38/03/28
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/03/28
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – الدليل العقلي
أما الصورة الثالثة: وهي ما إذا وقع التعارض بين الروايتين المتباينتين فإن احدهما تدل على وجوب شيء والأخرى على حرمة ذلك الشيء فعندئذ يقع التعارض بين الاحتمالين لا بين الروايتين الحجتين فإن الروايات لا تكون حجة ووجوب العمل بها على اساس العلم الإجمالي لا على أساس حجيتها فيقع التعارض بين الاحتمالين احتمال الوجوب واحتمال الحرمة ولا يتمكن الفقيه من العمل بكلا الاحتمالين معا للتضاد بينهما ولا يمكن تطبيق مرجحات باب التعارض في المقام لاختصاصها بالروايتين المعتبرتين في نفسيهما فإذا وقع التعارض بينهما فيرجع إلى المرجحات واما في المقام فالتعارض ليس بين الروايتين المعتبرتين في نفسيهما وإنما التعارض والتنافي بين الاحتمالين احتمال الوجوب واحتمال الحرمة فإن الرواية التي تدل على الوجوب لا تكون حجة وكذلك الرواية التي تدل على الحرمة كما لا يمكن الرجوع الى مرجحات باب المزاحمة أيضا إذ المزاحمة إنما هي بين التكليفين الثابتين في مرحلة الجعل وإنما يقع التزاحم بينهما في مرحلة الامتثال إذ المكلف غير قادر على امتثال كلا التكليفين معا فعندئذ يرجع الى مرجحات باب التزاحم من تقديم الأهم على المهم واما في المقام فأصل التكليف غير ثابت جعلا لأن الوجوب والحرمة محتملا الثبوت في الشريعة المقدسة ولا نعلم بجعل كلا التكليفين معا فعندئذ إذا كان لأحدهما مرجح بنظر الفقيه الشخصي فيقدم على الاحتمال الآخر وإن لم يكن مرجح بنظره فلا مناص من التخيير فتكون وظيفته الافتاء التخيير.
إلى هنا قد تبين أنه بناء على أن روايات الآحاد لا تكون حجة وأن ادلة الحجية قاصرة عن شمول أخبار الآحاد فعندئذ حيث إنا نعلم إجمالا بصدور مجموعة كبيرة من الروايات عن الأئمة الأطهار في كل باب من أبواب الفقه وهذا العلم الإجمالي منجز ولا بد للفقيه من العمل بكل راوية في أبواب الفقه من جهة هذا العلم الإجمالي فإذا فرضنا أن هذا العلم الإجمالي بين أخبار الثقة وحيث إن أخبار الثقة موجودة في تمام أبواب الفقه فالفقيه في كل مسألة إذا كان فيها خبر ثقة فلا بد من العمل به وإن لم يكن فيها خبر ثقة فوظيفته التخيير او قاعدة البراءة العقلية (قبح العقاب بلا بيان) وليس له ان يرجع إلى الأصول العملية الشرعية كأصالة البراءة الشرعية والاستصحاب وأصالة الطهارة ونحوها ولا إلى الأصول العملية في الشبهات الموضوعية كقاعدة الفراغ والتجاوز ونحوهما لأن مدرك هذه الأصول هو الروايات وليس لها مدرك قطعي والمفروض ان الروايات لم تكن حجة.
فإذاً وظيفة الفقيه في كل مسألة من المسائل الفقهية إن وجدت رواية فيها فوظيفته العمل بهذه الرواية من باب الاحتياط وقاعدة الاشتغال باعتبار أن هذه الرواية من أحد أطراف العلم الإجمالي، وإن لم تكن هناك رواية فالمرجع هو قاعدة البراءة العقلية.
واما إذا دار الأمر بين محذورين أو بين احتمالين متباينين ولا يتمكن الفقيه من الجمع بينهما فوظيفته التخيير.
إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة وهي أن مقتضى الوجه الأول من الأدلة العقلية هو وجوب العمل بالروايات على أساس العلم الإجمالي لا على أساس حجيتها. واما الوجه الثاني والثالث من الأدلة العقلية فحيث إنهما لا يرجعان على معنى محصل وإن أطال شيخنا الأنصاري الكلام فيهما ولكن بلا فائدة فلا يرجعان إلى معنى محصل ومن هنا لا نتعرض لهما.
واما الكلام في المقام الثاني فيقع في دائرة حجية أخبار الثقة مثلا إذا فرضنا أن أخبار الثقة حجة. فيقع الكلام في سعة دائرة حجية أخبار الثقة.
فالكلام يقع في ذلك في عدة جهات:
الجهة الأولى: النظر إلى مدلول أدلة الحجية سعة وضيقا وشروطها العامة.
الجهة الثانية: هل المستفاد من ادلة الحجية حجية أخبار الثقة مطلقا أو المستفاد منها حجية أخبار الثقة المفيدة للوثوق الشخصي؟
الجهة الثالثة: ان إعراض الأصحاب عن اخبار الثقة هل يوجب سقوطها عن الاعتبار اولا؟
اما الكلام في الجهة الأولى فقد تقدم ان عمدة الدليل على حجية أخبار الثقة السيرة القطعية من العقلاء الجارية على العمل بأخبار الثقة وأن هذه السيرة مرتكزة في الأذهان وثابتة في أعماق النفوس وصارت كالجبلة والفطرة ولأجل هذا لا يحتاج العمل بأخبار الثقة إلى أي مقدمة خارجية فإذا علم ان الشخص الفلاني ثقة فانه يقبل قوله ولا يتأمل في قبول قوله لأن قبول قوله وحجيته أمر مرتكز في الأذهان وهذا يعني ان العمل بأخبار الثقة مرتكز في أعماق النفوس.
ومدلول السيرة العقلاء الممضاة شرعا خصوص أخبار الثقة والنكتة في ذلك أن سيرة العقلاء قد جرت على العمل بأخبار الثقة ولم تجر على العمل بغير أخبار الثقة وذلك لأن أخبار الثقة أقرب نوعا إلى إثبات الواقع من أخبار غير الثقة وهذه الأقربية توجب جريان سيرة العقلاء على العمل بأخبار الثقة لأنها اقوى طريقا وأكثر كشفا عن الواقع نوعا من أخبار غير الثقة.
واما السنة التي استدل بها على حجية أخبار الثقة فالمرتكز العرفي منها بمناسبة الحكم والموضوع هو ان مفادها الإرشاد إلى بناء العقلاء والتأكيد عليه وإمضاء هذا البناء وليس مفادها تأسيس الحجية ولهذا في جملة من هذه الروايات يكون السؤال عن وثاقة الراوي فالراوي إذا كان ثقة يقبل قوله ولا يسأل عن حجية قوله بل يسأل عن وثاقته ، فحجية قوله لا تتوقف على أي مقدمة وأي دليل خارجي وهذا يدل على أن حجية خبر الثقة أمر متركز في الأذهان وثابت في اعماق النفوس فإذا علم بوثاقة شخص يقبل قوله بدون المطالبة بأي دليل على ذلك.
فإذاً هذه الروايات أيضا قرينة على أن مفاد هذه الروايات حجية أخبار الثقة وليس مفادها تأسيس الحجية لها بل مفادها التأكيد لما بنى عليه العقلاء وإمضاء له وإرشاد إليه فالروايات ليست دليلا مستقلا في مقابل السيرة على حجية أخبار الآحاد.
واما الآيات ومنها آية النفر وآية الكتمان وقد تقدم الكلام والمناقشة في دلالة كلتا الآيتين على حجية أخبار الآحاد وقلنا أن كلا منهما لا يدل على حجية أخبار الآحاد.
ولكن لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا أن كلتا الآيتين تدل على حجية أخبار الآحاد فهل مفادهما تأسيس الحجية في مقابل السيرة العقلائية أو مفادهما التأكيد وإمضاء بناء العقلاء؟