1441/05/16
تحمیل
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول
41/05/16
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:باب التعارض، صحيحة عمر بن حنظلة، الفرق بين حجية الراوي وحجية الفقيه وحجية القاضي وحجية الحاكم السياسي
كان الكلام في صحيحة عمر بن حنظلة في جملة من التساؤلات عن هذه الرواية أن موردها القضاء فكيف تعمم حجية الرواية؟ وكيف يمكن أن يتخذ قاضيين والحال أن في القضاء حاكما واحدا؟ وتساؤلات اخری.
مر بنا أن حجية الراوي عند الأخباريين هي عين حجية الفتوی والفقيه وبالنسبة الی القضاء ربما يذهبون الی نفس الحجية في الراوي، أما علی المبنی الاخر هناك من يبني علی التباين بين الجهات الأربع، الراوي والمفتي والقاضي والحاكم السياسي في حكمه.
عند الفقهاء المتأخرين وقع الكلام في الفرق بين فتوی المفتي وبين الحكم القضائي وبين الحكم السياسي أو التنفيذي، ما الفرق بين هذه الثلاث؟ اجمالا المتأخرون من الأصوليين ذهبوا الی أن الراوي مجرد حافظ للصوت، طبعا هو ليس فقط حافظا للصوت لأنه مذكور في بحث حجية خبر الواحد ومر بنا أن الرجاليين والمحدثين يلتفتون الی أن علمية الراوي ومهارته مؤثرة في حفظه وصدقه. المهم التركيز علی جانب الصدق الفاعلي والصدق الفعلي، الصدق الفاعلي هو الجانب العملي والصدق الفعلي يرتبط بعلمية الراوي وضبطه ومهارته، فعلمية الراوي تؤثر لكن اجمالا في حدود ضبط اللفظ والمعني الاستعمالي. فدور الراوي الی حد المعنی الاستعمالي، من ثم سوغ له في الروايات أن ينقل بالمعنی. قد يكون الفقيه راويا ولا امتناع لجمع شخص واحد لحيثيات كثيرة، الشيخ الطوسي فقيه ورجالي ومتكلم ومفسر ومحدث، ربما ثلث كتب الشيخ الطوسي كان كتب الحديث، الشيخ المفيد أيضا محدث وفقيه واصولي وكذا وكذا، هذه الحيثيات لاتتنافي مع بعضها البعض بل من شرائط الفقاهة أن يكون محدثا يعني يلم بعلم الحديث ويستند في فتياه الی رواياة أهل البيت عليهم السلام وإلا إذا لم يستند الی منهاج أهل البيت فلاحجية في فتواه.
أما حجية الفتوی والفقيه فتبدأ من المعنی التفهيمي أو تحديد المعنی التفهيمي، هو أيضا لابد أن يلم بعلم الحديث ويجب أن يكون راويا ومحدثا ويمر بالألفاظ والمعنی التصوري والمعنی الاستعمالي، لكنه يمر منه الی المعنی التفهيمي والجدي، لذلك دور الفقيه في الفهم والاستنتاج عن المعنی التفهيمي والجدي مستحصلا من مجموع الايات والروايات وليس مستحصلا من رواية واحدة أو آية واحدة، لذلك المعنی الجدي النهايي الذی يتوصل اليه الفقيه هو معنی مجموعي ومنظومي و هذا هو الذي نؤكد عليه كثيرا، أن مسلك مشهور الفقها خلافا لمسلك السيد أحمد بن طاووس الی السيد الخويي رحمهما الله هو أنه ليس عندنا حجية منفردة وقضية تراكم القرائن وتراكم الصدور تراكم الدلالات أمر لابد منه، لذلك هذه النتيجة يعتمد الفقيه فيها بآلية الفقه والفهم بدرجة كبيرة، ابتدائا يعتمد علی الروايات لكن يحتاج الی آلية الفهم يعني البصر والبصيرة الی معاني عديدة وكيفية النسبة المعادلية والقانونية بين هذه المعادلات. هذا هو دور الفهم والاستنتاج ولا يكفي فيه مجرد السمع. فإذاً الفقيه العمل العلمي الذي يمارسه يختلف تماما عن الراوي ولازال الفقيه في بحر النص لأن النص كما مر ليس كما يتخيله الأخباريون ولا كما يتخيله بعض الأصوليين أو جملة من الأصوليين. عادة الأصولي إذا عجز عما توصل اليه فقيه آخر يتعكز بميزان الأخباري ويقول ما فيه نص وهلم جرا، فالتشبث بقميصة النص تعكز اخباري، طبعا نحن أيضا نقول بالنص لكن معنی النص ماهو؟ النص ليس الألفاظ فقط، النص كما مر هو حبل الوحي بما له من المعاني لامتناهية شريط أن يكون علی وفق الميزان، لكن المدرسة الظاهرية تقتصر علی المعنی الاستعمالي أو اللفظي. أما دور الفقيه أن يصل الی أعماق الوحي وأعماق ماهو نص. هذا يكون بنحو حكم كلي عادتا، فالفقيه إذاً عمله العلمي في فتواه واستنتاجه يختلف عن المحدث ولايخرج عن النص.
نذكر فائدة عقائدية: من ثم النص علی إمامة الأئمة أهل البيت عليهم السلام ليس معناه اللفظ في القرآن. النص عليهم في القرآن مثل القربی وهم الأقربون الی رسول الله مما يدل علی طهارتهم وعصمتهم ووراثتهم للكتاب والي ماشاء الله من الايات في حقهم، هولاء نصوص والنص يعني المعنی ومعنی المعنی بشكل مبده وقطعي ويقيني دلالته، فإذاً نص علی أئمة أهل البيت بهذا اللحاظ. إنها من الدين. هذا أشار اليه السيد المرتضی في كتابه الشافي.
إذاً فتوی المفتي هو استنتاج كلي من النص. الكثير يغره سطح اللفظ وسطح الظهور والحال أن حجيت الظهور بلحاظ المعنی الجدي وليس بلحاظ المعنی الاستعمالي والمهم كل المهم في المعنی هو الجدي وجد الجدي ومنظومية الجدي فعلی أية حال الاقتصار علی سطح الظاهر لايُبقي للدين حقيقة، لذلك تنزيل القرآن حق وتأويل القرآن حق بل حسب بيان القرآن والسنة النبوية وأهل البيت أن تأويل القرآن أعظم بكثير من تنزيله، تنزيله يصفه النبي بأنه طرف القرآن. بينما التأويل هو المتن الكامل اللامتناهي للدين والقرآن. وعنده أم الكتاب وأصل الكتاب عنده وليس عندكم البشر، حتی الطبري المعاصر للكليني يذهب بهذا. هذه الحقائق إذا لم يلتفت إليه أصلا أصل حقائق الدين وهوية الدين غافل عنها. الطبري معاصر الكليني وعند العامة كالكليني عندنا يقول في تفسيره جامع البيان: «أم الكتاب أصل الكتاب عند الله عزوجل» فلامعنی أن تتشبث بالتنزيل وتتزك أصل الكتاب. وما يعلم تأويله الا الله والراسخون. فاذا الفقيه دوره هذا في هذا الجانب.
إذًا دور الفقيه الوصول الی المعاني الكلية و المعادلات الكلية والقوانين الكلية سواء في التفسير أو الفروع أو الكلام أو غيره من العلوم الدينية. هذه أزمة أخری ليس المراد من الفقيه فقيه الفروع. فالمراد من الفقيه من الذي يعمل قدرة الفهم. فيصل الی المعادلات الكلية ودوره عمل علمي.
دور القاضي ماهو؟ دور القاضي هو دور وراء وبعد دور الفقيه. ليس المقصود من تباين دور القاضي ودور الفقيه تعدد الأشخاص ربما يكون شخص محدثا هو فقيه وهو قاضي لكن عمله كراوي يختلف عن عمله كفقيه ويختلف عن عمله كقاضي. الكلام في العمل وليس في الشخص، سواء شخص واحد أو اشخاص. القاضي هو الذي يطبق الحكم الكلي علی الموارد الجزئية ويستنج حكما جزئيا من الحكم الكلي بموازين قضائية. ففرق القاضي عن الفقيه هو أن القاضي عنده حكم جزئي نُزّل الحكم الكلي علی الموارد الجزئية فالحكم الجزئي المستنتج من الحكم الكلي هو دور القاضي. سواء كان نزاعا موضوعيا أو نزاعا في الشبهة الحكمية.
الكبری للقاضي استنتجت عند الفقيه والقاضي يستعين بالفقيه كما أن الفقيه يستعين بالراوي وعملية الرواية، الرواية كموضوع للفقيه، أيضا القاضي فتوی المفتي والفقيه موضوع له ويضيف اليه موضوعا آخر بموازين قضائية فدور القاضي أن يستنتج حكما جزئيا يطبقه من الحكم الكلي بموازين قضائية. هذا دور القاضي.
ماذا عن حكم الوالي أو الحكم السياسي أو السلطة التنفيذية أو السلطة الإجرائية والتي تسمی في الفقه بالحكم الولائي؟ للوالي أيضا شرائط، الوالي شرائطه قد تختلف عن شرائط المفتي لابالضرورة وقد تتحد. كلامنا ليس تعدد الشخص الشيخ محمد حسين الفشاركي من تلاميذ الميرزا المجدد يقول: في التنظير أنا أعلم الموجودين لكن في التدبير أنا مترجل وغيري أكفاء. التدبير ولو تدبير الطائفة يحتاج الی شرائط أخری عديدة مذكورة في عهد أميرالمؤمنين عليه السلام لمالك أشتر. شرائط الوالي غير شرائط القاضي. فما هو دور الحاكم الوالي كمالك أشتر؟ أميرالمؤمنين صلوات الله عليه نصب المالك الأشتر واليا، كلامنا هنا في الرواية يقول الإمام عليه السلام: «فإني جعلته عليكم حاكما» هنا وقع الكلام عند الفقهاء أن كلام الامام الصادق عليه السلام في الفقيه «إني جعلته عليكم حاكما» هل المقصود الحكم الفتوائي أو القضائي أو السياسي أو ثلاثة أحكام أو ماذا؟ بحث ولاية الفقيه هو هذا أو ولاية الفقهاء ليس الحصر في فقيه واحد حتی الأعلم، ليس من الشارع حصر في ولاية فقيه واحد في القضاء والسلطات أبدا كما نص علی ذلك الأعلام في باب القضاء منهم الميرزا الناييني في كتابه تنبيه الملة.
ماهو تعريف حكم الوالي أو الحكم السياسي؟ تعريفه شبيه تعريف الحكم القضائي، أيضا حكم جزئي تطبيق للحكم الفتوايي لكن بموازين الولاية أو قل بموازين السياسة أو التدبير الديني وتختلف عن موازين القضاء. فتقريبا الحكم السياسي في عرض الحكم القضائي وفي طول الحكم الفتوايي لكن ليس ضروريا أن يكون الحكم السياسي أو الولايي أو التدبيري أو التنفيذي في عرض الحكم القضائي. يعني قد يكون في طول الحكم السياسي وقد يكون في عرضه. لما حكم القاضي فللوالي يجب أن ينفذ حكم القاضي، فالحكم الولايي أو السياسي أو التدبيري أيضا هو حكم جزئي وتطبيقي للحكم الفتوايي بموازين ولائية.
هنا نكتة لطيفة: ان في باب القضاء تطبيق الحكم الفتوايي ليس بالضرورة أن يكون بموازين فتوائية، بل بموازين قضائية. إنما أقضي بينكم لابالاستصحاب ولابقاعدة اليد ولابالقواعد الفقهية بل إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان وموازين عديدة في باب القضاء. إذاً في باب القضاء استنتاج الحكم الجزئي تحتاج الی الموازين القضائية فلذا يمكن أن يكون واحد أعلما في الفقه لكن لايكون أعلما في القضاء. فرق بين أفقهكم علي وأقضاكم علي وفرق بين أفقهكم علي وبين أن يقول أسيسكم علي، لأن عالم السياسة شيء آخر وهذه البحوث وإن لم تنقح ربما كثير من العلماء الامامية لكن الان بدأت أن الوالي له شرائط تختلف عن الأعلم في الفتوی. هناك موازين كثيرة في القضاء ذكرها الشارع وباب السياسة أيضا هكذا، كان الميرزا المجدد يوميا يقرأ عهد مالك الاشتر ليستخرج منه النكات.