1440/06/21
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
40/06/21
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.
الدليل الثاني[1] :- السيرة ، فإنه ربما يدعى أنّ السيرة قد انعقدت على عقد الفضولي مع الاجازة ، فالشخص قد يبيع دار غيره ثم بعد ذلك يطلع المالك فيجيز ، فإذا اجازها فقد جرت السيرة على صحة العقد ، وربما شخص يزوج غيره بامرأة ويطلع بعد ذلك ويرضى فهذا قد تكوون السيرة جارية عليه ، بل ربما توسع السيرة ويقال إن هذا جار في الطلاق فإذا طلق شخص زوجة غيره - وفق الشروط - فإذا اطلع الزوج وأجاز ذلك فربما يقال هذا أيضاً مما جرت عليه السيرة.
وعلى أيّ حال الدليل الثاني هو أنه قد يدعى انعقاد السيرة على اجراء عقد الفضولي مع الاجازة.والجواب:- إنَّ هذ السيرة إن صدقت فهي مساحة محدودة جداً ، يعني لا تشكل عنوان ظاهرة وإنما نتمكن أن نقول إن تمت فهي في مساحة محدودة ربما يصعب أن نستكشف من السكوت الامضاء ، خصوصاً إذا لم نجم بكون هذه السيرة سيرة ممتدة إلى عهد المعصوم عليه السلام والمهم أنه يثبت أنها ممتدة إلى زمان لمعصوم وليست سيرة في زماننا حدثت من دون جزم في كونها في عصر المعصوم ، وعلى أي حال من جزم بانعقاد السيرة على ذلك وأنها سيرة ممتد إلى عهد المعصوم وليست حادثة فحينئذٍ لا بأس يستكشف من عدم الردع الامضاء إلا أنَّ الكلام في الصغرى والقصية مرتبطة بنفسية الفقيه فمن يرى هذه الصغرة تامة فسوف يتم هذا الدليل وإلا فلا وأنا من المتوقفين والمتأملين في هذا ، فإذاً هذا الدليل فيه تأمل وإشكال من ناحية التشكيك في تحقق الصغرى.
الدليل الثالث:- الروايات ، وهي:-
الأولى:- رواية عروة البارقي ومضمونها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل عروة أو حكيم بن حزام - على الاختلاف في النقل - وفع إليه ديناراً لشراء أضحية أو لشراء شاة فذهب واسترى بالدينار شاتين وفي الطريق باع واحدة بدينار وبقيت في يده شاة واحدة مع الدينار المتبقي فرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بارك له ، ونصها:- ( عن عروة بن جعدة البارقي قال: قدم جلب فأعطاني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ديناراً فقال اشتر بها شاةً فاشتريت شاتين بدينار فلحقني رجل فبعت أحداهما منه بدينار ثم أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشاة ودينار فرد عليّ وقال: بارك الله لك في صفقة يمينك . ولقد كنت أقوم بالكناسة أو قال بالكوفة فأربح في اليوم أربعين ألفاً )[2] .
وتقريب الدلالة على صحة بيع الفضولي ليس من ناحية أنه اشترى شاتين بدينار والحال أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترِ شاة بدينار وهو اشترى شاتين فهذا غير مأذون به والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أجاز ذلك ، فإنه ليس هذا فإنه يمكن أن يقال حينما طلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم شراء شاة بدينار فبالأولوية إذا صار به شراء شاتين و أكثر فهذا مأذون به بالأولوية ، فإذاً موضع الشاهد ليس هنا لأنَّ شراء شاتين بدينار مأذون به من خلال الأولوية فإن من قبيل له اشتر شاة بدينار فبالأولوية أنه إذا اشتريت بالدينار شاتين فهذا جيد فالإذن إذن بشراء شاتين أو ثلاث شياه مادام الدينار يبقى نفسه ولا يصعد الثمن ، وإنما موضع الشاهد هو أنه بعد ذلك باع عروة إحدى الشياه وهذا البيع فضولي ، لأنَّ كلتا الشاتين صارتا ملكاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فحينما باع عروة إحدى الشاتين فهذا من دون إذن فهو بيع فضولي وأيضاً اقبض وهذا الإقباض فعل يعني هو أخذ ديناراً وسلّم شاةً والنبي صلى الله عليه وآله وسلم سكت عن ذلك فلو كان الفضولي باطلاً لما صح بيع هذه الشاة وكان من المناسب أن يقول له النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنَّ بيعك للشاة باطل وينبهه بأنَّ هذا القبض والإقباض حرام لا أنه يبارك له على الحرام فإنَّ هذا لا يحتمل ، إذاً مباركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن دلت على شيء فإنما تدل على أنَّ بيع الشاة الذي هو فضولي وقع صحيحاً بالاجازة وايضاً القبض والإقباض ليس حراماً وهذا يشهد بأنَّ البيع ليس فضولياً باطلاً إذ لو كان بيع الشاة او كان فضولياً باطلاً لما وقع حلالاً والمباركة لم تكن في محلها.وينبغي أن نلفت النظر إلى أن الاستدلال يتوقف على قضية:- وهي أنَّ لا يكون الرضا الباطني الواقعي كافياً ومخرجاً للعقد عن الفضولية ، وقد قلنا إنَّ هذا الكلام سيأتينا في مسألة ( 65 ) فإذا بنينا على أنَّ الرضا الباطني يخرج العقد عن كونه فضولياً فنقول هنا لعل النبي كان راضياً ومادام راضياً ببيع الشاة فلا يمكون بيعها فضولياً وبالتالي تسليم وتسلّم للثمن والمثمن لا يكون محرّماً.
إذاً عرفنا شيئين ، الأوّل أن يكون الاستدلال لابد ،ان يكون ببيع الشاة وليس بشراء شاتين بدينار ، واضافة إلى ذلك بالقبض والاقباض فإنَّ بيع الفضولي لو كان باطلاً لوقعا محرمين والمباركة تكون في غير محلها ، والثاني هو أن لابد وأن نقول إن الرضا الباطني لا يكفي لإخراج العقد عن الفضولية وإلا لو كان يخرجه عن الفضولية فنحن نحتمل وجود رضا بطني واقعي للنبي بهذه العملية ، فإذا كان هناك رضا فالعقد يخرج عن الفضولية والتصرفات من القبض والاقباض لا تكون محرّمة لأنَّ العقد ليس فضولياً .إذاً لكي يتم الاستدلال بالرواية لابد وأن نبني على أن الرضا الباطني الواقعي لا يكفي في خروج العقد عن الفضولية.وفي التعليق نقول:-أوّلاً:- ربما يقال إن حزام أو عروة كان مأذوناً من قبل النبي في التصرفات من هذا القبيل أي كان وكيلاً في شراء أو بيع الأشياء التي هي مربحة وفيها فائدة ، وبماء على هذا فحينئذٍ كل ما قام به كون عن إذن ، من قبيل أن أقول لشخص إذا رأيت كتاباً جيداً فاشتره لي ، فحينئذٍ فلعله عروة كان من هذا القبيل وأن البني صلى الله عليه وآله وسلم اعطاء الإذن والوكالة في مثل هذه الأمور الجزئية في بيع وشراء بعض الأشياء النافعة ، والاحتمال المتعد به يكفينا في هذا المجال ، وبالتالي لا يمكن التمسّك بالرواية لإثبات صحة عقد الفضولي ، وهذا من موارد قاعدة إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.
وربما يقول قائل:- لو كان عروة مأذوناً فهذا معناه أنه كان من المقربين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والحال أنَّ التاريخ لم ينقل أنه كان كذلك، فّغاً هذا الاحتمال باطل وإلا لنقل التاريخ أنه كان من المقربين.
وفي الجواب نقول:- إنَّ هذا يتم فيما إذا كان عروة وكيلاً مطلقاً في جميع أمور النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لو كان وكيلاً له في جميع أموره فهذه ظاهرة ملفتة للنظر فيلزم أن يكون مقرباً ويلزم أن ينقل التاريخ هذا المعنى ، أما إذا فرض أنه كان في هذه المساحة الضيقة فقط فهذا لا يعطيه مكانة قربٍ من النبي صلى الله عليه وآله وسلم تستحق أن تنقل في التاريخ.
والخلاصة:- هي أنه إذا احتملنا أن عروة أن مأذوناً من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو في مساحة ضيقة - يعني في التصرفات التي بنظره نافعة للنبي - فلا يمكن التسمك بها لإثبات صحة عقد الفضولي بالاجازة إذ يخرج العقد المذكور عن كونه فضولياً.
ثانياً:- نحتمل أنَّ الرضا كان ثابتاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه التصرفات ، ولا نريد أن نقول الرضا يكفي لإخراج العقد عن الفضولية بل نقول إنَّ الرضا يكفي منضماً إلى الاجازة فتصير النتيجة هي أن الاجازة البعدية مصححة لعقد الفضولي ولكن شريطة أن يكون الرضا موجوداً من البداية ، فإذا كنا نحتمل هكذا فلا يثبت لنا المطلوب ، لأننا نريد أن نثبت المطلوب وهو ان عقد الفضولي يصح بالاجازة سواء كان هناك رضا في البين منضماً إلى الاجازة أو لا ومادمنا نحتمل وجود رضا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فعلى هذا الأساس حتى لو لم نبنِ على كفاية الرضا لإخراج العقد عن الفضولية لكن نحتمل أن العقد يصح بالاجازة برط وجود الرضا فلا الرضا وحده يكفي ولا الاجازة وحدها تكفي بل اجتماعهما هو المصحح للعقد فيصح عقد الفضولي بالاجازة المبوقة بالرضا الباطني ، وهذا الاحتمال موجود في الرواية ومعه لا يمكن التمسك بها لإثبات صحة عقد الفضولي بالاجازة.
إذا الرواية المذكورة قابلة للمناقشة من ناحيتين.هذا كله بحسب الدلالة وقد اتضح أنها ضعيفة.وأما بحسب السند:- فالرواية لم تنقل في كتبنا بسند معتبر ، نعم نقلها الشيخ الطوسي في أماليه هكذا:- ( عن حمدويه عن أبي الحسين عن أبي خليفة عن محمد بن كثير عن سفيان عن أبي حصين عن شيخ من أهل المدينة عن حكيم بن حزام )[3] ، ورجال السند إذا لم يكونوا كلهم غير موثقين فأغلبهم كذلك إضافة إلى الارسال حيث قيل ( عن شيخ من أهل المدينة ) ، فهي ضعيفة من حيث السند.
إلا أنَّ صاحب الجواهر(قده) قال ما نصه:- ( أغنت شهرته عند الفريقين عن النظر في سنده )[4] .
ونحن نقول لصاحب الجواهر(قده):- إنه ليس موجوداً في كتبنا الحديثية المعروفة ، نعم يذكره الفقهاء في كتبهم الاستدلالية ولكن هذا لا يدل على الاعتماد عليه ، وإنما يذكر من باب قضية علمية لمعرفة أنَّ الاستدلال به تام أو ليس بتام ، والمهم هي الشهرة في كتب الحديث والنقل في كتب الحديث وهو لم ينقل في كتبنا الحديثية ، فإذاً الاعتماد عليه سنداً محل إشكال ، كما أنّ الاعتماد عليه دلالةً محل إشكال أيضاً.