1439/10/23
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
39/10/23
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 54 ) – المكاسب المحرّمة.
النقطة الثانية:- يستثنى من العقود والايقاعات بعض المعاملات والايقاعات وذكر ستة عناوين النكاح والطلاق واليمين .... الخ.
ونحن نأخذ واحداً واحداً من هذه العناوين ونبيّن لماذا لا تجوز المعاطاة:-أما عنوان النكاح:- فلم ينقل خلاف في أنه يعتبر في تحقق النكاح الصيغة الخاصة واللفظ الخاص ، إنما الكلام في ودجه ذلك فهل يمكن أن نحصل على توجيه من هنا وهناك لهذه القضية - يعني اعتبار اللفظ وعدم صحة التراضي من دون اللفظ الخاص - ؟
يمكن أن يذكر في هذ المجال بعض الوجوه:-الوجه الأول:- ما يخطر إلى الذهن وقد أشار إليه الشيخ النائيني(قده) في أحد تقريريه[1] ، وهو أنه لو لم نعتبر الصيغة الخاصة يلزم عدم الفرق بين النكاح والسفاح ، فإذا قبلنا بالتراضي فهذا يعني أننا حللنا الزنا ، فإنَّ الفارق بين الزنا وبين النكاح هو الصيغة الخاصة ، فإذا لم تكن صيغة خاصة كان ذلك سفاحاً ، وحيث لا يجوز السفاح بلا إشكال ، فإذن لا يجوز ترك الصيغة الخاصة وإلا كان المورد سفاحاً ، فيتعيّن الاتيان بالصيغة الخاصة ليكون نكاحاً ، فإنَّ الشيخ محمد تقي الآملي ذكر أنَّ المعاملات على أقسام:- فقسمٌ ( لا يقبل المعاطاة شرعاً بأن جعل الشارع المائز بين صحيحها وفاسدها اللفظ فالمشتمل منها على اللفظ صحيح وغير المشتمل منها فاسد وذلك كالنكاح حيث إنَّ المائز بين النكاح والسفاح هو اللفظ وهذا القسم مما لا تجري فيه المعاطاة أصلاً ).
وسواء فرض أنَّ الشيخ النائيني(قده) تدل على المطلوب أو لا فهذا غير مهم ولكن بالتالي هذا وجه بنفسه.
وفيه:- إنه يوجد فارق آخر بين النكاح والسفاح قبل أن تصل النوبة إلى الصيغة الخاصة ، وذلك ببيان:- أنه في النكاح يوجد اعتبار خاص ، يعني يعتبر الطرفان الزوجية بينهما فهذا اعتبار بين الطرفين من هذا اليوم صار بين هذا الرجل وهذه المرأة زوجية ، ولكن هل هذا الاعتبار يلزم أن يوجد باللفظ - أي بصيغة زوجتك نفسي - ؟ كلا بل يكفي في الاعتبار أي مبرز ويختلف باختلاف الأعراف فلو فرضنا أنه في عرف من الأعراف كان يكفي عندهم أن يضعا يديهما على القرآن الكريم فهذا اعتبار تحقق بهذا ، أو أنه يضع يده على رأسها[2] وهي تضع يدها على رأسه[3] فحينئذٍ اعتبار الزوجية لو فرضنا هكذا كان فهذا اعتبار للزوجية بخلافه في السفاح فإنه لا يوجد اعتبار الزوجية أصلاً ولا ابراز لاعتبار الزوجية ، فإنَّ الفارق بين السفاح والنكاح هو أنه في باب النكاح يوجد اعتبار الزوجية وهذا الاعتبار قد يبرز بمبرز ولكن لا ينحصر المبرز بالصيغة الخاصة بل يمكن أن يتحقق بشيء آخر ، وهذا بخلافه في باب السفاح فإنه لا يوحد اعتبار الزوجية بني الطرفين.
البيان الثاني:- ما ذكره الشيخ النائيني أيضاً في تقريره الآخر[4] وهو من حيث الروح نفس البيان السابق ولكن مع تعديل عليه وذلك بأن يقال:- إذا لم نعتبر الصيغة الخاصة فذلك يعني أنَّ النكاح سوف يتحقق بالوطئ ، وحيث إنَّ الوطئ سفاح والسفاح يقابل النكاح فتأتي قاعدة ( وحيث إنَّ الضد لا يمكن أن يبرز ويتحقق بضدّة فإذن لا يمكن أن يكون الوطئ مبرزاً لاعتبار النكاح ) ، وحيث إنَّ الوطئ يصدق عليه السفاح وهو ضد للنكاح والضدّ لا يمكن أن يبرز بضدّه ، فإذن لا يمكن أن يتحقق النكاح بالوطئ وإلا كان الضدّ متحققاً بضده.
والنتيجة:- إنه لا يمكن أن يتحقق النكاح بغير الصيغة الخاصة ، أي لا يتحقق بالوطئ ، ونصّ عبارته :- ( ومن الثاني النكاح فإن الفعل فيه ملازم لضده وهو الزنا والسفاح بل مصداقٌ للضد حقيقةً فإن مقابل النكاح ليس إلا الفعل المجرد[5] عن الانشاء القولي وعمّا جعله الشارع سبباً للحلية ).
وفيه:- إن المحقق للنكاح لا يلزم أن يكون هو الوطئ ، بل قبل الوطئ يوجد شيء مبرز كاجتماع أهل الزوج وأهل الزوجة ويقيمون حفل الزفاف مثلاً أو يشعلون الشموع ليلة الزواج ويحملونها أمام العروس فلنقل إنه يتحقق ابراز النكاح بهذه الأمور ، لا أنه إذا لم يكن بالصيغة فيلزم أن يكون بالوطئ فإنَّ هذا لا داعي له أبداً.
البيان الثالث:- الروايات ، من قبيل الرواية التي ينقلها الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن إبراهيم بن الفضل عن أبان بن تغلب.
وعن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن اسماعيل بن مهران ومحمد بن اسلم عن إبراهيم بن الفضل عن أبان تغلب:- ( قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- كيف أقول لها إذا خلوت بها[6] ؟ قال:- تقول أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه لا وارث ولا موروث كذا وكذا يوماً وإن شئت كذا وكذا سنةً بكذا وكذا درهماً وتسمّي من الأجر ما تراضيتما عليه قليلاً أو كثيراً فإذا قالت نعم فقد رضيت وهي امرأتك وأنت أولى الناس بها )[7] ، ولعله يوجد بمضمونها روايات أخرى.
وتقرّب الدلالة بتقريبين:-التقريب الأوّل:- إنه يظهر من سؤال السائل أنه ارتكز في ذهنه اعتبار اللفظ لكن كيف هي صياغته لذلك تراه يسأل ويقول ( كيف أقول لها ) ، يعني هو يعلم أنه لابد من وجود قولٍ وهو يسأل عن ذلك القول وتلك الصيغة الخاصة والامام عليه السلام علّمه هذا الشيء ، وحيث إنَّ الامام أمضى هذا الارتكاز فقد ثبت المطلوب وهو أنه يعتبر اللفظ والصيغة الخاصة وقد علَّمه إياها.
التقريب الثاني:- أن يقال: إنَّ الامام عليه السلام قال في آخر الرواية:- ( فإذا قالت نعم فقد رضيت وهي امرأتك ) ، يعني متى ما قلت أنت كذا وهي قال بهذا الشكل فآنذاك تصير امرأتك وإلا فبغير ذلك لا تكون زوجة لك.
وفرق هذا التقريب عن سابقه ، هو أنَّ الأوّل هو تمسّك بالارتكاز الممضى ، أما هذا التقريب فهو تمسّك بقول الامام عليه السلام.