1440/04/16
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/04/16
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أقسام الصوم المحظور/ صوم أيام التشريق، صوم يوم الشك، صوم وفاء نذر المعصية، صوم الصمت
(كان الكلام في المبحث الثالث وهو ان الحكم بالحرمة هل يختص بالناسك او يشمل غيره، وذكرنا ان احتمال الاختصاص بالناسك ينشأ من دعوى انصراف ادلة التحريم به)، بإعتبار ان الادلة تتحدث عن ايام التشريق وعن رجل متمتع وأمور أخرى ترتبط بالحج فتنصرف إلى الناسك، لكن هذا الانصراف -اذا سلمناه- ينشأ من غلبة الوجود، بإعتبار ان الغالب في من يكون بمنى ان يكون ناسكاً، وهذا لا يمنع من الاطلاق. نعم، مرسلة الصدوق المتقدمة لا يبعد ان يكون لها ظهور في الاختصاص، لكنها غير تامة سنداً.
و من هنا ذهب الأكثر الى عدم الاختصاص، ولعله هو المعروف والمشهور، بل كما قلنا لعله لا يوجد مخالف الا العلامة في بعض كتبه.
هذا، وقد يشكك في نسبة عدم الاختصاص الى المشهور، باعتبار ان الظاهر منهم هو عدم التصريح بعدم الاختصاص (كأن يقال يحرم صوم ايام التشريق في منى سواء كان ناسكاً او لم يكن )[1] ، وانما يسند اليهم ذلك باعتبار اطلاق فتاويهم، ويمكن افتراض ان بعضهم -على الأقل- قد بنى على وجود انصراف الى الناسك، فعندما يقال يحرم صوم ايام التشريق بمنى يكون المقصود هو الناسك.
ولهذا نقول ان نسبة قولٍ (كالقول بعدم الاختصاص في محل الكلام) اليهم استناداً الى اطلاق الفتاوى وحده في حالة من هذا القبيل صعب جداً. وعلى كل حال اطلاق النصوص كاف لاثبات عدم الاختصاص.
هناك مطلبان لابد من الاشارة اليهما:-
المطلب الاول: توجد روايتان -احداهما صحيحة السند- تنافيان ما تقدم من حرمة صوم ايام التشريق بمنى، فيقع الكلام في علاج ذلك.
الأولى: معتبرة اسحاق بن عمار
عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه إن علياً (عليه السلام) كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق، فإن ذلك جائز له[2]
هذه الرواية يرويها الشيخ الطوسي في التهذيب بإسناده عن سعد، عن محمد بن الحسين، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمار
فان هؤلاء كلهم -ما عدا الحسن بن موسى الخشاب- نص على وثاقتهم، اما الحسن بن موسى الخشاب ذكره النجاشي بوصف لا يقل عن التوثيق و هو قوله (من وجوه اصحابنا)، وهذا كلام لا يقال لكل احد، فتكون الرواية تامة سنداً.
ودلالتها على جواز صيام ايام التشريق صريحة، ومقتضى الاطلاق شمولها لمن كان بمنى.
الثانية : رواية عبد الله بن ميمون القداح، عن جعفر، عن أبيه
أن علياً (عليه السلام) كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج وهي قبل التروية بيوم، ويوم التروية، ويوم عرفة فليصم أيام التشريق، فقد اذن له[3]
يرويها الشيخ الطوسى بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن جعفر بن محمد، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن جعفر، عن أبيه
و ليس في سندها من يخدش فيه الا جعفر بن محمد، اذ هو مشترك بين اشخاص كثيرين، فيهم ثقات وفيهم من هو مجهول، وتحديد انه الثقة غير متيسر، ودلالتها كسابقتها، ولا يبعد انهما رواية واحدة نقلت بهذين الطريقين.
ذكر الشيخ الطوسي بان هاتين الروايتين شاذتان، ولا عامل بهما بين الاصحاب الا ما ينقل عن ابن الجنيد، فالشذوذ والاعراض عنهما يسقطهما عن الاعتبار. وقيل: تحملان على التقية.
فالصحيح ما دلت عليه الروايات السابقة من حرمة صوم ايام التشريق بمنى.
المطلب الثاني: انه لابد من ان نستثني من حرمة صوم ايام التشريق بمنى من وجب عليه صوم شهرين متتابعين من اشهر الحرم -ككفارة قتل الخطأ في الاشهر الحرم-، و قد تقدم الكلام عنه، فانه قد ورد فيها -بعد أن حكم الإمام (عليه السلام) بالصوم شهرين متتابعين في الأشهر الحرم- (قلت: فإنه يدخل في هذا شئ! قال: ما هو؟ قلت: يوم العيد وأيام التشريق، قال: يصومه فإنه حق يلزمه). وقلنا ان الضمير في يصومه يعود الى الشيء او الى الداخل كما يقول السيد الخوئي (قده)، فتدل على جواز صيام العيد و ايام التشريق، فكما استثنينا من حرمة صوم العيد هذا المورد لابد من ان نستثنيه من حرمة صوم ايام التشريق أيضاً.
إنتهى الكلام عن صوم أيام التشريق.
صوم يوم الشك
قال السيد الماتن:
(الثالث : صوم يوم الشك في أنه من شعبان أو رمضان بنية أنه من رمضان، وأما بنية أنه من شعبان فلا مانع منه كما مر.)
تقدم بحث هذه المسألة مفصلاً، وذكرنا الروايات المستفيضة الدالة على الحرمة[4] ، وكذلك تقدمت رواية قتيبة الاعشى[5] ، وبعض الروايات تصرح بحرمته بنية رمضان.
صوم وفاء نذر المعصية
قال السيد الماتن:
(الرابع : صوم وفاء نذر المعصية، بأن ينذر الصوم إذا تمكن من الحرام الفلاني أو إذا ترك الواجب الفلاني ويقصد بذلك الشكر على تيسره، وأما إذا كان بقصد الزجر عنه فلا بأس به، نعم يلحق بالأول في الحرمة ما إذا نذر الصوم زجراً عن طاعة صدرت منه أو عن معصية تركها)
قوله (إذا تمكن من الحرام الفلاني) الاصح أن يقول (اذا فعل الحرام الفلاني)، لأن مجرد التمكن من الحرام لا يلازم وقوعه خارجاً.
قوله (نعم يلحق بالأول في الحرمة ما إذا نذر الصوم زجراً عن طاعة صدرت منه أو عن معصية تركها) يفترق عن القسم الأول في ان النذر في الاول معلق على ترك الواجب أو فعل الحرام وكان نذره شكراً لله تعالى على ذلك، بينما في هذا القسم الثاني لا يكون النذر معلقاً لفرض صدور الحرام أو ترك الواجب منه، ويكون الاتيان بالصوم المنذور زجراً لنفسه عن طاعة فعلها أو عن معصية تركها، والمناط في كل هذا هو القصد.
صوم الصمت
قال السيد الماتن:
(الخامس : صوم الصمت، بأن ينوي في صومه السكوت عن الكلام في تمام النهار أو بعضه بجعله في نيته من قيود صومه، وأما إذا لم يجعله قيداً وإن صمت فلا بأس به، بل وإن كان في حال النية بانياً على ذلك إذا لم يجعل الكلام جزء من المفطرات وتركه قيداً في صومه)
قوله (صوم الصمت، بأن ينوي في صومه السكوت عن الكلام في تمام النهار أو بعضه بجعله في نيته من قيود صومه) وذلك للتشريع المحرم.
قوله (وأما إذا لم يجعله قيداً وإن صمت فلا بأس به، بل وإن كان في حال النية بانياً على ذلك إذا لم يجعل الكلام جزء من المفطرات وتركه قيداً في صومه) وذلك لعدم التشريع المحرم، لأنه لم يجعله من قيود صومه كما هو الحال في القسم الاول.
وهل يكون صومه في القسم الأول -مضافاً إلى الحرمة التكليفية- باطلاً أو لا؟
قد يستدل على البطلان:-
إما بإعتبار ان ما أمر به لم يأتي به وما اتى به لم يؤمر به، فالذي امر به هو صوم خاص ليس الصمت من مقوماته ولا ترك الكلام من قيوده، وهو لم يأتي بهذا الصوم، والذي جاء به هو صوم جعل ترك الكلام من قيوده، وهذا الصوم لم يؤمر به.
وإما بإعتبار الروايات الناهية عن صوم الصمت، والنهي عن العبادة يقتضي الفساد. نعم شكك بعض المحققين في ثبوت البطلان.