1440/05/20
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/05/20
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه
كان الكلام في صحة الإعتكاف في اليوم الواقع بعد العيد في مسألة ما اذا نوى الاعتكاف في زمان رابعه العيد او خامسه العيد، وهذا اليوم تارة نفترضه هو اليوم الخامس فيما اذا نوى الاعتكاف في زمان (خمسة ايام) كان رابعه العيد فيقع الكلام عن صحة الاعتكاف في اليوم الخامس، وأخرى نفترضه هو اليوم السادس كما اذا فرضنا انه نوى الاعتكاف ستة ايام و كان اليوم الخامس هو العيد.
والكلام فيه من جهة مسألة الفصل بين هذه الايام بيوم العيد -الذي لا يصح فيه الاعتكاف بلا اشكال- وان يوم العيد هل يمنع من إلحاق ما بعده بما قبله او لا يمنع من ذلك؟
السيد الماتن (قده) حكم بصحة الاعتكاف وذكر ان هذا اليوم يكون ملحقاً بما قبل العيد ويكون العيد فاصلاً بين ايام الإعتكاف، فكأنما يفترضه اعتكافاً واحداً وقع الفاصل بين ايامه فيكون ملحقاً بما قبل العيد، لكن أغلب شراح العروة والمعلقين عليها استشكلوا في ذلك وذهبوا الى عدم صحة الإعتكاف في اليوم الواقع بعد العيد واستدلوا على ذلك بأن الظاهر من الأدلة ان التوالي معتبر في صحة الإعتكاف، ومع الفصل بيوم العيد لا يصح الحاق ما بعد العيد بما قبله لعدم تحقق التوالي المعتبر في صحة الإعتكاف.
لا يخفى انه ينبغي التفريق بين مسألة الحاق ما بعد العيد بما قبله في الاعتكاف وبين مسألة الحكم بصحة الاعتكاف في اليوم الواقع بعد العيد؛ أما مسألة الالحاق فكما قالوا لا يحكم به خلافاً للسيد الماتن (قده)، وذلك لاعتبار التوالي في ايام الإعتكاف، وأما مسألة الصحة فلا داعي إلى الحكم ببطلان الإعتكاف فيه، وإنما يحكم بصحته على أساس انه اعتكاف مستأنف يكون اوله هذا اليوم، فيكون حكمه انه بإمكانه ان يتمه ويعتكف يوماً اخر وحينئذ يجب عليه الاعتكاف في اليوم الثالث -كما سيأتي بحثه-، وبإمكانه ان لا يتمه ويفسخ الاعتكاف فيه، والسر في الحكم بصحة الاعتكاف انه نوى الاعتكاف في هذا الزمان الذي يشمل هذا اليوم بحسب الفرض، والمفروض انه نواه لا على نحو التقييد فلا يكون هناك مبرر للحكم ببطلان الاعتكاف في هذا اليوم، نعم الشيء المسلم انه لا يمكن الحاقه بما تقدم على العيد.
أما اذا فرضنا ان ما بعد العيد كان عبارة عن يومين كما اذا فرضنا انه نوى الاعتكاف في ستة ايام وصادف العيد في اليوم الرابع فيقع الكلام عن صحته في اليومين الواقعين بعد العيد، فان هذين اليومين وان كان لا يجب عليه الاعتكاف فيهما لكن اذا اعتكف فيهما وجب عليه الاعتكاف في اليوم الثالث، فحكم الاعتكاف فيهما هو الصحة كما في الفرض السابق.
ويمكن افتراض فرض اخر وهو ما اذا نوى الاعتكاف في ستة ايام و كان العيد هو اليوم السادس، والكلام يقع في صحة الاعتكاف في اليومين قبل يوم العيد (أي اليومين الرابع والخامس)، ومنشأ طرح هذا التساؤل هو أن هذين اليومين يومان ثالثهما العيد فهل يمكن الحاقهما بالثلاثة الأولى وبالتالي نحكم بصحة الإعتكاف فيهما، او يحكم ببطلانه فيهما بإعتبار أن المستفاد من الأدلة ان هناك قاعدة تقول (ان كل يومين يكون ثالثهما مما لا يصح الصوم فيه لا يصح فيهما الاعتكاف) وهذان يومان ثالثهما العيد فلا يصح فيهما الاعتكاف.
لا يبعد الحكم بالبطلان فيهما وأنه يكون أصح، ويكون القول بإلحاقهما بما قبلهما ضعيف، بإعتبار أن الأدلة تساعد على بطلان الإعتكاف في كل يومين يصادف اليوم الثالث لهما يوم يحرم صومه فيستفاد منها هذه القاعدة العامة.
ومن هنا يفرق بين اليوم الواحد الذي بعده العيد كما لوكان العيد في اليوم الخامس فيحكم بالإلحاق -بناءاً على جواز الزيادة على الثلاثة- والصحة، وبين اليومين كما إذا كان العيد في اليوم السادس فيحكم بالبطلان فيهما للقاعدة المتقدمة أو لا أقل يشكل الحكم بالصحة فيهما.
قال السيد الماتن (قده): (الخامس: أن لا يكون أقل من ثلاثة أيام)
الظاهر أن هذا مما لا خلاف فيه بل أدعي عليه الإجماع بقسميه كما في الجواهر، وتدل عليه الروايات الكثيرة والصريحة في هذا المعنى من قبيل:
صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام.[1]
وموثقة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام.[2]
ومعتبرة أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام) - في حديث - قال: من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر وإن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر.[3]
وكذلك رواية داود بن سرحان حيث قال: بدأني أبو عبد الله (عليه السلام) من غير أن أسأله فقال: الاعتكاف ثلاثة أيام - يعني: السنة - إن شاء الله.[4] إلا أنه يوجد إشكال في سندها من ناحية سهل بن زياد.
ثم قال (قده): (وأما الأزيد فلا بأس به وإن كان الزائد يوماً أو بعضه أو ليلة أو بعضها)
ذهب السيد الماتن (قده) وكثير ممن تعرضوا إلى هذه المسألة إلى جواز الزيادة، لكن الكلام يقع في أنه ما هو الدليل على جواز هذه الزيادة؟
السيد الخوئي (قده) أستدل بإطلاق أدلة مشروعية الإعتكاف، فمقتضى هذا الإطلاق -حيث أنها قيدت من ناحية القلة دون الكثرة- هو جواز الزيادة، ولابد أن يكون مقصوده من أدلة مشروعية الإعتكاف هي الأدلة التي دلت على مشروعيته وإستحبابه من الكتاب والسنة.
أما بالنسبة للكتاب فمن الصعب جداً العثور على آية ذكر فيها الإعتكاف ويمكن التمسك بإطلاقها من الناحية المبحوث عنها، فالآيات هي:
قوله تعالى: (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ)
وقوله تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)
وقد تقدم الكلام في هاتين الآيتين وقلنا أن الظاهر من الإعتكاف فيهما هو اللغوي لا الشرعي ليتمسك بإطلاقه.
أما قوله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)
وإن كان المقصود منها هو الإعتكاف الشرعي كما يبدو من التفاسير إلا أنها ليست في مقام بيان مشروعية الإعتكاف وكيفية إنعقاده ليتمسك بإطلاقها، بل هي تبين حكماً آخر يتعلق بالإعتكاف -بعد الفراغ عن تحققه وإنعقاده- وهي حرمة المباشرة.
وأما السنة: فيحتاج إلى بحث في الروايات حتى نحصل على واحدة منها تكون في مقام بيان أصل مشروعية الإعتكاف، لكن يبدو أن معظم الروايات تكون كالآية الأخيرة، حيث تثبت حكماً بعد الفراغ عن مشروعية الإعتكاف، فليست في مقام بيان أصل مشروعيته.
نعم، السيد الحكيم (قده) في المستمسك تمسك بمفهوم معتبرة أبي عبيدة الحذاء المتقدمة لإثبات جواز الزيادة على ثلاثة أيام، حيث قال الإمام (عليه السلام) فيها: (من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر وإن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر)، فمفهوم ذيل الرواية هو (فإن أقام أقل من يومين بعد الثلاثة الأولى فيجوز له الخروج)، بمعنى جواز إنهاء الإعتكاف في ذلك الوقت (أي أقل من يومين)، فجواز الخروج المستفاد من المفهوم فيه دلالة إلتزامية -حسب تعبيره (قده)- أو دلالة سياقية -حسب تعبير غيره- على مشروعية الإعتكاف فيما زاد عن ثلاثة أيام، وإذا ثبتت مشروعية الزيادة فيجوز له أن ينويها من البداية.