34-08-09
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
34/08/09
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 384 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وما هو المدرك على كون الهدي من أحد الأنعام الثلاث ولا يجوز غيره ؟
والجواب:- استدل في الجواهر
[1]
وفي المدارك
[2]
بوجهين وإذا ضممنا إليهما الوجه الذي أشار إليه الشيخ النراقي(قده) في مستنده
[3]
صارت الوجوه ثلاثة:-
الوجه الأول:- قوله تعالى:- ( ليذكروا الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام )
[4]
بتقريب أن المحكي عن المفسّرين أنها الأنعام الثلاثة.
والإشكال عليه واضح:- فإن كلام المفسّرين ليس حجّة اللهم إلا إذا تولّد منه اطمئنان وهذه قضيّة ثانية وعادةً لا يتولد الاطمئنان وإنما المفسّر ينقل رأيه لا أن له مدرك تام .
والخلاصة:- إذا فرض أنه حصل الاطمئنان فبها ، وهذه قضيّة سيّالة ينبغي الالتفات إليها - أي ليس من المناسب أن نقول إنه في التفسّير الفلاني أو الفلاني ذكر هذا الشيء -.
نعم الأوجه من ذلك أن يقرّب الاستدلال بشكلٍ آخر وذلك بأن يقال :- إن الوارد هو كلمة ( الأنعام ) ونحن نشك في صدق هذا العنوان على غير الأنعام الثلاثة ومادمنا نشك فلا يجزي غيرها لأن الطلوب هو هذا العنوان فعند الشك لا يجزي ، إن هذا أوجه من سابقه وهو شيء فنّي بينما ذلك فليس بفنّي.
نعم يرد على هذا:- أن عنوان الأنعام وإن كنا نشك في صدقه على غير هذه الثلاثة ولكن هذا يتم لو فرض أنه كان مأخوذاً بنحو الموضعيّة بحيث أن الذمة كانت مشغولة بهذا العنوان - أي عنوان الأنعام - حيث نشك بفراغ الذمة من هذا العنوان الذي اشتغلت به الذمة أما إذا فرض أنه كان مأخوذاً بنحو المشيرية إلى واقع الحيوانات فحينئذ يصير المورد من الشك في الضيق والتقييد الزائد وكأن المطلوب هو الحيوانات الخاصّة ولكن لا ندري هل أن الغزال من جملتها أو لا فحينئذ نقول إن ما اشتغلت به الذمة يقيناً هو أحد هذه الحيوانات بما في ذلك الغزال ونشك في تقيّد ما اشتغلت به الذمة بخصوص الحيوانات الثلاثة فننفيه بالبراءة.
وعلى أي حال لو فرضنا أن هذا التقريب كان تاماً أو فرض أن ذلك التقريب الذي ذكره العلمان كان تاماً - يعني أن المفسرين قد ذكروا ذلك أو تم كلا التقريبين ولكن رغم ذلك فهذا لا ينفعنا شيئاً فإن الآية الكريمة لا تدلّ على الحصر فمن أين يستفاد الحصر بالأنعام الثلاثة ؟ بل غاية ما ذكرت ( يذكروا الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام ) أما أنه يتعيّن هذه الثلاثة فلا يستفاد من الآية . نعم لعل فيها شعاراً ولكن الحجيّة ليس للإشعار وإنما الحجيّة للظهور وهي ليس لها ظهور في الحصر.
الوجه الثاني:- صحيحة زرارة المتقدمة عن أبي جعفر علية السلام حيث جاء فيها:- ( في المتمتع ، قال:- عليه الهدي ، قلت:- وما الهدي ، فقال:- أفضله بدنة وأوسطه بقرة وآخره شاة )
[5]
بتقريب أنه عليه السلام قال:- ( أفضله بدنة وأوسطه بقرة وآخره شاة ) فيفهم من ذلك أن الهدي يلزم أن يكون من أحد هذه الثلاثة.
والاشكال عليه كسابقه:- فإن استفادة الحصر منه شيء مشكل.
الوجه الثالث:- ما ذكره الشيخ النراقي(قده) وحاصله هو أن العنوان الذي أمرنا به لا نجزم بصدقه على غير هذه الثلاثة ومعه يجري أصل الاشتغال فإنه لو ثبت أن ذلك العنوان الذي أمرنا به - كعنوان الأنعام مثلاً - لو ثبت أنه شامل لغير هذه الثلاثة كالغزال فبها ونعمت ولكن لا يوجد عندنا عنوان مطلق من هذا القبيل يمكن التمسك به بلحاظ الفرد المشكوك ونصُّ عبارته هكذا:- ( مع أصل الاشتغال حيث لا إطلاق معلوماً يصدق على غيرها ) أي على غير هذه الثلاثة كالغزال مثلاً فيلزم الاقتصار على هذه الثلاثة.
وفيه:- إنه(قده) ذهب إلى عالم تفريغ الذمة وقد ذكرنا غير مرّة أن المناسب الذهاب إلى عالم شغل الذمة فإن عالم تفريغ الذمة هو فرع عالم شغل الذمة ونحن نسأل ونقول بِمَ اشتغلت ذمتنا ؟ إنه إذا افترض أنها اشتغلت بخصوص عنوان الأنعام بنحو الحصر فما أفاده له وجاهة حيث يقال إن عنوان الأنعام الذي اشتغلت به الذمة ليس له اطلاق يشمل غير هذه الثلاثة ولكن المفروض أنه بعدُ لم يثبت أن الذمة قد اشتغلت بعنوان الأنعام بنحو الحصر إذ لا يوجد ما يدلّ على الحصر المذكور إذ لو كان هناك ما يدلّ على الحصر لم تصل النوبة إلى الأصل بل كفانا ما يدلّ على الحصر . إذن ما ذكره فرع أن تكون الذمة مشغولة بعنوان الأنعام بنحو الحصر فإنه بناءً على هذا نقول إنا لا نجزم بصدق إطلاقه على غير الثلاثة ، غير أن الكلام في أصل اشتغال الذمة بعنوان الأنعام بنحو الحصر فلا يتم إذن ما ذكره بل المرجع آنذاك يصير إلى البراءة حيث ننفي تقيّد اشتغال الذمة بخصوص عنوان الأنعام
وعليه فالأدلة الثلاثة المذكورة قابلة للمناقشة.
ولعل الأجدر التمسك بما أشرنا إليه أكثر من مرَّة:- من أن المسالة ابتلائية فيلزم أن يكون حكمها واضحاً فإن ذلك لازم كون المسألة ابتلائية وحيث إن الثابت بين الفقهاء من دون أن ينقل خلاف هو الحصر في الثلاثة فيحصل الاطمئنان إذ لو كان الواضح شيئاً آخر لانعكس على آراء الفقهاء بعد فرض كون المسألة ابتلائية وحيث لم ينعكس فيحصل الاطمئنان بكون ذلك الحكم الواضح هو الحصر في الثلاثة وقد ذكرنا أيضاً غير مرّة أن مرجع هذا البيان إلى الاطمئنان وحجيّة الاطمئنان - يعني نقول إنه يحصل الاطمئنان للفقيه بأن الحكم الشرعي الواضح هو الحصر بالأنعام الثلاثة فالحجيّة تعود إلى الاطمئنان -.
وأما القضيّة الثانية:- فالكلام يقع في مرحلتين فتارة نبحث هل أن هناك وصفٌ معيّنٌ أخذ في هذه الحيوانات الثلاثة كوصف الثِنِيّ بالنسبة إلى الإبل والبقر والمعز والجَذَع بالنسبة إلى الضأن ؟ ثم في المرحلة الثانية بعد الفراغ في المرحلة الأولى من أخذ وصف الثِنِيّ أو وصف الجَذَع نتكلم ونقول هل أن وصف الثِنِيّ الذي هو معتبر ما هو مقداره من حيث السنِّ فهل أن ما أكمل السنة هو عبارة عن الثِنِيِّ أو أن ما أكمل سنتين هو عبارة عن الثِنِيِّ ؟ فيقع خلافٌ آخر في تحديد ما يصدق عليه الثِنِيّ.
إذن في المرحلة الأولى نبحث عن أخذ الوصف المعيّن هل أخذ أو لا ؟ وبعد أن نثبت أخذ هذا الوصف المعيّن نبحث ما هو تحديد سنّ هذا الوصف المعيّن:-
أما بالنسبة إلى المرحلة الأولى:- فقد ذكر في المدارك:- ( أن مذهب الأصحاب على أنه يعتبر في الإبل والبقر والمعز أن يكون ثِنِيّاً وإذا كان الضأن فيجزئ فيه الجذع )
[6]
. إذن المستفاد من هذه العبارة هو أن مذهب الأصحاب هو أن الجَذَع فقط وفقط يكفي في الضأن دون الإبل والبقر والمعز بينما في هذه الثلاثة فيلزم صدق عنوان الثِنِّيّ . وما هو الثِنِيّ ؟ ذكر الجوهري حسب نقل صاحب المدارك:- ( أنه الذي يلقي ثِنِيَّته ) ، قال الطريحي في مجمع لبحرين:- ( الثِنِيَّة وجمعها ثنايا هي عبارة عن مقدّم الأسنان في الفك الأعلى والأسفل وهي أربعة من فوق وأربعة من تحت ).
والخلاصة:- إن القصود من الثِنِيِّ هو ما بلغ مرحلةً تسقط فيها ثناياه - أعني مقدم الأسنان الأربعة من فوق والأربعة في الأسفل -.
وأما الجَذَع فهو بفتحتين صفة لجميع الحيوانات ولا يختصّ بخصوص الضأن والمقصود منه هو أن يصل حدّاً يجذع عندها الحيوان أسنانه و ( يجذع ) أي يسقطها.
إذن إلى الآن عرفنا أن مذهب الأصحاب على اعتبار هذه الصفة وهي أن يكون ثِنِيّاً في الإبل والبقر والمعز وجَذًع في الضأن.
[1] جواهر الكلام، حسن الجواهري، ج19، ص136.
[2] مدارك الأحكام، الموسوي العاملي، ج8، ص28.
[3] مستند الشيعة، النراقي، ج12، ص307.
[4] سورة الحج، الايه35.
[5] وسائل الشيعة ، الحر العاملي، ج14، ص101، ب10 من أبواب الذبح، ح5، آل البيت.
[6] مدارك الأحكام، ج8، ص28.