1440/04/11
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
40/04/11
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.
وفيه:- إننا نحتمل الفرق بين البيع وغيره من المعاوضات من جهة وبين أمور الخير والمعروف التي ليست فيها جنبة معاوضة دنيوية كما في الصدقة والعتق والوصية بالمعروف ، ففي الأوَّل يحتمل أنه يشترط البلوغ ، بينما في الثاني لا يشترط فيه البلوغ ، ونكتة الفرق هي أنَّ الشرع يريد أن يتحفظ على أموال الصبي[1] فيما إذا كانت معاوضة ، فهو يتحفظ عليه من الخسارة فلذلك اشترط البلوغ ، بينما إذا لم يكن المورد مورد المعاوضة فلا يتحفظ على تصرفات الصبي لأنه يقصد الثواب والقربة والمسألة ليست مسألة معاوضة دنيوية فلعل الشرع يتساهل ولا يشترط البلوغ ، ، إنَّ هذا الاحتمال موجودٌ ولا يمكن إنكاره ، ومادام هذا الاحتمال موجوداً فعلى هذا الأساس نقول بفكرة التخصيص ، يعني أنَّ رواية الخادم قالت ( لا يجوز أمر الصبي ) وبإطلاقها تشمل جميع تصرفات الصبي بما في ذلك غير المعاوضية ، فإذا جاء دليل واستثنى التصرفات غير المعاوضية فنقول بفكرة التخصيص كما في سائر الموارد ، نعم لو كنّا لا نحتمل الفرق بين الموردين وأن الجميع من وادٍ واحد فإما أن يجوز الجميع وإما أن لا يجوز الجميع وكنّا نقطع بعدم الفرق فعملية التخصيص ليست ممكنة ، ولذلك نحن قدّمنا مقدمةً وهي أننا نحتمل الفرق ، وما دمنا نحتمل الفرق فعلى هذا الأساس نقول بفكرة التخصيص ولا تعود لدينا مشكلة من خلال هذه الروايات التي ذكرها الأردبيلي.
الدليل الخامس:- السيرة ، وهي قد يتمسّك بها في خصوص الأمور الحقيرة ، وقد يتمسّك بها بشكلٍ مطلق - يعني حتى في الأمور الخطيرة - ، والحديث عن السيرة في كلا الموردين سوف يأتينا إن شاء الله تعالى في البحث الآتي ، ولكي لا يحصل التكرار في البحث نرجئ الكلام فيها إلى البحث الآتي.
إذاً اتضح أنَّه لا دليل ينفي شرطية البلوغ في صحّة المعاملة ، فيبقى اطلاق رواية الخادم بلا معارض ونأخذ به ونقول بالشرطية.ما يتمسّك به لإثبات صحة معاملة الصبي في الأشياء اليسيرة:- إنه قد يتمسّك ببعض الوجوه لا ثبات أنَّ معاملة الصبي في الأشياء اليسيرة جائزة وصحيحة ، وبذلك يثبت التفصيل بين الأشياء اليسيرة والأشياء غير اليسيرة ، فغير اليسيرة يشترط فيها البلوغ ، كما لو أراد أن يبيع داراً ، أما إذا أراد أن يبيع أموراً يسيرة مثل أن يبيع العَسَليَّة أو يبيع أكياس البلاستك فيفصّل ويقال إنه يجوز في الأشياء اليسيرة ولا يجوز في الأشياء غير اليسيرة ، وقد يستدل على ذلك بالوجوه التالية:-
الوجه الأول:- قاعدة نفي الحرج ، وقد تمسّك بهذا البيان الفيض الكاشاني(قده) في مفاتيحه ، حيث ذكر أنه تصح معاملة الصبي في الأشياء اليسيرة لنفي الحرج.
وقبل أن نعلّق عليه كيف يتصوّر الحرج ؟إنه لابد أن نصوّر الحرج في حق الكبار لا في حق الصغار ، فإنه لو كان في حق الصغار فهو لا معنى له ، فلابد إذاً من تصويره في حقّ الكبار فيقال لو بطلت معاملة الصبي في الأشياء اليسيرة يلزم الحرج على الكبار ، إما ببيان أنه يلزم آنذاك أن يتصدّى الكبار لبيع الأشياء اليسيرة وفي هذا حرجٌ عليهم ، أو ببيان أنَّ الصبيان بالتالي هم يتصدّون لهذه الأمور اليسيرة شئنا أم أبينا وكلّما ننهاهم عن هذا فهذا لا ينفع وتحرّز الكبار عن الشراء منهم فيه حرجٌ على الكبار ، فمثلاً الكبار في وقت الظهيرة وكان الجو حاراً وهذا الصبي يبيع قدحاً من الماء البارد فتحرّز الكبير عن ذلك فيه حرجٌ عليه ، فإذاً لابد وأن نصوّر الحرج في حق الكبار وإلا فثبوته في حقّ الصغار لا معنى له ، فنحن نريد أن نصحح تعاملنا معهم فيلزم أن يكون الحرج ثابتاً في حقنا ، وهو واضح.ونقل الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب عن الكاشاني(قده) هذا الرأي وصور الحرج بأحد تصويرين ولكن بعبارة مضغوطة لا كما بينا ، وأجاب بجواب مختصر وقال نحن لا نسلّم الحرج ، يعني هو أنكر الصغرى ولم يبيّن أكثر من ذلك ، قال(قده) نقلاً عن المفاتيح للكاشاني:- ( الأظهر جواز بيعه وشرائه فيما جرت العادة به من الأشياء السيرة دفعاً للحرج )[2] ، وأجاب هو وقال:- ( الحرج ممنوع سواء أراد أن الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة في المحقّرات والتزام مباشرة البالغين لشرائها أم أراد أنه يلزم من التجنب عن معاملتهم بعد بناء الناس على نصب الصبيان للبيع والشراء في الأشياء الحقيرة )[3] .
وكان المناسب للشيخ الأعظم(قده) أن يجيب بجوابٍ آخر وذلك بأن يقال:- إنَّ دليل نفي الحرج هو دليل نفيٍ لا دليل إثبات ، فدائماً قاعدة نفي الحرج هي تنفي لا أنها تثبت ، وأنت تريد أن تثبت صحة المعاملة ، فدليل قاعدة نفي الحرج هو الآية الكريمة ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ فهو تقول أنا أنفي لا أنني أثبت ما ينتفي معه الحرج ، فمرّة الدليل يقول إنَّ الله عزّ وجلّ أثبت عليكم أحكاماً ينتفي بها الحرج يعني مثلاً صحة معاملة الصبي ، ولكن الآية الكريمة لم تقل أثبتت ما ينتفي معه الحرج ، وإنما قالت ( ما جعل ) يعني أنَّ كلّ حكمٍ يلزم من ثبوته الحرج - مثل أن تتوضأ في الشتاء القارص - فهذا مرفوع ، فهو حديث نفي لا حديث اثبات ، وهذه قضية واضحة.
هذا ولكن قد تبرز محاولة أخرى وذلك بأن يقال:- إنه يوجد عندنا دليلان الدليل الأوّل الاطلاقات الدالة على صحة جميع المعاملات من دون قيدٍ أو شرط وهي مثل ﴿ أحل الله البيع ﴾ و ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ و ﴿ تجارة عن تراض ﴾ ، فهذه الاطلاقات اطلاقها وسيع ، ومقتضى هذا الدليل ثبوت صحة معاملة الصبي ، لأنَّ الاطلاق يشمل معاملته ، فإن اطلاق ﴿ أحل الله البيع ﴾ غيره يشملها ، ويوجد عندنا دليلٌ آخر وهو ما دل على شرطية البلوغ في صحة المعاملات مثل رواية الخادم التي قالت ( لا يجوز أمره ) ، والحرج يلزم من هذا الدليل الثاني ، يعني يلزم من شرطية البلوغ الحرج - لأنها قالت ( لا يجوز أمره) - ، ومعه ترتفع الشرطية لأنها حرجية ، والشرطية اثباتية وليست عدمية ، وحديث رفع الحرج ناظر إلى الأحكام الاثباتية ويرفعها ، فإذا ارتفعت الشرطية يعود حينئذٍ الدليل الأوّل - وهو اطلاق حلّية كلّ بيع - على سعته واطلاقه ويشمل معاملة الصبي وتثبت بذلك صحة معاملته ، وقد أشار إلى هذا السيد الخميني(قده)[4] ، وقبله المامقاني في غاية الآمال[5] .