38/06/29
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/06/29
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- دوران الأمر بين التخصيص والتخصّص.
قلت:- لو كانت الكاشفية عن المدلول الالتزام في مقامنا هي بنفس الدرجة - يعني بدرجة سبعين في المائة - يعني ( اكرم كل نجفي ) له كاشفية عن أنَّ من لا يجب اكرامه هو خارج بالتخصّص وأنه ليس بنجفي ، فإذا كانت له هذه الكاشفية بهذه الدرجة فنحن نسلّم بأنه يلزم أن يكون الكلام والظهور حجة بلحاظ المدلول الالتزامي العقلي ، ولكنا لا نسلم بأنَّ درجة الكاشفية في مقامنا هي بدرجة سبعين في المائة ، لأنه لو كانت الكاشفية في المقام عن المدلول الالتزامي - الذي هو أنَّ خروج من خرج هو بالتخصص وليس بالتخصيص - بدرجة سبعين في المائة فأنا نسلّم أنه من المناسب أن يكون الظهور حجّة بلحاظ المدلول الالتزامي ولكنّنا نرفض كون الكاشفية بلحاظ المدلول الالتزامي هي بدرجة سبعين في الماءة ، إذ لو كانت الكاشفية بدرجة سبعين في المائة يلزم أن يكون خطاب ( اكرم كل نجفي ) له كاشفية عن ثلاثة أشياء بدرجةٍ واحدةٍ الكاشفية الأولى هو أنه كاشف عن المدلول المطابقي وهو أنَّ جميع الأفراد من النجفيين يجب اكرامهم ولكن هذه الكاشفية لا تهمنا ، والكاشفية الثانية هي أنه لم يشذّ منه فرد من أفراد النجفيين وهذه الكاشفية ليست مهمة لنا أيضاً ، وكذلك يلزم أن تكون هناك كاشفية ثالثة لهذا الكلام وهي أنَّ من خرج عن هذا الحكم إذن هو ليس بنجفي ، يعني هناك كاشفيات ثلاث وليس كاشفيتان والحال نحن نفهم بالوجدان الكاشفية الأولى والثانية فقط دون الثالثة ، يعني نفهم من ( أكرم كل نجفي ) مطلبين الأوّل أنَّ هذا الحكم شامل لكل نجفي والثاني أنه لم يخرج منه فرد من الأفراد بالتخصيص ، أما أنه لو خرج فرد فخروجه يكون بالتخصّص وليس بالتخصيص فهذا لا نفهمه من الكلام وإنما هو لازم عقلي ، فإذا لم نفهمه فهذا معناه أنَّ كاشفيته ليست بدرجة سبعين في المائة ، فإذا لم تكن بدرجة سبعين في المائة فلا يلزم من حجية الكلام بلحاظ الكاشفيتين الأوليين حجيته بلحاظ المدلول الالتزامي العقلي لأنَّ درجة كاشفيته أقل.
وبهذا اتضح أنَّ اجراء أصالة عدم التخصيص لإثبات التخصّص ليست بحجة ، والمدرك في ذلك هو القصور في المقتضي ، وما ذكره السيد الشهيد(قده) من توجيه لإثبات الحجية قد عرفت مناقشته بما ذكرنا.
نعم نقبل أصالة عدم التحصيص لإثبات التخصّص في موردٍ واحد:- وهو ما إذا فرض أنَّ المتكلم قال ( أكرم كل نجفي ) ثم قال بعد فترة ( لا تكرم زيداً ) وكان زيد له فردان ، فعندنا زيد نجفي وعندنا زيد من بلاد ما وراء النهر ، ففي مثل هذ الحالة ماذا نصنع ؟ إنه من القريب أن يقال إنَّ أصالة عدم التخصيص في ( أكرم كل نجفي ) تثبت أنَّ زيداً الخارج هو بالتخصّص يعني زيد ما وراء النهر فإنَّ هذا ليس ببعيد ، يعني أنَّ هذا أوّلاً نشعر به بالوجدان فهذه قضية وجدانية عقلائية ولكن نريد أن نبرّر هذا الوجدان ، ونكتته: هي أنه هناك ظهور في عموم ( اكرم كل نجفي ) وهذا الفرد - أعني زيد النجفي -لا نعلم بخروجه من حكم العام فلا نستطيع أن نجزم بخروجه من العام بل يحتمل أنه باقٍ تحت العام ولم يطرأ تخصيص ، فإذا كان خارجاً من العام فهذا معناه أنه يوجد تخصيص وإذا لم يكن خارجاً من العام فهذا معناه أنه لا يوجد تخصيص ، فنحن نشك في أصل خروجه من حكم العام وعدم خروجه ومقتضى الظهور هو أنَّ العام شامل لجميع أفراده ولم يخرج منه فرد بالتخصيص وعلى هذا فسوف نكرمه ، وهذا بخلافه فيما إذا كان زيد واحداً ولكن شككنا في أنَّ سبب خروجه من العام هو التخصيص أو التخصّص فإنه جزماً خارج من حكم العام فيمكن أن يقال إنه بعد الجزم بخروجه عن حكم العام لا يوجد ما يكشف عن كون خروجه بالتخصّص أو بالتخصيص.
إذن الفارق بين الموردين موجود ، ولا تقل إنه لا فرق بينهما ، ففي هذا المورد لا بأس بالتمسّك بأصالة عدم التخصيص لإثبات التخصّص.
إن قلت:- إنَّ هذا من التمسّك بالعام في الشبهة المفهومية ، لأنَّ المفهوم مردّد بين فردين.
قلت:- إنه في هكذا مورد لا بأس بالتمسّك بعموم العام ، لأنَّ زيد ما وراء النهر قد خرج جزماً بالتخصّص وزيدٌ النجفي نشك في أصل التخصيص بلحاظه فنتمسّك بالعموم.
خفاء التطبيق:-
إنَّ مبحث التمسّك بأصالة عدم التخصيص لإثبات التخصّص مبحثٌ ينتابه الخفاء في مقام التطبيق ادةً ، والفقيه أحياناً من حيث لا يدري يتمسّك بأصالة عدم التخصيص لإثبات التخصّص ، فيحتاج الفقيه أن يلتفت إلى هذه القضية ، فعليه أن يوجّه نظره ويقوّيه في هذا المجال ، مثلاً عند الشك في أصل التخصيص يتمسّك بعموم العام وهذا واضح لا خفاء فيه ، أما قضية الدوران بين التخصيص والتخصّص فينتابه الخفاء ، ونمثّل لذلك بمسألة ماء الغسالة ، ففي الفقه يوجد كلام بأنَّ ماء الغسالة طاهر أو نجس ؟ بنى السيد الخوئي(قده) على أنَّ الغسالة نجسة في مورد التعدّد وأما إذا كانت الغسالة في حالة عدم التعدّد كما في غير نجاسة البول أو كان يعتبر التعدّد لكن الغسلة التي يتعقبها طهارة المحلّ فهذه الغسلة طاهرة ، ومن الواضح أنه متى يطهر المحل بعدها ؟ إما أن تقول إنَّ الواجب هو غسلة واحدة كما في غير نجاسة البول ، أو غسلتان فتصير الثانية التي يتعقبها طهارة المحل طاهرة.
وما هو الدليل على ذلك ؟
ذكر(قده) دليلاً لكنه ليس روائياً كما أنه ليس دليلاً دقياً فلسفياًً حيث قال:- إنه إذا كانت نجسة فسوف يلزم من ذلك عدّة محاذير ، منها: أنه يلزم يكون الماء النجس مطهّراً وكيف يكون النجس مطهّراً ؟!! إنَّ فاقد الشيء لا يعطيه فإنَّ فاقد الطهارة لا يستطيع أن يعطي الطهارة للغير ، ومنها: إنه يلزم من ذلك انتشار النجاسة أكثر ، لأنه إذا كان ماء هذه الغسلة الثانية نجساً فهذا الماء سوف يتوسّع في الثوب فإذا كان نصف الثوب نجساً فسوف يسري ماء الغسالة إلى النصف الثاني فإذا تنجّس مقدار من النصف الثاني يلزم أن تغسل هذه المساحة ومن ثم سوف يسري إلى كل الثوب وسوف يصير كل الثوب نجساً ولا يطهر إلا أن تغسله بماءٍ معتصمٍ ولا يمكن تطهيره بالماء القليل.