38/06/15
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول
38/06/15
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الأصول العمليّة / الأصول العملية/ الاستصحاب
ذكرنا الوجوه الثلاثة المتقدمة التي ذُكرت في كلماتهم لحل الإشكال، الوجه الثاني ذكره الشيخ(قدّس سرّه) وهو الذي يقول بأنّ التعليل هو كبرى الإجزاء، إجزاء الأمر الظاهري عن الحكم الواقعي. في الكفاية لعلّه لم يرتضِ هذا الجواب، فعدل عنه إلى جوابٍ آخر وهو الوجه الأول الذي ذكرناه وهو أنّ التعليل مبني على كبرى أنّ الشرط ليس هو الطهارة الواقعية فقط؛ بل الشرط هو الجامع بين الطهارة الواقعية وبين الطهارة الظاهرية، وكلٍ منهما يحقق ما هو الشرط واقعاً، فتصح الصلاة واقعاً ولا معنى لانكشاف الخلاف . يبدو أنّ المحقق النائيني(قدّس سرّه) يريد أن يستشكل في كلام صاحب الكفاية(قدّس سرّه) بأنه لا وجه لهذا التفريق بين ما ذكره الشيخ(قدّس سرّه) وبين ما ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه)، وذلك باعتبار أنّ التعليل يصح على كلا التقديرين؛ فلماذا هذا العدول ؟ كما أنّ تعليل كبرى الاستصحاب في رواية زرارة يصح بناءً على افتراص كبرى تعميم الشرط للطهارة الظاهرية وكون التعليل مبني على كبرى الإجزاء، كلٌ منهما يصحح التعليل؛ فلماذا هذا العدول ؟ والوجه في ما ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) كأنه يريد أن يقول: أنّ محصل كلا الوجهين شيء واحد، وحاصله هو: أنّ الإمام(عليه السلام) في مقام تعليل عدم الإعادة علّل ذلك بالاستصحاب، (قال: لمَ ذلك ؟ قال: لأنك كنت على يقين، ولا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك). يقول المحقق النائيني(قدّس سرّه) : هذا التعليل بالاستصحاب كما يصح فرض كبرى أنّ الطهارة التي هي شرط في الصلاة أعم من الطهارة الظاهرية والطهارة الواقعية بفرض كبرى محذوفة بأن يقال: أنّ مقصود الإمام(عليه السلام) بـــ (لا تعيد الصلاة) ؛ لأنّك أحرزت الشرط الواقعي؛ لأنّ الشرط الواقعي أعمّ من الطهارة الظاهرية ومن الطهارة الواقعية؛ لأنّك كنت على يقين من وضوئك ولا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك، وهذا يحرز الطهارة الظاهرية، والطهارة الظاهرية كالطهارة الواقعية تحقق ما هو الشرط واقعاً، فإذا التعليل بالاستصحاب كما يصح بفرض كبرى محذوفة هي الكبرى التي ذكرها صاحب الكفاية(قدّس سرّه) وهي أنّ الشرط أعم من الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية، المحقق النائيني(قدّس سرّه) يقول كذلك يصح التعليل بالاستصحاب بضمّ كبرى محذوفة هي عبارة عن كبرى الإجزاء وأنّ امتثال المأمور به الظاهري يجزي عن الواقع، فهو بالنتيجة امتثل الحكم الظاهري الاستصحابي؛ لأنّ الاستصحاب يثبت حكماً ظاهرياً، فإذا أجرى الاستصحاب، فحينئذٍ هذا يكون مجزياً عن الواقع؛ ولذا لا تجب الإعادة، كأنه يريد أن يقول له: لا تجب عليك الإعادة؛ لأنك كان لديك الاستصحاب والاستصحاب حكم ظاهري والحكم الظاهري يجزي عن الحكم الواقعي، الصلاة مع الطهارة المستصحبة تجزي عن الصلاة مع الطهارة الواقعية؛ ولذا لا تجب عليك الإعادة. يقول: إذا صار البناء على تقدير كبرى محذوفة، فلا فرق بين الوجهين، في كلٍ منهما يمكن تقدير كبرى، في كلٍ منهما يمكن تقدير كبرى وهي تنفع في تصحيح التعليل بالاستصحاب، فإمّا أن نقبل تقدير كبرى محذوفة، وإمّا أن لا نقبل ذلك، إذا قبلنا ذلك فلا فرق بين الوجهين ولا وجه للعدول عن أحدهما إلى الآخر.
وأمّا إذا لم نقبل وجود كبرى محذوفة؛ فحينئذٍ كلا الوجهين لا يصححان تعليل عدم الإعادة بالاستصحاب، فالتفصيل والتفريق بينهما لا وجه له. هذا إشكال المحقق النائيني(قدّس سرّه) على صاحب الكفاية(قدّس سرّه). هو يقول بأنّ الصحيح أنّ افتراض كبرى محذوفة أمر مستساغ ومقبول؛ بل متعارف وأمثلته كثيرة، ويُمثّل بهذا المثال: إذا قال: (لا تشرب الخمر لأنه مسكر) هنا لابدّ من فرض كبرى كلّية محذوفة من قبيل(وكل مسكر حرام). فقوله: (لا تشرب الخمر لأنه مسكر) لا ينفع شيئاً من دون افتراض هذه الكبرى الكلّية (وكل مسكر حرام)، وهذه عبارة صحيحة والتعليل صحيح، لكنّه مبني على افتراض كبرى كلّية محذوفة، تقديرها(كل مسكر حرام)، فيصح التعليل بلحاظ هذه الكبرى المحذوفة. في ما نحن فيه يُستساغ حذف الكبرى ويكون أمراً مقبولاً، وإذا كان افتراض كبرى محذوفة أمراً مقبولاً فلا فرق بين الوجهين. الإشكال والتعليل يصح سواء افترضنا أنّ هذه الكبرى المحذوفة هي الإجزاء، أو افترضنا أنّ الكبرى المحذوفة هي الكبرى التي يقولها صاحب الكفاية(قدّس سرّه) وهي تعميم الطهارة الواقعية كشرط إلى الطهارة الظاهرية والطهارة الواقعية. هذا ما يقوله المحقق النائيني(قدّس سرّه).[1]
في تقريرات السيد الخوئي(قدّس سرّه)[2] ورد الإشكال على ما ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) وحاصل ما ذكره هو: لا فرق بين الوجهين، أنّ الوجه الأول والوجه الثاني يرجعان بحسب الحقيقة إلى وجهٍ واحدٍ وجوابٍ واحدٍ، وإنما الاختلاف في التعبير ليس إلاّ، عندما نلتزم بالإجزاء وأنّ الأمر الظاهري يجزي عن الأمر الواقعي، وأنّ الأمر الظاهري فيه دلالة على الإجزاء، ومعنى الإجزاء هو أنّ الأمر الظاهري يجزي عن الأمر الواقعي، يقول: أنّ معنى الإجزاء هو أنّ الشرط في محل الكلام هو أعم من الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية والاختلاف بين الإجزاء وبين كون الشرط هو الأعم هو بمجرد التعبير، يقول: إنّ الإجزاء إنّما يكون ثابتاً عندما نفترض الشك وبقائه؛ عندئذٍ يكون هناك إجزاء، وأمّا بعد زوال الشك وتبين الخلاف؛ حينئذٍ لا معنى للإجزاء؛ الإجزاء إنّما يكون عندما يكون هناك ظاهري، ومن الواضح أنّ الحكم الظاهري مقيّد بالشك، فما دام يوجد شك يوجد حكم ظاهري ويوجد إجزاء، أمّا إذا ارتفع الشك؛ فحينئذٍ لا يوجد إجزاء؛ وذلك لارتفاع الشك الذي هو موضوع الحكم الظاهري، وارتفاعه يعني ارتفاع الحكم الظاهري، فإذن: لا يكون هناك حكم ظاهري بعد ارتفاع الشك حتى يقال أنه يجزي أو لا يجزي، إنّما يقال أنّ الحكم الظاهري يجزي عن الحكم الواقعي عندما يفترض وجود الشك وبقائه، أمّا بعد العلم وتبيّن الخلاف لا معنى للإجزاء لعدم وجود الحكم الظاهري مع ارتفاع الشك؛ لأنّ الحكم الظاهري متقوّم بالشك؛ حينئذٍ إذا قلنا بالإجزاء، معنى الإجزاء في هذه الحالة هو أنّ الشرط أعم من الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية؛ لأنه لو فرضنا أنّنا لم نلتزم بأنّ الشرط هو الأعم؛ بل قلنا بأنّ الشرط هو عبارة عن الطهارة الواقعية؛ حينئذٍ لا يُعقل الإجزاء؛ لأنه لا وجه للإجزاء إذا قلنا أنّ الشرط هو الطهارة الواقعية، ويمثّل بهذا المثال: إذا صلّى إلى جهةٍ قامت البيّنة على أنها هي القبلة، ثمّ انكشف بعد الصلاة أنها ليست القبلة وأنّ القبلة هي جهة أخرى لم يصل إليها، الإجزاء هنا معناه أنّ الصلاة إلى غير القبلة تجزي عن الصلاة الواقعية، أي الصلاة إلى جهة القبلة، وهذا لا يكون معقولاً إلاّ إذا قلنا بأنّ القبلة أعم من الجهة الواقعية ومن الجهة التي تعيّنها البينة والتي تسمى(القبلة الظاهرية)، ومن دون أن نقول بأنّ القبلة هي الأعم؛ فحينئذٍ لا معنى للإجزاء؛ لأنّ القبلة التي تجب الصلاة إليها ــــــــ بحسب الفرض ــــــــ هي الجهة الواقعية، وهذا لم يصلِ إلى القبلة الواقعية، وإنّما ــــــــ بحسب الفرض ــــــــ صلّى إلى غير القبلة، وكون هذه القبلة تجزي عن تلك لا يمكن فرضه وتصحيحه إلاّ إذا عممّنا الشرط إلى ما هو أعم من الواقع ومن الظاهر، إلاّ إذا قلنا أنّ القبلة التي تكون الصلاة إليها مجزية وكافية شرط هي الأعم من القبلة الواقعية والقبلة التي تثبت بالبيّنة، إذا قلنا أنّ القبلة تكون هي الأعم؛ حينئذٍ الإجزاء يكون معقول، من دون افتراض هذا التعميم لا يكون هذا الإجزاء معقولاً؛ ولذا كلما ذكرنا الإجزاء والتزمنا به بعد تبين الخلاف ــــــــ كما هو المفروض في محل الكلام ـــــــ نقول له: أنّ صلاتك مجزية. هو صلّاها إلى غير القبلة، وتبيّن الخلاف وتبيّن أنه صلى إلى غير القبلة، هذا الإجزاء لا وجه له إلاّ التعميم. في ما نحن فيه أيضاً كذلك، هو صلّى في ثوب مستصحب الطهارة، ثمّ بعد ذلك تبيّن الخلاف، وحصل له يقين بعد الصلاة بأنّ هذه النجاسة هي نفس ما فحص عنه سابقاً، يعني حصل له يقين بأنّ صلاته كانت مع الثوب النجس، فتبيّن الخلاف، هنا إذا قلنا بالإجزاء لابدّ من تعميم الشرط في الصلاة إلى الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية حتى يُعقل الإجزاء، وإلاّ إذا كانوا مصرين على أنّ الشرط في صحّة الصلاة هو الطهارة الواقعية، كيف نقول أنّ ما صلّاه يكون مجزياً ؟ لأنه صلّى إلى غير القبلة الواقعية، فكيف يكون مجزياً ؟ إنما يكون مجزياً إذا عممّنا والتزمنا بأنّ الشرط هو الأعم من الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية. ومن هنا يقول لا فرق بين الوجهين، هما يرجعان إلى شيء واحد، وإنما الاختلاف فقط في العبارة، مرّة نعبر عن المطلب الواحد بمسألة الإجزاء ومرة نعبر عن نفس هذا المطلب بأنّ الشرط هو الأعم من الطهارة الواقعية الطهارة الظاهرية، وإلاّ هما شيء واحد وأحدهما يلازم الآخر، الإجزاء لا يُصور له معنى معقول إلاّ بهذا التعميم. فالشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) عندما يفترض كبرى الإجزاء فكأنه افترض أيضاً تعميم الشرط إلى الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية، يقول: من هنا يتبين أنّه لا كلام المحقق النائيني(قدّس سرّه) صحيح، الذي يقول أنّ التعليل يصح على كلا الوجهين، إذا قبلنا بوجود كبرى محذوفة، وإن لم نقبل بوجود كبرى محذوفة، فلا يصح التعليل على كلا الوجهين، وظاهر هذا الكلام أنه يعترف بوجود وجهين مستقلين، لكن يقول كل منهما يصحح التعليل ويدفع الإشكال. السيد الخوئي(قدّس سرّه) يقول له: هذا غير صحيح؛ لأنك عرفت أنهما يرجعان إلى وجهٍ واحد، ولا يوجد لدينا إلاّ وجه واحد، فلا كلام المحقق النائيني(قدّس سرّه) يكون صحيحاً، ولا عدول صاحب الكفاية(قدّس سرّه) عمّا ذكره الشيخ(قدّس سرّه) وبيان وجهٍ آخر أيضاً يكون صحيحاً، فلا وجه لهذا العدول؛ لأنّ ما ذكره الشيخ(قدّس سرّه) هو في الحقيقة يستبطن ما ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه)، فالإشكال على الشيخ(قدّس سرّه) أيضاً لا وجه له. صاحب الكفاية(قدّس سرّه) لم يأتِ بشيءٍ جديد، وما ذكره مستبطن في كلام الشيخ(قدّس سرّه). هذا ما يُفهم من كلمات السيد الخوئي(قدّس سرّه) في تقرير بحثه.
السيد الشهيد(قدّس سرّه) حاول الإشكال على السيد الخوئي(قدّس سرّه) في كلامه هذا، وبالتالي الدفاع عن هؤلاء الذين أشكل عليهم السيد الخوئي(قدّس سرّه) وحاصل جوابه[3] : الوجهان لا يرجعان إلى وجه واحد بحيث لا فارق بينهما؛ بل الصحيح أنّ هناك فرقاً واضحاً كبيراً بين الوجهين على نحوٍ لا يسمح لنا بإرجاع الثاني إلى الأول، أو الأول إلى الثاني، ومحصل الفرق الذي يذكره هو أنه يقول: أنّ الوجه الذي ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه) مرجعه إلى توسعة دائرة الواجب، يعني عندما يقال أنّ الشرط في صحة الصلاة هو الأعم من الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية، هذا في الواقع يرجع إلى أنّ الصلاة الواجبة على المكلف هي الأعم من الصلاة مع الطهارة الواقعية، والصلاة مع الطهارة الظاهرية، كل منهما يحقق الواجب، وكل منهما يكون امتثالاً للأمر، باعتبار توسعة ما هو الشرط في صحة الطهارة إلى الطهارة الظاهرية والطهارة الواقعية. إذن: ما ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه) يرجع إلى توسعةٍ في دائرة الواجب. أمّا الوجه الذي ذكره الشيخ(قدّس سرّه) وهو مسألة الإجزاء، يقول: هذا لا يرجع إلى ذلك؛ وذلك لأنّ الوجه الأول يرجع إلى توسعة دائرة الواجب، وهو لابدّ أن يكون على اساس أنّ ما وسّعنا له دائرة الواجب يفي بتمام الملاك والمصلحة الموجودة في الصلاة مع الطهارة الواقعية، يعني على أيّ أساس نقول أنّ الواجب هو الأعم من الصلاة مع الطهارة الواقعية ومن الصلاة مع الطهارة الظاهرية، لابدّ من افتراض أنّ الصلاة مع الطهارة الظاهرية هي كالصلاة مع الطهارة الواقعية تكون وافية بتمام الغرض وبتمام المصلحة الواقعية؛ ولذا اتّسعت دائرة الواجب لتصبح شاملة للصلاة مع الطهارة الظاهرية . هذا الوجه الذي ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه).
الوجه الذي ذكره الشيخ(قدّس سرّه) الإجزاء ليس هكذا، يقول: مرجع الإجزاء ليس إلى توسعة في دائرة الواجب، وإنّما إلى تضييق في دائرة الوجوب، بمعنى أنّ وجوب الصلاة مع الطهارة الواقعية يكون مقيداً بعدم الإتيان بالصلاة مع الطهارة الظاهرية الطهارة الظاهرية، وجوب الصلاة مع الطهارة الواقعية ليس على إطلاقه؛ بل هو مُقيداً بعدم الصلاة مع الطهارة الظاهرية، باعتبار أنّ الإتبان بالصلاة مع الطهارة الظاهرية يكون مفوتاً للملاك الواقعي وموجباً لعدم تمكن المكلف من استيفائه، المكلف إذا صلّى مع الطهارة الظاهرية لا يتمكن من استيفاء مصلحة الصلاة مع الطهارة الواقعية، مع افتراض أنّ هناك مصلحة قائمة في الصلاة مع الطهارة الواقعية وأنّ الصلاة مع الطهارة الظاهرية ليس فيها تلك المصلحة، وإنّما هي توجب فوات المصلحة الموجودة في الصلاة مع الطهارة الواقعية، توجب عدم تمكّن المكلّف من استيفاء تلك المصلحة، وهذا حتماً يوجب تقييد الصلاة مع الطهارة الواقعية، بمعنى أنّ الشارع لا يوجب الصلاة مع الطهارة الواقعية مطلقاً، وإنّما يوجبها على المكلف إذا لم يأتِ بالصلاة مع الطهارة الظاهرية، الإجزاء مبني على هذه النكتة، وليس الإجزاء مبني على وفاء الصلاة مع الطهارة الظاهرية بتمام مراتب الملاك الموجود في الصلاة مع الطهارة الواقعية، وإلاّ هذا يرجع إلى توسعة دائرة الواجب، كلا نحن ليس لدينا توسعة دائرة الواجب؛ بل يبقى الواجب هو الصلاة مع الطهارة الواقعية فقط، وإنّما يكون الإتيان بالصلاة مع الطهارة الظاهرية مجزياً؛ لأنّ المكلّف لا يتمكن من استيفاء مصلحة الواقع إذا جاء بالصلاة مع الطهارة الظاهرية؛ ولذا يُكتفى منه بهذا المقدار، فالإجزاء ليس مبنياً على التوسعة في دائرة الواجب حتى يقال أنه يرجع إلى توسعة الشرطية إلى الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية، وإنّما هو في الحقيقة يرجع إلى تضييق دائرة الوجوب، بمعنى أنّ وجوب الصلاة مع الطهارة الواقعية لا يبقى على إطلاقه؛ بل يكون مقيداً بعدم الصلاة مع الطهارة الظاهرية ليس باعتبار أنها تحصّل نفس الملاك القائم بالصلاة مع الطهارة الواقعية، فتكون مجزية وكافية، وإنّما بملاك أنّ الصلاة مع الطهارة الظاهرية توجب فوات المصلحة وعدم التمكن من استيفائها، فيكون مجزياً على هذا الأساس، وهذا فرقٌ كبيرٌ بين المقامين ولا معنى لإرجاع أحدهما إلى الآخر، هناك فرقٌ بين التوسعة في دائرة الواجب وبين أن يبقى الواجب على حاله وهو الصلاة مع الطهارة الواقعية وليس فيه توسعة، لكن وجوبه يكون مقيداً بعدم الصلاة مع الطهارة الظاهرية. هذا ما يُفهم من كلمات السيد الشهيد(قدّس سرّه) في تقريرات بحثه.
الذي يمكن أن يقال في المقام هو: أنّ محل الكلام يمكن تصوّره بأنحاء:
النحو الأول: أنّ الصلاة مع الطهارة الظاهرية تشتمل على تمام مراتب المصلحة الموجودة في الصلاة مع الطهارة الواقعية، وهذا واضح جداً أنه يرجع إلى التوسعة في دائرة الواجب، هذا الواجب يحقق الملاك، وهذا الواجب أيضاً يحقق الملاك، فكل منهما يحقق نفس الملاك، فالتوسعة في دائرة الواجب معناه أنه لا يجوز حينئذٍ أن يقتصر فقط على الصلاة مع الطهارة الواقعية؛ بل لابدّ أن يكون الواجب هو الجامع بين الصلاتين .
النحو الثاني: أنّ الصلاة مع الطهارة الظاهرية تشتمل على معظم المصلحة الموجودة في الصلاة مع الطهارة الواقعية، لكن المقدار الباقي من المصلحة مقدار قليل ليس واصلاً إلى حد الإلزام بحيث يقتضي ويتطلب من المولى أن يُلزم المكلف بتحصيله عن طريق إعادة الصلاة مع الطهارة الواقعية، وإن كان الإتيان به أفضل، ولكنّه لا يصل إلى حدّ الإلزام به، هذا أيضاً يرجع إلى التوسعة في دائرة الواجب، بمعنى أنّ الواجب هو الجامع بين الصلاتين، الصلاة مع الطهارة الواقعية والصلاة مع الطهارة الظاهرية، غاية الأمر أنّ الصلاة مع الطهارة الواقعية تكون أفضل، كل منهما يحقق الواجب ويحقق الملاك الملزم .
النحو الثالث: أنّ الصلاة مع الطهارة الظاهرية تشتمل على معظم مراتب المصلحة الموجودة في الصلاة مع الطهارة الواقعية، لكن المقدار الباقي من المصلحة لازم وممّا لا يرضى المولى بفواته. في هذه الحالة لا يمكن أن نقول هناك توسعة في دائرة الواجب، يبقى الواجب هو الصلاة مع الطهارة الواقعية ويدرك المكلّف بها تمام مصلحة الواقع، فلا يكون الواجب هو الجامع بين الصلاتين؛ بل الواجب هو الصلاة مع الطهارة الواقعية، الصلاة مع الطهارة الظاهرية يحصّل بها معظم الملاك، لكن يبقى شيء من الملاك المولى لا يرضى بتفويته. أذن: لا يكون الواجب هو الجامع بين الصلاتين، فلا يرجع إلى توسعةٍ في دائرة الواجب، لكن هنا هل يوجد إجزاء، أو لا يوجد إجزاء ؟ واضح أنّ هنا لا يوجد إجزاء، هو لا يرجع إلى توسعة في دائرة الواجب، لكن في نفس الوقت لا يوجد إجزاء، بمعنى أنّ الصلاة مع الطهارة الواقعية إذا تمكن منها المكلف يجب عليه الإتيان بها لكي يدرك تمام المصلحة، فلا يكون وجوب الصلاة مع الطهارة الواقعية مقيداً بعدم الإتيان بالصلاة مع الطهارة الظاهرية؛ بل وجوب الصلاة مع الطهارة الواقعية مطلق، يعني يجب عليه الإتيان بالصلاة مع الطهارة الواقعية سواء صلى مع الطهارة الظاهرية أو لم يُصلِّ، يعني يجب عليه استيفاء جميع الملاك اللازم، فلا يكون وجوب الصلاة مع الطهارة الواقعية مقيداً بعدم الصلاة مع الطهارة الظاهرية؛ بل هو وجوب مطلق، فيجب الإتيان به حتى إذا فرضنا أنه صلّى مع الطهارة الظاهرية .