38/03/27
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/03/27
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – الدليل العقلي
ذكرنا أن العلم الإجمالي الكبير ينحل بالعلم الإجمالي بصدور مجموعة كبيرة من الروايات عن المعصومين(ع) في طائفة خاصة كأخبار الثقة في تمام أبواب الفقه ولكن لا دليل على حجيتها والعمل بها على أساس العلم الإجمالي لا على أساس حجيتها.
وعلى هذه النظرية ففي كل مسألة من المسائل من المسائل الفقهية يكون الأصل العملي منحصر بأصلين:
الأول: قاعدة الاشتغال وهي قاعدة عقلية أي الحاكم بها العقل.
الثاني: قاعدة البراءة العقلية وهي قاعدة قبح العقاب بلا بيان، واما البراءة الشرعية او استصحاب عدم التكليف فحيث إن الدليل القطعي على حجية هذه الأصول غير موجود لأن الدليل على حجية هذه الأصول هو الروايات وقد فرضنا أنها غير حجة فلا تكون أصالة البراءة الشرعية او استصحاب عدم التكليف حجة.
وعلى هذا ففي كل مسألة من المسائل الفقهية من البداية إلى النهاية لابد للفقيه عند استنباط الحكم الشرعي أن ينظر إلى هذين الأصلين، فإن كانت المسألة خالية عن الرواية فالمرجع فيها أحد هذين الأصلين إما قاعدة الاشتغال أو قاعدة البراءة العقلية حيث أن العقل إما أن يحكم بالاشتغال والاحتياط أو يحكم بقاعدة قبح العقاب بلا بيان.
والمعروف والمشهور بين الأصوليين ان الأصل الأولي في كل مسألة خالية عن الرواية هو قاعدة قبح العقاب بلا بيان دون قاعدة الاشتغال وهناك من المحققين من ذهب إلى أن الأصل الأولي في كل مسألة خالية من الروايات والدليل هي قاعدة الاشتغال وعبر عنها بقاعدة حق الطاعة وهي تعبير آخر عن قاعدة الاحتياط.
وفرّق بين المولوية الذاتية وبين المولوية العرفية والجعلية، فإن المولى إذا كانت مولويته ذاتية كمولوية الله تعالى فالمرجع في موارد احتمال التكليف هو قاعدة حق الطاعة أي قاعدة الاحتياط واما إذا كانت مولوية المولى جعلية كمولوية النبي الأكرم(ص) والأئمة الأطهار(ع) فإنها جعلية من قبل الله تعالى فالمرجع فيها ليس قاعدة الاشتغال وحق الطاعة وتفصيل هذه المسألة سوف يأتي في مبحث البراءة وأن قاعدة قبح العقاب بلا بيان قاعدة ارتكازية ثابتة في أعماق نفس الإنسان وموافقة للفطرة والجبلة ورفع اليد عنها والتفصيل فيها بين المولى الذاتي والمولى الجعلي هل هو ممكن او غير ممكن سيأتي الكلام فيه.
وأما إذا كانت في المسألة رواية متكفلة للحكم الالزامي ولم تكن في مقابلها رواية أخرى متكفلة للحكم الإلزامي من الوجوب أو الحرمة فعندئذ لا بد من العمل بهذه الرواية بمقتضى العلم الإجمالي لأن هذه الرواية من أحد أطراف العلم الإجمالي والعلم الإجمالي منجز فمدلول هذه الرواية منجز على المكلف بالعلم الإجمالي ولا بد من العمل بها.
واما إذا كانت في مقابلها رواية متكفلة للحكم الالزامي فأحدهما تدل على وجوب شيء والأخرى تدل على الحرمة مثلا فلا بد من ملاحظة النسبة بين الروايتين ولا تخلو عن أحد أنحاء ثلاثة فإما أن تكون عموما وخصوصا مطلقا او تكون العموم والخصوص من وجه او تكون النسبة بينهما التباين ولا رابع في البين.
فإن كانت النسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا ففي مثل ذلك لا يمكن تخصيص العام بالخاص فإن الخاص إنما يصلح لأن يكون مخصصا للعام إذا كان الخاص حجة وأما إذا لم يكن حجة بأن يكون العمل به على أساس العلم الإجمالي فلا يصلح لأن يكون مخصصا للعام فعندئذ يعمل في مورد افتراق العام عن الخاص بمقتضى العلم الإجمالي لأن العام من أحد أطراف العلم الإجمالي فمدلوله منجز بالعلم الإجمالي فلا بد من العمل به في مورد الافتراق لأنه لا معارض له في هذا المورد.
وأما في مورد الاجتماع مع الخاص فهما متناقضان لأن مدلول العام مثلا الوجوب ومدلول الخاص الحرمة فلا يمكن العمل بكليهما معا في مورد الاجتماع لوجود المضادة بين مدلوليهما فلا بد من التخيير، كما هو الحال في دوران الأمر بين المحذورين. نعم المقام يفترق عن دوران الأمر بين المحذورين في نقطتين:
النقطة الأولى: أن في دوران الأمر بين المحذورين يكون جنس التكليف معلوما كما في صورة العلم بوجود الالزام الجامع بين الوجوب والحرمة ولكن يشك في تمثله في الوجوب أو الحرمة فيكون الشك في نوع التكليف لا في جنسه واما في المقام فالشك في النوع ابتداء لا مقرونا بالعلم لأن احتمال كذب كل من العام والخاص موجود. فاحتمل الوجوب في مورد الاجتماع بين العام والخاص احتمال بدوي وكذلك احتمال الحرمة واما احتمال الوجوب والحرمة في دوران الأمر بين المحذورين فمقرون بالعلم بجنس التكليف وهو الالزام كما في المقام.
النقطة الثانية: انه لا مانع من التمسك بأصالة البراءة العقلية في كل من الوجوب والحرمة في دوران الأمر بين المحذورين لاحتمال تعيّن الوجوب وتعيّن الحرمة وحيث إن في تعين كل منهما كلفة زائدة فيمكن دفعها بأصالة البراءة العقلية. والنتيجة هي التخيير.
واما العلم بالجامع فهو لا يمنع عن هذه الأصالة لأن امتثال الجامع غير ممكن لاستحالة موافقته القطعية ومخالفته القطعية فإن العلم بالإلزام الجامع بين هذين الاحتمالين لا يمكن امتثاله فإن موافقته القطعية وكذا مخالفته القطعية غير ممكنة لأن حال المكلف يدور بين كونه فاعلا او تاركا ولا يمكن الجمع بينهما لأنه جمع بين النقيضين بان يكون فاعلا وتاركا فمن أجل ذلك لا أثر للعلم بالجامع بين الوجوب والحرمة فلا يكون مانعا عن أصالة البراءة.
وهذا بخلاف المقام فإن الخاص سبب لاحتمال الحرمة والعام سبب لاحتمال الوجوب في مورد الاجتماع ولا يمكن الرجوع إلى أصالة البراءة عن تعين كل منهما باعتبار أن كليهما من أطراف العلم الإجمالي والأصول المؤمنة لا تجري في أطراف العلم الإجمالي سواء كانت عقلية أم كانت شرعية وحينئذ لا مناص من التخيير أي أن المكلف مخير بين أن يعمل بالخاص أو أن يعمل بالعام في مورد الاجتماع.
واما الصورة الثانية وهي أن النسبة بين الروايتين عموما من وجه فلكل منهما مورد افتراق ولهما مورد اجتماع. فأما في مورد افتراق كل منهما فيجب على المكلف العمل به بمقتضى العلم الإجمالي لأن كل من العام والخاص من أطراف العلم الإجمالي وهو منجز ولا مانع من العمل بكل منهما في مورد افتراقه عن الآخر، واما في مورد الاجتماع فلا يمكن العمل بهما للتضاد والتباين بينهما في هذا المورد لفرض أن مدلول احدهما الوجوب ومدلول الاخر الحرمة، ولا دليل على ترجيح أحد الاحتمالين على الاحتمال الآخر لأنه بحاجة إلى الدليل والفرض عدم الدليل على ذلك.
واما تطبيق مرجحات باب المعارضة فهو أيضا لا يمكن لأن مورد هذه المرجحات هو الروايات المتكاذبة مع كون كل منها حجة في نفسها وقد فرضنا في المقام ان الرواية ليس بحجة بل يجب العمل بهما لأنهما من أطراف العلم الإجمالي.
فالنتيجة هي لا بدية التخيير لأن ترجيح أحد على الاحتمالين في مورد الاجتماع على الاحتمال الآخر لا يمكن.