1440/06/11
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/06/12
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه
كان الكلام في بطلان الإعتكاف بالخروج، وقلنا ان الخروج تارة يكون عمداً وفي حال العلم، وأخرى في حال الجهل، وثالثة يكون في حال النسيان، ورابعة يكون في حال الإكراه، وخامسة يكون في حال وجود حاجة، وقد تكلمنا عن الخروج العمدي بكلا قسميه (مع العلم أو الجهل) والخروج عن الحاجة، ويقع الكلام في حال النسيان، فنقول:
أن الإلتزام بمقتضى القاعدة التي أسسناها يواجه مشكلتين بالنسبة إلى الناسي، الأولى من ناحية الفتاوى، من جهة ذهاب المشهور -على أقل تقدير- إلى عدم المبطلية في حال النسيان، والثانية من ناحية الأدلة، من جهة أنه إستدل على عدم مبطلية الخروج نسياناً للاعتكاف بأدلة سيأتي استعراضها.
اما من الناحية الأولى فقيل بأن المشهور ذهب الى عدم البطلان، بل الشيخ صاحب الجواهر ذكر بانه لم يجد خلافاً في ذلك، ويمكن التغلب على هذه المشكلة بان الظاهر من كلماتهم ان القائلين بصحة الاعتكاف مع الخروج نسياناً يستندون الى الأدلة الآتية كحديث الرفع وانصراف الادلة عن حالة النسيان و…، وليس من الضروري إثبات ان كل المشهور او كل المجمعين استندوا اليها، بل يكفي استناد البعض اليها فتكون الشهرة حينئذ مدركية، فعلينا ملاحظة المدارك.
هذا مضافاً الى عدم وجود دعوى الإجماع في المقام حتى من قِبل الشيخ صاحب الجواهر، فانه عبّر ب(أني لم أجد مخالفاً) وهذا غير دعوى الإجماع.
اما من الناحية الثانية فنقول:إن أول دليل استدل به على عدم المبطلية هو الأصل، والظاهر ان المراد به اصالة عدم مانعية الخروج عن نسيان بعد فرض عدم قيام الدليل التام على المانعية والشك في ذلك، نعم هذا الدليل يحتاج الى اثبات عدم وجود دليل يدل على المانعية، فلابد من ابطال كل ما استدل به عليها، والمستدل ملتفت الى هذا الشيء فقال بان الادلة التي يستدل بها على المانعية لا تخرج من احد امور ثلاثة -نذكرها إجمالاً وسيأتي التعرض لها تفصيلاً-:
أولها الإجماع، ثانيها الروايات الناهية عن الخروج التي يستفاد منها الإرشاد الى المانعية، ثالثها مسألة تقوّم الاعتكاف باللبث والبقاء في المسجد.
وكلها غير تام، أما الإجماع فباعتبار عدم تحققه على المانعية، بل لعل هناك إجماعاً على الصحة كما عن صاحب الجواهر، أما الروايات فلا تشمل حالة النسيان بناءاً على استفادة المانعية منها، لانصرافها عن حالة النسيان، والقرينة على هذا الانصراف نفس النهي عن الخروج، لان النهي إنما يتوجه الى المتذكر ولا معنى لتوجهه الى الناسي، أما مسألة منافاة الخروج للاعتكاف فانما تتم لو كان الخروج لمدة طويلة بحيث يكون موجباً لمحو صورة الإعتكاف، وهذا غير محل كلامنا بل محل الكلام ما اذا خرج لمدة قصيرة لا توجب انمحاء صورة الإعتكاف، وهذا لا يكون منافياً للاعتكاف، ولا يكون الاعتكاف متقوماً باللبث في مقابل هذا الخروج الجزئي البسيط عن نسيان، وبعد ابطال هذه الادلة يحصل الشك في مانعية الخروج والأصل عدم المانعية.
قد يفسر الأصل بتفسير آخر ويكون المقصود به هو أصالة الصحة، فالأصل عند الشك في صحة الإعتكاف وعدمها هو الصحة. والإشكال عليه واضح، لأن أصالة الصحة إنما تجري بعد الفراغ من العمل ومحل كلامنا فيما اذا كان الشك اثناء العمل، ومن المستبعد أن يكون هذا هو مقصودهم من الأصل، وإنما مقصودهم هو أصالة عدم المانعية عند الشك في المانعية الناشئ من عدم قيام دليل عليها، ويكون من قبيل الشك في مانعية النوم مثلاً للإعتكاف، فكل شيء في الإعتكاف نشك في مانعيته ولم يقم دليل على مانعيته فالأصل عدمه.
ثم إنّا ندعي بعد عدم تمامية ما استدل به على المبطلية في المقام -من الإجماع والروايات ومسألة تقوّم الإعتكاف باللبث- لا تصل النوبة إلى الأصل العملي وذلك لوجود الدليل الإجتهادي على البطلان، وهذا الدليل لا يكون منصرفاً عن صورة النسيان، لأن القرينة التي تذكر للإنصراف -وهي إشتمال الأدلة على النهي الذي لا يمكن أن يتوجه إلى الناسي فيختص بالمتذكر- تختص بالروايات المشتملة على النهي، والحال توجد روايات صحيحة لسانها هو المانعية وليس النهي عن الخروج[1] ، فتشمل حتى صورة النسيان، ولا تأتي القرينة التي ذكرت للإنصراف هنا، وسيأتي التعرض إلى ذلك مفصلاً.
الدليل الثاني على عدم المبطلية -وهذا الدليل كثيراً ما يذكر في كلماتهم- وهي دعوى إنصراف ما دل على المانعية عن صورة النسيان بالتقريب المتقدم، فلا يبقى دليل يدل على المانعية.
وفيه أنه في الأدلة التي لا تشتمل على النهي يكون مجرد دعوى لا شاهد لها؛ وأما الروايات التي يوجد فيها نهي فلا دليل على إختصاصها بخصوص المتذكر، بل تشمله وتشمل الناسي وتكون كالأدلة الدالة على المانعية والشرطية والجزئية وغيرها من الأحكام الوضعية التي تشمل الناسي والمتذكر.
وأما دعوى الإنصراف عن حالة النسيان لوجود النهي الذي يختص بغير الناسي، فالجواب عنها أن هذه القرينة لا تنافي شمول الحكم للناسي:
إمّا بما ذكر في المستمسك وغيره من أنه من المسلّم أنه لا يعقل توجيه خطاب الأمر أو النهي للناسي، لأن الخطاب يكون لغرض التحريك، والتحريك للناسي غير معقول مع فرض بقاء حالة نسيانه، فلا يمكن توجه الخطاب له، لكنّ الخطاب بما له من الملاكات والمبادئ فلا مشكلة من شموله لحالة النسيان، وموردنا من هذا القبيل، فالمبادئ عامة ثابتة للحكم ولا مانع من شمول هذا الحكم بما له من المبادئ للناسي. وبعبارة أخرى: في حالة النسيان يكون هناك صرف المعذورية بالنسبة للناسي، وهذا لا ينافي ثبوت البطلان بالنسبة إلى إعتكافه، فيكون الإعتكاف باطلاً ولكنه معذور في هذا الخروج، وهذا بخلاف المتذكر فإنه لا يكون معذوراً في هذا الخروج، فالحكم بمانعية الخروج ثابت في حقهما، ولكن خطاب النهي عن الخروج لا يكون شاملاً للناسي. ويشهد له أن الفقهاء إلتزموا بوجوب القضاء على الناسي، وهذا يدل على وجود الملاك والمبادئ في حقه، وأن الحكم لم ينتفِ عنه بكل خصوصياته حتى ملاكاته.
وإمّا بأنه توجد إحتمالات ثلاثة في هذه الروايات، لأن المستفاد منها إما هو الحكم التكليفي فقط، أو الحكم الوضعي فقط (بمعنى أنها تكون إرشاداً إلى المانعية والمبطلية)، أو كلا الأمرين معاً؛ على الإحتمال الأول (إستفادة الحكم التكليفي منها فقط) تخرج هذه الروايات عن كونها أدلة على المانعية، فلا مجال للبحث عن أنها منصرفة عن حالة النسيان أو لا، مضافاً إلى أن هذا الإحتمال بعيد ولا يقول به أحد. وعلى الإحتمال الثاني والثالث لا مانع من شمول المانعية والمبطلية (الحكم الوضعي) للناسي، لأن المانع يمنع عن شمول الحكم التكليفي للناسي دون الحكم الوضعي، إذ أن الغرض من الحكم التكليفي هو التحريك والتوجيه والدفع، وهذه الأمور محال في حق الناسي.