمان .
والقرائن على ذلك هو ان المبغض لهم خارج عن الايمان امر من الواضحات ولا يحتاج بيان او كلام هذا اولا وثانيا ان التعبير بأن حبهم من الايمان يعني ان حبهم يلازم الايمان أي انه بمجرد انتفاء الحب ينتفي الايمان ولا يتوقف على البغض فإذا وجدت حالة البغض لابد ان يترتب عليها شيء اخر وليس هو الا الخروج عن الاسلام .
والقرينة الثالثة ان الظهور الاولي للفظ الكفر هو الخروج عن الاسلام.
الرابعة :- روايات كثيرة رواها العامة في صحاحهم وغيرها مفادها ان الخوارج يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية عندما يخرقها وينفذ الى الجانب الاخر فالخوارج دخلوا في الاسلام لكنهم خرجوا من الجانب الاخر كما ذكر ابن الاثير(في حديث الخوارج " يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية)
أي يجوزونه ويخرقونه ويتعدونه، كما يخرق السهم الشيء المرمى به ويخرج منه)[4]
هذا هو الدليل الاول على ا لقول الثاني .
وقد يجاب عن هذا الدليل بهذا الجواب كما هو مستفاد من كلمات المحقق الهمداني في مصباح الفقيه وحاصل ما يفهم من كلامه :- ان المعتبر في الاسلام ليس هو التصديق التفصيلي بما هو في الشريعة وانما المعتبر هو التصديق الاجمالي وهو ان يؤمن الشخص بأن كل ما جاء به النبي صلى الله عليه واله فهو حق وان لم يعرف تفصيل ما جاء به الرسول .
حينئذ ان علم ان هذا مما جاء به النبي صلى الله عليه واله فلابد ان يصدقه بل اذا ظن بشمول الشريعة لهذا الامر فلابد ان يقول بأن هذا حق لو اشتملت عليه الشريعة .
وهذا التصديق بهذه القضية الشرطية هو المعتبر في الاسلام . وهذا التصديق الاجمالي يستلزم ان يعترف المنكر لضروري عند ثبوته في الاسلام ومثل هذا الانكار لا يخرج من الاسلام .
والانكار المنافي للتصديق الاجمالي هو الانكار المطلق أي انكاره حتى على فرض ثبوته في الدين وهذا الانكار هو الذي يوجب الخروج من الدين ,اما اذا كان انكاره مقيدا بعدم الثبوت في الدين وعلى تقدير الثبوت يؤمن به فهذا لا يخرج من الاسلام , ثم يقول الظاهر ان الخوارج والنواصب هي من قبيل القسم الاول (أي انكارا مطلقا ) أي حتى على تقدير الثبوت .
ولكن كفرهم بهذه الكيفية يكون بناء على انكار الرسالة وهذا هو معنى القول بالامارية .
وهذا الجواب جيد عند فرض كونه مطابقا للواقع كما لو فرضنا ان جميع الخوارج ينكرون محبة اهل البيت عليهم السلام مطلقا (حتى على تقدير علمهم بفرضها في الدين ) .
لكن الظاهر ان الامر ليس هكذا (ولو في بعضهم ) مع ان الروايات حكمت عليهم جميعا بالكفر.




[1] الكافي, الشيخ الكليني ,ج2, ص387.
[2] مرآة العقول, الشيخ المجلسي, ج11,ص121.
[3] الكافي, السيخ الكليني , ج2, ص387.