1440/05/19
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/05/19
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه
قلنا بان السيد الماتن (قده) فرّع على اشتراط الصوم في الاعتكاف انه لا يصح وقوعه من المسافر، لان الصوم لا يصح منه فلا يصح منه الاعتكاف وهذا هو المعروف بين العلماء، لكن حكي الخلاف في ذلك عن الشيخ الصدوق، والشيخ الطوسي في بعض كتبه، والشيخ ابن ادريس، إستناداً إلى إطلاق دليل مشروعية الاعتكاف لحالة السفر، اذ لا معنى لمشروعية الاعتكاف في السفر الا اذا كان صوم الاعتكاف مشروعاً فيه.
وقد ناقشنا في ذلك بان ما صنعوه ليس اولى من العكس بان يقال ان الصوم معتبر في الإعتكاف بلا اشكال، ومقتضى اطلاق ما دل على عدم مشروعية الصوم في السفر انه غير مشروع حتى من المعتكف، فلا يجوز الاعتكاف في السفر.
ونضيف مناقشة اخرى وهي أن هذا الاستدلال والمناقشة المتقدمة فيه مبني على افتراض وجود إطلاق في أدلة مشروعية الإعتكاف، أما اذا قلنا بان هذه الأدلة لا اطلاق فيها لحالة السفر فلا مجال لهذا الاستدلال، والصحيح انه لا اطلاق لهذه الأدلة بلحاظ السفر، بإعتبار ان ادلة مشروعية الإعتكاف مقيدة بالصوم، والصوم مقيد بالحضر، وهذا يعتبر قرينة على عدم الاطلاق في ادلة مشروعية الاعتكاف او على الأقل يصلح لذلك، ولعله لذلك لا اشكال عندهم في عدم صحة الصلاة مع الوضوء بالماء المضاف ولا وجه فيه الا منع اطلاق ادلة مشروعية الصلاة لما اذا كانت مع الوضوء بالمضاف، وذلك لوجود ما يدل على عدم مشروعية الوضوء بالماء المضاف وهو مقيد لشرطية الطهارة في الصلاة، فادلة مشروعية الصلاة مقيدة بالطهارة، والطهارة مقيدة بان لا تكون بالماء المضاف، فكيف يكون لادلة مشروعية الصلاة اطلاق يشمل حالة الطهارة بالماء المضاف؟!
ويمكن ان ينقض على ذلك بشيء اخر وهو ان نفس الكلام الذي يقال في الصوم في السفر يمكن ان يقال في الاعتكاف في يوم العيد، ببيان ان مقتضى اطلاق ادلة مشروعية الاعتكاف انه يجوز حتى في يوم العيد، لانها تدل على مشروعية الاعتكاف المقيد بالصوم، وهذا الحكم مطلق سواء كان في العيد أو في غيره، وحيث ان الصوم شرط في الاعتكاف فهي تجوّز الصوم في العيد، والحال انه لا احد يلتزم بذلك ولم يطرح هذا الكلام أساساً، وليس ذلك الا من جهة ان ادلة مشروعية الاعتكاف لا اطلاق فيها للافراد التي يحرم فيها الصوم.
فالصحيح في المقام منع وجود الإطلاق في هذه الأدلة، فيتجه ما ذهب إليه المشهور من عدم جواز الإعتكاف في السفر.
نعم إذا بنينا على جواز الصوم المندوب في السفر فلا مانع من جواز الإعتكاف في السفر، بإعتبار أن الإعتكاف مندوب ولا مانع من الإتيان بالصوم المندوب فيه في السفر، وإن وجب صوم اليوم الثالث ولكن لا يعارض مندوبية الإعتكاف وصومه، فلا مانع من الإتيان بالإعتكاف في السفر بناءاً على هذا الرأي، ولعل بعض الذين نسب إليهم القول بجواز الإعتكاف في السفر يذهبون إلى ذلك كما نقل عن الشيخ الطوسي القول بجواز الصوم المندوب في السفر؛ لكن تقدم المنع عن هذا الرأي وعدم مشروعية الصوم في السفر مطلقاً سواءاً أكان مندوباً أم واجباً.
قال السيد الماتن (قده): (ولا من الحائض والنفساء)
بإعتبار أنه لايصح منهما الصوم فلا يصح منهما الإعتكاف، هذا بقطع النظر عن مسألة عدم جواز لبثهما في المسجد، فالماتن جعل المسألة تفريعاً على عدم صحة الصوم منهما وإلا فحقيقة الإعتكاف هو اللبث في المسجد وهما لا يجوز لهما اللبث في المسجد.
ثم قال (قده): (ولا في العيدين، بل لو دخل فيه قبل العيد بيومين لم يصح وإن كان غافلاً حين الدخول، نعم لو نوى اعتكاف زمان يكون اليوم الرابع أو الخامس منه العيد فإن كان على وجه التقييد بالتتابع لم يصح، وإن كان على وجه الاطلاق لا يبعد صحته، فيكون العيد فاصلاً بين أيام الاعتكاف)
ذكر السيد الماتن (قده) عدم صحة الإعتكاف في العيدين وذلك لعدم صحة الصوم فيهما، وكذلك لم يصح الإعتكاف لو كان غافلاً من أنه اليوم الثالث منه هو يوم العيدين، لأن عدم صحة صوم يوم العيد غير مشروط بعدم الغفلة والإلتفات، فلا يصح الصوم حتى مع الغفلة وعدم الإلتفات.
أما لو نوى الإعتكاف زماناً ولم يكن ثالث أيامه هو يوم العيد بأن يكون اليوم الرابع أو اليوم الخامس هو يوم العيد، فحينئذ لا إشكال في عدم صحة الإعتكاف إذا نواه على نحو التقييد بالتتابع، لأن معنى التتابع هو إنضمام اليوم الرابع أو الخامس بالإعتكاف ولازمه هو أن يكون معتكفاً في يوم العيد، والمفروض عدم صحة الصوم فيه، فبالتالي الصوم لا يصح في المقيد لعدم صحة الصوم في القيد وهو يوم العيد.
أما إذا نوى الإعتكاف زماناً على وجه الإطلاق -أي لا بشرط من التتابع- فلا إشكال في عدم صحة الإعتكاف في يوم العيد، ولكن الإشكال يقع:-
أولاً في صحة الإعتكاف في الأيام الثلاثة الأولى التي يكون العيد رابعها، أو في صحته فيها مع اليوم الرابع إذا كان خامسها هو يوم العيد.
وثانياً في صحة إلحاق اليوم الذي بعد العيد بالإعتكاف الذي قبله إذا فصل بينهما يوم العيد.
أما المورد الأول فصحة الإعتكاف في الثلاثة الأولى ظاهر لا إشكال فيها، لأن الإعتكاف أخذ على نحو الإطلاق فلا وجه للحكم ببطلان الإعتكاف في الأيام الثلاثة الأولى. أما اليوم الرابع -إن كان اليوم الخامس هو العيد- فالظاهر أن صحة الإعتكاف فيه أو عدم صحته مبنية على مسألة جواز الإعتكاف في الأكثر من الثلاثة وإن كان يوماً واحداً بل لو كان جزء يوم أو ليلة أو جزء ليلة -وسيأتي تحقيقها قريباً-، فحينئذ يكون حال الإعتكاف في اليوم الرابع حال الإعتكاف في الثلاثة الأولى التي حكمنا بصحته فيها فيصح الإعتكاف في اليوم الرابع.
وأما المورد الثاني وهو إلحاق اليوم الذي يقع بعد العيد -سواءاً أكان هو اليوم الخامس فيما لو كان العيد في اليوم الرابع، أو كان هو اليوم السادس لو كان العيد في اليوم الخامس- بالأيام التي كانت قبله، فهو محل خلاف وذهب السيد الماتن (قده) إلى الإلحاق وصحة الإعتكاف كإعتكاف واحد، وسيأتي بحثه إن شاء الله تعالى.