19-04-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/04/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 412 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع /
مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
الوجه الثاني:- صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج التي تقدمت في الطائفة الأولى المجوّزة مطلقاً ونصها:- ( سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يتمتّع ثم يهلّ[1] بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى فقال لا بأس )، بتقريب:- أنها دلّت على نفي البأس فيمن يهلّ في البداية ثم يأتي بالطواف والسعي، إذن هذا يدلّ على أنه يلزم الإحرام مسبقاً . وعلى منوالها صحيحة علي بن يقطين التي هي بألفاظ صحيحة ابن الحجّاج والتقريب نفس التقريب.
والجواب واضح:- فإن ذلك موردٌ في سؤال السائل، يعني أن السائل قد افترض أن هذا الشخص يُحرِمُ أوّلاً ثم يأتي بالطواف والسعي قبل عرفات والإمام عليه السلام نفى البأس وهذا لا يدلّ على اختصاص الحكم والجواز بحالة ما إذا أهلّ أوّلا ً، نعم لو كان الإمام عليه السلام يقول:- ( إذا أهلّ وطاف و... قبل عرفات فلا بأس ) فهذا التعبير يمكن أن يقال إن فيه نحواً من المفهوم ولكن المفروض أن هذا لم يرد في كلام الأمام عليه السلام وإنما السائل قد سأل عن هذه الحالة فقال عليه السلام ( له لا بأس ) ونفي البأس في حالةٍ لا يدلُّ على وجود البأس في الحالة الأخرى.
الوجه الثالث:- رواية أو صحيحة علي بن أبي حمزة - على المباني في ابن أبي حمزة - ونصها:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجلٍ يدخل مكة ومعه نساء قد أمرهنَّ فتمتّعنَ قبل التروية بيومٍ أو يومين أو ثلاثة فخشي على بعضهنَّ الحيض، فقال:- إذا فرغنَ من متعتهنَّ وأحللنَ فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل وتهلّ بالحجّ من مكانها ثم تطوف بالبيت وبالصفا والمروة ... )[2]. ولعلّ أحسن المستندات حالاً هي هذه الرواية حيث إن الإمام عليه السلام قال يأمرهنَّ بالإحرام أوّلاً ثم يأتين بالأعمال فدلالتها جيّدة ولا بأس بها، ولكنه(قده) جعلها مؤيّداً وليس دليلاً باعتبار أنها ضعيفة السند بعليّ بن أبي جمزة.
هذا بالنسبة إلى المستند الأخير الذي ذكره(قده) وهو كما قلنا شيءٌ جيّدٌ لولا شيء واحد على مبنانا وليس على مبناه وهو أنه عليه السلام قال:- ( فيأمرها فتغتسل وتهل بالحجّ ) يعني أنه قرن الأمر بالاغتسال بالأمر بالإحرام وحيث إن الاغتسال مستحبٌّ فالرواية فحينئذٍ تصير مجملة من هذه الناحية فالأمر الثاني يسري إليه الإجمال، إلّا على مبناه - وهو مسلك حكم العقل - ولكن على مسلك الوضع في الدلالة على الوجوب تصير مشكلة من هذه الناحية، فالدلالة على هذا الأساس تصير قابلة للتأمّل من هذه الناحية على مبنانا.
والأجدر في مقام الاستدلال على هذا الحكم أن يقال:- إنه حينما يرخّص في التقديم والتأخير فنفس ذلك الترخيص بعنوان التقديم أو بعنوان التأخير يدلّ عرفاً على أن جميع الشرائط والكيفيّة والخصوصيّات التي كانت معتبرة لولا التقديم والتأخير معتبرةٌ أيضاً عند التقديم والتأخير ولكن غُيّر الزمان فقط لا أن الشرائط الأخرى يطرأ عليها التغيير، كلّا إن المفهوم عرفاً بقاء نفس الشرائط فحينما يقال مثلاً ( يجوز تقديم غسل الجمعة لذوي الأعذار يوم الخميس ) أو ( يجوز لمن لم يتمكن من الاغتسال يوم الجمعة أن يأتي به يوم السبت ) إنه نفهم من ذلك أن الكيفيّة والشرائط وكلّ ما هو معتبرٌ يأتي أيضاً فيما إذا قدّم أو آخّر لا أنه يحصل اختلافٌ من بعض هذه الجهات، وهكذا صلاة الليل لو قيل بأنه يجوز تقديمها للشاب أو لمن فاتته أن يقضيها، إنه يفهم من ذلك أن نفس الكيفيّة والشرائط المعتبرة تبقى كما هي . إذن الرخصة في التقديم أو التأخير يفهم منه عرفاً أن كامل ما يعتبر يبقى كما هو . وإذا سلّمنا بهذه الدلالة العرفيّة فحينئذٍ نطبّقها في مقامنا فنقول إن الرخصة في التقديم يدلّ عرفاً على أن كامل الشرائط معتبرة آنذاك ومنها الطواف بعد الإحرام . فعلى هذا الأساس اتضح أن الاحرام معتبرٌ من هذه الناحية.
ولعلّ مقصود السيد الخوئي(قده) في الوجه الأول من الوجوه التي ذكرها هو هذا المعنى.
النقطة الرابعة:- يختصّ جواز التقديم بطواف الحجّ دون السعي وطواف النساء وإن كان الأحوط استحباباً تقديم السعي مع الطواف ثم الاعادة بعد ذلك - أي للسعي - والأحسن الاعادة حتى للطواف.
إن الكلام يقع بعد أن جوّزنا لذوي الأعذار على الأقل تقديم الطواف فالسؤال عن السعي فهل يجوز تقديمه للشيخ الكبير أو المرأة التي تخاف الحيض ؟
إذا رجعنا إلى كلمات الأعلام المتقدمين لم نجد تعرّضاً إلى هذه المسالة فلا يوجد ما ينفي ولا يوجد ما يثبت، بيد أن السيد الخوئي(قده) ذكر في المعتمد[3] أن المشهور ذلك - يعني جواز تقديمهما معاً لا خصوص طواف الحج -، ومن أين ذلك ؟ أنا لست متأكّداً.
وإذا رجعنا إلى الروايات السابقة وجدنا أن الطائفة الثانية التي جوّزت لذوبي الأعذار لم تذكر السعي ولا طواف النساء وإنما هي ناظرة إلى طواف الحجّ فقط، ولكن إذا رجعنا إلى الطائفة الأولى التي جوّزت مطلقاً نجد أنها ذكرت ذلك، ففي أكثر من رواية قُرِن الطواف بالسعي، من قبيل صحيحة بكير وجميل عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سألاه عن المتمتّع يقدّم طوافه وسعيه في الحج ؟ فقال:- هما سِيّان قدّمت أو أخّرت )، وعلى منوالها صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج التي ذكرناها في النقطة السابقة فهي أيضاً ورد فيها:- ( سألت أبا إبراهيم عن الرجل يتمتّع ثم يهلّ بالحجّ فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى، فقال:- لابأس ) . إذن روايات الطائفة الأولى المطلقة ذكرت السعي وأنه يجوز تقديمه أيضاً، ولكن روايات الطائفة الثانية الواردة في أصحاب الأعذار وجوّزت لهم التقديم لم تذكر ذلك.
وفي هذا المجال ذكر السيد الخوئي(قده) أنه قد يقول قائل:- إنه مادام الطائفة الأولى قد ذكرت ذلك فيكفينا هذا وإن لم تذكر الثانية، فلا يلزم أن تذكر ذلك كلتا الطائفتين بل تكفي إحداهما.
وأجاب(قده) عن ذلك فقال:- إن هذا وجيهٌ في غير المقام ولا يصحّ في مقامنا فإنه في مقامنا قد فرضنا أن الطائفة الأولى مطروحة بسبب مخالفتها للسّنَّة القطعيّة وبعد أن طرحناها فما معنى أن تأتي وتستدلّ بها من جديد ؟! إن هذه الطريقة غير صحيحة.
وأنا أكمل وأقول:- نعم بناءً على مسلك التقييد يكون هذا كلام مقبولاً، فنقول:- صحيحٌ أنّا قيّدنا الطائفة الأولى بأصحاب العذر ولكن سوف تدلّ هذه الطائفة الأولى بعد تقييدها بأصحاب العذر على جواز التقديم بالنسبة إلى السعي، ولكن المفروض أنّا لم نتبنَّ فكرة التقييد وإنما قلنا إن التعارض مستقرٌّ بين الطائفتين فنطرح الطائفة الأولى لمخالفتها للسّنَّة القطعيّة وبعد طرحها كيف تأتي وتتمسّك بها ؟!!
وفيه:- إن هذا قابلٌ للمناقشة على مبناه ومبنى المشهور، فإنه مع المشهور يَرَون أن الرواية الواحدة تقبل التفكيك من حيث مداليلها في مقام الحجيّة، فإذا فرضنا أن الرواية في بعض مداليلها كانت غير حجّة والبعض الآخر كان يمكن الأخذ به فهل هذا البعض الآخر يسقط عن الحجيّة أيضاً أو يكون مشمولاً لدليل الحجيّة ؟ إنهم قالوا ببقائه على الحجيّة لأن هذه مداليلٌ متعدّدةٌ وسوقط بعضها عن الحجيّة لا يستلزم سقوط بعضها الآخر عن الحجيّة، وفي موردنا نقول ذلك أيضاً ؛ إن حيثية إطلاقها مخالفٌ للسّنَّة القطعيّة فيسقط الاطلاق والشمول لغير أصاب الأعذار عن الحجيّة لأنه مخالفٌ للسّنَّة القطعيّة أما أصل دلالتها في الجملة على جواز التقديم في مساحةٍ ضيّقةٍ - أعني أصحاب العذر - فهذا ليس مخالفاً للسّنَّة القطعيّة فيبقى مشمولاً لدليل الحجيّة، وعلى هذا الأساس لا بأس بأن نأخذ بهذا المقدار الباقي وتكون النتيجة هي أنه بالنسبة إلى أصحاب الأعذار يجوز لهم التقديم حتى بالنسبة إلى السعي.
ونضيف له ونقول:- أنت في النقطة الثالثة تمسكت بثلاثة وجوهٍ لإثبات لزوم الإحرام قبل الطواف وكان الوجه الثاني هو التمسّك بصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج التي ورد فيها لفظ ( يهل ) حيث فرض أن الشخص يهلّ بالحج ثم يأتي بالطواف والسعي فقال الإمام عليه السلام ( لا بأس ) إنه تمسّك بها وقال إن الإهلال لازمٌ، ونحن نقول له:- كيف تمسّكت بهذه الرواية في النقطة الثالثة والحال أنها من الطائفة الأولى المجوّزة مطلقاً والطائفة الأولى هي مخالفةٌ للسّنَّة القطعيّة فتكون ساقطةً عن الاعتبار وبعد أن كانت ساقطة عن الاعتبار فكيف تأتي وتتمسك بها وتقول إنه ورد فهيا كلمة ( يهلُّ )، إنه ليس لك من جواب إلا أن تقول إنه يجوز التفكيك في مداليل الرواية الواحدة فيكون الإطلاق ساقطٌ عن الحجيّة ولكن غير الإطلاق نأخذ به، فنفس الكلام الذي تذكره هناك يأتي هنا أيضاً.
والخلاصة:- ما ذكره(قده) من أن الروايات الطائفة الأولى لا يمكن التمسّك بها لإثبات جواز تقديم السعي لأنها ساقطة عن الحجيّة بسبب مخالفتها للسّنَّة القطعيّة قابلٌ للتأمل.
والأجدر أن يقال بجواز التقديم لا للسعي مع الطواف فقط بل حتى طواف النساء شريطة أن يخاف الشخص من عدم التمكن فيما بعد أعمال منى، والوجه في ذلك أمران:-
الوجه الثاني:- صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج التي تقدمت في الطائفة الأولى المجوّزة مطلقاً ونصها:- ( سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يتمتّع ثم يهلّ[1] بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى فقال لا بأس )، بتقريب:- أنها دلّت على نفي البأس فيمن يهلّ في البداية ثم يأتي بالطواف والسعي، إذن هذا يدلّ على أنه يلزم الإحرام مسبقاً . وعلى منوالها صحيحة علي بن يقطين التي هي بألفاظ صحيحة ابن الحجّاج والتقريب نفس التقريب.
والجواب واضح:- فإن ذلك موردٌ في سؤال السائل، يعني أن السائل قد افترض أن هذا الشخص يُحرِمُ أوّلاً ثم يأتي بالطواف والسعي قبل عرفات والإمام عليه السلام نفى البأس وهذا لا يدلّ على اختصاص الحكم والجواز بحالة ما إذا أهلّ أوّلا ً، نعم لو كان الإمام عليه السلام يقول:- ( إذا أهلّ وطاف و... قبل عرفات فلا بأس ) فهذا التعبير يمكن أن يقال إن فيه نحواً من المفهوم ولكن المفروض أن هذا لم يرد في كلام الأمام عليه السلام وإنما السائل قد سأل عن هذه الحالة فقال عليه السلام ( له لا بأس ) ونفي البأس في حالةٍ لا يدلُّ على وجود البأس في الحالة الأخرى.
الوجه الثالث:- رواية أو صحيحة علي بن أبي حمزة - على المباني في ابن أبي حمزة - ونصها:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجلٍ يدخل مكة ومعه نساء قد أمرهنَّ فتمتّعنَ قبل التروية بيومٍ أو يومين أو ثلاثة فخشي على بعضهنَّ الحيض، فقال:- إذا فرغنَ من متعتهنَّ وأحللنَ فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل وتهلّ بالحجّ من مكانها ثم تطوف بالبيت وبالصفا والمروة ... )[2]. ولعلّ أحسن المستندات حالاً هي هذه الرواية حيث إن الإمام عليه السلام قال يأمرهنَّ بالإحرام أوّلاً ثم يأتين بالأعمال فدلالتها جيّدة ولا بأس بها، ولكنه(قده) جعلها مؤيّداً وليس دليلاً باعتبار أنها ضعيفة السند بعليّ بن أبي جمزة.
هذا بالنسبة إلى المستند الأخير الذي ذكره(قده) وهو كما قلنا شيءٌ جيّدٌ لولا شيء واحد على مبنانا وليس على مبناه وهو أنه عليه السلام قال:- ( فيأمرها فتغتسل وتهل بالحجّ ) يعني أنه قرن الأمر بالاغتسال بالأمر بالإحرام وحيث إن الاغتسال مستحبٌّ فالرواية فحينئذٍ تصير مجملة من هذه الناحية فالأمر الثاني يسري إليه الإجمال، إلّا على مبناه - وهو مسلك حكم العقل - ولكن على مسلك الوضع في الدلالة على الوجوب تصير مشكلة من هذه الناحية، فالدلالة على هذا الأساس تصير قابلة للتأمّل من هذه الناحية على مبنانا.
والأجدر في مقام الاستدلال على هذا الحكم أن يقال:- إنه حينما يرخّص في التقديم والتأخير فنفس ذلك الترخيص بعنوان التقديم أو بعنوان التأخير يدلّ عرفاً على أن جميع الشرائط والكيفيّة والخصوصيّات التي كانت معتبرة لولا التقديم والتأخير معتبرةٌ أيضاً عند التقديم والتأخير ولكن غُيّر الزمان فقط لا أن الشرائط الأخرى يطرأ عليها التغيير، كلّا إن المفهوم عرفاً بقاء نفس الشرائط فحينما يقال مثلاً ( يجوز تقديم غسل الجمعة لذوي الأعذار يوم الخميس ) أو ( يجوز لمن لم يتمكن من الاغتسال يوم الجمعة أن يأتي به يوم السبت ) إنه نفهم من ذلك أن الكيفيّة والشرائط وكلّ ما هو معتبرٌ يأتي أيضاً فيما إذا قدّم أو آخّر لا أنه يحصل اختلافٌ من بعض هذه الجهات، وهكذا صلاة الليل لو قيل بأنه يجوز تقديمها للشاب أو لمن فاتته أن يقضيها، إنه يفهم من ذلك أن نفس الكيفيّة والشرائط المعتبرة تبقى كما هي . إذن الرخصة في التقديم أو التأخير يفهم منه عرفاً أن كامل ما يعتبر يبقى كما هو . وإذا سلّمنا بهذه الدلالة العرفيّة فحينئذٍ نطبّقها في مقامنا فنقول إن الرخصة في التقديم يدلّ عرفاً على أن كامل الشرائط معتبرة آنذاك ومنها الطواف بعد الإحرام . فعلى هذا الأساس اتضح أن الاحرام معتبرٌ من هذه الناحية.
ولعلّ مقصود السيد الخوئي(قده) في الوجه الأول من الوجوه التي ذكرها هو هذا المعنى.
النقطة الرابعة:- يختصّ جواز التقديم بطواف الحجّ دون السعي وطواف النساء وإن كان الأحوط استحباباً تقديم السعي مع الطواف ثم الاعادة بعد ذلك - أي للسعي - والأحسن الاعادة حتى للطواف.
إن الكلام يقع بعد أن جوّزنا لذوي الأعذار على الأقل تقديم الطواف فالسؤال عن السعي فهل يجوز تقديمه للشيخ الكبير أو المرأة التي تخاف الحيض ؟
إذا رجعنا إلى كلمات الأعلام المتقدمين لم نجد تعرّضاً إلى هذه المسالة فلا يوجد ما ينفي ولا يوجد ما يثبت، بيد أن السيد الخوئي(قده) ذكر في المعتمد[3] أن المشهور ذلك - يعني جواز تقديمهما معاً لا خصوص طواف الحج -، ومن أين ذلك ؟ أنا لست متأكّداً.
وإذا رجعنا إلى الروايات السابقة وجدنا أن الطائفة الثانية التي جوّزت لذوبي الأعذار لم تذكر السعي ولا طواف النساء وإنما هي ناظرة إلى طواف الحجّ فقط، ولكن إذا رجعنا إلى الطائفة الأولى التي جوّزت مطلقاً نجد أنها ذكرت ذلك، ففي أكثر من رواية قُرِن الطواف بالسعي، من قبيل صحيحة بكير وجميل عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سألاه عن المتمتّع يقدّم طوافه وسعيه في الحج ؟ فقال:- هما سِيّان قدّمت أو أخّرت )، وعلى منوالها صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج التي ذكرناها في النقطة السابقة فهي أيضاً ورد فيها:- ( سألت أبا إبراهيم عن الرجل يتمتّع ثم يهلّ بالحجّ فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى، فقال:- لابأس ) . إذن روايات الطائفة الأولى المطلقة ذكرت السعي وأنه يجوز تقديمه أيضاً، ولكن روايات الطائفة الثانية الواردة في أصحاب الأعذار وجوّزت لهم التقديم لم تذكر ذلك.
وفي هذا المجال ذكر السيد الخوئي(قده) أنه قد يقول قائل:- إنه مادام الطائفة الأولى قد ذكرت ذلك فيكفينا هذا وإن لم تذكر الثانية، فلا يلزم أن تذكر ذلك كلتا الطائفتين بل تكفي إحداهما.
وأجاب(قده) عن ذلك فقال:- إن هذا وجيهٌ في غير المقام ولا يصحّ في مقامنا فإنه في مقامنا قد فرضنا أن الطائفة الأولى مطروحة بسبب مخالفتها للسّنَّة القطعيّة وبعد أن طرحناها فما معنى أن تأتي وتستدلّ بها من جديد ؟! إن هذه الطريقة غير صحيحة.
وأنا أكمل وأقول:- نعم بناءً على مسلك التقييد يكون هذا كلام مقبولاً، فنقول:- صحيحٌ أنّا قيّدنا الطائفة الأولى بأصحاب العذر ولكن سوف تدلّ هذه الطائفة الأولى بعد تقييدها بأصحاب العذر على جواز التقديم بالنسبة إلى السعي، ولكن المفروض أنّا لم نتبنَّ فكرة التقييد وإنما قلنا إن التعارض مستقرٌّ بين الطائفتين فنطرح الطائفة الأولى لمخالفتها للسّنَّة القطعيّة وبعد طرحها كيف تأتي وتتمسّك بها ؟!!
وفيه:- إن هذا قابلٌ للمناقشة على مبناه ومبنى المشهور، فإنه مع المشهور يَرَون أن الرواية الواحدة تقبل التفكيك من حيث مداليلها في مقام الحجيّة، فإذا فرضنا أن الرواية في بعض مداليلها كانت غير حجّة والبعض الآخر كان يمكن الأخذ به فهل هذا البعض الآخر يسقط عن الحجيّة أيضاً أو يكون مشمولاً لدليل الحجيّة ؟ إنهم قالوا ببقائه على الحجيّة لأن هذه مداليلٌ متعدّدةٌ وسوقط بعضها عن الحجيّة لا يستلزم سقوط بعضها الآخر عن الحجيّة، وفي موردنا نقول ذلك أيضاً ؛ إن حيثية إطلاقها مخالفٌ للسّنَّة القطعيّة فيسقط الاطلاق والشمول لغير أصاب الأعذار عن الحجيّة لأنه مخالفٌ للسّنَّة القطعيّة أما أصل دلالتها في الجملة على جواز التقديم في مساحةٍ ضيّقةٍ - أعني أصحاب العذر - فهذا ليس مخالفاً للسّنَّة القطعيّة فيبقى مشمولاً لدليل الحجيّة، وعلى هذا الأساس لا بأس بأن نأخذ بهذا المقدار الباقي وتكون النتيجة هي أنه بالنسبة إلى أصحاب الأعذار يجوز لهم التقديم حتى بالنسبة إلى السعي.
ونضيف له ونقول:- أنت في النقطة الثالثة تمسكت بثلاثة وجوهٍ لإثبات لزوم الإحرام قبل الطواف وكان الوجه الثاني هو التمسّك بصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج التي ورد فيها لفظ ( يهل ) حيث فرض أن الشخص يهلّ بالحج ثم يأتي بالطواف والسعي فقال الإمام عليه السلام ( لا بأس ) إنه تمسّك بها وقال إن الإهلال لازمٌ، ونحن نقول له:- كيف تمسّكت بهذه الرواية في النقطة الثالثة والحال أنها من الطائفة الأولى المجوّزة مطلقاً والطائفة الأولى هي مخالفةٌ للسّنَّة القطعيّة فتكون ساقطةً عن الاعتبار وبعد أن كانت ساقطة عن الاعتبار فكيف تأتي وتتمسك بها وتقول إنه ورد فهيا كلمة ( يهلُّ )، إنه ليس لك من جواب إلا أن تقول إنه يجوز التفكيك في مداليل الرواية الواحدة فيكون الإطلاق ساقطٌ عن الحجيّة ولكن غير الإطلاق نأخذ به، فنفس الكلام الذي تذكره هناك يأتي هنا أيضاً.
والخلاصة:- ما ذكره(قده) من أن الروايات الطائفة الأولى لا يمكن التمسّك بها لإثبات جواز تقديم السعي لأنها ساقطة عن الحجيّة بسبب مخالفتها للسّنَّة القطعيّة قابلٌ للتأمل.
والأجدر أن يقال بجواز التقديم لا للسعي مع الطواف فقط بل حتى طواف النساء شريطة أن يخاف الشخص من عدم التمكن فيما بعد أعمال منى، والوجه في ذلك أمران:-