34/08/12
تحمیل
الموضوع: الأصول العملية/ أدلّة البراءة الشرعية/ الاستصحاب
كان الكلام في الاستدلال بالاستصحاب على البراءة، وقلنا أنّ الاستدلال بالاستصحاب له تقريبات، التقريب الأوّل الاستصحاب بالنظر إلى مرحلة ما قبل الشريعة، والثاني يُنظر فيه إلى مرحلة ما قبل البلوغ، والثالث ينظر فيه إلى مرحلة ما قبل تحقق الشرائط الخاصّة للتكليف، كما مثّلنا في قضية البذل، فنستصحب عدم الوجوب الثابت قبل البذل، مع الشك في تحقق الاستطاعة بالبذل، فأنّ المتيقّن قبل البذل حتماً هو عدم تحقق الشرط المعتبر في الوجوب أو الاستطاعة. وقلنا أنّ هناك اعتراضات مشتركة على هذه التقريبات، وهناك اعتراضات خاصة عليها، وكان الكلام في الاعتراضات المشتركة الواردة على كل هذه التقريبات. تكلّمنا عن الاعتراض الأوّل وجوابه، وانتهى الكلام إلى الاعتراض الثاني.
الاعتراض الثاني: هو الاعتراض المعروف عن المحقق النائيني(قدّس سرّه) وحاصله:
[1]
أنّه يرى أنّه يعتبر في جريان الاستصحاب أن يكون الأثر المطلوب الذي يُراد إثباته بإجراء الاستصحاب مترتّباً على واقع المستصحب، وأمّا إذا كان مترتباً على الشك في الواقع، أو كان مترتباً على واقع المستصحب والشك به. أي المترتب على الجامع بين الشك به وبين الواقع، فيقول هنا لا مجال لجريان الاستصحاب، والسرّ في ذلك أنّ الأثر إن كان مترتباً على واقع المستصحب؛ حينئذٍ لا محذور في جريان الاستصحاب؛ لأنّ الاستصحاب حينئذٍ يحرز لي هذا الواقع تعبّداً، لغرض ترتيب أثره عليه، هذا شيء معقول في الاستصحاب، أنّ الاستصحاب يحرز لي العدالة لغرض ترتيب أثرها؛ لأنّ أثر العدالة يترتب على واقع العدالة، وأنّا ليس لي علم بواقع العدالة، الاستصحاب يحرز لي هذا الواقع تعبّداً، ومعنى إحراز هذا الواقع تعبّداً هو ترتيب الأثر الشرعي المترتب على واقع العدالة؛ لأنّ التعبّد بالموضوع من قبل الشارع معناه قهراً هو التعبّد بإثره المترتب عليه شرعاً، فيجري الاستصحاب هنا ولا محذور في ذلك. وأمّا إذا فرضنا أنّ الأثر الذي يُراد إثباته بالاستصحاب هو مترتب على الشك بالواقع، ومجرّد كون الإنسان بهذا الواقع يترتب هذا الأثر، لكن حينئذٍ لا مجال لجريان الاستصحاب؛ بل لا يُعقل جريانه؛ لأنّ من قبيل تحصيل الحاصل؛ لأنّ المفروض أنّ الأثر يترتب على الشك بالواقع، بمجرّد أن يكون الإنسان شاك بهذا الواقع، أي شيء كان هذا الواقع، يترتّب هذا الأثر.
فإذن: هذا يثبت بمجرّد الشك. فما معنى إجرائي للاستصحاب لإحراز الواقع حتّى أرتّب عليه هذا الأثر الذي هو بحسب الفرض يترتّب على مجرّد الشك ؟ هذا تحصيل للحاصل، الأثر ثابت بمجرّد الشك في الواقع بحسب الفرض، فإجراء الاستصحاب لإحراز الواقع تعبّداً، ثمّ ترتيب هذا الأثر عليه، هذا يكون تحصيلاً للحاصل؛ بل يقول الميرزا(قدّس سرّه) أنّ هذا من أردأ أنحاء تحصيل الحاصل؛ لأنّ هذا تحصيل بالتعبّد للحاصل بالوجدان، وهذا من أردأ أنواع تحصيل الحاصل. فأنّ تحصيل الحاصل بالوجدان بالوجدان، هذا حال تحصيل الحاصل بالتعبّد بالتعبّد هذا تحصيل الحاصل، لكن أنْ تحصّل الحاصل بالوجدان، تحصّله بالتعبّد هذا من أردأ أنواع تحصيل الحاصل، وهذا هو الحاصل في المقام؛ لأنّ الأثر ثابت بالوجدان؛ لأنّ المفروض أنّ الأثر أثر للشك، فإذن: الأمر الحاصل بالوجدان، أنت تريد أنْ تحصّله بالاستصحاب، فهذا تحصيل للأمر الحاصل بالوجدان، تحصيله بالتعبّد، وهذا من أردأ أنواع تحصيل الحاصل.
ونفس الكلام يُقال في ما إذا فرضنا أنّ الأثر ليس أثراً لخصوص الشك؛ بل هو أثر للجامع بين الشك وبين الواقع، إذا كان الأثر يترتب على كلٍ من الواقع، وأيضاً يترتّب على الشك به، أيضاً يقول يلزم من جريان الاستصحاب تحصيل الحاصل؛ لأنّ المفروض هنا أنّ الأثر يترتب على الشك، ولو باعتباره فرداً للجامع الذي يترتب عليه الأثر، لكن بالنتيجة عندما يكون هناك شك يكون الأثر ثابتاً، فما معنى تحصيل هذا الأثر بالاستصحاب ؟ هذا أيضاً تحصيل للأمر الحاصل بالوجدان، بالتعبّد، وهذا من أردأ أنواع تحصيل الحاصل.
نعم، إذا كان الأثر أثراً للواقع، هذا لا يترتب إلاّ على واقع المستصحب؛ حينئذ المكلّف قبل إجراء الاستصحاب لم يثبت عنده شيء بالوجدان؛ لأنّ الأثر ليس أثراً للشك بحسب الفرض، لا بما هو هو، ولا بما هو مصداق للجامع الذي يترتب عليه الأثر، وإنّما الأثر أثر لواقع المستصحب، وهذا المكلّف الشاك ليس لديه علم بواقع المستصحب، فلا يكون الأثر ثابتاً. إذن: لا ضير ولا محذور من إجراء الاستصحاب لإحراز الواقع بالتعبّد، ثمّ إثبات أثره؛ لأنّ إثبات أثره لا يكون من باب تحصيل الحاصل.
يقول الميرزا(قدّس سّره): ما نحن فيه من هذا القبيل، يعني في ما نحن فيه نريد أنْ نجري الاستصحاب لإثبات أثرٍ هو من آثار الشك في الواقع، أو على أفضل التقادير هو من آثار الجامع بين الشك وبين الواقع؛ فحينئذٍ لا يجري الاستصحاب، ولا معنى لجريان الاستصحاب؛ لأنّ الغرض من إجراء استصحاب عدم التكليف في المقام بصيغه السابقة هو التأمين من ناحية العقاب، الغرض هو نفي العقاب، هذا المكلّف يحتمل التكليف، فيجري استصحاب عدم التكليف، لغرض نفي العقاب والتأمين من ناحية العقاب المحتمل. نقول: هذا التأمين ثابتٌ بالشك، فبمجرّد الشك في التكليف يقال بقبح العقاب بلا بيان، وتؤمنه هذه القاعدة من ناحية العقاب. التأمين الذي هو الأثر الذي يراد إثباته بالاستصحاب هو ثابت بمجرّد الشك في التكليف بقاعدة قبح العقاب بلا بيان.
إذن: لا معنى لأنْ يجري المكلّف الاستصحاب لإحراز عدم التكليف تعبّداً، لكي يرتّب التأمين على ما أحرزه وهو عدم التكليف تعبّداً؛ لأنّه من تحصيل الحاصل؛ لأنّ التأمين ثابت بمجرّد الشك في الواقع؛ لأنّ القاعدة العقلية تؤمّن من ناحية العقاب عند عدم العلم به.
إذن: الأثر الذي يُراد إثباته بالاستصحاب هو ليس من آثار الواقع، وإنّما هو من آثار الشك في الواقع، فهو ثابت بمجرّد الشك، فإحرازه بالاستصحاب يكون تحصيلاً للحاصل؛ فلذا نقول هذا الوجه من الاستصحاب لا يجري في المقام. هذا ما ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه). ثمّ مثّل لذلك بمسألة التشريع المحرّم، إسناد شيءٍ إلى الشارع، مرّة نقول أنّ موضوع حرمة الإسناد هو ما لم يُعلم أنّه من الدين، كل شيء لا تعلم أنّه من الدين يحرم إسناده إلى الدين، وهذا معناه أنّ حرمة الإسناد تترتب على مجرّد الشك في أنّ هذا من الدين، أو ليس من الدين ؟ فإذا شك المكلّف في أنّ هذا من الدين، أو لا، وأراد أن يجري استصحاب أنّ هذا ليس من الدين، أي استصحاب عدم التكليف، لإحراز أنّ هذا ليس من الدين؛ لكي يرتّب الأثر، وهو حرمة الإسناد. يقال: هذا تحصيل للحاصل؛ لأنّ حرمة الإسناد ثابتة بمجرّد الشك بأنّ هذا من الدين، أو ليس من الدين ؟ إذن: لا حاجة؛ بل لا معنى لأنْ تحرز بالاستصحاب أنّه ليس من الدين حتّى ترتّب هذا الأثر مع أنّه مترتّب على مجرّد الشك، ونفس الكلام إذا قلنا أنّ موضوع حرمة الإسناد هو الأعم من الشك ومن العلم بأنّ هذا ليس من الدين الواقع، أي أعم من الشك والواقع، يعني كما يحرم إسناد ما لا يعلم أنّه من الدين إلى الدين، كذلك يحرم إسناد ما يعلم أنّه ليس من الدين إلى الدين، هذا موضوعه الأعم، فيجري نفس الكلام؛ لأنّه بالنتيجة بمجرّد الشك يترتب هذا الأثر ويثبت، وهو حرمة الإسناد، ولو باعتبار أنّ الشك أحد فردي الجامع الذي يترتب عليه هذا الأثر، والفرد الآخر هو الواقع، أيضاً لا يجري الاستصحاب، ويكون تحصيلاً للحاصل. وما نحن فيه من هذا القبيل.
هذا المطلب من الميرزا(قدّس سرّه) هو مطلب سيّال، وقد ذكره في مواضع، حيث ذكره في إجراء أصالة عدم الحجّيّة عند الشك في الحجّية، أيضاً استشكل بهذا الإشكال، فقال: لا داعي لإجراء استصحاب عدم الحجيّة؛ لأنّه يكفي في التعذير مجرّد الشك في الحجيّة، وإلاّ ما هو الغرض من استصحاب عدم الحجّية المتيقن سابقاً ؟ الشك في أنّه حجّة أو لا؟ نقول ما هو الغرض من استصحاب أصالة عدم الحجّية ؟ هو التأمين، ونفي المنجزية، ونفي المنجزية هذا هو من آثار الشك في الحجّية؛ لما تقدّم من أنّ الشك في الحجّية مساوق للقطع بعدمه، فبمجرّد أنك تشك في الحجّية، فعدم المنجزية يكون ثابتاً. فإذن: لا داعي لاستصحاب عدم الحجية لإثبات عدم المنجزية. هذا تحصيل للحاصل. وأيضاً يذكره في إجراء أصالة الاشتغال عند الشك في الاشتغال، هل تجري ؟ يمكن أن يقول الإنسان: أنا قطعاً في زمان ما كان المتيقن هو عدم الاشتغال بالتكليف، ولو على نحو التكليف المجعول، بمعنى فعلية التكليف، فهل يجري استصحاب عدم الاشتغال ؟ فأشكل بنفس الإشكال السابق، من أنّه لا معنى لإجراء عدم الاشتغال، وإنّما بمجرّد الشك في الاشتغال يثبت الأثر الذي هو التأمين من ناحية التكليف المحتمل، وهذا يثبت بمجرّد الشك في اشتغال الذمة بالتكليف، فلا داعي للاستصحاب؛ بل لا معنى للاستصحاب.
خلاصة الفكرة: أنّ الأثر الذي يُراد ترتيبه على الاستصحاب إنْ كان يترتب على الشك بالواقع، أو على الجامع بين الشك والواقع، هنا لا يجري الاستصحاب؛ لأنّه يكون تحصيلاً للحاصل؛ بل من أردأ أنواع تحصيل الحاصل.
هذا ما ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) كاعتراضٍ ثانٍ، وكما ترى أنّ هذا الاعتراض لا يختص بتقريب دون تقريب، وإنّما يجري في كل التقريبات السابقة.
السيد الخوئي(قدّس سرّه) أجاب عن هذا الاعتراض كما في المصباح
[2]
، كما هو ظاهر عبارته، أنّ هذا الإشكال إنّما يصح في حالة ما إذا كان الأثر مترتباً على الشك، الأثر الذي يُراد إثباته بالاستصحاب كان أثراً للشك، ومترتبّاً على الشك وحده خاصة؛ لما ذكر المحقق النائيني(قدّس سرّه) من أنّه بمجرّد الشك يكون هذا الأثر ثابتاً بالوجدان، فإذن: لا معنى لتحصيله بالتعبّد، وبالاستصحاب، وأمّا إذا كان الأثر ثابتاً للجامع ، فهنا لا يرد الإشكال، المحقق النائيني(قدّس سرّه) قال بأنّ إشكال تحصيل الحاصل يرد سواء كان الأثر مترتباً على الشك فقط، أو كان مترتباً على الجامع بين الشك وبين الواقع. بينما السيد الخوئي(قدّس سرّه) يقول: أنّ الإشكال يرد إذا كان الأثر مترتباً على الشك فقط، ولا يرد في الحالة الثانية، وهو يرى أنّ ما نحن فيه من قبيل الحالة الثانية؛ فلذا هو دفع إشكال تحصيل الحاصل بهذا الجواب. والحالة الثانية هي أنْ يكون الأثر مترتباً على الجامع بين الشك وبين الواقع، هذا الأثر كما هو أثر للشك هو أثر أيضاً للواقع، يقول(قدّس سرّه) : هنا لا يلزم تحصيل الحاصل؛ باعتبار أنّ الاستصحاب إذا جرى، ظرف جريان الاستصحاب هو ظرف وصول الواقع إلى المكلّف، وإذا وصل الواقع إلى المكلّف يرتفع الشك، وإذا ارتفع الشك؛ فحينئذٍ لا يكون الأثر ثابتاً؛ لأنّ الأثر إنّما يثبت باعتبار قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وهذه القاعدة موضوعها الشك، فإذا أجرى المكلّف استصحاب عدم التكليف، يعني هو أحرز الواقع، أي أحرز عدم التكليف، يعني هو أحرز الواقع تعبّداً بواسطة الاستصحاب، وهذا يرفع الشك في الواقع، الشك في أنّه هل يوجد تكليف، أو لا يوجد؛ لأنّ الاستصحاب يقول أنت محرز لعدم التكليف عندما تجري استصحاب عدم التكليف. إذن: هو إحراز للواقع، ورافع للشك، وإذا كان رافعاً للشك يكون رافعاً لموضوع التأمين الثابت بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، واضح أنّ الاستصحاب يرفع حالة الشك؛ لأنّ الاستصحاب يعتبر إحراز للمستصحب تعبّداً، فإذا كان المستصحب هو عدم التكليف، فيكون المكلّف محرزاً لعدم التكليف، فإذا كان محرزاً لعدم التكليف بالتعبّد، معناه يرفع الشك، فإذا ارتفع الشك؛ فحينئذٍ لا يبقى شك، وإذا ارتفع الشك يرتفع الحكم المترتب عليه، وهو التأمين؛ لأنّ التأمين بقاعدة قبح العقاب بلا بيان مترتب على الشك، فإذا ارتفع موضوعها فهي أيضاً ترتفع، فإثبات التأمين بالاستصحاب ليس تحصيلاً للحاصل؛ لأنّ الاستصحاب بجريانه يرفع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان، يرفع موضوع التأمين، وإذا ارتفع موضوع التأمين، يرتفع التأمين بطبيعة الحال، وإذا ارتفع التأمين؛ فحينئذٍ لا بأس بجريان الاستصحاب لإثبات تأمينٍ، ولا يلزم من ذلك تحصيل للحاصل؛ إذ لا يوجد حاصل في المقام حتّى يقال بأنّه يلزم من إجراء الاستصحاب تحصيل الحاصل.
وبعبارة أخرى: أنّ التأمين بعد إجراء الاستصحاب يكون ثابتاً بالتعبّد لا بالوجدان حتّى يلزم تحصيل الحاصل، فتحصيل الحاصل إنّما يلزم إذا كان التأمين والبراءة ثابتة بالوجدان، فيلزم من تحصيلها بالتعبّد بالاستصحاب تحصيل الحاصل؛ لأنك تحصّل شيئاً بالتعبّد وهو ثابت بالوجدان، مثل هذا إنّما يصح إذا كان الأثر مترتب على الشك خاصّة، هذا صحيح، شيء ثابت بالوجدان، والشك موجود، وأنت تحصّله بالاستصحاب، وأمّا إذا كان مترتباً على الشك وعلى الواقع، أي على الجامع بينهما؛ فحينئذٍ يجري الاستصحاب فيرفع الشك؛ لأنّ الاستصحاب أحراز للواقع تعبّداً، والإحراز التعبّدي للواقع يلغي الشك تعبّداً، وإذا يلغي الشك، فهو يلغي التأمين الذي موضوعه الشك، وإذا ألغى التأمين الذي موضوعه الشك، فالتأمين الذي يثبت هو تأمين تعبّدي بالاستصحاب، وليس تأميناً ثابتاً بالوجدان يُراد إثباته بالتعبّد الاستصحابي، وهذا من نتائج حكومة الاستصحاب على قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فعندما يكون الاستصحاب حاكماً على قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ورافعاً لموضوعها تعبّداً؛ حينئذٍ يأتي هذا الكلام، إذن: لا يوجد شك بالتعبّد.
إذن: لا يوجد تأمين ثابت بالوجدان بقاعدة قبح العقاب بلا بيان؛ لأنّ الاستصحاب يرفع موضوع هذه القاعدة بالتعبّد ويكون حاكماً عليها ورافعاً لموضوعها. فلا نستطيع أنْ نقول أنّ هذا التأمين الذي نثبته بالاستصحاب تحصيل للحاصل؛ إذ لا يوجد حاصل بالوجدان حتّى نقول أنّ إثبات التأمين بالاستصحاب تحصيل لما هو حاصل بالوجدان؛ لأنّ موضوع القاعدة ارتفع، والقاعدة ارتفعت، والاستصحاب كان حاكماً على القاعدة ورافعاً لموضوعها، وبالتالي لا يكون هناك تأمين ثابت بالوجدان عند الشك؛ لأنّه لا شك بالتعبّد؛ لأنّ الاستصحاب رفع الشك تعبّداً، وإذا رفع الشك رفع التأمين، فيثبت تأمين بالاستصحاب، وهذا تأمين تعبّدي، وليس فيه تحصيل لما هو حاصل بالوجدان. ويقول: بأنّ ما نحن فيه هو من هذا القبيل، ما نحن فيه ليس من قبيل الأثر الذي يُراد إثباته بالاستصحاب، وهو ثابت للشك فقط حتّى يرد فيه إشكال تحصيل الحاصل، وإنّما ما نحن فيه أثر يُراد إثباته بالاستصحاب وهو ثابت للجامع بين الشك وبين الواقع، باعتبار أنّ الأثر كما تقدم الذي يُراد إثباته باستصحاب عدم التكليف هو التأمين من ناحية التكليف، أو بعبارة أخرى: هو عدم العقاب، والتأمين من ناحية العقاب، ومن الواضح أنّ التأمين من ناحية العقاب من آثار الجامع بين الشك وبين عدم التكليف، ولا نستطيع القول أنّ التأمين من آثار الشك فقط؛ بل هو من آثار عدم التكليف، فالمكلّف إذا علم بعدم التكليف فهنا يوجد تأمين؛ بل التأمين هنا أولى من أنْ يثبت في حالة الشك بالتكليف، عند عدم التكليف هناك تأمين، وعند الشك بالتكليف أيضاً هناك تأمين، وهذا معناه أنّ التأمين من آثار الجامع بين الشك وبين عدم التكليف الواقعي، فإذا أحرز المكلّف بالاستصحاب عدم التكليف الواقعي؛ حينئذٍ يكون هذا الاستصحاب حاكماً على قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ورافعاً للشك، فالتأمين الذي يثبت بالاستصحاب ليس تحصيلاً للحاصل؛ لأنّه ليس هناك تأمين ثابت بالوجدان موضوعه الشك حتّى يقال أنّ تحصيل التأمين بالاستصحاب تحصيل لما هو حاصل بالوجدان.
فإذن: يدخل ما نحن فيه في الحالة الثانية، وفي الحالة الثانية لا يلزم تحصيل الحاصل. هذا ما يُفهم من كلامه في مقام الجواب عن الاعتراض الثاني، وبالتالي تخلّص من الإشكال بادعاء أنّ ما نحن فيه لا يلزم منه إشكال تحصيل الحاصل.
[1] أجود التقريرات، تقرير بحث النائيني للسيد الخوئي، ج 2، ص 281.
[2] مصباح الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للبهسودي، ج 2، ص 295.