02-03-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/03/02
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة (407 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
الموقف أو العلاج الثاني:- حمل الطائفة الثانية الدالة على حليّة الطيب على من زار البيت بينما الطائفة الأولى نحملها على من لم يزر البيت.
وهذا الوجه ربما يظهر من الشيخ الطوسي(قده) فإنه في الرواية الأولى من روايات الطائفة الثانية - أعني صحيحة سعيد بن يسار - التي قال فيها الامام عليه السلام حينما سئل عمن حلق هل يطلي بالحناء ؟ قال:- ( نعم الحناء والثياب والطيب ) فذكر الطيب بالخصوص أيضاً كذلك والشيخ الطوسي حملها على زيارة البيت - وكان هنا كلام في أنه هل يمكن حملها أو لا لأن النسخ للرواية كانت مختلفة - فالمقصود هو أن هذا الوجه يظهر من الشيخ الطوسي(قده) ، وبذلك يرتفع التعارض ويتحقق الجمع العرفي ولا منافاة آنذاك ، هذا ما قد يقال.
وفيه:- إن هذا إذا أمكن في بعض الروايات من الطائفة الثانية فلا يمكن في بعضها الآخر من قبيل صحيحة الخزّاز حيث جاء فيها أن أبا الحسن عليه السلام ضمّد رأسه بمسكٍ وزار البيت . إذن الزيارة قد حصلت بعد أن تطيّب ، وهكذا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج - التي هي الأخيرة من روايات الطافة الثانية - فإنه جاء فيها الاشارة الى أنه لم يزر البيت حيث جاء فيها:- ( ولد لأبي الحسن مولود بمنى فأرسل إلينا يوم النحر بخبيصٍ فيه زعفران وكنّا قد حلقنا قال عبد الرحمن فأكلت أنا وأبى الكاهلي ومرازم أن يأكلا وقالا لم نزر البيت فسمع أبو الحسن ... ) فهنا قيّد بأنه ( لم نزر البيت ) وهكذا ذكر بعد ذلك . إذن موردها هو حالة عدم زيارة البيت فلا يمكن تقييد الجواز بمن زار البيت ، وهكذا الحال بالنسبة الى صحيحة معاوية بن عمّار التي نقل فيها أنه سئل ابن عباس عن فعل النبي صلى الله عليه وآله فهناك أكّد أيضاً بأنه تطيّب وهو بعدُ لم يزر البيت.
وبالجملة:- إن بعض روايات الطائفة الثانية لا يقبل مثل هذا الحمل . وألفت النظر الى هذه القضية الواضحة وهي أن وجود روايةٍ أو روايتين أو أكثر تقبل هذا الحمل لا ينفع مادام توجد ولو رواية واحدة لا تقبل هذا الحمل . إذن مادام توجد ولو رواية واحدة يمتنع فيها هذا الحمل فهذا العلاج سوف يكون باطلاً ولا ينفع كون بقيّة الروايات قابلة للحمل . إذن نحن لا نحتاج الى أن نبيّن أن أكثر الروايات لا يقبل هذا الحمل بل يكفينا أن نبيّن روايةً واحدةً ولكن هذا من باب التأكيد والتوضيح . إذن هذا الحمل لا يمكن المصير إليه.
الحمل أو الموقف الثالث:- حمل الطائفة الثانية المجوّزة للتطيّب بعد الحلق على غير المتمتع وتلك الأولى المانعة من التطيّب بعد الحلق على المتمتع ، والقرينة على هذا التفصيل ما تقدّمت الاشارة إليه أعني ما وراه محمد بن حمران فإن الامام عليه السلام فصّل بين المتمتع وغيره حيث جاء في الرواية هكذا:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحلّ له ؟ قال كلّ شيءٍ إلا النساء ، وعن المتمتع ما يحلّ له يوم النحر ؟ قال:- كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب ) ، إذن هو عليه السلام فصّل بين المتمتع فلا يحلّ له الطيب وغير المتمتع فيحلّ له الطيب يوم النحر الذي هو يوم الحلق . إذن بقرينة هذه الرواية نجمع بين الطائفتين بحمل الأولى المانعة من التطيّب بعد الحلق على المتمتع والثانية المجوّزة لذلك على غير المتمتع ، هكذا قد يقال ، وربما يظهر من صاحب الجواهر(قده) هذا الحمل في بعض الروايات فإنه أشار إليه فيما سبق في بعض الروايات.
وفيه:- إن أغلب روايات الطائفة الثانية واردة في المتمتع فلا يمكن حملها على غير المتمتع بعدما كان المورد لها هو المتمتع من قبيل صحيحة سعيد بن يسار - التي هي الرواية الأولى من روايات الطائفة الثانية - فإنه جاء فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتمتع قلت إذا حلق رأسه يطليه بالحناء ؟ ... ) إذن موردها هو المتمتع والامام عليه السلام أجاب وقال:- ( نعم والثياب والطيب ) إذن موردها هو التمتع فكيف نحملها على غير المتمتع ؟! وهكذا صحيحة الخزاز - التي هي الرواية الثانية من الطائفة الثانية - ( قال:- رأيت أبا الحسن عليه السلام بعدما ذبح حلق ثم ضمّد رأسه بمسك وزار البيت وعليه قميص وكان متمتعاً ) فإن المفروض فيها أنه كان متمتعاً وذكرنا هنا أن صاحب الجواهر ذكر كلمة ( وكان مقنّعاً ) بدل كلمة ( متمتعاً ) ولكن بناءً على وجود كلمة ( متمتعاً ) وأن كلمة ( مقنعاً ) لم تثبت فحينئذٍ يكون مورد هذه الرواية هو المتمتع . وهكذا بالنسبة الى صحيحة اسحاق بن عمار فإنه جاء فيها:- ( سألت أبا إبراهيم عن المتمتع إذا حلق رأسه ما يحلّ له ؟ فقال:- كلّ شيءٍ إلا النساء ) . وهكذا بالنسبة الى صحيحة عبد الرحمن الواردة في الخبيص وأن الامام موسى عليه السلام أكل منه في حجّتين قبل أن يزور البيت وقلنا إنه من البعيد أنه في كلتا الحجتين كان غير متمتع ، وعلى أي حال يكفينا أن بعض روايات هذه الطائفة مقيّد بالمتمتع . إذن هذا الحمل باطل أيضاً . وبهذا اتضح أنه لا يمكن الجمع بين الطائفتين بنحوٍ يكون التعارض بينهما تعارضاً غير مستقرٍ - أي بنحوٍ يمكن الجمع العرفي - فقد اتضح أن هذه الوجوه الثلاثة التي بها يتحقق الجمع العرفي ويصير التعارض تعارضاً غير مستقر غير صحيحة.
وأما الوجوه التي سوف نذكرها فيما بعد فهي وجوهٌ بعد تعذّر الجمع العرفي - يعني بعد أن يثبت أن التعارض تعارض مستقر - فماذا نفعل ؟ إذن تلك الوجوه الثلاثة أريد بها إثبات أن التعارض غير مستقر والآن نعترف أن الجمع العرفي غير ممكن وأن التعارض مستقر ولكن ماذا نفعل ؟ والجواب:- نذهب الى المرجّحان إن كانت وإن لم تكن هناك مرجّحات فحينئذٍ نقول بالتساقط أو غير ذلك.
الموقف أو الوجه الرابع:- حمل الطائفة الثانية على التقيّة فإنه مادام التعارض مستقراً فنصير الى المرجّحات ومن جملتها الموافقة للقوم والطائفة الثانية موافقة للقوم فتكون ساقطة ، وقد صار الى هذا جمع من الأعلام كصاحب الحدائق[1] وصاحب الجواهر[2] وصاحب المستند[3] والسيد الخوئي[4] ، أما كيف نثبت أن الطائفة الثانية هي موافقة للقوم ؟ ذلك باعتبار ما نقله العلامة في المنتهى حيث قال(قده):- ( إذا حلق وقصّر حلّ له كلّ شيءٍ إلا الطيب النساء الصيد ذهب إليه علماؤنا وبه قال مالك وقال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة يحلّ له كل ّشيءٍ إلا النساء[5] وبه قال ابن الزبير وعلقمة وسالم وطاووس والنخعي أبو ثور )[6] . إذن هناك قولٌ معروف بين القوم يقول بأن الطيب يحلّ بالحلق ومعه نحمل الطائفة الثانية على التقيّة[7].
وفيه:- إن هناك بعض المؤشرات في روايات الطائفة الثانية تمنع من الحمل على القيّة من قبيل ما جاء في الرواية الأولى - أعني صحيحة سعيد بن يسار - فإنه بعد أن سأل من الامام أنه إذا حلق يطلي رأسه بالحناء ؟ فأجاب عليه السلام وقال:- ( نعم الحناء والثياب والطيب وكلّ شيءٍ إلا النساء ردّدها عليَّ مرتين أو ثلاثاً ) فلو كان المورد مورد تقيّة فلا داعي لأن يتبرع الامام عليه السلام ويقول ( نعم الحناء والثياب والطيب وكلّ شيء .. ) بل من المناسب أن يقتصر على مورد السؤال وهو الحناء فهذه الزيادة وانشراح الصدر يتنافى وكون الظرف ظرف تقيّة بل هو ظرف بيان الحكم الواقعي ، مضافاً الى أنه عليه السلام ردّد ذلك مرّتين أو ثلاثة وظرف التقيّة يأبى عن ذلك فالمناسب حينئذٍ أن يبيّن مرةً - أو إن صح التعبير نصف مرّة - لا أن يأخذ هو بالتأكيد . إذن هذه مؤشرات واضحة على أن الظرف ليس هو ظرف التقيّة . وهكذا صحيحة الخزاز:- ( رأيت أبا الحسن بعدما ذبح حلق ثم ضمَّد رأسه بمسك - بِسُكٍّ - وزار البيت .. ) فلو كان استعمال الطيب بعد الحلق لا يجوز لما كان هناك وجهٌ لأن يصنع الامام ذلك بنفسه فإن التقيّة تحوج صاحبها الى أن يقول كلاماً يتناسب مع التقيّة أما أنه هو يتلبس بالفعل وهو يتطيب فهذا لا داعي إليه فإن التقيّة لا تقول له لابد لك أن تتطيب في مقام العمل والفعل وإنما تفرض عليه في مقام الكلام أن يقول ( نعم الطيب حلال ) أما أنه هو يتصدّى بنفسه فهذا يدلّ على أن الظرف ليس ظرف التقيّة . وهكذا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج فإنه جاء فيها:- ( فقال:- يا أبَ إن موسى أكل خبيصاً فيه زعفران ولم يزر بعدُ ، فقال أبي:- هو أفقه منك أليس قد حلقتم رؤوسكم ) فإنه لو كان الجو جوّ تقيّة لما كان هناك داعٍ لأن يأكل الامام موسى عليه السلام الخبيص الذي فيه الزعفران لما أشرنا إليه من أن التقيّة تفرض على صاحبها أن يفتي فتوى مخالفة للواقع لا أن يفعل فعلاً مخالفاً للواقع ، مضافاً الى ذلك تعليل الامام الصادق عليه السلام ( أليس قد حلقتم رؤوسكم ) فإنه إذا كان المورد مورد تقيّة فلا داعي الى تأكيد الغلط بتعليلٍ . إذن نفس ذكر التعليل هو مؤشر واضح على أن الظرف ليس ظرف التقيّة .
وبهذا اتضح أن ترجيح الطائفة الأولى على الثانية بحمل الثانية على التقيّة أمرٌ مرفوضٌ أيضاً.
الموقف أو العلاج الثاني:- حمل الطائفة الثانية الدالة على حليّة الطيب على من زار البيت بينما الطائفة الأولى نحملها على من لم يزر البيت.
وهذا الوجه ربما يظهر من الشيخ الطوسي(قده) فإنه في الرواية الأولى من روايات الطائفة الثانية - أعني صحيحة سعيد بن يسار - التي قال فيها الامام عليه السلام حينما سئل عمن حلق هل يطلي بالحناء ؟ قال:- ( نعم الحناء والثياب والطيب ) فذكر الطيب بالخصوص أيضاً كذلك والشيخ الطوسي حملها على زيارة البيت - وكان هنا كلام في أنه هل يمكن حملها أو لا لأن النسخ للرواية كانت مختلفة - فالمقصود هو أن هذا الوجه يظهر من الشيخ الطوسي(قده) ، وبذلك يرتفع التعارض ويتحقق الجمع العرفي ولا منافاة آنذاك ، هذا ما قد يقال.
وفيه:- إن هذا إذا أمكن في بعض الروايات من الطائفة الثانية فلا يمكن في بعضها الآخر من قبيل صحيحة الخزّاز حيث جاء فيها أن أبا الحسن عليه السلام ضمّد رأسه بمسكٍ وزار البيت . إذن الزيارة قد حصلت بعد أن تطيّب ، وهكذا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج - التي هي الأخيرة من روايات الطافة الثانية - فإنه جاء فيها الاشارة الى أنه لم يزر البيت حيث جاء فيها:- ( ولد لأبي الحسن مولود بمنى فأرسل إلينا يوم النحر بخبيصٍ فيه زعفران وكنّا قد حلقنا قال عبد الرحمن فأكلت أنا وأبى الكاهلي ومرازم أن يأكلا وقالا لم نزر البيت فسمع أبو الحسن ... ) فهنا قيّد بأنه ( لم نزر البيت ) وهكذا ذكر بعد ذلك . إذن موردها هو حالة عدم زيارة البيت فلا يمكن تقييد الجواز بمن زار البيت ، وهكذا الحال بالنسبة الى صحيحة معاوية بن عمّار التي نقل فيها أنه سئل ابن عباس عن فعل النبي صلى الله عليه وآله فهناك أكّد أيضاً بأنه تطيّب وهو بعدُ لم يزر البيت.
وبالجملة:- إن بعض روايات الطائفة الثانية لا يقبل مثل هذا الحمل . وألفت النظر الى هذه القضية الواضحة وهي أن وجود روايةٍ أو روايتين أو أكثر تقبل هذا الحمل لا ينفع مادام توجد ولو رواية واحدة لا تقبل هذا الحمل . إذن مادام توجد ولو رواية واحدة يمتنع فيها هذا الحمل فهذا العلاج سوف يكون باطلاً ولا ينفع كون بقيّة الروايات قابلة للحمل . إذن نحن لا نحتاج الى أن نبيّن أن أكثر الروايات لا يقبل هذا الحمل بل يكفينا أن نبيّن روايةً واحدةً ولكن هذا من باب التأكيد والتوضيح . إذن هذا الحمل لا يمكن المصير إليه.
الحمل أو الموقف الثالث:- حمل الطائفة الثانية المجوّزة للتطيّب بعد الحلق على غير المتمتع وتلك الأولى المانعة من التطيّب بعد الحلق على المتمتع ، والقرينة على هذا التفصيل ما تقدّمت الاشارة إليه أعني ما وراه محمد بن حمران فإن الامام عليه السلام فصّل بين المتمتع وغيره حيث جاء في الرواية هكذا:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحلّ له ؟ قال كلّ شيءٍ إلا النساء ، وعن المتمتع ما يحلّ له يوم النحر ؟ قال:- كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب ) ، إذن هو عليه السلام فصّل بين المتمتع فلا يحلّ له الطيب وغير المتمتع فيحلّ له الطيب يوم النحر الذي هو يوم الحلق . إذن بقرينة هذه الرواية نجمع بين الطائفتين بحمل الأولى المانعة من التطيّب بعد الحلق على المتمتع والثانية المجوّزة لذلك على غير المتمتع ، هكذا قد يقال ، وربما يظهر من صاحب الجواهر(قده) هذا الحمل في بعض الروايات فإنه أشار إليه فيما سبق في بعض الروايات.
وفيه:- إن أغلب روايات الطائفة الثانية واردة في المتمتع فلا يمكن حملها على غير المتمتع بعدما كان المورد لها هو المتمتع من قبيل صحيحة سعيد بن يسار - التي هي الرواية الأولى من روايات الطائفة الثانية - فإنه جاء فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتمتع قلت إذا حلق رأسه يطليه بالحناء ؟ ... ) إذن موردها هو المتمتع والامام عليه السلام أجاب وقال:- ( نعم والثياب والطيب ) إذن موردها هو التمتع فكيف نحملها على غير المتمتع ؟! وهكذا صحيحة الخزاز - التي هي الرواية الثانية من الطائفة الثانية - ( قال:- رأيت أبا الحسن عليه السلام بعدما ذبح حلق ثم ضمّد رأسه بمسك وزار البيت وعليه قميص وكان متمتعاً ) فإن المفروض فيها أنه كان متمتعاً وذكرنا هنا أن صاحب الجواهر ذكر كلمة ( وكان مقنّعاً ) بدل كلمة ( متمتعاً ) ولكن بناءً على وجود كلمة ( متمتعاً ) وأن كلمة ( مقنعاً ) لم تثبت فحينئذٍ يكون مورد هذه الرواية هو المتمتع . وهكذا بالنسبة الى صحيحة اسحاق بن عمار فإنه جاء فيها:- ( سألت أبا إبراهيم عن المتمتع إذا حلق رأسه ما يحلّ له ؟ فقال:- كلّ شيءٍ إلا النساء ) . وهكذا بالنسبة الى صحيحة عبد الرحمن الواردة في الخبيص وأن الامام موسى عليه السلام أكل منه في حجّتين قبل أن يزور البيت وقلنا إنه من البعيد أنه في كلتا الحجتين كان غير متمتع ، وعلى أي حال يكفينا أن بعض روايات هذه الطائفة مقيّد بالمتمتع . إذن هذا الحمل باطل أيضاً . وبهذا اتضح أنه لا يمكن الجمع بين الطائفتين بنحوٍ يكون التعارض بينهما تعارضاً غير مستقرٍ - أي بنحوٍ يمكن الجمع العرفي - فقد اتضح أن هذه الوجوه الثلاثة التي بها يتحقق الجمع العرفي ويصير التعارض تعارضاً غير مستقر غير صحيحة.
وأما الوجوه التي سوف نذكرها فيما بعد فهي وجوهٌ بعد تعذّر الجمع العرفي - يعني بعد أن يثبت أن التعارض تعارض مستقر - فماذا نفعل ؟ إذن تلك الوجوه الثلاثة أريد بها إثبات أن التعارض غير مستقر والآن نعترف أن الجمع العرفي غير ممكن وأن التعارض مستقر ولكن ماذا نفعل ؟ والجواب:- نذهب الى المرجّحان إن كانت وإن لم تكن هناك مرجّحات فحينئذٍ نقول بالتساقط أو غير ذلك.
الموقف أو الوجه الرابع:- حمل الطائفة الثانية على التقيّة فإنه مادام التعارض مستقراً فنصير الى المرجّحات ومن جملتها الموافقة للقوم والطائفة الثانية موافقة للقوم فتكون ساقطة ، وقد صار الى هذا جمع من الأعلام كصاحب الحدائق[1] وصاحب الجواهر[2] وصاحب المستند[3] والسيد الخوئي[4] ، أما كيف نثبت أن الطائفة الثانية هي موافقة للقوم ؟ ذلك باعتبار ما نقله العلامة في المنتهى حيث قال(قده):- ( إذا حلق وقصّر حلّ له كلّ شيءٍ إلا الطيب النساء الصيد ذهب إليه علماؤنا وبه قال مالك وقال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة يحلّ له كل ّشيءٍ إلا النساء[5] وبه قال ابن الزبير وعلقمة وسالم وطاووس والنخعي أبو ثور )[6] . إذن هناك قولٌ معروف بين القوم يقول بأن الطيب يحلّ بالحلق ومعه نحمل الطائفة الثانية على التقيّة[7].
وفيه:- إن هناك بعض المؤشرات في روايات الطائفة الثانية تمنع من الحمل على القيّة من قبيل ما جاء في الرواية الأولى - أعني صحيحة سعيد بن يسار - فإنه بعد أن سأل من الامام أنه إذا حلق يطلي رأسه بالحناء ؟ فأجاب عليه السلام وقال:- ( نعم الحناء والثياب والطيب وكلّ شيءٍ إلا النساء ردّدها عليَّ مرتين أو ثلاثاً ) فلو كان المورد مورد تقيّة فلا داعي لأن يتبرع الامام عليه السلام ويقول ( نعم الحناء والثياب والطيب وكلّ شيء .. ) بل من المناسب أن يقتصر على مورد السؤال وهو الحناء فهذه الزيادة وانشراح الصدر يتنافى وكون الظرف ظرف تقيّة بل هو ظرف بيان الحكم الواقعي ، مضافاً الى أنه عليه السلام ردّد ذلك مرّتين أو ثلاثة وظرف التقيّة يأبى عن ذلك فالمناسب حينئذٍ أن يبيّن مرةً - أو إن صح التعبير نصف مرّة - لا أن يأخذ هو بالتأكيد . إذن هذه مؤشرات واضحة على أن الظرف ليس هو ظرف التقيّة . وهكذا صحيحة الخزاز:- ( رأيت أبا الحسن بعدما ذبح حلق ثم ضمَّد رأسه بمسك - بِسُكٍّ - وزار البيت .. ) فلو كان استعمال الطيب بعد الحلق لا يجوز لما كان هناك وجهٌ لأن يصنع الامام ذلك بنفسه فإن التقيّة تحوج صاحبها الى أن يقول كلاماً يتناسب مع التقيّة أما أنه هو يتلبس بالفعل وهو يتطيب فهذا لا داعي إليه فإن التقيّة لا تقول له لابد لك أن تتطيب في مقام العمل والفعل وإنما تفرض عليه في مقام الكلام أن يقول ( نعم الطيب حلال ) أما أنه هو يتصدّى بنفسه فهذا يدلّ على أن الظرف ليس ظرف التقيّة . وهكذا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج فإنه جاء فيها:- ( فقال:- يا أبَ إن موسى أكل خبيصاً فيه زعفران ولم يزر بعدُ ، فقال أبي:- هو أفقه منك أليس قد حلقتم رؤوسكم ) فإنه لو كان الجو جوّ تقيّة لما كان هناك داعٍ لأن يأكل الامام موسى عليه السلام الخبيص الذي فيه الزعفران لما أشرنا إليه من أن التقيّة تفرض على صاحبها أن يفتي فتوى مخالفة للواقع لا أن يفعل فعلاً مخالفاً للواقع ، مضافاً الى ذلك تعليل الامام الصادق عليه السلام ( أليس قد حلقتم رؤوسكم ) فإنه إذا كان المورد مورد تقيّة فلا داعي الى تأكيد الغلط بتعليلٍ . إذن نفس ذكر التعليل هو مؤشر واضح على أن الظرف ليس ظرف التقيّة .
وبهذا اتضح أن ترجيح الطائفة الأولى على الثانية بحمل الثانية على التقيّة أمرٌ مرفوضٌ أيضاً.