1440/04/17
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/04/17
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أقسام الصوم المحظور/ صوم الصمت، صوم الوصال
(تقدم انه قد يستدل على بطلان صوم الصمت بدليلين، الاول انه لم يؤمر به، والثاني انه وقع منهياً عنه شرعاً)
بالنسبة الى النهي نقول ان الظاهر منه في هذه المقامات هو الارشاد الى عدم مشروعية الصوم، أي الارشاد الى انه شيء لم يؤمر به في الشريعة لا على سبيل الوجوب ولا على سبيل الاستحباب، وهذا يقتضي فساده، فيكون حاله حال النواهي عن العبادات التي يستفاد منها الارشاد الى اعتبار شيء في العبادة، او اعتبار عدم المانع فيها، او عدم المشروعية وامثال هذه الأمور.
هذا مضافاً الى الجهة التي ذكرت وهي انه ما قصد امتثاله لا وجود له في الشريعة، وما هو موجود في الشريعة لم يقصد امتثاله.
حكي عن صاحب المدارك انه احتمل الصحة في المقام، وذلك لصدق امتثال الواجب بالامساك عن المفطرات، والنهي لم يتوجه الى ذات الصوم، وانما توجه الى الصمت المنوي له الذي هو خارج عن حقيقة الصوم، فلا يضر في تحقق الامتثال ما جاء به.
بعبارة أخرى: القاصد لصوم الصمت مأمور بان يمسك عن المفطرات مع نية ذلك، و قد فعل ذلك، نعم اتى بشيء اضافي و هو الامساك عن الكلام، وهو غير ضار بصحة الصوم.
فهذه المسألة تشبه مسألة النظر الى الاجنبية اثناء الصلاة، حيث ان النظر شيء والصلاة شىء اخر، فيكون مَن نظر الى الاجنبية اثناء الصلاة مطيعاً من جهة وعاصياً من جهة أخرى.
لكن يبدو ان الامر ليس هكذا، لان المستند في البطلان هي النصوص، و هي تنهى عن صوم الصمت لا عن الصمت، أي ان المنهي عنه هو المقيد بهذا القيد لا ذات القيد -كما هو الحال في النظر الى الأجنبية، حيث ان النهي فيه لم يتوجه الى الصلاة المقيدة بالنظر الى الأجنبية، فلذلك يحكم بصحة الصلاة استناداً الى ذلك- وهو يقتضي فساد هذه العبادة.
والنصوص التي تدل على ذلك متعددة، فيها ما هو صحيح سنداً، نذكر بعضها:-
الرواية الاولى : صحيحة زرارة
عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال: ولا صمت يوماً إلى الليل.[1]
وسندها هو (محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن زرارة) و طريق الشيخ الصدوق الى زرارة صحيح.
و الموضوع الذي يتكلم عنه في الحديث هو الصوم (صوم الوصال و …)، ثم وردت هذه الفقرة، فلا يوجد احتمال ان يكون المنهي عنه هو الصمت (أي القيد)، فالمقصود هو النهي عن الصمت في الصوم (أي صوم الصمت) الذي هو محل الكلام.
الرواية الثانية: رواية الزهري
عن علي بن الحسين (عليه السلام) - في حديث - قال: وصوم الصمت حرام.[2]
الرواية الثالثة : رواية حماد بن عمرو وأنس بن محمد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام) - في وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) - قال: ولا صمت يوماً إلى الليل - إلى أن قال: - وصوم الصمت حرام[3]
هذه هي النصوص التي تدل على حرمة هذا الصوم، هذا مضافاً الى ما قلناه من انه بالقيود التي ذكرها الماتن لا نحتاج الى اقامة الدليل على حرمة هذا الصوم، لانه واضح الحرمة باعتبار التشريع.
صوم الوصال
قال السيد الماتن : (السادس: صوم الوصال، وهو صوم يوم وليلة إلى السحر، أو صوم يومين بلا إفطار في البين، وأما لو أخر الإفطار إلى السحر أو إلى الليلة الثانية مع عدم قصد جعل تركه جزءاً من الصوم فلا بأس به، وإن كان الأحوط عدم التأخير إلى السحر مطلقاً.)
هناك روايات تدل على حرمته، نذكر بعضها:-
الرواية الاولى : صحيحة زرارة المتقدمة
عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال: لا وصال في صيام.[4]
الرواية الثانية : صحيحة منصور بن حازم
عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال: لا وصال في صيام، ولا صمت يوماً إلى الليل.[5]
وسندها محمد بن علي بن الحسين باسناده عن منصور بن حازم، وطريق الشيخ الصدوق في المشيخة إلى منصور بن حازم وان كان غير تام، لكن يمكن الاعتماد على طريق آخر له يظهر من طريق الشيخ الطوسي إلى منصور بن حازم، وهذا الطريق يمر بالشيخ الصدوق، وهو صحيح يمكن الاعتماد عليه، ومن هنا تكون الرواية تامة سنداً.
الرواية الثالثة: صحيحة الحلبي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره.[6]
والرواية تتعرض لتحديد موضوع صوم الوصال، الذي اُختلف فيه حتى في الروايات، وما ذكرته الرواية هو التفسير الاول له وهو (أن يجعل عشاءه سحوره) أي يبقى ممسكاً إلى السحور، فيصل الليل بالنهار في الامتناع عن المفطرات، والتفسير الثاني لصوم الوصال هو ان يصل يومين في ترك المفطرات، ويمكن الاستدلال بهذه الرواية على حرمة صوم الوصال باعتبار انها بصدد بيان الوصال الذي حرمته الروايات.
وهناك روايات اخرى غير تامة سنداً، ويكفي لإثبات هذا الحكم ما ذكرناه من الروايات، خصوصاً الرواية الأولى، مضافاً إلى انه لا خلاف في حرمته.
اذا نوى المكلف الامساك عن المفطرات إلى السحر، وجعل ذلك من قيود الصوم، فلا اشكال في حرمته من جهة التشريع، اما اذا اكمل الامساك بعد الغروب من دون ان يبني على ذلك حينما نوى الصوم فلا اشكال في جوازه بناءاً على كون حرمة صوم الوصال حرمة تشريعية، فالامتناع عن المفطرات بعد الغروب من دون نية لا اشكال فيه بناءاً على الحرمة التشريعية، ومن هنا نتكلم عن تحديد الموضوع والمراد من صوم الوصال، فنقول:-
فسره الشيخ في جملة من كتبه بالتفسير الاول (يمسك عن الطعام إلى السحر)، وفسره ابن ادريس بالتفسير الثاني (ان يصوم يومين من دون إفطار في الاثناء)، ولا ثمرة عملية للتفريق بين التفسرين بناءاً على القول بالحرمة التشريعية.
ما يدل على التفسير الاول هو صحيحة الحلبي المتقدمة.
وهناك روايتان تدلان على التفسير الثاني، هما:-
ما رواه سليمان
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : وإنما قال (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) : لا وصال في صيام - يعني : لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار،....[7]
وهذه الرواية غير تامة سنداً.
وما رواه زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) - في حديث - قال : ولا قران بين صومين[8]
نعم تظهر الثمرة العملية بين التفسيرين على القول بالحرمة الذاتية وعدم جواز الامتناع عن الاكل والشرب بعد الغروب بقطع النظر عن التشريع -كما ورد في بعض الروايات ان الافطار واجب-، فحينئذ المحرم على المكلف بناءاً على التفسير الاول هو ترك الاكل من الغروب إلى السحر، وعلى التفسير الثاني يمتد التحريم إلى ما بعد السحر (اليوم الثاني)، فاذا تردد الأمر بينهما فلابد أن يجمع بين الدليلين، ومع عدم إمكان الجمع يقتصر على القدر المتيقن وهو التفسير الثاني.
والذي يظهر من الأدلة أن الحرمة في المقام حرمة تشريعية، فترك المفطر مادام لم يدخل في النية ليس حراماً.
ذهب صاحب المدارك[9] إلى الإحتياط بترك الإمساك بعد الغروب إذا كان من دون نية، فهذا يعني أنه حرام ذاتاً، ويستدل على ذلك بصحيحة الحلبي المتقدمة، حيث تكون ظاهرة في حرمة الإمساك بعد الغروب، وهذا يتحقق حتى لو كان من دون نية. وأيضاً يستدل عليه بالآية الشريفة (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وبعض الروايات.