38/05/04
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الفقه
38/05/04
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: زكاة الفطرة.
ذكرنا ان زكاة الفطرة كـزكاة المال فهو عبادي ويعتبر فيها قصد القربة ، وقد إستدل على اعتبار قصد القربة فيها بوجوه:-
الوجه الأول: الاجماع والتسالم بين الاصحاب على أن قصد القربة معتبر في زكاة الفطرة كسائر العبادات.
ولكن ذكرنا انه لا يمكن الاعتماد على الاجماع لان الاجماع إنما يكون حجة إذا وصل إلينا من زمن الائمة (عليهم السلام) وإلا فلا قيمة له ، مضافاً إلى أن هذا الاجماع محتمل المدرك فإنه من المحتمل قوياً أن يكون مدرك هذا الاجماع والتسالم هو الوجوه الآتية.
الوجه الثاني: أن اعتبار قصد القربة في زكاة الفطرة أمر مرتكز في اذهان المتشرعة والسيرة العملية ايضاً جارية على اعتبار قصد القربة فيها بين المتشرعة فهذه السيرة جارية على ذلك.
وذكرنا انه لا يمكن الاستدلال بالسيرة طالما لم يحرز وجودها في زمن الائمة (عليهم السلام) فإن الارتكاز إذا كان موجوداً في زمن الائمة ومع ذلك يكون الامام ساكتاً عنه ولم يرد ردع عنه فهو يدل على إمضاء هذا الارتكاز ، وأما إذا كان هذا الارتكاز موجوداً بين المتشرعة ولم يحوز وجوده في زمن الائمة (عليهم السلام) فلا اثر له ولا قيمة له إذ لم يحرز أنه حجة ، وكذلك الحال في سيرة المتشرعة فإنها إن كانت موجودة في زمن الائمة (عليهم السلام) والامام ساكت عنها ولم يصدر ردع عن هذه السيرة فسكوت الامام وعدم صدور الردع كاشف عن الامضاء وكاشف عن القول بالسيرة ، وأما إذا لم تكن موجودة في زمان الائمة فلا طريق لنا إلى احراز إمضاء الشارع لهذه السيرة ومن الواضح أن السيرة بنفسها لا تكون حجة طالما لم يحرز إمضاؤها من الشارع ، فإذن لا يمكن الاستدلال بالسيرة ولا بارتكاز المتشرعة.
الوجه الثالث: اطلاق الصدقة على زكاة المال وزكاة الفطرة ، والظاهر المتفاهم عرفاً من الصدقة هو أنها لله تعالى ولهذا فرق بين الصدقة والهدية فإن الهدية للأغراض الدنيوية للأقرباء او للفقهاء او ما شاكل ذلك ، وأما الصدقة فالمتفاهم العرفي أنها لله تعالى ، فإذن في نفس الصدقة يعتبر فيها قصد القربى هو أنه أعطى ماله للفقير صدقة يعني لله تعالى لا لغرض آخر ، وهكذا زكاة المال وزكاة الفطرة لأنها صدقة يعني ان المالك يدفع زكاته للفقير لله تعالى او يدفع زكاة الفطرة للفقير لله تعالى ، فإذن اطلاق الصدقة دليل على أنه يعتبر في زكاة المال وزكاة الفطرة قصد القربى.
وهذا الذي ذكر غير بعيد.
الوجه الرابع: أن الزكاة جعلها من أحد الخمس التي بني الاسلام عليها ، فقد جعل الزكاة في سياق الصلاة والصيام والحج وقريناً للصلاة فلو لم تكن الزكاة عبادة فلا تكون قريناً للصلاة ولا للحج ، فإذن جعل الزكاة في سياق الصلاة والصوم والحج قرينة على أنها عبادة يعتبر فيها قصد القربة.
وهذا الوجه ايضا غير بعيد.
النتيجة أن الأظهر اعتبار قصد القربة في زكاة الفطرة كما في زكاة المال.
ثم بعد ذلك ذكر الماتن (قدس سره) مسألة 4): يستحب للفقير إخراجها أيضا وإن لم يكن عنده إلا صاع يتصدق به على عياله ثم يتصدق به على الأجنبي بعد أن ينتهي الدور، ويجوز أن يتصدق به على واحد منهم أيضا، وإن كان الأولى والأحوط الأجنبي، وإن كان فيهم صغير أو مجنون يتولى الولي له الأخذ له والإعطاء عنه وإن كان الأولى والأحوط أن يتملك الولي لنفسه ثم يؤدي عنهما)[1] .
ذكر السيد الماتن أنه يستحب للفقير اخراج زكاة الفطرة فإن لم يكن عنده إلا صاعاً يتصدق به على عائلته ثم يتصدق به على الاجنبي بعد انتهاء الدور ، مثلاً الزوج يعطي هذا الصاع بعنوان فطرته لزوجته فالزوجة إدا صارت مالكة للصاع فهي تعطيه لاحد اولادها وهذا الولد يعطيه لولد آخر إلى ان ينتهي الدور وبعد انتهاء الدور إما أن يتصدق به للأجنبي أو يتصدق به على العائلة على نفس الوالد أو الوالدة ، فإذن بعد انتهاء الدور إما ان يتصدق بهذا الصاع على الأجنبي ويجوز أن يتصدق به على والده أو والدته ، فهل هذا الدوران على القاعدة أو أنه خلاف القاعدة؟
الجواب: ذهب السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) الى أنه على القاعدة ، وذهب جماعة أخرى إلى أنه على خلاف القاعدة فإن التصدق بالزكاة على من تجب نفقته عليه غير يجوز ، لا يجوز للزوج أن يتصدق بزكاته ــــ سواء أكانت زكاة المال أم زكاة الفطرة ــــ على زوجته لأن زوجته واجبة النفقة عليه أو يتصدق على ولده لأن ولده واجبة النفقة عليه فلا يجوز اعطاء زكاته المالية أو الفطرية لمن تجب عليه نفقته ، فمن أجل ذلك يكون هذا الدوران خلاف القاعدة ، خلاف الأصل وبحاجة إلى دليل.
ولكن لابد في المقام من التفصيل فإن الشخص إذا كان غنياً فلا يجوز له ان يعطي زكاته إلى من تحب نفقته عليه بل لابد ان يدفع من ماله الشخصي على نفقة من تجب عليه نفقته كالزوجة وأولاده وأحفاده وما شاكل ذلك كالعبد , وأما إذا كان الرجل فقيراً ليس له مال إلا صاع واحد بمقدار الفطرة وزوجته ايضاً فقيرة ليس لها مال وكذلك اولاده فعندئذٍ لا مانع من أن يدفع زكاة فطرته إلى زوجته الفقيرة أو زكاة فطرته إلى اولاده الفقراء فإنه لا مانع من ذلك ويكون على القاعدة لأنه دفع زكاته إلى الفقير , ودفع الزكاة إلى الفقير وإعطائها إلى الفقير يكون على القاعدة ، فإذن لابد من التفصيل في المقام.
ولكن هل هنا رواية تدل على ذلك ؟
الجواب: نعم ورد في الروايات الكثير تدل على أن على الفقير زكاة الفطرة وظاهر هذه الروايات الوجوب ولكن في مقابلها روايات تدل على عدم الوجوب , فإذن مقتضى الجمع العرفي الدلالي بينهما رفع اليد الوجوب وحمله على الاستحباب بقرينة الروايات التي ناصة في عدم الوجوب ، فإذن نحمل الروايات الظاهرة في الوجوب ونرفع اليد عن الوجوب ونحملها على الاستحباب ولأجل ذلك افتى الفقهاء باستحباب اخراج زكاة الفطرة على الفقير.
وأما بالنسبة إلى الدوران فهنا توجد رواية تدل على ذلك وهي موثقة إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل لا يكون عنده شيء من الفطرة إلا ما يؤدي عن نفسه وحدها ، أيعطيه غريبا أو يأكل هو وعياله ؟ قال : يعطي بعض عياله ، ثم يعطي الآخر عن نفسه ، يترددونها فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة)[2] .
فإن هذه الموثقة واضحة الدلالة فإذا لم يكن عنده إلا بمقدار الفطرة كصاع فوظيفته أن يعطي بعنوان الفطرة ، مثلا إذا كان الزوج يعطي هذا الصاع بعنوان الفطرة لزوجته وزوجته بعد كونها مالكة لها تدفع هذا الصاع بعنوان فطرتها لزوجها باعتبار أنه فقير وزوجها بعدما صار مالكاً لها يعطي هذا الصاع بعنوان الفطرة فطرة ولده الصغير لزوجته هذا إذا كان أولده صغار وأما إذا كان ولده كبيراً فيدفع الزوج إلى ولده الكبير البالغ بعنوان الفطرة وهو يدفع بعنوان فطرته لأخيه الكبير أو لأخته البالغة إلى أن ينتهي الدور ثم يعطي للأجنبي بعدها فطرة واحدة لجميع العائلة.
ولكن السيد الاستاذ(قدس الله نفسه) ذكر أن الولد إذا كان كبيراً وبالغاً بلا فرق بين الابن والبنت عندئذٍ يمكن التردد يعطي لزوجته ثم تعطي زوجته بعنوان الفطرة لولدها ثم ولدها يعطي بعنوان الفطرة لأخيه أو أخته وهكذا إلى أن ينتهي الدور ثم يتصدق على الأجنبي أو يتصدق على الأب ، فهل يجوز أن يتصدق على الاب او على الأجنبي بعنوان فطرة الجميع؟ يأتي الكلام فيه.
وأما إذا كان اولاده صغاراً فيشكل ذلك ، كما إذا فرضنا انه كان عنده ولدين صغيرين فالزوج يعطي فطرته لزوجته الفقيرة وزوجته الفقيرة بعدما صارت مالكة لها تدفع بعنوان فطرتها لزوجها باعتبار أن زوجها فقير ثم زوجها يدفع هذه الفطرة التي هي ملك لها إلى زوجته بعنوان فطرة احد ولديه فالزوجة صارت مالكة لهذه الفطرة باعتبار أن هذه الفطرة فطرة ولده الصغير . أما ولده الصغير الآخر فإن أعطت الزوجة ما تملكه من الفطرة لفطرة ولده الصغير الاخر فهو وإلا فلا يجوز أن يجعل ما تملك الزوجة أن يجعله فطرة لولده الاخر الصغير بان يستلم من الزوجة ما يملكها الزوج بعنوان فطرة ولده الاخر الصغير هذا لا يجوز وكذلك لا يجوز أخذها بعنوان الهبة أو بعنوان العارية إذا لم تكن الزوجة راضية بذلك.