38/03/21


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات - المكاسب المحرمة.

الوجه السادس:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده) ، ونلفت النظر الى أنه ذكر شرطين لصحة الاجارة اضافةً الى الشروط المعهودة المعروفة بين الفقهاء أحدهما ملكية العمل يعني أنَّ الأجير لابد وأن يكون مالكاً للعمل والثاني إمكان حصول العمل للمستأجر بفعل الأجير ، وكل واحد من هذين الوجهين يمكن على أساسه بناء وجهٍ مستقلٍّ لعدم جواز الاجارة على الواجبات ، وما سنذكره بعنوان الوجه السادس مبني على هذا الشرط الأوّل وهو ملكية العمل ، والوجه الذي سنذكره بعنوان الوجه السابع مبني على الشرط الثاني - يعني إمكان حصول العمل للمستأجر بفعل الأجير -.

تفصيل الوجه السادس:- فهو قال يشترط في صحة الاجارة ملكية العمل بمعنى أنّ الأجير يكون مالكاً للعمل المستأجر عليه فيقدر على فعله لا كمثل الحرام فإنه لا يقدر على فعله ، ويقدر على تركه يعني لا يكون مثل الواجب ، فعلى هذا الأساس لا تصح الاجارة ، والوجه في عدم صحة الاجارة على الواجب لأنَّ شرط صحة الاجارة ملكية الأجير للعمل يعني يتمكن من فعله وتركه والواجب لا يتمكن من تركه فيختل شرط صحة الاجارة فتكون باطلة.

أما أنه من أين لك هذا الشرط بهذا العنوان - وهو ملكية الأجير للعمل - ولو كان يعبر ويقول أن يكون قادراً على الفعل والترك ، أما هو فعبّر بالملكية وهو تعبير خلاب ، فهو قال هذا شرطٌ ، وإذا كان شرطاً فنقول له إنَّ كلامك صحيح أما من أين هو ؟ سوف يأتي ، ونصّ عبارته:- ( أن يكون العمل ........ ملكاً له بأن لا يكون مسلوب الاختيار بإيجاب أو تحريم شرعي عليه لأنه إذا كان واجباً عليه فلا يقدر على تركه وإذا كان محرماً عليه فلا يقدر على فعله )[1] ، والقدرة على الفعل والترك التي عبر عنها بملكية العمل شرط من شرائط صحة الاجارة ، وأخذ يكرر هذا المصلح في كلماته.

وفيه:- إننا نوافقه في لزوم أن يكون العمل جائزاً شرعاً وليس حراماً ، فشرطية عدم الحرمة هذا جيد يعني بتعبير آخر القدرة على الفعل فإنه إذا لم يكن قادراً قدرة شرعية على الفعل - يعني أن الفتل حرام - فالإجارة باطلة ، والدليل على بطلانها لأجل أنَّ وجوب الوفاء لا يمكن أن بثبت هنا وإلا لزم وجوب الوفاء بالحرام وهذا غير محتمل ، كما لو آجره على حلاقة لحيته إذا قلنا إن حلق اللحية حرام فحينئذٍ هذه الإجارة إذا كانت صحيحة وجب الوفاء بها ، أما إذا قلت لا يجب الوفاء بها فمعنى ذلك أنها ليست صحيحة ، أما أنه يجب الوفاء بها فلا يمكن أن تلتزم بها لأن هذا معناه أنه يجب الوفاء بالحرام ، ولذلك الفقهاء يذكرون من شرائط صحة الإجارة أن يكون متعلقها مباحاً ليس بحرام والنكتة هي هذه ولا نحتاج إلى آية أو رواية فإنَّ دليل وجوب الوفاء لا يمكن أن يشمله ، فإذا لا يمكن أن يشمله فمعنى هذا أنها باطلة ، فنحن نوافقه من هذا الجانب يعني أن يكون الفعل مقدوراً بمعنى أن لا يكون محرماً إيجاده أما أنه يلزم أن يكون مقدور الترك يعني لا يكون واجباً فإن الواجب ليس مقدور الترك شرعاً فهذا من أين لك ؟ إنَّ دليل اشتراط القدرة على العمل ما هو ؟ إنه إما الاجماع والقدر المتيقن منه القدرة التكوينية لا القدر على الترك الشرعية ، والقدرة التكوينية موجودة على الترك ، بل نتمكن أن نقول أكثر وهو أن القدر المتيقن من الاجماع القدرة التكوينية على الفعل ، وهذا عنده قدرة تكوينية على الفعل ، فإنَّ الاجماع دليل لبّي والقدر المتيقن منه هو هذا وهو اعتبار القدر التكوينية على الفعل ، أما أنه تكون له قدرة على الترك فمن أين لك هذا ؟!

أو أنَّ الدليل هو ( نهى النبي عن بيع الغرر )[2] ، فأيضاً الغرر يتحقق إذا كانت القدرة مشكوكة ، أما هنا فالقدرة جزمية ، فهو قادر تكويناً على إيجاد العمل فأيّ غرر ؟! وليست القدرة الشرعية في انتفاء الغرر وإنما الموجب لانتفاء الغرر هو القدرة التكوينية أما القدرة الشرعية فلا.

أو الدليل على ذلك نفس العقد ، فنقول إن نفس العقد يقتضي وجوب التسليم ، والتسليم لا يمكن إلا بلحاظ المقدور ، وجوابه واضح وهو أنَّ التسليم فرع القدرة التكوينية لا القدرة الشرعية والقدرة التكوينية على التسليم موجودة.

فإذن إذا نظرنا إلى الدليل فدليل اعتبار القدرة لا يقتضيه ذلك ، بل نتمكن أن نضيف أكثر ونقول لو فرضنا أنَّ شخصاً باع شيئاً أو آجره لكن بشرط فعل الواجب فقال له بعتك هذه داري بشرط أن تصلي صلاتك كلّ يوم ، فهذا شرطٌ صحيح والحال أنه هذا شرطٌ للواجب ، فإذا كانت هناك مشكلة فالمشكلة تكون ثابتة سواء أخذناه شرطاً أو أخذناه متعلقاً فإن القدرة معتبرة في الشرط كما هي معتبرة في متعلّق العقد . إذن لا يلزم أن يمون متعلق الاجارة مقدوراً بالقدرة الشرعية يعني بمعنى جواز الترك شرعاً ، بل يكفي أن يكون مقدوراً بالقدرة التكوينية على الترك وهذا مقدورٌ تكويناً على الترك.

وهذا ضعفٌ فيما بيَّنه الشيخ النائيني(قده).

ثم الفت النظر الى فضية أخرى:- وهي أننا فيما سبق ذكرنا للشيخ جعفر كاشف الغطاء(قده) أربعة وجوه رابعها قال فيه إنه تعتبر في صحة الاجارة القدرة على التسليم ، ونحن فتحنا المطلب وقلنا يعني أن الفعل مقدور والترك مقدور وفي باب الواجب الترك ليس مقدوراً ، وما فرق هذا عن الوجه الذي ذكره الشيخ النائيني هنا ؟ إني أراه نفسه ، وهذا لا يتسجّل كإشكالٍ على الشيخ النائيني(قده) ، فهو لم يقل هناك أربعة وجوه كما فعلنا نحن رابعها ما ذكره الشيخ كاشف الغطاء(قده) ثم هو يأتي ويذكر وجهاً في مقابله ، كلا بل هو ابتداءً جاء ليذكر وجهاً فليكن هذا الوحه هو عين وجه كاشف الغطاء(قده) ولا يؤثر هذا شيئاً ، فهذا لا يسجل كإشكال على الشيخ النائيني(قده) وإنما هو بيان واقع حال وأنه بالتالي ليس وجهاً جديداً في مقابل ما ذكره كاشف الغطاء(قده).

الوجه السابع:- وهو مبني على الشرط الثاني ، فإنه ذكر أنه يشترط في صحة الاجارة إمكان وصول الفعل للمستأجر بفعل الأجير.

ويمكن توضيح كلامه بأنه مثلاً قضاء الصلاة عن الوالد فإنه يجب على الولد الأكبر قضاء الصلاة والصوم تارة نقول المطلوب هو قضاء الصلاة بالمباشرة على الولد ومرة نقول المطلوب هو الأعم من المباشرة أو التسبيب بأن يستأجر شخصاً للقضاء عن والده ، فإذا كان المطلوب هو الأول فلو استأجر الولد شخصاً ليصلّي عن والده ففي مثل هذه الحالة لا ينتسب العمل له فإن المطلوب هو أن يصلي الولد بالمباشرة وبفعل النائب لا تحصل الصلاة للفعل ، يعني لا يقال إن الولد قد حصلت منه الصلاة ، كلا فإنَّ الصلاة لم تحصل منه وإنما حصلت من الأجير أما الولد فبفعل الأجير لم يحصل له العمل فهنا لا تصح الاجارة ، وهذا بخلاف ما إذا كان المطلوب هو الأعم من المباشرة ومن التسبيب فإنه بفعل الأجير ينتسب العمل الى المستأجر ويقال هذا المستأجر قد فعل الصلاة المطلوبة عليه لأنَّ المطلوب هو الأعم من المباشرة والتسبيب ، فإذن هذا شرك من شرائط صحة الاجارة.

ثم لفت النظر وقال:- إنَّ هذا الشرك غير شرط عود المنفعة الى المستأجر فإني لا أربد أن أقول إنَّ من شرائط صحة الاجارة أن يعود نفع إلى المستأجر بسبب فعل الأجير ، كلا فإنَّ ذاك شرط مستقل وإلا كان الفعل والاجارة كانت سفهية ، بل يقول أزيد وهو أن يحصل الفعل للمستأجر بفعل الأجير فعلى هذا الأساس كل فعل مطلوب مباشرة من المستأجر لا تصح الاجارة عليه؛ إذ بفعل الأجير لا يصدق أنه فعله المستأجر بالمباشرة ، وعلى هذا الأساس لا يصح أن أؤجر شخصاً للصلاة على الميت حتى يسقط الوجوب عني فهنا يقول هذه الإجارة باطلة فإنه وإن عاد نفع إلى المستأجر وهو سقوط الوجوب عنه ولكن ذاك الشرط الذي ذكرناه لم يتحقّق فإنَّ المطلوب من كل انسان أن يتصدى هو للصلاة بالمباشرة على الميت وأنت لم تتصد للصلاة على الميت وبفعل الأجير لا يصدق أنك تصديت للصلاة والمطلوب من كل إنسان هو أن يصلي على الميت غايته من صلى قبلاً وأدّى الواجب سقط الوجوب عن الآخرين وإلا فهو متوجه إلى كل مكلّف ومطلوبٌ منه بنحو المباشرة ولكنه يسقط بفعل الآخرين ، فإذن الاجارة للصلاة على الميت تقع فاسدة على رأي الشيخ النائيني(قده) لأنه وإن عاد نفع إلى المستأجر ولكنه لا يحصل العمل لنفس المستأجر فلا يقال إنَّ المستأجر قد صلّى ، وهكذا أيضاً على رأيه لا يصح أن استأجر ولدي لأداء الصلاة عن نفسه هو ، فصحيحٌ أن النفع سوف يعود للوالد وهو أن ابنه سوف يسير على الطريق الصحيح ولكن بالتالي هذه الصلاة هي فعله ولا تنتسب للوالد لأنه هو الذي صلّى وليس أنا ، فإذا صلّى هو فلا يصدق أني صليت فتكون هذه الاجارة باطلة.

إذن يشترط في صحة الإجارة إمكانية حصول الفعل للمستأجر بفعل الأجير ، ونصّ عبارته:- ( الثاني أن يكون العمل ممكن الحصول للمستأجر فلو لم يكن كذلك - كما إذا تعلق تكليف عليه مباشرة - فلا تصح الإجارة عليه وإن انتفع به فإنه مجرد انتفاع المستأجر لا يصحح الإجارة فإن الانتفاع أمر آخر يعتبر في كل معاملة وحاصله أن لا تكون المعاملة سفهية )[3] ، فهو الآن يصرح على أن عود المنفعة شيء آخر ، فهو لا يكتفي في صحة الاجارة بعود المنفعة إلى المستأجر بل يلزم أن يحصل العمل للمستأجر بفعل الأجير.