1441/05/25
تحمیل
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول
41/05/25
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: باب التعارض، صحيحة عمر بن حنظلة. تساؤلات حول الصحيحة، تساؤل حول تقديم صفات الراوي علی الشهرة.
كان الكلام في تساؤل حول صحيحة عمر بن حنظلة أنه لماذا في الرواية قدم الترجيح بالصفات علی الترجيح بالشهرة مع أن المشهور وفي كثير من الروايات تقدم الشهرة علی الصفات؟ مر كلام السيد الخويي أن هذه الشهرة هنا بمعنی قطعي الصدور فحينئذ ليست الشهرة مرجحة بل هي مميزة بين الحجة واللاحجة ثم أجاب السيد الخويي بجواب وفيه كانت جملة من الفوائد الصناعية المهمة جدا.
أما الملاحظة علی الجواب إن المراد بالشهرة ليست قطعية الصدور. حتی لو فرض أن المراد منها قطعية الصدور فليس من باب التمييز بين الحجة واللاحجة كما بنی عليه السيد الخويي بل يبقی من باب الترجيح.
فالملاحظتان: الملاحظة الاولی أن الشهرة ليست بمعنی قطعي الصدور ثم الملاحظة الثانية أنه لو تنزلنا وسلمنا أنها بمعنی قطعي الصدور فهو ليس من باب تمييز الحجة واللاحجة. فبيان هتين الملاحظتين كالتالي.
المدعي أن هذه الشهرة بمعنی الشهرة الظنية الاطمينانية لاالشهرة بمعنی القطعي الصدور ثم بعد ذلك سنتعرض الی الأجوبة الأخرى عن هذا التساؤل. انما الكلام في التعليق عن كلام السيد الخويي. هذا الجواب الذي اعتمده السيد الخويي عليه ملاحظتان.
الملاحظة الاولی: أن عدم الريب والبينة والبيان في استعمالات الروايات أو الآيات استعمال إضافي وليس وصفا مطلقا. النسبي مثل ما نقول أن السقف فوق بالنسبة الينا لكنه بالنسبة الی السماء تحت، يعبر عن هذه الاوصاف انها نسبية. شبيه الحصر الإضافي والحصر المطلق. كذلك الوصف قد يكون إضافيا وقد يكون مطلقا. كثيراما يستعمل في الايات والروايات الوصف الإضافي في البينة وفي لاريب فيه وهلم جرا.
بيان ذلك: مثلا البينة يطلق عليه الشارع وفاقا للعرف العقلائي أو المتشرعة أن البينة رجلان وشاهدان وليس قطعيا يعني بالإضافة الی الشك أو الحيرة أو الرجل الواحد، الرجلان الشاهدان العادلان يكون شهادتهما -لاالإخبار- بينة حتی يمكن أن يقال إخبارهما بينة. فاستعمال البينة ليس بمعنی القطع. أيضا في أصل حجية الخبر الواحد روايات وردت أنه «ليس لأحد من موالينا التشكيك في ما يروي عنا موالينا». هذه التعبيرات تنزيلي أن هذه الامارات المعتبرة بمعنزلة العلم والبينة والبيان. فبالتالي هذا الاستعمال ليس شاهدا علی أنه بمعنی الضروري والقطعي. المجمع عليه لاريب فيه يعني نفس الأكثرية والشهرة.
هناك مبني عند الميرزا الناييني وهو يبني في حجية خبر الواحد أو الظنون المعتبرة علی أنها العلم. في هذا المطلب الكاظمي أو السيد الخويي قرر هذا المطلب بشكل وقرر السيد المحمود الهاشمي الكبير المدفون في الحرم هنا بشكل آخر. في أجود التقريرات وفوائد الأصول بمعنی تنزيل الظن بمنزلة العلم. لكن الذي ينقل عنه السيد محمود الهاشمي من خواص تلاميذ الناييني أن الظن معتبر وخبر الثقة معتبر عند العقلاء فلما يعتبره الشارع يزيد في قيمة اعتبار الخبر وإذا زاد يولّد لدی العقلاء أو المتشرعة اطمينانا أكثر بأنه معتبر عقلائيا.
الشارع يعتبره فاعتبار الشارع يزيد في اطمينان المتشرعة بما هم عقلاء . فيشتد الاطمينان فيصير بمنزلة العلم يعني العلم العرفي والعادي لا العلم الحقيقي، لا أن المراد أن الشارع اعتبر العلم بل نفس اعتبار الشارع يؤدي العلم العرفي. هذا الشرح لابأس به ونكتة لطيفة ومختص به نقلا عن الناييني. ذكرت كلام الناييني لاجل هذا المطلب أن العلم والبينة كثيرا ما استعماله في الشرع بمعنی إضافي يعني بالنسبة الی مادونه علم. وهكذا الشهرة هي هكذا.
هذا الاطلاق الإضافي مهم موجود في الشريعة في الموارد العديدة. المجمع عليه بهذا المعنی. يعني لايمكن أن تترك الأمارة والدليل الاجتهادي وتتمسك بالأصل العملي أو تبقی علی الشك والوسوسة و الاحتياط. فلايرتاب فيه يكون في قبال هذا المطلب.
مضافا الی ما مر انه حتی في التكوينيات، اليقين بلحاظ ما فوقه اليقين الأشد، يصير مثل الظن حتی تكوينا في البحوث العقلية الحديثة ان اليقين وصف إضافي لاوصف حقيقي. فكيف بك بالشيء الاعتباري. هذا علی كل استشهاد السيد بان التعبير بالمجمع عليه لاريب فيه بمعنی قطعي الصدور ليس ضروريا أن يكون هكذا.
الملاحظة الثانية: لو افترضنا انه قطعي الصدور فنفس السيد الخويي افترض أن قطعي الصدور لايوجب كونه قرينة لاسقاط الصدور الظني بل قرينة علی تأويل الظني أو التصرف في دلالته أو جهة الصدور لاالتصرف في أصل الصدور. هذه ملاحظة ثانية تذكر علی كلام السيد الخويي. فليس من باب تمييز الحجة عن اللاحجة بل من باب الترجيح.
جواب آخر: عن هذا التساؤل أنه لما ذا قدم الترجيح بالصفات علی الشهرة والحال أن مبنی المشهور تقديم الشهرة علی الصفات: الجواب الآخر عن ذلك جواب المرحوم الآخوند وهو جواب مبنايي. قال نحن نلتزم بأنه لاترتيب بين المرجحات، هذه الرواية ذكرت أحدهما متقدما أو متأخرا من باب الاستعراض لا من باب بيان الترتيب. فعلا بغض النظر عن هذا المبنی الذي لانوافق فيه الاخوند لكن الاخوند استند في مبناه هذا في عدم الترتيب في المرجحات، إنا إذا نلاحظنا الروايات العلاجية منها ما قدم المرجح الذي يأخر في الرواية الأخرى. هذه قضية متنوعة ومختلفة في الترتيب في المرجحات.
هذا جواب مبنايي وليس جواب علی مبنی من يدعي الترتيب وهو الصحيح.
جواب ثالث عن هذا التساؤل: هو أن ههنا الترجيح بالصفات قبل الشهرة ترجيح في الحاكم والمفتي وليس في الراوي. ثم الترجيح بالشهرة في الرواية والمستند. فسبب تقديم صفات الشخص علی الشهرة لأن الترجيح في باب الحكم القضائي أو الفتوايي. الان في باب الاجتهاد والتقليد غير الاعلم أيضا واجد لشرائط الحجية هو فقيه وعادل ومومن وموالي لاهل البيت غاية الامر ذاك الشخص أعلم من هذا الشخص. عموم حجية الفتاوی أو الأخبار الاستنباطي من الفقهاء شامل لكيهما أو لأكثر فيصير تعارضا عند اختلاف الفتوی، كلاهما أمارات جعلها الشارع، بأي أمارة نأخذ عند تعارض أمارات الفتياء؟
لذلك في الوفاقيات لم يلزم احد بالرجوع الی الاعلم، بل يمكن أن تقلد غير الاعلم وان كان مبنانا تقليد المجموع والجميع. أما إذا صار الاختلاف هنا يصير تعارضا بين أمارات الفتياء، هذه اأامارات جعل لها المرجح، الأعلم يقدم علی غير الاعلم والأورع يقدم علی غير الاورع. فهذا الترجيح ليس في الرواية بل ترجيح في المفتين وحكم المفتي.كذلك في باب القضاء مثلا إما قبل الحكم أو بعد الحكم أعلم بان رأي القاضي الف كذا ورأي القاضي باء كذا وصار اختلاف قبل أن يبت ويبرم القضاء أي القاضين يقدم؟ كلاهما واجدان للشرائط ولهما صلاحية القضاء، فهنا يرجع الی الترجيح في القضاة، القاضي الاعلم أو الاورع أو الافقه. إذاً في باب القضاء ترجيح وفي باب الفتياء فيه ترجيح كما في باب الروايات والرواة فيه ترجيح أيضا. ومر بنا ان الترجيح لاتختص بالأخبار الاحاد بل تشمل الامارات الفتياء وباب الجتهاد والتقليد وتشمل أحكام القضاة وباب القضاء والأبواب العديدة.
الاختلاف في القاضي مثل ما إذا نعلم قبل إبرام الحكم بأن الحكم من الالف كذا ومن الباء كذا، مثلا صار مداولة معه ومفاوضات قضائية وموجودة ومستحبة. أو شبيه لهذه القضية هذا القاضي قضی بكذا و القاضي الثاني قضی بكذا وهذه القضية الثالثة شبيه بالقضيتين ونعلم بأن القضاء تختلف من القاضيين، هذا من باب الترجيح أو يمكن تصور الحكمين الصادرين وتصديهما معا، فسواء بعد الحكم أو قبل الحكم فمن نرجحه؟ إذاً باب التعارض يتصور في باب القضاء بصور عديدة و يتصور في باب الفتياء أيضا. فهذا الترجيح المذكور في صدر صحيحة عمر بن حنظلة هو بين القضاة والحكام ليس بين الرواة.
هذا الجواب لابأس به إجمالا. يعترض علی هذا الجواب الثالث بأنه إذاً كيف تتعدی الی الرواة؟ يقول صحيح، موارد الترجيح في الفقرة الاولی في الرواية في موارد الترجيح في القضاة لكن الترجيح في القضاة أو المفتين ينسحب علی الرواة بطريق اولی أو ماشابه ذلك.
الجواب الرابع: الذي نعتمده هو مبنانا كما سياتي إن شاء الله: هناك ترتيب طبعي في المرجحات. وهذه النكتة مهمة صناعية في باب التعارض أن الترجيح في باب المرجحات لها ترتيب طبعي وتحمل الروايات علی هذا الترتيب الطبعي. أحد قولي المشهور هو أنهم التزموا بهذا الترتيب. قضية الترتيب بين المرجحات بين فحول الأصوليين وقع في لغط كبير. المجدد بشكل والشيخ بشكل و الميرزا حبيب الله بشكل، يذكرهم الآخوند في الكفاية.
ماهو الترتيب الطبعي؟
ثبوتا الإرادة الجدية متقدمة علی الإرادة التفهيمية عند المتكلم لاالسامع. لأن الانسان جدا يريد شيئا ثم يتولد من الإرادة الجدية الإرادة التفهيمية ثم تتولد من الإرادة التفهيمية الإرادة الاستعمالية ثم تتولد من الإرادة الاستعمالية الإرادة التصورية بمعنی أنه يطلق اللفظ. فثبوتا القضية علی العكس لأن الإرادة الجدية يحرك الانسان، عكس الاثبات.
الاثبات للسامع أول شيء التصور وصوت اللفظ ثم المعنی الاستعمالي ينتقل ذهنه ثم المعنی التفهمي ثم المعنی الجدي. الجدي ماهو؟ الجدي في حجية الخبر بالدقة مرتبط بجهة الصدور، لاالصدور. لأن جهة الصدور إرادة بيان الواقع أو تقية. المدلول الجدي يحاذي ويرتبط بجهة الصدور.
فماذا عن الإرادة التفهيمية؟ الإرادة التفهيمية أو الاستعمالية مرتبطة بالمضمون والدلالة. لاسيما في التفهيمي. فالمضمون ثبوتا بعد الإرادة الجدية تفهيم والدلالة فثبوتا جهة الصدور ثم المضمون. الصدور يوازي الدلالة التصورية، لماذا؟ لأن الصدور في الحقيقة صدور الألفاظ والصدور أصل التصور فالصدور يحاذي التصور، بالتالي المضمون يحاذي المدلول الاستعمالي والتفهيمي وشيء من الجدي وجهة الصدور توازي وتحاذي المراد الجدي.
إذا الترتيب ثبوتا هكذا جهة الصدور ثم المضمون ثم الصدور. أما اثباتا علی العكس الصدور ثم المضمون ثم جهة الصدور. هذا هو الترتيب الطبعي اثباتا.
ما ذكرنا الجواب والجواب مهم لكن ليس بأهمية هذا المطلب. الترتيب الطبعي بين المرجحات هو الصدور ثم المضمون ثم جهة الصدور.
هي من حذاقة الفقيه أن يميز ماهي مرجحات المضمون وماهي مرجحات جهة الصدور ومرجحات جهة الصدور. واضح موافقة العامة ومخالفة العامة من مرجحات جهة الصدور ومرجحات الصدور أيضا واضح أنها صفات الراوي، أحفظ و أضبط و أورع وهكذا. مرجحات المضمون ما وافق الكتاب وما وافق السنة أو ماخالف الكتاب وما خالف السنة.
هنا وقفة مهمة صناعية بعد معرفة ميز المرجحات. أن مرجحات المضمون علاج موضوعي وثبوتي. بخلاف المرجحات في الصدور وصفات الراوي فإنها مرجحات اثباتية ومحمولية ومرجحات جهة الصدور أيضا إثباتية. هذه نكتة مهمة تفيدنا في التعارض كثيرا.
هذا بحث نخوض فيه غدا ان شاءالله. وبعد ذلك يتبين التمييز بين الثبوتي والاثباتي.