35/11/17
تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات، السادس ، الغبار الغليظ
الكلام في ما الحق بالغبار (البخار _ الدخان) والكلام اولا في البخار :
هناك بعض الوجوه التي تُلحق البخار بالغبار وتأخذ حكم كونها من المفطرات بنفس الوجه الذي يكون فيه الغبار من المفطرات .
الوجه الاول : هو ما اشار اليه السيد الخوئي (قد)[1] وهو ان البخار يشترك مع الغبار بملاك المفطرية وهو مسألة صدق الاكل على ما يدخل الجوف منه وبنفس البيان نطبق الكلام على البخار لكن بتغيير الاكل بالشرب فيدعى صدق الشرب على ما يدخل الجوف من البخار ، لأنه كما ان الغبار يحتوي على ذرات ترابية واذا دخلت الجوف يصدق الاكل عليها، كذلك في المقام فأن البخار يحتوي على قطرات مائية اذا دخلت الجوف فأنه يصدق الشرب عليها .
وجواب هذا الوجه واضح حيث تقدم ان اصل الكلام في الغبار حيث لم نعتبره من المفطرات، وعلى تقدير كونه من المفطرات فليس الملاك في مفطرية هو صدق الاكل، وانما لأجل كونه تعبدا خاصا يدل على كونه من المفطرات، والا فهو عنوان مستقل في حد نفسه (كالاحتقان) من دون ارجاعه الى الاكل او الشرب، ولعل نفس الرواية التي يستدل بها على مفطرية الغبار فهي تدل على ان الغبار ليس اكلا فهي تقول ( ان ذلك مثل الاكل والشرب ) ومثل الشيء لابد ان يكون غيره .
الوجه الثاني :( وهو واضح الضعف ايضا) وهو القاعدة التي اشرنا اليها سابقا وهي المنع من كل ما يدخل الجوف والقول بأن دخول اي شيء يستلزم المفطرية ، وقد اشرنا الى ان هذه القاعدة غير تامة ، وعلى تقدير تماميتها فأنها تختص بما له وجود متميز فيقال بأن ادخال هذا الشيء في الجوف يوجب المفطرية، لا ادخال ذرات الغبار العالقة بالهواء او الذرات المائية التي تتصاعد مع الهواء .
بل في المقام يمكن الاستدلال (على المقابل ) اي على ان البخار ليس من المفطرات ، وذكر الفقهاء ان سيرة المتشرعة الجارية على عدم تجنب البخار في اثناء الصوم _ وتستكشف السيرة من دخولهم الحمامات المملوءة بالبخار اثناء الصوم وعدم تجنبهم البخار وعدم تحفظهم من دخوله الجوف _ والمنعقدة والمستمرة الى زمان المعصوم_ فالحمامات محل ابتلاء الجميع وكانت موجودة في زمن المعصومين عليهم السلام _ يمكن الاستدلال بها على عدم المفطرية .
فالظاهر انه لا مجال للألتزام بفطرية البخار .
اما الكلام في الدخان
فأستدلوا على مفطريته بصدق الشرب عليه فيشمله حينئذ اطلاق ما يدل على مفطرية الشرب وقد نُسب هذا القول للمحقق النائيني (قد) .
لكنه من الواضح ان هذه التسمية حادثة ومبنية على المسامحة، حيث ان نفس العرف يراه بالدقة ليس شربا حقيقيا، وانما سُمي بهذا الاسم مسامحة ، وعليه فلا يمكن الالتزام بأن هذا شربا حقيقة وان العرف يسميه شربا ومن ثم التمسك بأطلاق ادلة مفطرية الشرب .
والمهم في الادلة التي يستدل بها على مفطرية الدخان هو دعوى استقرار سيرة المتشرعة على مفطرية الدخان في اثناء الصوم ، بل قالوا ان كون الدخان من منافيات الصوم من الامور المرتكزة عند المتشرعة ، وقد ذكر هذا الامر اكثر من فقيه اما للأستدلال بها على مفطرية الصوم واما للأحتياط الوجوبي اي ان هذه السيرة هي التي تمنع من الجواز .
اقول انه من الواضح ان هذه السيرة متأخرة ولا يمكن اثبات امتدادها الى عصر المعصوم عليه السلام، بخلاف السيرة التي ذكرناها في البخار حيث انها مستمرة الى زمن المعصوم عليه السلام .
وعليه فأن هذه السيرة لا تكون كاشفة عن الحكم الشرعي من باب كشف المعلول عن علته .
والاقرب في تفسير هذه السيرة وامثالها من السيّر المتأخرة هو ان تكون ناشئة من فتاوى الفقهاء بالمنع او من احتياطهم بالفتوى ، فأنه من الممكن ان يخلق هكذا سيرة ، كما لو افترضنا ان العلماء في الازمنة المتأخرة كلهم افتوا بالمنع او احتاطوا بذلك، فأنه تحصل من هذا الامر سيرة ، وهي لا تكون كاشفة عن الحكم الشرعي ولا تزيد شيئا عن فتاوى الفقهاء الواصلة الينا، ولا يمكن الاعتماد عليها كدليل لأثبات الحكم الشرعي .
نعم هناك شيء اخر قد يقال في هذا المجال وهو انه لو سلمنا ان هذه السيرة متأخرة ولا تكشف عن الحكم الشرعي بالمعنى الذي تكشف عنه السيرة الممتدة الى زمان المعصوم عليه السلام ، لكن لا نسلم ان هذه السيرة ناشئة من فتاوى الفقهاء بالمنع كما ذُكر، وذلك لعدم العلم بذهاب معظم او مشهور الفقهاء الى المنع لكي يكون هذا المنع موجبا لأنعقاد سيرة على المنع من التدخين في اثناء شهر رمضان ورؤية ان هذا الامر من منافيات الصوم ، بل يمكن القول ان السيرة منعقدة بقطع النظر عن فتاوى الفقهاء ، بعبارة اخرى ان اول حدوث هذا الامر ( اي وصول الدخان الى المسلمين ) لا توجد فتاوى بالمنع منه ، وانعقدت السيرة قبل هذه الفتاوى ولم تكن السيرة مستندة اليها ، وعليه يتعين تفسير هذه السيرة بالمطابقة للمرتكزات الشرعية المستقرة في اذهان المتشرعة ، بمعنى ان هذه السيرة عندما انعقدت بغض النظر عن فتاوى الفقهاء لابد ان تكون مستندة الى ارتكازات متشرعية مستقرة في اذهان المتشرعة وعلى ضوئها جرت هذه السيرة وامتنعوا عن التدخين في اثناء شهر رمضان .
فالنتيجة ان هذه السيرة تكشف عن ارتكاز المنع في اذهان المتشرعة ، فهي ليست كاشفة عن الحكم الشرعي ولا مستندة الى فتاوى الفقهاء ، وانما هي كاشفة عن ان المنع امر مرتكز في اذهان المتشرعة ، وحينئذ قد يقال بأن هذا يمكن ان يستند اليه لأثبات المنع بأعتباره من مرتكزات المتشرعة، وقد ركز بعض الفقهاء على هذه النقطة .
ولكن كيف اصبح هذا الامر من مرتكزات المتشرعة بغض النظر عن الدليل الشرعي ؟ وبغض النظر عن فتاوى الفقهاء ؟
فلابد من افتراض ان هؤلاء المتشرعة فهموا من الادلة ما يمنع من الدخان وامثاله ، بحيث ان المنع منه كان امرا مرتكزا في اذهانهم ولهذا امتنعوا من التدخين .
لكن تصور هذا الامر صعب بالنسبة الى المتشرعة مع قطع النظر عن الدليل الشرعي ومراجعة الشارع ومراجعة فتاوى الفقهاء .
فكيف؟ ومن اين فهموا هذا الامر؟
ان قلنا بأنهم فهموا هذا الامر من الادلة، فأن هذا يعني اننا لم نفرض انهم متشرعة وانما لابد من فرض انهم مجتهدون وفهموا من الادلة هذا الامر، وهذا الفرض اشبه بالخيال لدعوى سيرة المتشرعة .
والاقرب في تفسير هذه السيرة هو انها ناشئة من فتاوى الفقهاء ولا نشترط في ذلك وجود جملة من الفقهاء تمنع على مستوى الفتوى ،لأن السيرة لا يتوقف انعقادها على ذلك بل يكفي الاحتياط، وهو موجود بلا اشكال عند المتأخرين ، فأن اكثر الفقهاء في الازمنة المتأخرة يمنعون احتياطا، وهذا الامر حاصل لفترات طويلة من قبل مراجع متعددين في طبقات مختلفة ، وعليه فلا تنفعنا هذه السيرة في اثبات الحكم الشرعي. بل نقول اكثر من ذلك حيث انه يمكن الاستدلال على جوازه وعدم كونه من المفطرات بموثقة عمرو بن سعيد (عن الرضا عليه السلام قال : سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه ؟ فقال : جائز لا بأس به ، قال :وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه ؟ قال: لا بأس)[2]
حيث انها صرحت بجواز دخول الدخنة عندما يتدخن الصائم بعود او بغير ذلك ، لكن يبدو والله العالم ان الاستدلال بهذه الرواية لا يخلو من شيء بأعتبار ان الظهور الاولي للرواية هو دخول الدخنة للحلق من باب الصدفة والاتفاق وليس عن عمد ، وهذا لا ينافي كون الدخان مفطرا فأنه يقال حتى في الاكل والشرب اذا دخلا الجوف صدفة واتفاقا لا عن عمد فأنه لا بأس به .
فقول الرواية عن الدخان انه لابأس به عندما يدخل لا عن عمد ولا عن قصد لا يدل على عدم مفطريته ، ولا يمكن الاستدلال بها حينئذ على عدم مفطرية الدخان عند دخول الجوف لأنها ناظرة الى الدخول مع عدم القصد وعدم العمد .
وهناك رواية اخرى وهي مرسلة للشيخ الصدوق : محمد بن علي بن الحسين قال :( سئلالصادق عليه السلام عن المحرم ، يشم الريحان ؟ قال : لا ، قيل :فالصائم ؟ قال : لا قيل : يشم الصائم الغالية[3]والدخنة ؟ قال : نعم ،قيل : كيف حل له أن يشم الطيب ولا يشم الريحان ؟ قال : لان الطيبسنة ، والريحان بدعة للصائم ).[2]
وهذه الرواية ايضا لا يمكن الاستدلال بها على الجواز وذلك لأنها غير تامة سندا، ولم يُفرض فيها دخول الدخان الى الحلق، فالتعبير الوارد فيها هي شم الغالية وشم الدخنة، والشم غير دخول الجوف فميكن ان يكون الشم جائزا ( وغير مفطر)ودخول الجوف غير جائز( ومفطر) ولا ملازمة بينهما .
فالإنصاف ان الاستدلال بهذه الروايات لا يمكن الالتزام به في محل الكلام.
ومن هنا يظهر عدم وجود وجه ناهض لأثبات مفطرية الدخان وان كان الاحتياط ( الاستحبابي) في محله رعاية للسيرة الموجودة او رعاية لفتاوى بعض الفقهاء الذين ذهبوا الى ذلك.
قال الماتن
السادس : (إيصال الغبار الغليظ إلى حلقه ، بل وغير الغليظ على الأحوط )[5]فالسيد الماتن يفتي بمفطرية الغبار الغليظ ويحتاط في غير الغليظ ( سواء كان من الحلال كغبار الدقيق ، أو الحرام كغبار التراب ونحوه ، وسواء كان بإثارته بنفسه بكنس أو نحوه ، أو بإثارة غيره ، بل أو بإثارة الهواء مع التمكين منه وعدم تحفظه)[6]وهذا التعميم الى جميع الحالات من كون اثارة الغبار حاصلة من نفس الصائم او من اثارة غيره او من اثارة الهواء فيه اشارة الى ما هو المنقول[7] عن الشيخ كاشف الغطاء من انه فرق بين غبار الهواء وبين غبار الكنس فألتزم بوجوب التحفظ من الثاني دون الاول كالغبار الحاصل من العواصف الترابية مثلا ولعل هذا التفريق استنادا الى النص حيث انه ينص على مفطرية غبار الكنس ولم يعدِ الحكم الى غيره لأنه يقول بأن احتمال الفرق قائم بين غبار الكنس وغبار غيره وقد وافقه السيد الخوئي (قد) على هذا التفريق.
وقد تقدم سابقا ان الرواية وان كانت واردة في الكنس الا ان الظهور العرفي ومناسبات الحكم والموضوع تقتضي ان الكنس ليس دخيلا في الحكم والموضوع، وانما تمام الموضوع هو دخول الغبار في الجوف، وورود الكنس في الرواية من باب المثال والتوطئة والتمهيد كما تقدم سابقا ، ومن هنا يمكن تعميم الرواية حتى للغبار الحاصل من الهواء فيكون موجبا للمفطرية.
هذا من جهة، ومن جهة اخرى ان مسألة التفريق بينهما مبنية على ان دخول الغبار في الجوف في اثناء الكنس يكون عن تعمد بينما لا يكون كذلك عندما يدخل ما كان مثارا في الهواء .
اقول ان هذا ليس واضحا لأمكان فرض التعمد حتى فيما يثيره الهواء وذلك في ترك التحفظ مع العلم بأنه اذا خرج عن المنزل مثلا فأن ذلك يعرضه لدخول الغبار الى الجوف ولا نفترض ان هناك حرج في عدم الخروج من البيت وامثاله ، فأن هذا المورد حاله حال الكنس ، فصدق التعمد فيه يستلزم صدقه هنا ايضا.
نعم قد يُدّعى بوجود سيرة تفرق بينهما وهي قائمة على عدم التحفظ من الغبار وقد استدلوا بها وذكرها السيد الخوئي حيث قال ان المناطق التي يعيش فيها الائمة عليهم السلام تكثر فيها العواصف الترابية ، والسيرة قائمة على عدم التحفظ من الخروج ، وتجنب دخول الغبار الى الجوف ، فلم يردنا شيء من الروايات يشير الى هذا الامر( وجوب التجنب) .
والأقوى إلحاق البخار الغليظ ودخان التنباك ونحوه ، ولا بأس بما يدخل في الحلق غفلة أو نسيانا أو قهرا أو مع ترك التحفظ بظن عدم الوصول ونحو ذلك .
الكلام في ما الحق بالغبار (البخار _ الدخان) والكلام اولا في البخار :
هناك بعض الوجوه التي تُلحق البخار بالغبار وتأخذ حكم كونها من المفطرات بنفس الوجه الذي يكون فيه الغبار من المفطرات .
الوجه الاول : هو ما اشار اليه السيد الخوئي (قد)[1] وهو ان البخار يشترك مع الغبار بملاك المفطرية وهو مسألة صدق الاكل على ما يدخل الجوف منه وبنفس البيان نطبق الكلام على البخار لكن بتغيير الاكل بالشرب فيدعى صدق الشرب على ما يدخل الجوف من البخار ، لأنه كما ان الغبار يحتوي على ذرات ترابية واذا دخلت الجوف يصدق الاكل عليها، كذلك في المقام فأن البخار يحتوي على قطرات مائية اذا دخلت الجوف فأنه يصدق الشرب عليها .
وجواب هذا الوجه واضح حيث تقدم ان اصل الكلام في الغبار حيث لم نعتبره من المفطرات، وعلى تقدير كونه من المفطرات فليس الملاك في مفطرية هو صدق الاكل، وانما لأجل كونه تعبدا خاصا يدل على كونه من المفطرات، والا فهو عنوان مستقل في حد نفسه (كالاحتقان) من دون ارجاعه الى الاكل او الشرب، ولعل نفس الرواية التي يستدل بها على مفطرية الغبار فهي تدل على ان الغبار ليس اكلا فهي تقول ( ان ذلك مثل الاكل والشرب ) ومثل الشيء لابد ان يكون غيره .
الوجه الثاني :( وهو واضح الضعف ايضا) وهو القاعدة التي اشرنا اليها سابقا وهي المنع من كل ما يدخل الجوف والقول بأن دخول اي شيء يستلزم المفطرية ، وقد اشرنا الى ان هذه القاعدة غير تامة ، وعلى تقدير تماميتها فأنها تختص بما له وجود متميز فيقال بأن ادخال هذا الشيء في الجوف يوجب المفطرية، لا ادخال ذرات الغبار العالقة بالهواء او الذرات المائية التي تتصاعد مع الهواء .
بل في المقام يمكن الاستدلال (على المقابل ) اي على ان البخار ليس من المفطرات ، وذكر الفقهاء ان سيرة المتشرعة الجارية على عدم تجنب البخار في اثناء الصوم _ وتستكشف السيرة من دخولهم الحمامات المملوءة بالبخار اثناء الصوم وعدم تجنبهم البخار وعدم تحفظهم من دخوله الجوف _ والمنعقدة والمستمرة الى زمان المعصوم_ فالحمامات محل ابتلاء الجميع وكانت موجودة في زمن المعصومين عليهم السلام _ يمكن الاستدلال بها على عدم المفطرية .
فالظاهر انه لا مجال للألتزام بفطرية البخار .
اما الكلام في الدخان
فأستدلوا على مفطريته بصدق الشرب عليه فيشمله حينئذ اطلاق ما يدل على مفطرية الشرب وقد نُسب هذا القول للمحقق النائيني (قد) .
لكنه من الواضح ان هذه التسمية حادثة ومبنية على المسامحة، حيث ان نفس العرف يراه بالدقة ليس شربا حقيقيا، وانما سُمي بهذا الاسم مسامحة ، وعليه فلا يمكن الالتزام بأن هذا شربا حقيقة وان العرف يسميه شربا ومن ثم التمسك بأطلاق ادلة مفطرية الشرب .
والمهم في الادلة التي يستدل بها على مفطرية الدخان هو دعوى استقرار سيرة المتشرعة على مفطرية الدخان في اثناء الصوم ، بل قالوا ان كون الدخان من منافيات الصوم من الامور المرتكزة عند المتشرعة ، وقد ذكر هذا الامر اكثر من فقيه اما للأستدلال بها على مفطرية الصوم واما للأحتياط الوجوبي اي ان هذه السيرة هي التي تمنع من الجواز .
اقول انه من الواضح ان هذه السيرة متأخرة ولا يمكن اثبات امتدادها الى عصر المعصوم عليه السلام، بخلاف السيرة التي ذكرناها في البخار حيث انها مستمرة الى زمن المعصوم عليه السلام .
وعليه فأن هذه السيرة لا تكون كاشفة عن الحكم الشرعي من باب كشف المعلول عن علته .
والاقرب في تفسير هذه السيرة وامثالها من السيّر المتأخرة هو ان تكون ناشئة من فتاوى الفقهاء بالمنع او من احتياطهم بالفتوى ، فأنه من الممكن ان يخلق هكذا سيرة ، كما لو افترضنا ان العلماء في الازمنة المتأخرة كلهم افتوا بالمنع او احتاطوا بذلك، فأنه تحصل من هذا الامر سيرة ، وهي لا تكون كاشفة عن الحكم الشرعي ولا تزيد شيئا عن فتاوى الفقهاء الواصلة الينا، ولا يمكن الاعتماد عليها كدليل لأثبات الحكم الشرعي .
نعم هناك شيء اخر قد يقال في هذا المجال وهو انه لو سلمنا ان هذه السيرة متأخرة ولا تكشف عن الحكم الشرعي بالمعنى الذي تكشف عنه السيرة الممتدة الى زمان المعصوم عليه السلام ، لكن لا نسلم ان هذه السيرة ناشئة من فتاوى الفقهاء بالمنع كما ذُكر، وذلك لعدم العلم بذهاب معظم او مشهور الفقهاء الى المنع لكي يكون هذا المنع موجبا لأنعقاد سيرة على المنع من التدخين في اثناء شهر رمضان ورؤية ان هذا الامر من منافيات الصوم ، بل يمكن القول ان السيرة منعقدة بقطع النظر عن فتاوى الفقهاء ، بعبارة اخرى ان اول حدوث هذا الامر ( اي وصول الدخان الى المسلمين ) لا توجد فتاوى بالمنع منه ، وانعقدت السيرة قبل هذه الفتاوى ولم تكن السيرة مستندة اليها ، وعليه يتعين تفسير هذه السيرة بالمطابقة للمرتكزات الشرعية المستقرة في اذهان المتشرعة ، بمعنى ان هذه السيرة عندما انعقدت بغض النظر عن فتاوى الفقهاء لابد ان تكون مستندة الى ارتكازات متشرعية مستقرة في اذهان المتشرعة وعلى ضوئها جرت هذه السيرة وامتنعوا عن التدخين في اثناء شهر رمضان .
فالنتيجة ان هذه السيرة تكشف عن ارتكاز المنع في اذهان المتشرعة ، فهي ليست كاشفة عن الحكم الشرعي ولا مستندة الى فتاوى الفقهاء ، وانما هي كاشفة عن ان المنع امر مرتكز في اذهان المتشرعة ، وحينئذ قد يقال بأن هذا يمكن ان يستند اليه لأثبات المنع بأعتباره من مرتكزات المتشرعة، وقد ركز بعض الفقهاء على هذه النقطة .
ولكن كيف اصبح هذا الامر من مرتكزات المتشرعة بغض النظر عن الدليل الشرعي ؟ وبغض النظر عن فتاوى الفقهاء ؟
فلابد من افتراض ان هؤلاء المتشرعة فهموا من الادلة ما يمنع من الدخان وامثاله ، بحيث ان المنع منه كان امرا مرتكزا في اذهانهم ولهذا امتنعوا من التدخين .
لكن تصور هذا الامر صعب بالنسبة الى المتشرعة مع قطع النظر عن الدليل الشرعي ومراجعة الشارع ومراجعة فتاوى الفقهاء .
فكيف؟ ومن اين فهموا هذا الامر؟
ان قلنا بأنهم فهموا هذا الامر من الادلة، فأن هذا يعني اننا لم نفرض انهم متشرعة وانما لابد من فرض انهم مجتهدون وفهموا من الادلة هذا الامر، وهذا الفرض اشبه بالخيال لدعوى سيرة المتشرعة .
والاقرب في تفسير هذه السيرة هو انها ناشئة من فتاوى الفقهاء ولا نشترط في ذلك وجود جملة من الفقهاء تمنع على مستوى الفتوى ،لأن السيرة لا يتوقف انعقادها على ذلك بل يكفي الاحتياط، وهو موجود بلا اشكال عند المتأخرين ، فأن اكثر الفقهاء في الازمنة المتأخرة يمنعون احتياطا، وهذا الامر حاصل لفترات طويلة من قبل مراجع متعددين في طبقات مختلفة ، وعليه فلا تنفعنا هذه السيرة في اثبات الحكم الشرعي. بل نقول اكثر من ذلك حيث انه يمكن الاستدلال على جوازه وعدم كونه من المفطرات بموثقة عمرو بن سعيد (عن الرضا عليه السلام قال : سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه ؟ فقال : جائز لا بأس به ، قال :وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه ؟ قال: لا بأس)[2]
حيث انها صرحت بجواز دخول الدخنة عندما يتدخن الصائم بعود او بغير ذلك ، لكن يبدو والله العالم ان الاستدلال بهذه الرواية لا يخلو من شيء بأعتبار ان الظهور الاولي للرواية هو دخول الدخنة للحلق من باب الصدفة والاتفاق وليس عن عمد ، وهذا لا ينافي كون الدخان مفطرا فأنه يقال حتى في الاكل والشرب اذا دخلا الجوف صدفة واتفاقا لا عن عمد فأنه لا بأس به .
فقول الرواية عن الدخان انه لابأس به عندما يدخل لا عن عمد ولا عن قصد لا يدل على عدم مفطريته ، ولا يمكن الاستدلال بها حينئذ على عدم مفطرية الدخان عند دخول الجوف لأنها ناظرة الى الدخول مع عدم القصد وعدم العمد .
وهناك رواية اخرى وهي مرسلة للشيخ الصدوق : محمد بن علي بن الحسين قال :( سئلالصادق عليه السلام عن المحرم ، يشم الريحان ؟ قال : لا ، قيل :فالصائم ؟ قال : لا قيل : يشم الصائم الغالية[3]والدخنة ؟ قال : نعم ،قيل : كيف حل له أن يشم الطيب ولا يشم الريحان ؟ قال : لان الطيبسنة ، والريحان بدعة للصائم ).[2]
وهذه الرواية ايضا لا يمكن الاستدلال بها على الجواز وذلك لأنها غير تامة سندا، ولم يُفرض فيها دخول الدخان الى الحلق، فالتعبير الوارد فيها هي شم الغالية وشم الدخنة، والشم غير دخول الجوف فميكن ان يكون الشم جائزا ( وغير مفطر)ودخول الجوف غير جائز( ومفطر) ولا ملازمة بينهما .
فالإنصاف ان الاستدلال بهذه الروايات لا يمكن الالتزام به في محل الكلام.
ومن هنا يظهر عدم وجود وجه ناهض لأثبات مفطرية الدخان وان كان الاحتياط ( الاستحبابي) في محله رعاية للسيرة الموجودة او رعاية لفتاوى بعض الفقهاء الذين ذهبوا الى ذلك.
قال الماتن
السادس : (إيصال الغبار الغليظ إلى حلقه ، بل وغير الغليظ على الأحوط )[5]فالسيد الماتن يفتي بمفطرية الغبار الغليظ ويحتاط في غير الغليظ ( سواء كان من الحلال كغبار الدقيق ، أو الحرام كغبار التراب ونحوه ، وسواء كان بإثارته بنفسه بكنس أو نحوه ، أو بإثارة غيره ، بل أو بإثارة الهواء مع التمكين منه وعدم تحفظه)[6]وهذا التعميم الى جميع الحالات من كون اثارة الغبار حاصلة من نفس الصائم او من اثارة غيره او من اثارة الهواء فيه اشارة الى ما هو المنقول[7] عن الشيخ كاشف الغطاء من انه فرق بين غبار الهواء وبين غبار الكنس فألتزم بوجوب التحفظ من الثاني دون الاول كالغبار الحاصل من العواصف الترابية مثلا ولعل هذا التفريق استنادا الى النص حيث انه ينص على مفطرية غبار الكنس ولم يعدِ الحكم الى غيره لأنه يقول بأن احتمال الفرق قائم بين غبار الكنس وغبار غيره وقد وافقه السيد الخوئي (قد) على هذا التفريق.
وقد تقدم سابقا ان الرواية وان كانت واردة في الكنس الا ان الظهور العرفي ومناسبات الحكم والموضوع تقتضي ان الكنس ليس دخيلا في الحكم والموضوع، وانما تمام الموضوع هو دخول الغبار في الجوف، وورود الكنس في الرواية من باب المثال والتوطئة والتمهيد كما تقدم سابقا ، ومن هنا يمكن تعميم الرواية حتى للغبار الحاصل من الهواء فيكون موجبا للمفطرية.
هذا من جهة، ومن جهة اخرى ان مسألة التفريق بينهما مبنية على ان دخول الغبار في الجوف في اثناء الكنس يكون عن تعمد بينما لا يكون كذلك عندما يدخل ما كان مثارا في الهواء .
اقول ان هذا ليس واضحا لأمكان فرض التعمد حتى فيما يثيره الهواء وذلك في ترك التحفظ مع العلم بأنه اذا خرج عن المنزل مثلا فأن ذلك يعرضه لدخول الغبار الى الجوف ولا نفترض ان هناك حرج في عدم الخروج من البيت وامثاله ، فأن هذا المورد حاله حال الكنس ، فصدق التعمد فيه يستلزم صدقه هنا ايضا.
نعم قد يُدّعى بوجود سيرة تفرق بينهما وهي قائمة على عدم التحفظ من الغبار وقد استدلوا بها وذكرها السيد الخوئي حيث قال ان المناطق التي يعيش فيها الائمة عليهم السلام تكثر فيها العواصف الترابية ، والسيرة قائمة على عدم التحفظ من الخروج ، وتجنب دخول الغبار الى الجوف ، فلم يردنا شيء من الروايات يشير الى هذا الامر( وجوب التجنب) .
والأقوى إلحاق البخار الغليظ ودخان التنباك ونحوه ، ولا بأس بما يدخل في الحلق غفلة أو نسيانا أو قهرا أو مع ترك التحفظ بظن عدم الوصول ونحو ذلك .