38/05/07
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/05/07
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: المفاهيم.
وفيه: إنَّ هذا التحديد تحديد يختص بمفهوم الشرط ونحن نريد تحديداً عاماً بحيث يعم جميع المفاهيم ولا يختص بمفهومٍ دون آخر ، فإذن هذا التحديد لا ينفع في مفهوم الوصف فإنَّ مفهوم الوصف متفرّع على خصوصية معيّنة وهي خصوصية الوصف فنقول ( أكرم العالم ) أو ( أكرم الرجل العالم ) فهو إما لقب أو وصف فإن قلنا ( العالم ) من دون ( رجل ) يصير لقباً وإذا قلنا ( الرجل العالم ) يصير وصفاً فلكون الموضوع هو العالم أو الرجل العالم يعني لكون الموضوع فيه جنبة الوصفية واللقبية هذا نستفيد منه المفهوم.
وهكذا بالنسبة إلى العدد ، فلأجل ربط الحكم بعددٍ معيّن نستفيد من ذلك المفهوم ، فهذا المفهوم متوقف على خصوصية الموضوع وهو كونه وصفاً لا على خصوصية الربط بين الموضوع والمحمول بل على خصوصية الموضوع وأنه وصفٌ وأنه لقبٌ وأنه عددٌ وأنه غايةٌ ، هذا هو الذي يوجب المفهوم لا أصل خصوصية الربط ، فما ذكره يتلاءم مع مفهوم الشرط ولا يتلاءم مع بقيّة المفاهيم.
هذا مضافاً إلى أنه لو قلنا إنَّ مفهوم الموافقة هو من المفاهيم فحينئذٍ سوف لا يدخل في تحديد السيد الشهيد(قده) ، فأنه حينما يقال: ﴿ ولا تقل لهما أف ﴾[1] هنا نفهم من ذلك الأولوية وأنه لا تضربهما مع أنَّ هذا متفرّع على خصوصيةٍ في الموضوع وهو قول ( أفّ ) يعني أنَّ الأف لا تقله ، فهو متفرّع على خصوصية الموضوع لا على خصوصية الربط ، فبناء ًعلى أنَّ مفهوم الموافقة من جملة المفاهيم سوف لا يكون داخلاً فيما ذكره.
إذن هذان تحديدان للمفهوم أحدهما للشيخ النائيني والسيد الخوئي والآخر للسيد الشهيد.
والأجدر أن يقال في تحديد المفهوم: إنه مدلول التزامي لنفس الكلام ولو كان بنحو اللزوم غير البيّن ، فلا نقيّد بأن يكون اللزوم بيّناً بالمعنى الأخص كما قيّد بذلك الشيخ النائيني(قده) ، أو يكفي اللزوم البيّن ولو بالمعنى الأعم كما ذكر السيد الخوئي(قده) ، كلا بل هو مدلول التزامي بأيّ شكلٍ ، ولكن أريد أنَّ نفس الكلام يدل على هذا المدلول الالتزامي فهذا هو المفهوم ، وهذا يعم جميع المفاهيم حتى مفهوم الوصف ومفهوم الشرط فإنه مدلول التزامي يدل عليه نفس الكلام ، فحينما تقول ( أكرم الرجل العالم ) نفهم منه أنَّ غير العالم لا يجب إكرامه ، أو ( إذا جاءك زيد فأكرمه ) نفهم منه ذلك المدلول الالتزامي وهو أنه إذا لم يجئ زيد فلا تكرمه .... وهكذا ، فمطلق المدلول الالتزامي للكلام هو عبارة عن المفهوم.
أما ما هو المستند وكيف ندفع الاشكالات ؟
أما المستند لذلك والمبرّر له: هو أنَّ المفهوم مصطلح أصولي في مقابل المنطوق ، فما تدل عليه ألفاظ الكلام المنطوقة بالمباشرة بحيث تدلّ عليه نفس الألفاظ بالمباشرة يقال له منطوق فإنَّ المعنى المرتكز الأصولي للمنطوق هو هذا ، وما يقابله يعني الذي يدل عليه الكلام لكن لا بالمباشرة يعني أنَّ الألفاظ لا تدل عليه مباشرةً وأوّلاً وبالذات وإنما تدل عليه ثانياً وبالدرجة الثانية وبغير المباشرة هذا هو عبارة عن المفهوم ، فلا نحتاج حينئذٍ إلى تحديدات من أنه إلا أن يكون بالمعنى الأخص أو بالمعنى الأعم أو غير ذلك.
وبناءً على هذا سوف يدخل وجوب مقدّمة الواجب وحرمة الضدّ وما شاكل ذلك ، فكيف ندفع هذا ؟
ويردّه: إنَّ الدال على وجوب المقدّمة ليس نفس دليل وجوب ذي المقدّمة ، وإنما العقل يحكم بذلك ، فهذا مدلول إن صحّ التعبير ليس مدلولاً لفظياً بالمباشرة أو لا بالمباشرة ، كلا إنَّ اللفظ بالمباشرة بل وبغير المباشرة لا يدل على وجوب تهيئة المقدّمات أو حرمة الضدّ بنفسه وإنما العقل يحكم بوجوب المقدّمات ، فهي بالتالي حكم عقلي ، وإن صح التعبير ولو مجازاً هي مدلول عقلي وإن كان هذا ليس تعبيراً صحيحاً فإنَّ المدلول العقلي ليس له معنىً فإنَّ المدلول لا يصير إلا للألفاظ أو الأفعال ولكن هذا يقرّب لنا الفكرة ، وليس مدلولاً للفظ لا بالمباشرة ولا بغير المباشرة ، وهكذا حرمة الضدّ ليس مدلولاً لفظياً وإنما هو حكم عقلي.
فعلى هذا الأساس لا يلزم من ذلك دخول أبحاث الملازمات العقلية في المفهوم لأنها أحكام عقلية وليست مداليل لفظية بالمباشرة ولا بغير بالمباشرة فتخرج عن كونها مفاهيماً أصولية ، فعلى هذا الأساس لا بأس بتحديد المفهوم بما أشرنا إليه.
ولكن قبل أن ننهي هذا الكلام نقول: إنَّ كل ما ذكرناه لا فائدة علمية وعملية فيه ، فإنه لا يترتّب أثر على معرفة أنَّ المفهوم كيف هو ، ولكن من المناسب حينما يدخل الباحث في بحثٍ لابد من تحديده ، فنحن نريد أن ندخل في بحث المفاهيم فلابد وأن نبيّن ما هو المفهوم أما أنه بالدّقة هل كونه هكذا أو هكذا فليس بالشيء المهم لأنه ليس له ثمرة عملية أو علميّة ، لكنه شيء مناسب حينما نريد الدخول في تحديد المفاهيم.
القضية الثانية: أركان ثبوت المفهوم.
ذكر الشيخ الخراساني(قده) في هذا المجال أنه يلزم توّفر ركنين:
الركن الأوّل: العلّية الانحصارية ، يعني أن يكون الشرط علّة منحصرة للحكم وليست هناك علّة ثانية[2] .
الركن الثاني: أن يكون الحكم المعلّق على الشرط هو سنخ الحكم أي طبيعي الحكم لا شخص الحكم[3] .
أما بالنسبة إلى الركن الأوّل: فقد ذكر أنه:
أوّلاً: يلزم ثبوت ملازمة بين الشرط والجزاء لا أن تكون القضية اتفاقية ، فربما يكون هناك اتفاقاً إذا حصل هذا يحصل ذاك ، مثل ما نقول ( إذا أصبح الجو غائماً دفأ الجو ) ، أو ( إذا مطرت السماء فسوف أحصل على رزق ) ومن هذا القبيل ، فهذه قضية اتفاقية لا أنه توجد ملازمة بين الشرط والجزاء ، فإذن لابدّ وأن تكون هناك ملازمة بين الشرط والجزاء.
ثانياً: إذا فرض أن الحكم ليس مترتباً على الشرط فهنا أيضا ًلا يثبت المفهوم ، أما أنه لماذا ليس مترتباً ؟ إما لأنهما معاً – أي الشرط والجزاء معلولان لعلة واحدة مثل إذا جاءك فأكرمه فالمجيء والاكرام كلاهما معلول لعلّة ثالثة فهنا لا يثبت المفهوم ، أو يفترض أنه توجد بينهما علية ولكن بالعكس يعني الجزاء علة والشرط معلول من قبيل إذا طلعت الشمس فالهار موجود فطلوع الشمس علة ومرّة نعكس فنقول إذا كان النهار موجوداً فالشمس طالعة فصير الترتيب بالعكس فصاحب الكفاية قال لا يثبت المفهوم إذا لم يكن الحكم مترتباً على الشرط ، وكيف لا يكون الحكم مترتباً على الشرط ؟ هو إما ان يكونا معلولين لعلة ثالثة أو أن أحدهما علة والآخر معلول ولكن بالعكس يعني أن يكون الشرط معلولاً والجزاء هو العلة فهنا ايضاً لا يثبت المفهوم[4] .
ثالثاً: أن يكون من باب ترتّب المعلول على علّته التامة لا على جزء علّته ، فلو كان جزء العلّة فهذا لا يكفي بل لابد وأن يكون على العلّة التامة ، فالمجيء لابد أن يكون علّة تامة لوجوب الاكرام لا أنه جزء العلّة والجزء الثاني هو أنه ( إذا كنت مرتاحاً ) أو غير ذلك.
رابعاً: أن يكون ذلك من باب ترتّب الجزاء على علّته التامة المنحصرة بحيث لا توجد علّة ثانية ، إذ لو كانت هناك علّة ثانية غير المجيء هي الموجبة للإكرام كأن يكون فقيراً فالفقر أيضاً علّة لوجوب إكرامه فإذا انتفى المجيء لا ينتفي وجوب الاكرام إذا كانت هناك علّة ثانية.
إذن الركن الأوّل هو أن يكون هناك ترتّب بنحو الترتّب على العلّة المنحصرة ، وهذا ينحل كما قال إلى أمورٍ أربعة بالشكل الذي أوضحنا.