38/03/27
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
38/03/27
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات - المكاسب المحرمة.
قد بيّنا مطلب الشيخ الأعظم(قده) ونريد أن نكرره ثم نضيف فقرة إليه:- وحاصل ما ذ كره هو أنكم حينما تقولون يتضاعف الاخلاص بالاجارة فهل تقصدون أنَّ وجوب الاخلاص يتضاعف أو يتضاعف نفس الاخلاص ؟
فإن قصدتم أنه يتضاعف وجوب الاخلاص:- فيردّه:-
أوّلاً:- هذا يتم في الاجارة دون الجعالة فإنَّ الاجارة فيها وجوب الوفاء فقد يقال بوجوب الوفاء يتأكد وجوب الاخلاص لأن المتعلّق عبادي فيتأكد اعتبار الاخلاص حيث يجب الوفاء بالاجارة ، ولكن الجعالة ليس فيها وجوب الوفاء وإنما الجاعل يقول من صلّى على الجنازة أعطيه كذا وهذا ليس فيه وجوب وفاء ، نعم من تصدّى وصلّى على الجنازة يستحق الجعل آنذاك أمّا ابتداءً وجوب الوفاء ليس موجوداً ، فالجعالة ليس فيها وجوب وفاء ، فهذا إن تم فهو يتم في الاجارة دون الجعالة.
ثانياً:- إنَّ هذا لا يتم حتى في الاجارة ، لأنه يتم إذا كان الوجوبان عباديين والمفروض أنَّ الوجوب الثاني - أي وجوب الوفاء بالإجارة - هو توصلّي لا يريد إخلاصاً وقربةً فكيف يتأكّد وجوب الاخلاص ؟! إنما هذا يتم في العباديّة.
وقد ذكرت شيئاً آخر في المحاضرة السابقة:- وهو غير مهم والآن نعضّ النظر عنه لأنه مطلبٌ صحيح وقد ذكره الشيخ الأعظم وهو أنَّ كلامنا ليس في وجوب الاخلاص وإنما في نفس الاخلاص ، فهذا لا أريد أن أسلط الأضواء عليه.
إذن مناقشة الشيخ للشقّ الأوّل هي إذا كان المقصود هو وجوب الاخلاص فيرد أوّلاً إنّ هذا يتم في الاجارة دون الجعالة ، وثانياً هو يتم في الوجوبين العباديين وفي المقام الوجوب الثاني توصلّي.
وإذ كان المقصود أنه يتأكد نفس الاخلاص:- فيردّه:-
أوّلاً:- إنَّ هذا خلاف الوجدان ، فإن الأجر إذا لم يدخل في الحساب كان الاخلاص أقوى.
ثانياً:- إنَّ الاجارة يجب الوفاء بها ، فحينئذٍ إذا أردنا أن نمتثل أمر الاجارة فلابد أن نأتي بالعمل بقصد الوفاء بالإجارة ، وقصد الوفاء بالإجارة يتنافى مع قصد القربة ، لأنَّ الصلاة على الجنازة تحتاج إلى قربة ، فهذا المصلّي يأتي بالصلاة مرّة بقصد القربة وبالعينٍ الأخرى يأتي بها وفاءً للإجارة لأنه يجب الوفاء بالإجارة - أوفوا بالعقود - ، فهو يأتي بهذه الصلاة وفاءً للإجارة ، فالمطلوب هو الوفاء ، والوفاء بالإجارة يتنافى ويتغاير مع قصد الاخلاص.
وقبل أن ناقش ما ذ كره الشيخ الأعظم(قده) نذكر مقدّمة نافعة وحاصلها:- إنَّ عقد الاجارة إذا تم بين الطرفين فالجير يستحق الأجرة بمجرّد العقد حتى وإن لم يعمل العمل ، فلو قال لي آجرتك لبناء هذا البيت وأنا قبلت فمادام قد تم العقد فقد ملكت الأجرة ، فنفس عقد الإجارة هو المملّك للأجرة وهذه قضية مسلّمة بين الفقهاء ، فعقد الاجارة هو موجب للتمليك ، نعم لا يستحقّ أن يطالب بالأجرة إلا بعدما يسلّم العمل وإن كان قد استحقّ الأجرة بنفس العقد ولكنه لا يستحق المطالبة إلا بعد أداء العمل ، ولذلك في العبادات الاستيجارية كسنة صلاة ٍعن فلان فهو يملك الأجرة بالعقد ولكن لا يمكنه المطالبة بها إلا بعد أداء الصلاة ، ولكن نحن ندفعها للأجير رأفةً ورحمةً به ولكن شرعاً هو لا يستحقّ المطالبة بالأجرة إلا بعد الفراغ من العمل.
وإذا اتضح هذا فحينئذٍ نقول:- إنَّ هذا الأجير لماذا يصلّي وما الداعي له هل لأجل أن يتملك الأجرة ؟ فالمفروض أنه تملّكها بنفس العقد ، أو ليستحق المطالبة بالأجرة ؟ فجوابه:- إنه يتمكن أن يكذب ويقول أنا قد صلّيت أو يصلّي بلا قربة ثم إذا جاء وادّعى أنه صلّى فسوف نصدّقه ونعطيه الأجرة.
إذن ما الذي دعاه إلى الاتيان بالعمل كاملاً بقصد القربة ؟ فهل هو استحقاق الأجرة ؟ فهو قد استحقه بالعقد ، أو استحقاق المطالبة ؟ فيتمكن أن يكذب ، فإذن هناك شيء واحد يدعوه إلى أن يأتي بالعمل قربة إلى الله تعالى وهو ليس إلا خوف الله عزّ وجلّ ، فبالتالي ليس هناك قصد آخر غير قصد القربة في الحساب ، يعني أنَّ قصد استحقاق الأجرة ليس موجوداً لأنه استحقها بالعقد ، وأيضاً استحقاق المطالبة ليس موجوداً لأنه يستطيع أن يكذب وسوف يُصدَّق ، فعلى هذا الأساس ما الذي دعاه إلى الاتيان بالعمل قربةً ؟ إنّه ليس إلا خوف الله عزّ وجلّ ، فبالتالي لا يوجد في البين إلا قربة زائداً خوف الله تعالى لا أنه يوجد قربة في زاويةٍ وفي زاويةٍ أخرى يوجد قصد الأجرة حتى يقال بالتنافي بين القربة وبين الأجرة ، كلا بل كلّه بنحو القربة.
وبعد بيان هذه المقدّمة نأتي إلى ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) فنقول:-
أما ما افاده في الشق الأوّل:- حيث قال:- هل مقصودكم أنه يتضاعف وجوب الاخلاص ، فيردّه:- أوّلاً إنَّ هذا يتم في الاجارة دون الجعالة لأنه في الجعالة لا يوجد وجوب وفاء.
وفي جوابه نقول:- إنَّ اجتماع الوجوبين ليس هو الذي يحقق الاخلاص ، وإنما وظيفة اجتماع الوجوبين تأكيد اشتراط الاخلاص ، فإذا لم يكن وجوب ثاني للوفاء - لأنَّ المورد من الجعالة فوجوب وفاء ليس موجوداً - فتأكيد لاشتراط الاخلاص ليس موجوداً ، لا أنه حصل شيء منافي للإخلاص ، فإذن هذا لا يضرّ في المقام.
وذكر ثانياً حيث قال:- إنَّ هذا يتم إذا كان الوجوبان عباديين والمفروض في المقام أنَّ وجوب الوفاء بالاجارة هو توصّلي.
وجوابه:- هو وإن كان توصّلياً إلا أنه التالي وجوب الوفاء بالإجارة يدعو الكلّف إلى الاتيان بمتعلّق الاجارة ، ومتعلق الاجارة هو الصلاة بقصد القربة ، فالقربة مطلوبة بسبب أنَّ العمل في نفسه بقطع النظر عن الاجارة هو عبادي ، وبوجوب الوفاء بالإجارة الذي هو توصّلي صار هناك وجوب ثاني للإتيان بقصد القربة حيث وجوب الوفاء بالاجارة يدعو إلى تحقيق متعلق الاجارة والمفروض أنَّ متعلّق الاجارة أخذ فيه قصد القربة ، فقد تأكد اشتراط القربة حيث إنَّ هذا الوجوب التوصّلي يدعو أيضاً إلى تحقيق متعلّقه والمفروض أنَّ المتعلّق يلزم فيه قصد القربة ، فحصل داعيان يدعوان إلى قصد القربة أحدهما أنَّ العمل هو في نفسه عبادي والثاني هو هذا الأمر التوصّلي فإنه يدعو إلى تحقيق متعلّقه . هذا بالنسبة إلى الشقّ الأوّل.
وأما ما أفاده في الشقّ الثاني حيث قال:- وإن كان المقصود أنه يتأكّد نفس الاخلاص ، فيردّه:-
أوّلاً:- إنَّ الوجدان قاضي بأن من لا يفكر في الأجر يكون اخلاصه أقوى.
وجوابه:- إنَّ من كان يصلّي في الغرفة الصلاة الاستيجارية أو على الجنازة وحده قصد الأجر ليس موجوداً في قلبه ، لأنَّ الأجر قد استحقه بالعقد ، ولا يقصد الأجر من باب أنه يتمكّن من المطالبة به فهذا أيضاً ليس موجوداً إذ يمكنه أن يكذب ، فقصد الأجر ليس بموجود في قلبه وإنما الموجود كلّه هو الله تعالى بالبيان الذي أوضحناه في المقدّمة.
وأما ما ذكره ثانياً:- من أن هذا لا يتم لأن الوفاء بالاجارة يكون بقصد الاتيان بالعمل وفاءً بعقد الاجارة وقصد الوفاء بالاجارة يتنافى مع قصد القربة.
ونحن نقول:- اللازم في الاجارة وإن كان هو الوفاء وقصد الوفاء ولكن الطلوب هو الوفاء بالحمل الشائع وليس بالحمل الأوّلي ، يعني أنَّ المطلوب هو واقع الوفاء وليس عنوان الوفاء ، وواقع الوفاء هو الاتيان بمتعلّق الاجارة فإنَّ من أتى بمتعلّق الاجارة فقد وفى ، ولا يلزم أن يقصد عنوان الوفاء ويقول هكذا ( ائتي بهذه الصلاة على الجنازة وفاءً لعقد الاجارة ) ، كلا لا يحتاج إلى هذا ، بل لو صلّى على الجنازة فقد حصل الوفاء ، فعلى هذا الأساس لا يلزم قصد الوفاء بالاجارة حتى تقول إنَّ قصد الوفاء يتنافى مع قصد القربة ، وإنما واقع الوفاء هو المطلوب ، وواقع الوفاء لا يتنافى مع قصد القربة.
إذن ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) قابل للمناقشة كما ذكرنا.
وقد يقول قائل:- إنَّ ما ذكرته من المقدّمة وردّ الشيخ يتم في باب الاجارة ، لأنه في باب الاجارة استحقاق الأجرة ثابت بنفس العقد كما قلت فإشكال الشيخ الأعظم(قده) لا يأتي في باب الاجارة ، ولكن في باب الجعالة لا يستحقّ الشخص الآتي بالعمل الجُعل بمجرّد الجعالة ، فهو يعمل حتى يستحقّ الجُعل ، فصار كلام الشيخ الأعظم(قده) تاماً هنا من أنَّ قصد القربة يتنافى مع قصد استحقاق الجُعل مثلاً.
وجوابه:- إنَّ هذا الشخص الآتي بالعمل يتمكّن أن يقول أنا أتيت بالصلاة على الجنازة واجدةً للشرائط ويُصدَّق آنذاك ويقال له إذا أتيت بها والمفروض أنَّ الجاعل قال من صلّى على هذه الجنازة فله كذا وجاء شخصٌ وقال أنا صليت على الجنازة أوليس يصدق في دعواه ؟ إنه يُصدَّق ، فعلى هذا الأساس هو يأتي بالعمل لا لأجل أنه يُصدَّق أو يستحق الجُعل فإنه لو كذب أيضاً يصدَّق ، فإذن الداعي له لقصد القربة ليس إلا خوف الله عزّ وجلّ ، وبذلك ارتفع المحذور.