1441/05/18
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
41/05/18
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: - مسألة ( 76 ) حكم الثمن إذا ردَّ المالك البيع الفضولي ولم يمض المعاملة – شروط المتعاقدين.
ومورد الشاهد هو قوله ( بما غرّاً )، فربما يقال إنه ربما يستفاد من هذا التعبير أنَّ التغرير بعنوانه الكلي موجباً للضمان وهو المطلوب.والكلام تارة يقع في السند وأخرى في الدلالة: -أما السند: - فهو تام ولا إشكال فيه فإنها رويت بطريقين يمكن الحكم بصحتهما معاً، الطريق الأول ( محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليه السلام )، ورواها هنا إبراهيم مباشرة عن الامام عليه السلام أو أن إبراهيم يروي عن أبي بصير كما في طريق الشيخ الصدوق الآتي، والطريق الثاني:- ( محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام )، والفارق بين هذا السند والسند السابق أنه في السابق إبراهيم يروي عن الامام، بينما في سند الصدوق يروي عن أبي بصير وأبو بصير يروي عن الامام، وهذا المقدار من الفارق لا يؤثر على الموقف شيئاً، يبقى أن نعرف أنَّ محمد بن علي بن الحسين روى بسناه عن إبراهيم فلابد وان نعرف الطريق، وعند مراجعة المشيخة نجد الطريق صحيح حيث قال الصدوق:- ( وما كان فيه عن إبراهيم بن عبد الحميد فقد رويته عن محمد بن الحسن[1] رضي الله عنه عن محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف عن سعدان مسلم عن إبراهيم بن عبد الحميد الكوفي، ورويته أيضاً عن أبي رضي الله عنه عن علي بن إبراهيم ابن هاشم عن أبيه عن ابن ابي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد )[2] ، فالسند لا تأمل فيه.
وأما الدلالة: - فقد يقال في تقريب دلالتها هو أن الوارد في الرواية هو تعبير ( بما غرّا ) والباء سببيه أي بسبب الغرر والتغرير الصادر من الشاهدين فيثبت بذلك الضمان.
ويوجد إشكالان في هذا الموضع:-الاشكال الأول: - لو رجعنا إلى الوسائل لا نجد فقرة ( بما غرّا ) موجودة في الرواية وهي المهمة، وإنما الموجود هو ( ويضمنان المهر لها عن الرجل ثم تعتد ..... ).
وهناك شيء ملفت للنظر: - وهو أنه في الطبعة الجديدة من السوائل لمؤسسة آل البيت أنَّ جملة ( بما غرا ) ليست موجودة، ولكن إذا رجعنا إلى الطبعة السابقة عليها التي صدرت عن الدار الاسلامية وضعت عبارة ( بما غرّا ) بين قوسين معقوفين في متن الرواية، أي نقل الرواة هكذا:- ( ويضمنان المهر [ بما غرّا ] ........ ).
وقد يقول قائل: - يمكن التغلب على المشكلة بسهولة فإننا لو رجعنا إلى المصدر وجدنا هذه جملة ( بما غرّا ) موجودة، وعليه فلا مشكلة.
ولكن يمكن أن يقال: - إنَّ عدم وجود عبارة ( بما غرّا ) في الوسائل يكشف عن أنَّ نسخ التهذيب والكافي أو الفقيه مختلفة، ففي بعض النسخ موجودة وفي بعضها غير موجودة، فصحيحٌ أنَّ هذه العبارة موجودة في الطبعة الموجودة بأيدينا من التهذيب وغيره، ولكن النسخة من التهذيب والكافي الموجودة عند صاحب الوسائل لا توجد فيها هذه العبارة، فيدل ذلك على اختلاف النسخ، وبذلك يدور الأمر بين أن تكون هذه الجملة زيادة أو تكون نقيصة، فنحتاج إلى التمسك بقاعدة الأصل عدم الزيادة في موارد الشك في الزيادة، وهذا طريق ذات الشوكة، وبالتالي سوف يصير عندنا احتمالان، فعلى هذا الأساس التمسك بهذه العبارة ليس بالأمر السهل، بل لابد من التغلب على هذه المشكلة، وذلك بمراجعة النسخ إلى أن يحصل الاطمئنان بأنها موجودة، أو أنك تنبي على أصالة عدم الزيادة عند الدوران بين الزيادة والنقيصة، فالقضية ليست خالية من التأمل والتوقف، فهناك مشكلة في هذا المجال، ولا نقول لا يمكن التغلب عليها، وإنما بناءً على أنَّ الأصل عدم الزيادة في موارد فإذا قلنا إنَّ سيرة العقلاء مبنية على ذلك فحينئذٍ تنحل الشكلة، وعليه فالاستدلال بهذه الرواية محل إشكال.
الاشكال الثاني: - لو سلّمنا أنَّ جملة ( بما غرّا ) موجودة باتفاق النسخ من دون اختلاف، ولكن نقول: إنَّ هذا التعبير كما يحتمل أن يكون إشارة إلى قاعدة الضمان بالتغرير العامة، يعني أنَّ الامام عليه السلام يريد أن يقول التغرير من موجبات الضمان وهذا حكم عام مطلق، وهذا هو الاحتمال الذي ينفعنا، يحتمل أن يكون المقصود هو الإشارة إلى قاعدة الضمان بالتغرير في حدودها العقلائية وفي حدود البناء العقلائي، لأننا ذكرنا أنه إذا رجعنا إلى البناء العقلائي والارتكاز العقلائي نجد أنَّ هناك بناءً على قاعدة التغرير ولكن في الجملة لا بالجملة، فلو أعطيت مجنوناً سكيناً وطعن بها شخصاً فهذا قدر متيقن من البناء والارتكاز العقلائي على الضمان، فنضم له عدم الردع الشرعي، فيثبت بذلك المطلوب، ولكن هناك دائرة أوسع هي محل الكلام فيما لو فرض أنه لم يثبت بناء عقلائي كما إذا فرض أنَّ شخصاً أوحى أنَّ هذه السلعة ليست موجودة عنده ولكنها موجودة عنده وهو يخفيها في المخزن فاستورد شخص آخر من هذه السلعة مقداراً كثيراً، فقام ذاك الرجل بإخراجها من المخزن فخسر هذا المستورد، فهنا لا يوجد ارتكاز عقلائي على الضمان.
فإذاً الارتكاز العقلائي على الضمان بالتغرير ليس بلحاظ جميع موارد التغرير وإنما هو في الجملة، ولعل الامام عليه السلام بقوله ( بما غرّ ) يشير إلى هذا المقدار من الارتكاز الذي من أحد أفراده موردنا، فبالتالي هنا يوجد ارتكاز عقلائي أيضاً وأنه بشهادة هؤلاء الشهود المرأة اعتدت وتزوجت، فعلى هذا الأساس لعل هذا التعبير يشير إلى الارتكاز العقلائي في قاعدة التغرير بمقداره العقلائي ولا ننتفع به في الدائرة الأوسع، ومعه لا يمكن التمسك بالرواية لإثبات أنَّ التغرير من موجبات الضمان في الدائرة الوسيعة.والنتيجة: - إنَّ التمسك بالرواية المذكورة محل إشكال من هذه الناحية.
ومن الغريب أنَّ السيد الخوئي(قده) عنده كلامه[3] عن قاعدة التغرير لم يشر إلى هذه الرواية، وإنما تمسك بالرواية الثانية والثالثة الآتيتين، ولو كان ملتفتاً إليها لأشار إليها ثم بيّن الاشكال فيها.
الرواية الثانية: - ما رواه رفاعة بن موسى: - ( سألت أبا عبد الله عليه السلام:- ....... عن البرصاء، قال: - قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة زوجها وليها وهي برصاء أنَّ لها المهر بما استحل من فرجها وأنَّ المهر على الذي زوّجها وإنما صار عليه المهر لأنه دلّسها .... )[4] .
ومحل الشاهد هو قوله ( لأنه دلّسها ) فصار المهر على الأب لأنه دلّس والتدليس والتغرير والغش واحد، فعلى هذه الأساس تدل الرواية على المطلوب.
بيد أنَّ السند هكذا:- ( وعنهم[5] عن سهل عن أحمد بن محمد عن رفاعة بن موسى ) والمشكلة في هذا الطريق هو سهل، فمن بنى على أنَّ الأمر في سهل سهلٌ فلا مشكلة ولو لرواية الأجلاء والأكابر عنه، ( ورواها ابن إدريس عن نوادر البزنطي عن الحلبي عن ابي عبد اله عليه السلام )، وهذا الطريق الثاني أيضاً فيه مشكلة، وهو أنَّ ابن إدريس لم يذكر الطريق إلى مستطرفاته إلا طريقه إلى أحمد بن محمد بن علي بن محبوب لأنه قال ( رأيته بخط الشيخ الطوسي )، فعلى هذا الأساس تكون هذه الرواية محل تأمل من حيث السند.
وأما من حيث الدلالة: - فيتمسّك بعموم قوله عليه السلام:- ( لأنه دلّسها ).
والاشكال الذي وجهناه على الرواية السابقة - من احتمال أنَّ هذا التعليل إشارة إلى الارتكاز العقلائي في حدوده الضيقة لا في حدوه الوسيعة - يأتي هنا أيضاً.