1440/02/03
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/02/03
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: صوم عاشوراء
الكلام في صوم يوم عاشوراء،
قلنا أن الأقوال فيه ثلاثة ، قول بالاستحباب و قول بالكراهة و قول بالحرمة . و اختلافها ناشئ من اختلاف الروايات، و يمكن جعلها على طائفتين، إحداهما تدل على المنع و الأخرى تدل على الجواز.
الطائفة الأولى و هي ما يدل على المنع، ففيها عدة روايات، ذكرها صاحب الوسائل في الباب ٢١ من أبواب الصوم المندوب[1] ، و ذكرنا أربعة منها في البحث السابق و هي الرواية رقم ٢ و ٣ و ٤ و ٥ من نفس الباب، و يمكن مناقشة هذه الروايات الأربعة سنداً و دلالة.
أما سنداً: فبإعتبار أنها تشترك في "الحسن بن علي الهاشمي" الذي ينقل عنه الشيخ الكليني ، و هو مهمل و لم ينص على وثاقته، فتسقط هذه الروايات عن الحجية إلّا إذا قلنا بوثاقة جميع مشايخ الشيخ الكليني.[2]
مضافاً إلى ذلك توجد إشكالات سندية أخرى في بعضها لا داعي إلى ذكرها.
أما دلالة: فقد قال صاحب الجواهر[3] أن المنهي عنه في هذه الروايات هو صوم يوم عاشوراء كما يصومه المخالفون أي بعنوان التبرك والفرح وليس المنهي عنه هو مطلق الصوم على غرار النهي عن الصوم في يوم العيد أو ايام التشريق، ولذلك لا مانع من الالتزام باستحباب صومه اذا لم يكن على هذا النحو، وقد ايد (قده) صاحبَ الشرائع في ذهابه للاستحباب.
ولكن قد لا يتم ما ذهب إليه صاحب الجواهر في جميع الروايات باعتبار ان الوارد
في الرواية الاولى : عبد الملك قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم ؟
فقال : تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين عليه السلام وأصحابه رضي الله
عنهم بكربلاء ........ فمن صام أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوط عليه ...... .)[4]
و العطف ب (أو) في قوله عليه السلام (فمن صام أو تبرك به) قد ينافي ما ذهب إليه صاحب الجواهر من ان المقصود بهذه الروايات هو صومه على نحو التبرك.
فهي تمنع من شيئين صومه والتبرك به، والمخاطب بهذه الرواية هم الشيعة وهم لا يصومون يوم عاشوراء تبركاً فيكون الظاهر النهي عن ذات الصوم، وهذا الصوم يكون موافقاً عملياً لمن يصومه بعنوان التبرك .
و في الرواية الثانية: رواية محمد بن عيسى بن عبيد ، عن جعفر بن عيسى أخيه (قال : سألت الرضا عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس
فيه ؟ فقال : عن صوم ابن مرجانة تسألني ؟ ذلك يوم صامه الأدعياء من آل
زياد لقتل الحسين عليه السلام ، ..........
ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله فيه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم .......... فمن صامهما أو تبرك بهما لقى الله تبارك
وتعالى ممسوخ القلب ، وكان حشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما .)[5]
و العطف بـ (أو) في قوله عليه السلام (فمن صامهما أو تبرك بهما) قد ينافي ما ذهب إليه صاحب الجواهر كما تقدم في الرواية السابقة.
و في الرواية الثالثة: زيد النرسي قال : (سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال : من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن
مرجانة وآل زياد ، قال : قلت : وما كان حظهم من ذلك اليوم ؟ قال : النار ،
أعاذنا الله من النار ومن عمل يقرب من النار .)[6]
وصدرها ليس فيه ما ذهب إليه صاحب الجواهر فالسؤال وقع عن مطلق الصيام لا عن خصوص الصوم على نحو التبرك .
نعم قد يقال يمكن استفادة هذا المعنى من اشتراك حظ الصائم في يوم عاشوراء مع حظ ابن مرجانه وال زياد.
لكن لم يتضح من الرواية في حد نفسها بانها ناظرة إلى ما يقوله الشيخ صاحب الجواهر (قده).
اما الرواية الرابعة: الحسن بن علي الوشاء قال : حدثني نجية[7] بن الحارث العطار قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال : صوم متروك بنزول شهر رمضان ، والمتروك بدعة قال : نجية[8] فسألت أبا عبد الله عليه السلام من بعد أبيه عليه السلام عن ذلك فأجابني بمثل جواب أبيه ثم قال : اما إنه صوم يوم ما نزل به كتاب ولا جرت به سنة إلا سنة آل زياد بقتل الحسين بن علي عليهما السلام .[9]
فيستفاد من صدرها ان صوم يوم عاشوراء منسوخ بنزول شهر رمضان بعد ان كان صومه مقررا كما صرح بهذا المعنى في صحيحة زرارة و محمدبن مسلم
التي رواها صاحب الوسائل عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم جميعا، أنهما سألا أبا جعفر الباقر عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء، فقال: كان صومه قبل شهر رمضان، فلما نزل شهر رمضان ترك.[10]
الا انه لم يرد فيها ان المتروك بدعة كما ورد في الرواية السابقة
لكن الكلام في انه هل يستفاد منها ان صوم يوم عاشوراء يكون بدعة و محرما بنحو مطلق حتى تكون بذلك دالة على المنع او ان المستفاد منها ان صومه على النحو الذي كان قبل نزول شهر رمضان [11] بدعة و محرم؟
فاذا كان المستفاد منها هو الثاني سوف لا تكون فيها دلالة على حرمة الصوم في يوم عاشوراء اذا كان الصوم على اساس ان صوم يوم عاشوراء منسوخ بمعنى انه كان صوم يوم عاشوراء واجبا ثم نسخ هذا الوجوب بنزول شهر رمضان فتحول الوجوب من صوم يوم عاشوراء الى صوم رمضان و هذا لا ينافي جوازه و لا ينافي استحبابه فيكون المحرم هو صومه على اساس انه غير منسوخ.
و لا يخفى ان الرواية تعاني من تدافع بين الصدر و الذيل باعتبار اننا فسرنا المتروك الوارد في صدرها على ضوء الصحيحة بان صوم عاشوراء كان ثم نسخ و الحال انه ورد في ذيلها "اما انه صوم يوم ما نزل به كتاب و لا جرت به سنة" و ظاهره ان صوم عاشوراء ما نزل به كتاب و لا جرت به سنة حتى قبل نزول شهر رمضان
و يمكن حمل الذيل على ان المراد به انه بعد نزول شهر رمضان ما نزل به كتاب و لا جرت به سنة فيرتفع التدافع بذلك
و من هنا يتبين ان هذه الروايات الاربعة غير تامة سندا و بعضها غير تام دلالة فلا يمكن الاعتماد عليها لاثبات المنع في محل الكلام.
منها[12] : صحيحة زرارة و محمد بن مسلم [13]
رواها صاحب الوسائل عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم جميعا، أنهما سألا أبا جعفر الباقر عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء، فقال: كان صومه قبل شهر رمضان، فلما نزل شهر رمضان ترك.
و هذه الرواية و ان كانت تامة سندا لكن لا دلالة فيها على النهى عن صوم يوم عاشوراء اذ من الممكن ان يكون المنسوخ هو الوجوب بمعنى انه كان صوم عاشوراء واجبا ثم ابدل بصوم رمضان _اذ ان المناسب لبدلية صوم شهر رمضان الواجب ان يكون المبدل منه(صوم عاشوراء) ايضا واجبا كما ذكر ذلك السيد الخوئي _و لا ينافي ذلك جوازه و لا استحبابه .
فلا تتم هذه الرواية كدليل على المنع عن صوم يوم عاشوراء.