1440/03/04
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
40/03/04
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.
وههنا تفصيل للسيد الشهيد(قده) ذكره في آخر بحثه عن قاعدة لا ضرر:- فهو بمناسبة ذكر هذا التفصيل ، كما ذكره السيد الهاشمي في تقريره[1] وفي تقرير السيد الحائري[2] ، وهو أنه في بداية الأمر ذكر أنَّ الفقهاء قالوا إذا غصب شخص عباءة صيفية في فصل الصيف ثم ارجعها في فصل الشتاء فهم قالوا بعدم ضمان شيء إذ أنَّ العباءة قد ارجعت بكامل أوصافها ولم ينقص منها شيء ، نعم ماليتها قد نقصت والمالية ليست مضمونة بدليل أنَّ تاجراً لو استورد بضاعة بشكل كبير بنحو أوجب هبوط مالية البضاعة الموجودة عند سائر أصحاب السوق فهل يضمن هذا التاجر بالرغم من أنه أوجب هبوط المالية في سلع بقيّة تجار السوق ؟ كلا جزماً.
ثم بعد ذلك قال السيد الشهيد(قده):- إنَّ لكل شيء قيمتين قيمة استعمالية وقيمة تبادلية ، والفرق بينهما هو أنَّ القيمة إذا قامت على أساس فوائد الشيء فهذه قيمة استعمالية ، فإناء الماء له فائدة معينة وبسبب هذه الفائدة المعينة تثبت له قيمة وهذه القيمة هي قيمة استعمالية وهكذا كل سلعة من السلع وكل شيء من الأشياء هو من هذا القبيل له فائدة وبسبب تلك الفائدة تثبت له قيمة ، وهذه القيمة يصطلح عليها بالقيمة الاستعمالية ، وهذه لا تتأثر بالعرض والطلب ، يعني افترض يوجد طلب زائد أو قليل عرض زائد موجود أو عرض قليل فهذا لا يؤثر على هذه القيمة وإنما هذه القيمة مقابل الفائدة الخاصة الموجودة في هذا الشيء فإذاً هذه قيمة استعمالية ، أي القيمة الناشئة في مقابل الفوائد الثابتة في الشيء نفسه ، وأما القيمة التبادلية فهي القيمة الثابتة للشيء في مقام تبديله شيء آخر ، فمثلاً العباءة قد تبدل بالسرير فأبدالها بالسرير هو قيمة تبادلية فنقول إنَّ العباءة لها قيمة وهي تُبدَل بالسرير والشيء الذي هو أعظم من السرير فلا والشيء الأقل بكثير من السرير فلا وإنما تُبدَل بالسرير ، هذه قيمة تبادلية يعني لتبديل الشيء وهذه تتأثر بالعرض والطلب[3] ، فإذاً لكلِّ شيء قيمتين قيمة استعمالية تنشأ من الفائدة الموجودة في الشيء وقيمة تبادلية يعني في مقام تبديله بشيء آخر من العروض ، ومن الواضح أنَّ هذان المصطلحان قد ذكرهما ( قده ) في كتاب اقتصادنا[4] نقلاً عن كارل ماركوس أنه قسّم القيمة إلى قسمين ، فإذاً لكل شيء قيمتان قيمة استعمالية وقيمة تبادلية ، وعرفنا أنَّ القيمة الاستعمالية تنشأ من الفوائد التي يشتمل عليها الشيء ، فإذا نقصت القيمة الاستعمالية ذلك يعني فوات شيء من المنافع وإلا كيف نقصت القيمة الاستعمالية ؟!! ، فدائماً نقصان القيمة الاستعمالية يكون ناشئاً من نقصان بعض الفوائد القائمة في الشيء ، والنقصان على قمسن - أي نقصان الفوائد - الموجب لنقصان القيمة الاستعمالية ، فتارةً يكون فوات بعض الفوائد في الشيء يكون فواتاً حقيقياً ، وأخرى يكون فواتاً نفسياً وتوهّمياً وتخيلياً - إن صحّ التعبير - ، وكلاهما يوجب الضمان حتى إذا كان الفوات فواتاً توهّمياً ، إما مثال الفوات الحقيقي ما إذا فرض أنَّ العباءة الصيفية من صفاتها الجيدة القائمة بها والمرغوب فيها أن تكون شديدة السواد وناعمة فالنعومة شدة السواد صفتان حقيقيتان في العباءة توجبان صعود القيمة الاستعمالية لها فكلما كانت أشد سواداً ونعومة كلما ازدادت القيمة الاستعمالية وكلما هبط السواد والنعومة هبطت القيمة الاستعمالية وعلى منواله قس ما سواه ، وأما فوات المنفعة توهّما وتخيلّاً فكما لو فرض أنَّ شخصاً دخل دار غيره وقام بأعمالٍ غريبة مما أوحت إلى أهل الدار بوجود جنٍّ فيها وبالتالي سوف تهبط قيمة الدار فإنَّ أهل الدار سوف يهربون منها وكلّ من يطّلع على ذلك فسوف يهرب منها فتهبط قيمتها ، ولكن فوات الفائدة هذا قائم على أساس التوهّم ، يعني كلّما نقول لهم إنَّ هذه قضية غير حقيقية فإنه قد أوهم لكم ذلك فهم لا يصدّقون ، ونحن الآن لا نريد أن ننكر الجن ولكن هذا الشخص الأعمال التي قام بها كانت توهّمات جزماً ولكن مع ذلك هذه التوهّمات توجب زوال قسم من فوائد الدار وبالتالي لا أقل الذي في الدار يهرب منها في الليل ويعود في النهار ، وكلاهما يوجب الضمان ، يعني كما أنَّ إزالة السواد عن العباءة يوجب ذهاب فوائدها فإنَّ السواد من الفوائد الملحوظة فيضمن القيمة ، وهكذا بالنسبة إلى المثال الثاني حيث لا يسكن أهل الدار تلك الدار لا أقل ليلياً فأيضاً ذلك يوجب الضمان.
إذاً عرفنا أن فوات او نقصان القيمة الاستعمالية حيث إنه يعبّر ويحكي عن فوات بعض الفوائد الحقيقية القائمة بالعين فذلك يوجب الضمان من دون فرق بين أن يكون الفوات حقيقيا أو يكون توهمياً ، وهذا بخلافه في القيمة التبادلية فإنَّ قلتها لا يوجب الضمان باعتبار أنَّ الشيء لم يتغير عمّا هو عليه ، نعم قد تهبط القيمة التبادلية بسبب هبوط القيمة الاستعمالية لأننا قلنا إنَّ القيمة التبادلية تتأثر بالقيمة الاستعمالي ولكن المنشأ سوف يكون هو هبوط القيمة الاستعمالية أوّلاً وبالذات ، فإذاً عرفنا أنَّ هبوط القيمة الاستعمالية يوجب الضمان من دون فرق بين أن يكون سبب ذلك زوال المنفعة حقيقةً أو توهّماً ، بخلافه في نقصان القيمة التبادلية فإنَّ الشيء لم يتغير عمّا هو عليه فلا موجب للضمان.وبعد أن فرغ من بيان هذا المطلب قال:- وفي مقامنا نقول إنَّ العباءة لو غصبت في الصيف ثم ارجعت في الشتاء فهل ذلك يوجب نقصان قيمتها الاستعمالية حتى يثبت بذلك الضمان أو لا يوجب ذلك فلا يثبت الضمان ؟ أجاب(قده) بالإيجاب حيث قال: إنَّ العباءة المأخوذة في الصيف دفعها في الشتاء يوجب نقصان قيمتها الاستعمالية ونقصان القيمة الاستعمالية يوجب الضمان ، أما كيف يوجب نقصان قيمتها الاستعمالية ؟ ذلك لأنَّ الرغبة في العباءة الصيفية في فصل الصيف هذه قضية قائمة في العباءة فإن رغبة الناس في العباءة الصيفية في فصل الصيف هي صفة قائمة بالعباءة وقد زالت في فصل الشتاء فيوجب ذلك الضمان.وفيه:- إنه تارةً يقصد اثبات دعوى أنَّ نقصان القيمة الاستعمالية يوجب الضمان ، يعني بحث في الكبرى وهي أنَّ نقصان القيمة الاستعمالية يوجب الضمان ، وأخرى يكون البحث بحثاً صغروياً ، يعني مقصوده أنَّ الصفة وهي رغبة الناس في العباءة الصيفية في فصل الصيف هي صفة قائمة بالعين أي بالعباءة ، فإن كان يقصد الكبرى فهي من المسلَّمات الواضحة ، فمن الواضح أنَّ قيمة الشيء الناشئة من المنافع القائمة بالعين إذا قلّت فذلك يعني قلّة المنافع القائمة بالعين وهذا يوجب الضمان ، ولا نظن أن أحدا يختلف فيه ، فإذاً ليس من البعيد أن يتوجه النزاع إلى الصغرى وهي أنَّ رغبة الناس في العباءة الصيفية في فصل الصيف هذه صفة قائمة بالعين وقد فوّتها الغاصب ، فإذا كان هذا هو المقصود فلا نوافق عليه ، فإنَّ الرغبة في العباءة هي رغبة للناس ، فالناس هم الذين يرغبون ، فهي صفة قائمة بالناس ، فهم في فصل الصيف يرغبون وفي فصل الشتاء لا يرغبون ، فالرغبة قائمة بهم ، وهذه الصفة ليست قائمة بالعين ، فإذاً لم ينقص من العين شيء وإنما نقص من الرغبة القائمة في حق الناس ، عليه لا يكون موردنا صغرى للكبرى التي أشار إليها.