1440/03/04
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
40/03/04
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
ثالثاً:- نسلّم بفكرة الحكومة ، ونسلّم أنَّ الحاكم يخرج خبر العادل عن عموم التعليل ، ولكن نقول هذه كله إذا انعقد المفهوم ، فحينما ينعقد المفهوم فآنذاك نقول إنَّ المفهوم يصير حاكماً على عموم التعليل ، ولكن المفروض أنَّ عموم التعليل مادام متصلاً بصدر الآية فلا ينعقد لصدر الآية مفهوم من الأساس.
فإذاً هذا المطلب كله قائم على أن ينعقد مفهوم آنذاك يصير المفهوم حاكماً على عموم التعليل ، ومع فرض كون عموم التعليل متصلاً فلا ينعقد للآية الكريمة مفهوم من الأساس حتى يكون هذا المفهوم حاكماً على عموم التعليل ، فإنَّ الحكومة فرع انعقاد المفهوم ، والمفهوم لا ينعقد بعد اتصاله بعموم التعليل المانع من انعقاد المفهوم.وبهذا فرغنا من الجواب الثاني على الاشكال الثاني واتضح أنَّ هذا الجواب مردود بردودٍ ثلاثة.الردّ الثالث[1] :- ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) وهو أنَّ المقصود من الجهالة ليس عدم العلم وإنما المقصود هو السفاهة ، يعني فعل ما لا ينبغي للعاقل أن يفعله ، فحينما قالت الآية ﴿ ان تصيبوا قوماً بجهالة ﴾ ، فإصحاب الاشكال الثاني فسّروا عبارة الآية الكريمة بأنه خوفاً أن تصيبوا قوما بعدم العلم فيأتي الاشكال بأنَّ عدم العلم ثابت حتى في خبر العادل ، أما إذا فسّرنا الجهالة بالسفاهة فحينئذٍ يرتفع الاشكال ، وذلك أن خبر العادل بعد أن كان حجة لا يكون اتباعه سفاهة فيخرج من عنوان السفاهة ، فإذا ثبت مفهوم من خلاله نتج حجية خبر العادل ، وإذا صار حجة فحينئذٍ لا يكون اتباعه سفاهة ، لأنَّ اتباع الحجة ليس سفاهة ، فيخرج خبر العادل من عموم التعليل خروجاً موضوعياً ، إذ التعليل ينهى عن الفعل السفهي ، وخبر العادل بعد حجيته لا يكون اتباعه سفهياً ، فلا توجد منافاة بين الصدر والذيل كما قاله أصحاب الاشكال الثاني ، فالشيخ الأنصاري قال إنَّ هذا الاشكال لا يمكن دفعه أبداً ، وصاحب الكفاية يقول إنه يمكن دفعه ، إنما لا يمكن دفعه إذا فسّرنا الجهالة بعدم العلم ، أما إذا فسّرناها بالسفاهة فالإشكال ليس بموجود من الأساس ، فإنَّ خبر العادل بعد حجيته يخرج عن كونه فعلاً سفهياً بل يكون فعلاً عقلائياً.
ويرده:- إنَّ هذا يحتاج إلى مثبت ، فعليك أن تثبت أنَّ المقصود من الجهالة هو السفاهة .
وإذا أجاب وقال:- يكفيني الاجمال ، فكلمة الجهالة مردّدة بين السفاهة فلا يتم الاشكال وبين عدم العلم فيتم الاشكال ، فحينئذٍ لا نحرز وجود المعارض للمفهوم فإنَّ المعارض مشكوك فنـأخذ بالمفهوم حيث لا نحرز وجود معارضٍ له.
قلنا له:- هناك قرينة تتلاءم مع ارادة عدم العلم من الجهالة دون السفاهة ، وهي التعبير بقوله تعالى ﴿ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾ ، والانسان إنما يندم إذا لم يصب الواقع ، فالتعبير بالندامة يتلاءم مع تفسير الجهالة بعدم العلم ، يعني لو كان المقصود من الجهالة السفاهة كان المناسب أن لا يعلل بالندامة بل يعلل بالملامة ، فإن الانسان باتّباعه للفعل السفهي يلام عليه ، فكان المناسب للآية أن تقول هكذا ( فتصبحوا على ما فعلتم ملومين ) لا ( نادمين ) ، فالتعليل بالندم يتلاءم مع تفسير الجهالة بعدم العلم لا بالسفاهة ، فإنَّ السفاهة هي فعل ما لا ينبغي صدروه من العاقل ، والانسان إذا فعل الفعل السفهي يلام ، فالمناسب أنَّ يعلل بالملامة ولا يعبرّ بالندامة.
وبهذا اتضح أن الاشكال الثاني قد أجيب عنه بأجوبة ثلاثة كلّها قابلة للمناقشة.والأجدر أن يجاب بجواب آخر وذلك بأن نقول:- صحيح أنَّ المقصود من الجهالة هو عدم العلم لكن ليس المقصود التعليل بعدم العلم بشكل مطلق بل المقصود التعليل بعدم العلم الموجب للندم ، فالعلّة مقيدة وهي خوف اصابة القوم بعدم العلم المقيد بالندم أي الموجب للندم ، فلو كان التعليل بالجهالة وحدها فما أفاده الشيخ الأنصاري(قده) يكون تاماً أما إذا كان التعليل تعليل بالجهالة المفيدة بالندم فهذا التعليل لا يتم في اتباع خبر العادل ، فإنَّ خبر العادل طريق يسلكه العقلاء ، فاتباعه لا يكون مورثاً للندم وهل يندم الانسان على اتباعه وسلوكه للطرق العقلائية ؟! كلا ، فإذاً مادامت العلّة لست هي عدم العلم فقط وإنما هي عدم العلم المورث للندم فحينئذٍ يرتفع الاشكال ، باعتبار أنَّ الأخذ بخبر العادل وإن كان قد لا يكون مصيباً للواقع لكن اتباعه لا يورث الندم ، ونحن ندّعي أنَّ العلة هي المجموع يعني عدم العلم المورث للندم.
وإذا قلت:- كيف تثبت أنَّ العلة هي ليست الجهالة وحدها بل الجهالة المورثة للندم ؟
قلت:- هناك مجموعة قرائن تساعد على هاذ المعنى:-
القرينة الأولى:- ظاهر الآية الكريمة فإنه لا يبعد أن يكون ظاهرها ذلك فإنها قالت ﴿ أن تصيبوا قوماً بجهالة ﴾ ولم تسكت فلو سكتت يمكن أن نقول إن تمام العلة هو الاصابة بجهالة - بعدم العلم - ولكنها أكملت وقالت ﴿ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾ ، يعني بإصابتكم للقوم بجهالة ، فإذاً ظاهر الآية الكريمة لا يبعد أنه يساعد على كون المقصود هو أنَّ العلة ليس مجرد الاصابة بالجهالة بل الاصابة بالجهالة المورثة للندم.
القرينة الثانية:- لو كانت العلّة هي مجرد الاصابة بعدم العلم من دون اضافة قيد الندامة فلماذا الآية الكريمة نهت عن خبر الفاسق فقط بل من المناسب أن تنهى عن خبر العادل أيضاً بأن تقول ( يا ايها الذين آمنوا إن جاءكم مخبرٌ فاسق أو عادل فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة ) فمادام العلّة هي خوف الاصابة بعدم العلم ، وخوف الاصابة بعدم العلم موجود في خبر الفاسق وفي خبر العادل فكلاهما لا يرث العلم فمن المناسب مادامت العلة عامة وليست مقيدة بالندامة أن ينهى عن اتّباع مطلق الخبر أعم من كونه لفاسق أو لعادل ، ولا معنى لتقييده بالفاسق بعد كون العلّة عامة ، فإن هذا نظير أن يقال ( لا تأكل التفاح الحامض فإنَّه توجد في مادة التفاح في هذا الفصل في هذا الزرع في هذا الحاصل مواد سامة ) ، ولكن من المناسب لو كانت هذه المواد السامّة موجودة أن ينهانا عن مطلق التفاح لا أنه ينهانا عن التفاح الحامض أو الأحمر أو الأخضر ، بل قل ( لا تأكل التفاح فإنَّ فيه مادة سامة في هذا الفصل ) ، فمادامت العلّة عامة يلزم أن يكون النهي عاماً.
إذاً تخصيص النهي بخبر الفاسق يدل على أنَّ العلة ليست عامة وإنما هي خاصة ، يعني ليست العلّة هي مجرد خوف الاصابة بالجهالة - بعدم العلم - ، وإنما العلة هي خوف الاصابة بالجهالة المقيّدة بالندامة ، وهذه العلّة تختص بالفاسق فإنَّ الندم يصير هنا ، أما في خبر العادل فبما أنه طريق يسلكه العقلاء فحينئذٍ لا توجد ندامة ، فإذا كانت العلّة هي خوف الاصابة بعدم العلم المقيّد بالندامة فالعلّة سوف تصير خاصة بالفاسق ولا تعم العادل وحينئذٍ يصير التعليل وجيه ، وهذا بخلاف ما إذا كانت العلّة هي الجهالة من دون اضافة الندامة فإنه لا وجه للنهي عن اتّباع خصوص خبر الفاسق ، بل المناسب النهي عن اتباع مطلق الخبر.